فى جلسة أدارها حازم شريف، رئيس تحرير جريدة ، تحت عنوان: التأثير على الإدراك العالمى من خلال الدبلوماسية العامة، انتقد المتحدثون بشدة أداء ما أطلق عليه وفود الدبلوماسية الشعبية.. وذلك فى إطار فعاليات مؤتمر «إعادة بناء الدبلوماسية العامة ».
واعتبر عدد من كبار الدبلوماسيين المصريين أن وفود الدبلوماسية الشعبية قد أساءت إلى الصورة التاريخية للشعب المصري، وقدمت تنازلات غير مبررة فى زياراتها لعدد من الدول بعد ثورة يناير، وبصفة خاصة إثيوبيا.. ولم يمانعوا فى استمرار استخدام آلية الدبلوماسية الشعبية شريطة وضعها تحت إشراف وتنسيق وزارة الخارجية.
وقال الدكتور مصطفى الفقى، المفكر والكاتب السياسى والدبلوماسى السابق، إن المراوغة وعدم الشفافية والمصداقية تخصم من موقف مصر الكثير لدى الدول الخارجية، قائلاً «مصر متخصصة فى الإخراج السيئ للأحداث والوقائع، ولديها تراجع فى تقديم الصورة الحقيقية لما يجرى بها».
ووصف موقف مصر الآن قائلاً: إنه «لن يتم تقديم سفرة جيدة إذا كان المطبخ سيئاً».
وأشار إلى أنه عقب 25 يناير كانت هناك صور جيدة وجوهرية واضحة غير مختلف عليها، وأظهرت مواقف رائعة مثل «حماية الأقباط للمسلمين اثناء الصلاة»، و«تنظيف الميادين عقب التظاهر»، و«طلاء الأسوار»، بينما عقب 30 يونيو شهد المجتمع انقساماً بسبب مواجهته جماعة لها تاريخ طويل من العنف، والاغتيالات.
ولفت إلى أن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين حافل بالإرهاب والاغتيالات والدماء، مشيراً إلى أن القضاة فى الوقت الحالى يتنحون عن معظم القضايا المتعلقة بالإخوان المسلمين تخوّفاَ من اغتيالهم، كما حدث فى الأربعينيات.
وأضاف أن الإخوان لا يستطيعون الحكم، ولكنهم قادرون على تعطيل الحكم، وأنهم عاشوا جميع العصور فى صدام مع السلطة، وعندما وصلوا للسلطة اصطدموا بالشعب.
وأشار إلى أن الحكومة عليها أن تعى أن الجهاز الإعلامى للإخوان فى الخارج يتخطى أضعاف أضعاف الإخوان فى مصر، مضيفاً أن الإخوان يمتلكون جيلاً يستخدم التكنولوجيا والانترنت منذ زمن بعيد، ولابد صياغة أساليب جديدة للتعامل معهم، ومع الأساليب التى يتبعونها للترويج لاضطهادهم بمصر.
وأضاف أن الخطاب الذى تتبعه الدولة الآن هو خطاب دفاعى، يبرر المواقف التى تقوم بها الحكومة، ويزيف الحقائق، دون داع، مما يساعد على إلإخراج السيئ للموقف السياسى.
وأشار إلى أن وزير الخارجية تحول دوره إلى مبرر للموقف المصرى، وأنه كلما ذهب إلى دولة يقوم بشرح وتحليل وتبرير ما حدث عقب 30 يونيو، مما يضعه فى موقف دفاعى، يسىء لوضعه.
وقال إنه يجب على الحكومة الاعتراف بأن ما حدث عقب 30 يونيو انقلاب عسكرى مدعوم من الشعب، وأن الوضع يحتم على الحكومة التعامل مع الموقف بشفافية، ومصداقية، لأن الإعلام مفتوح للعالم ولا يوجد سر، مؤكداً ضرورة تبديل أدوات الحكومة الخطابية بأدوات عصرية.
وتابع: إن المشكلة الرئيسية تتركز فى عدم تفهم الطرف الخارجى الأزمة، وظهور الصورة كأن الإخوان فصيل سياسى معارض تم اقصاؤه عن الحكم فقط.
وأوضح الفقى أنه ضد فكرة الدبلوماسية الشعبية، لما لاقاه الوفد المصرى الذى سافر إلى اثيوبيا عقب 30 يونيو وإصرار الأخيرة على المضى قدماً لاستكمال بناء سد النهضة.
وأضاف الفقى أنه كان لابد أن يخرج هذا الوفد تحت إشراف وزارة الخارجية، لافتاً إلى أن وفود الدبلوماسية الشعبية لم تكن لائقة بموقع مصر، وكانت عبارة عن استجداءات لم يكن لها قيمة.
من جانبه أشار رئيس معهد الدراسات الدبلوماسية السفير علاء الحديدى، إلى أن الأهم من تحديد الدبلوماسية هو تحديد الهدف منها لاختيار الأدوات المناسبة للوصول للنتائج المرجوة، مشيراً إلى أن الدبلوماسية الشعبية إحدى أدوات الدبلوماسية العامة، لافتاً إلى وجوب قيام وزارة الخارجية بمسايرة العصر من خلال تدريب الدبلوماسيين الجدد على أن يكونوا أكثر حيوية فى التعامل مع الإعلام، وكيفية التحدث إلى الإعلام، عما سبق.
وأضاف أن الأدوات غير الرسمية للدبلوماسية، والتى تعد الدبلوماسية الشعبية إحدى أدواتها تحتاج إلى تنظيم للجهود، وتنسيق فيما بينها حتى لا تضيع هباء.
وأوضح الحديدى أن أى تحول ديمقراطى لابد أن تعرقله بعض المشكلات والأزمات مثلما حدث مع دول مجاورة، مشيراً إلى ضرورة التفرقة بين الخطابات الموجهة للعالم الخارجى والخطابات الموجهة للداخل، لإصلاح هذه المشكلات وليس تعقيدها.
ولفت إلى أن بعض الرسائل تتعقد عندما توجه لغير جمهورها، مشيراً إلى أن الإعلام المصرى يوجه للخارج رسالاته نفسها للداخل، مما يترتب عليه خلل فى تقديرهم ما يحدث فى مصر.
وأكدت منى عمر، السكرتير العام للمجلس القومى للمرأة، أن مصر تحتاج حالياً للعمل على تغيير الصورة الحالية، وتتجه لتطبيق خارطة الطريق، واعتماد الدستور، وإنهاء الخطوات الديمقراطية اللازمة لهذه المرحلة.
وأشارت إلى وجوب استعادة صورة مصر والمصريين عقب 25 يناير، لافتة إلى أن مصر لديها الأدوات المتعددة لفعل ذلك، وأن هذه الأدوات هى العمال والمرأة والإعلام، والبرلمان، وكل فئات المجتمع المصرى.
وترى أن الدبلوماسية الشعبية لن تحقق النتائج المطلوبة إذا لم تكن منظمة، ولن تؤتى بمردود فعلى إلا إذا تم التنسيق بين وفودها بشكل منظم.
وقالت إن هناك فرقاً بين 25 يناير و30 يونيو لما شهدته الأخيرة من توابع انقسامات عديدة بين كل فئات المجتمع.
واتفقت مع رأى «الفقى» فى أن وفد الدبلوماسية الشعبية الذى زار اثيوبيا أساء بشكل كبير لمصر والمصريين، خاصة أن الوفد اعتذر عما قدمته الحكومة السابقة.
ولفتت إلى أن زيناوى رئيس إثيوبيا الراحل اعتبر الاعتذار الذى قدمه الوفد بمثابة ضعف وتراجع من الموقف المصرى من بناء سد النهضة.
وأضافت أنه يمكن استبدال الوفود الشعبية غير التابعة لوزارة الخارجية، كى يقوم بدورها مسئول الدبلوماسية العامة بالسفارات المختلفة، لافتة إلى أنه يجب ألا تكون مراقبة من الوزارة حتى تكون أكثر مصداقية.
من جانبه قال محمد كاظم، سفير مصر فى غينيا الاستوائية، مؤسس مبادرة «دعماً للتفاهم»، إن الوفود الدبلوماسية الشعبية لابد أن تكون واضحة ويتم تنسيقها عن طريق خبراء دبلوماسيين ذوى خبرة وكفاءة، وخطة استراتيجية واضحة.
وتحدث كاظم عن أن مبادرة «دعماً للتفاهم» تم البدء فى تفعيلها منذ عام 2003 وهى دبلوماسية عامة تهدف إلى دعم ثقافة السلام، وتعمل خلال فترة محددة، وهدفها هو مخاطبة الشعوب بشكل غير مباشر.
وأضاف أن المبادرة تحظى بدعم وزير الخارجية نبيل فهمى، وتحصل على دعم معنوى من دار الثقافة للسلام ووزارة الخارجية المصرية.
وأوضح أن هذه المبادرة تهدف إلى التعاون المشترك فى خلق صورة ايجابية لما يحدث داخل مصر وتأثيره على القطاعات والرأى العام، وأن هدف المبادرة هو توصيل الرسائل المباشرة وإبراز الأرضية المشتركة بين الشعوب.