انقسمت آراء عدد من مديرى صناديق رأسمال المخاطر ورواد الأعمال حول جدوى إنشاء مركز للإبداع والتكنولوجيا المالية تابع للبنك المركزى المصرى، ففى حين رأى البعض أن المركز المرتقب قد يُمثل جسرًا للتواصل بين الحكومة ومجتمع الشركات الناشئة على غرار تجربة وادى السيليكون الناجحة فى أمريكا، ومن ثم طرح الأطر التشريعية لاستقطاب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية على مائدة الحوار، ما ينعكس بالإيجاب على تحقيق طفرة نوعية فى استثمارات هذه الشركات بمصر خلال المرحلة المقبلة .
فيما أكد البعض الآخر أن دعم ورعاية الشركات الناشئة مسئولية مراكز الأبحاث والجامعات، وينصب دور البنك المركزى على مراقبة السياسة المالية للدولة ومساندة الشركات الناشئة عبر سياسات طويلة الأمد دون تدخل مباشر فى عملها.
وكان طارق طه، رئيس المركز، قال فى حوار سابق لـ«المال» نشرته خلال فبراير الماضى، أنه من المقرر الافتتاح التجريبى خلال يونيو المقبل، على أن يبدأ مرحلة التشغيل الفعلى له خلال سبتمبر من العام ذاته، موضحًا أن المركز يعتزم إطلاق حاضنتى أعمال لاستضافة ودعم الشركات الناشئة فى قطاع حلول التكنولوجيا المالية فى مصر، على أن تستضيف كل واحدة 25 شركة ناشئة، سواء كيانات جديدة أو بدأت العمل فعليًا داخل السوق المحلية.
إسماعيل: الأفضل طرح سياسات تدعم نمو الشركات الناشئة
وأكد الدكتور خالد إسماعيل، الشريك المؤسس لصندوق هيم إنجلز himangles لرأسمال المخاطر، أن دور البنك المركزى يتمثل فى مراقبة السياسة المالية للدولة ومتابعة أداء العملة، الأمر الذى ظهر جليًا فى تنفيذه عدد من الإجراءات التصحيحية خلال السنوات الماضية، معتبرًا أن مهمة احتضان الشركات الناشئة لا يدخل ضمن اختصاصات البنوك المركزية حول العالم، لكنه يقع على مسئولية صناديق الاستثمار ورأسمال المخاطر وحاضنات الأعمال.
وأوضح أن المركزى بحاجة إلى طرح سياسات تدعم نمو الشركات الناشئة الناجحة وتوضيح الشروط اللازمة لمنح تراخيص لها لمزاولة عملها وتسهيل إجراءات منحها قروضًا أو تسهيلات ائتمانية دون احتضانها بشكل مباشر، مشددًا على ضرورة تحقيق مفهوم التناغم بين القطاعين العام والخاص فى هذا الإطار، من أجل ضمان نمو استثمارات الشركات الناشئة فى مصر.
واعتبر أن أداء البنك المركزى للدور السابق بالشكل المطلوب سيجعله رائدًا على حد قوله للبنوك المركزية حول العالم، لافتًا إلى أن أعمال الشركات الناشئة فى مصر تنمو بشكل جيد، ويجب أن يتم يقاس نجاحها بالنتائج النهائية التى تسعى لتحقيقها وليس بقيمة التمويلات التى تنجح فى جمعها أو أسباب إنشائها.
فهمي: يجب إعادة النظر فى استثمارات «البلوك تشين» والعملات الرقمية
فى سياق متصل، اتفق محمد فهمى، الشريك الإدارى لصندوق سيكونس فنشرز لرأسمال المخاطر مع الرأى السابق، فى التأكيد على أن دور مراكز الإبداع هو دعم مشروعات الشركات الناشئة، الأمر الذى يندرج ضمن اختصاصات مراكز الأبحاث والجامعات التى ينبغى أن تلعب دورًا تعليميًا وإرشاديًا.
ورأى «فهمى» أن مراكز الاحتضان التابعة للجامعات مثل معمل الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومسرعة الأعمال flat6labs تمثل بيئة صالحة لنمو ورعاية الشركات الناشئة وتوفير فرص استثمار واعدة لها بخلاف أى كيانات أخرى.
وأضاف أنه من الأفضل أن تكون القوانين المصرية أكثر مرونة فى التعامل مع الشركات الناشئة، خاصة العاملة فى مجال حلول التكنولوجيا المالية وتقنيات البلوك تشين، ويمكن الاعتماد عليها فى إنشاء نظام تكنولوجى كامل وإدارة قوائم وتوفير البيانات باستمرار.
وشدد على ضرورة أن يعيد المشروعون النظر مجددًا فى تقنيات البلوك تشين والعملات الرقمية المشفرة، خاصة أنها ربما تلعب دورًا محوريًا فى دعم عملية التحول الرقمى للدولة على غرار التجارب العالمية، مضيفًا أن الشركات التى تعتمد على البلوك تشين فى أنظمة عملها “تعانى قلة فرص الاستثمار بها، فى ظل عدم وجود قوانين لا تدعم إنشاءها”- على حد تعبيره.
وقال عبد الرحمن حفنى، المؤسس لمنصة فندر لتجارة مواد البناء أونلاين، إن العمل مع البنك المركزى يعد نقطة قوة لصالح الشركات الناشئة، خاصة أنه يعتبر سلطة مالية تشريعية من شأنها العمل على تسهيل حزمة القوانين والإجراءات التى تساعد على نمو الشركات الناشئة.
وأشار إلى أن اهتمام البنك المركزى بالشركات الناشئة ينبع من استراتيجية الدولة نحو المضى قدمًا فى نشر للمدفوعات الإلكترونية وتطبيق مفهوم التحول الرقمى، مؤكدًا أهمية أن يكون للبنك المركزى دور محورى فى إصدار قوانين تخدم الشركات الناشئة التى تقدم خدمات ليست لها قواعد تنظيمية.
وتابع قائلًا: معظم الشركات الناشئة أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تريد العمل مع أى جهة حكومية تجد صعوبة فى الوصول إلى الجهات التنفيذية لشرح الفكرة أو الخدمة التى تقدمها الشركات أو المشروعات، معتبرًا أن مركز إبداع التكنولوجيا المالية المقرر افتتاحه فى البنك المركزى ربما يمثل حلقة وصل بين جميع الأطراف المعنية.
فى سياق متصل، قال الدكتور هشام عبدالغفار، مؤسس، رئيس مجموعة ميناجوروس الاستثمارية، إن إنشاء مركز إبداع التكنولوجيا المالية خطوة مهمة فى سبيل دعم الاستثمار فى الشركات الناشئة، لافتًا إلى أن الفكرة فى حد ذاتها خارج الصندوق.
وأضاف “عبد الغفار” أن تلك الخطوة ستحدث أثرًا إيجابيًا فى السوق المصرية، خاصة أن قطاع الشركات الناشئة يحظى حاليًا باهتمام واسع النطاق بين المستثمرين، كما سيلعب المركز المرتقب دورًا جوهريًا فى بناء قنوات اتصال بين المستثمرين ورواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، على غرار تجربة وادى السيليكون فى أمريكا الذى بات يمثل تجمعًا لمشاركة الأفكار الخاصة بعالم ريادة الأعمال.
ورجح أن يوفر المركز مناخًا صحيًا لنمو شركات التكنولوجيا المالية والشركات الناشئة، ولكن بشرط تقديم أسعار مخفضة للإيجارات وتقديم كل الخدمات التى يحتاج إليها مجتمع رواد الأعمال، مثل خدمات التطوير والتوثيق والاستشارات القانونية، الأمر الذى يساعد أصحاب تلك الشركات على التركيز فى تنمية أعمالهم.
وأضاف أن الشركات الناشئة فى مصر يمكنها أن تسجل قفزات ومعدلات نجاح سريعة، فى ظل إطار تشريعى يضمن لها تحقيق أقصى استفادة ممكنة تزامنًا مع توجهات الحكومة نحو نشر خدمات المدفوعات الإلكترونية، معتبرًا أن فكرة عمل المركز المرتقب مناسبة لطبيعة السوق، وهى الطريقة الوحيدة الصالحة للابتكار إلى جانب أن المركز من شأنه تيسير القوانين والإجراءات الخاصة بإنشاء الشركات الناشئة.
من جانبه، أوضح أحمد حازم، الرئيس التنفيذى لشركة “فلك ستاربتس”، أن مركز إبداع التكنولوجيا المالية خطوة جيدة لتقريب الشركات الناشئة من البنك المركزى، الذى يُمثل السلطة التشريعية داخل القطاع المصرفى المصرى، لكن من الأفضل أن يقتصر دوره فى الوقت الحالى على التشريع فقط.
ورأى أن السوق هى المؤشر الحقيقى على نجاح الشركات من عدمه، موضحًا أن انضمام الجهات التنفيذية والتشريعية لسوق الشركات الناشئة من شأنه أن يخلق أولوية للشركات المنضمة لمركز إبداع التكنولوجيا المالية.
وقال إن إحدى العقبات التى تواجه عمل الشركات الناشئة فى مصر، تتمثل فى غياب الضوابط القانونية للعديد من الخدمات التى تستهدف هذه الكيانات طرحها داخل السوق، مضيفًا أن صناديق رأسمال المخاطر تبحث فى المقام الأول عن تحقيق عائد مرتفع عند التخارج من الشركات الناشئة، مع ضمان عدم وجود أى عوائق تحول دون ذلك.
وشدد على ضرورة قيام الجهات المعنية بسن قوانين تحمى وتدعم الشركات الناشئة، مع خلق بيئة مناسبة ومحفزة للمستثمرين، مشيرًا إلى نموذج عمل أغلب الشركات الناشئة حاليًا يرتكز على مفهوم التكنولوجيا المالية، على غرار منصة “حالا” التى تتيح للعملاء خدمات المدفوعات الإلكترونية وتوصيل الطلبات والتقسيط وغيرها.
وقال عمر صالح، مؤسس منصة خزنة للمدفوعات الإلكترونية، إن احتضان البنك المركزى للشركات الناشئة العاملة فى حلول التكنولوجيا المالية يخدم توجهات الدولة بشأن التحول الرقمى والشمول المالى، كما يمثل أيضًا دفعة قوية لبنوك القطاعين العام والخاص نحو العمل جنب إلى جنب مع هذه الشركات، وبحث آليات التعاون المشترك معها.
وتابع أن الاستثمار فى مجال التكنولوجيا المالية بالسوق المصرية يسير بخطوات ثابتة، مضيفًا أن هناك عدة مستثمرين من الخارج فى الوقت الحالى مهتمين بالاستثمار بشركات التكنولوجيا المالية المصرية.
وأشار إلى أنه لن يحدث تعارض فى الأدوار بين البنك المركزى وصناديق رأس المال والمستثمرين فى احتضان وتمويل الشركات الناشئة، متابعًا أن المستثمر يهتم باستمرارية نجاح الشركات والمشروعات، خاصة أن مجال التكنولوجيا المالية لديه قوانين خاصة تنظم عمله.
وأكد أن اهتمام البنك المركزى بالشركات الناشئة يشعر المستثمر بالأمان والاطمئنان فى الاستثمار بهذا المجال، إلى جانب جذب المزيد من المستثمرين.
وقال إن هناك عدة قوانين صدرت مؤخرًا أو فى طريقها للظهور، ساعدت على تيسير عملية إنشاء شركات التكنولوجيا المالية، منذ صدور قانون المدفوعات الإلكترونية خلال عام 2017، إلى جانب قانون البنوك الجديد.
واستطرد قائلًا: تعد مصر من الدول الرائدة بالمنطقة فى مجال التكنولوجيا المالية والمدفوعات الإلكترونية، بسبب الدور الفعال الذى يقوم به البنك المركزى فى دعم الشركات المتخصصة بهذا المجال.