من تراب الطريق (1277 )

من تراب الطريق (1277 )
رجائى عطية

رجائى عطية

6:26 ص, الأربعاء, 9 مارس 22

أزمة الزعامة السياسية

(7)

تاريخ الثورة الفرنسية التى شبت عام 1789، أبلغ الآيات على ما تعانيه الزعامة السياسية من أمراض تعصف وقد عصفت بالجميع فى تلك الثورة المتخَذة مثالاً للثورات، ومثلاً للحرية والمساواة والإخاء، ولا زالت فرنسا حتى اليوم، تحتفل فى 14 يوليو من كل عام، احتفالات رسمية، ومهرجانات شعبية، تجديدًا لذكرى الثورة، وسقوط الباسثيل الذى كان فاتحة أحداثها.

وحين تراجع تاريخ تلك الثورة، تطالعك قيادات بارزة احتلت مكانًا سامقًا فى قيادتها وإدارة أحداثها. روبسبير، ودانتون، وسان جوست، وميرابو، وسييز، وسيروتى، وجان بول مارا، وجاك بيير بريسو، ولافاييت.

فإذا أكملت القراءة والمراجعة، سوف يصدمك أن كل هؤلاء جميعًا عدا ثلاثة أو أربعة، قد قطعت رءوسهم على ذات المقصلة التى أرسلوا إليها الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة مارى أنطوانيت، وعديدين من النبلاء وسادة الإقطاع، وكثيرين أيضًا من البسطاء والعامة، ومنهم من شُيّع فى جنازة مبهرة، وكان أول من يُدفن فى مقبرة العظماء المسماة بـ «البانتيون» أى الخالدين، ثم ما لبثت الجماهير أن اكتشفت عمالته سرًّا للملك والملكة، وازداد الموقف سوءًا حينما اتضح أنه كان يبيع خدماته للعرش مقابل المال ليسدد ديونه، وأنه صار مستشارًا سرّيِّا للملك والملكة، فلعنته الجماهير وكفرت به، بعد أن كان معبودها المقـدس ؛ وأُخـرج رفاتـه مـن «البانتيون»، بعد أن تأكد تواطؤه مع القصر !

ويرى من يتابع أطوار الثورة الفرنسية، أن أزمـة الزعامـة السياسيــة لا تنحصر فقط فى «الإقصاء»، وإنما للأزمة وجوه متعددة، أخطرها «الانفراد» نتيجة الإقصاء المتتالى، هذا الانفراد الذى سرعان ما يتحول إلى «استبداد» وما يؤدى إليه هذا الاستبداد من أسقام عديدة وتداعيات خطيرة على الحياة والناس.. حريتهم وحقوقهم، وحياتهم ذاتها !

كما نرى أن الزعامة عانت من الأدعياء والمنافقين واللاعبين على الحبال، ومن الفاسدين والمرتشين، الذين يلوثون ثوب الثورة، وينحدرون بها بعيدًا عن المبادئ السامية التى قامت من أجلها !

زعيم الثورة الفرنسية الأكبر، ماكسيمليان روبسبير كان تجسيدًا كاملاً للثورة، ونصيرًا للفقراء، مؤمنًا بجان جاك روسو، وفُتنت به الجماهير، وبلغت شعبيته مداها عام 1791 عند حل الجمعية التأسيسية، وأطلق عليه «رجل الساعة»، وبعد إعدام الملك خرج بنظرية أن أخطار الفوضى أقل ضررًا من أخطار الأوليجاركية أى حكم الأقلية، وصار مطلق اليد فى فرنسا بعد إزاحة «الجيروند» (وهم أعضاء حزب سياسى نشأ أثناء الثورة واسمه نسبة إلى مقاطعة جيروند )، وهم يمثلون البرجوازية ويؤمنون بالملكية الخاصة، ويخشون من سيطرة نواب باريس (من أشهرهم روبسبير ودانتون وجان بول مارا ) ويؤثرون إنشاء جمهورية فدرالية بعد التخلص من الملكية.

ولكن بحلول منتصف عام 1794، ما لبث روبسبير أن صار هدفًا للمؤامرات، ولم ينفعه إنكاره أنه ليس فى نيته إقامة حكم دكتاتورى، ونشط أعداؤه فلم تمض سوى 24 ساعة إلاَّ وتم القبض عليه، وحاول الانتحار تجنبًا للمقصلة، وأفرغ مسدسه فى حلقه، إلاَّ أنه لم يمت، وبقى ممدودًا بين الحياة والموت على المائدة التى وقَّع عليها الحكم بإعدام «دانتون» و«هيبيرون»، وبعد أن طافت به الجماهير فى الشوارع على عادتهم، وفى السابعة مساءً سقطت رأسه تحت الجيلوتين !!

www. ragai2009.com

[email protected]