يعتزم الغرب الرد على تصعيد روسيا الأخير حول أوكرانيا، عبر تعطيل ألمانيا إجراءات التصديق على خط أنابيب “نورد ستريم2” بعدما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إرسال قوات إلى جمهوريتين أعلنتا انفصالهما.
أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي أجرى مكالمة هاتفية مع بوتين ليل الإثنين، أن اعتراف الرئيس الروسي بجمهوريتي شرق أوكرانيا الإنفصاليتين سيترتب عليه عدم التصديق على خط الأنابيب في الوقت الحالي.
كما صرح للصحفيين في برلين بأنه “لا يمكن تشغيل خط أنابيب الغاز” بين روسيا وألمانيا دون تلك الإجازة.
خط أنابيب “نورد ستريم2”
يحوز مشروع “نورد ستريم 2” على مكانة صدارة لدى بوتين، الذي تولى دفعه شخصياً منذ البداية.
تعطيل مشروع “نورد ستريم2” يظهر عزم ألمانيا تحمل ثمن معاقبة أفعال بوتين، التي مزقت سنوات من الجهود الدبلوماسية التي قادتها برلين لإحلال السلام في شرق أوكرانيا.
كانت هذه أول إشارة إلى جولة عقوبات أمريكية وأوروبية ينتظر إعلانها الثلاثاء، حيث قال شولز: “أتوقع حزمة قوية ومركزة جدا”.
قفزت أسعار النفط والنيكل والألومنيوم فيما يقيّم التجار مخاطر تعطل الإمدادات نتيجة للعقوبات الغربية المحتملة.
كما ارتفع الغاز الأوروبي 13% ولامس خام برنت 100 دولار للبرميل، فيما تدهورت أسهم الشركات الروسية وسط مؤشرات على مزيد من التوتر.
لم تقدم روسيا أي تفاصيل عن عدد قوات “حفظ السلام” التي قد تدخل الى المناطق الانفصالية دونيتسك ولوهانسك.
واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تحذير موسكو حيال أن تباشر غزوًا واسع النطاق قريبًا، وهو ما تنفيه روسيا.
تتيح المعاهدات التي وقعها بوتين مع الزعماء الانفصاليين الاثنين لروسيا نشر قوات وبناء قواعد عسكرية على تلك الأراضي.
مخاوف الغزو قائمة
وضعت خطوة الكرملين المزيد على المحك مع الغرب رغم أنها لم ترق لتكون غزواً واسعاً لمناطق كبيرة من أراضي أوكرانيا، الذي اعتبر مسؤولون أمريكيون ومن دول أخرى إنه ممكن.
لكن ما يزال أكثر من 150 ألف جندي روسي محتشدين قرب حدود أوكرانيا.
وحسب تقديرات غربية، أعلن مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن روسيا تواصل الاستعداد لعمل عسكري قد يبدأ في الساعات أو الأيام المقبلة.
أحد مجهولات الوضع الرئيسية هي ما إذا كانت “قوات حفظ السلام” الروسية لن تتجاوز خط التماس بين الانفصاليين والجيش الأوكراني.
حافظ الناطق باسم بوتين، دميتري بيسكوف، على هذا الغموض، حيث قال أن روسيا تعترف بحدود الإنفصاليين “المعلنة”.
تشكل المناطق الانفصالية نحو ثلث الأراضي التي كانت جزءاً من لوهانسك ودونيتسك أوبلاستس في أوكرانيا.
قال بيسكوف للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف الثلاثاء أن الكرملين يريد مواصلة الحوار مع الدول الغربية.
قال أليكسي تشيسناكوف، وهو مسؤول سابق رفيع المستوى في الكرملين ومستشار حول السياسة الأوكرانية: “روسيا لن تهدأ… إنها تريد ضمانات عبر القوة بأن أوكرانيا لن تنضم لحلف الناتو. طالما لم تحصل على هذه الضمانات تبقى إمكانية التصعيد قائمة على الدوام.”
عقوبات أقل على روسيا
أصدر الرئيس جو بايدن أمراً تنفيذياً بحظر الاستثمار والتجارة والتمويل الأمريكي في المناطق الانفصالية من أوكرانيا، فيما أعلنت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد إن عقوبات أمريكية إضافية ضد روسيا ستصدر الثلاثاء. يُنتظر أن تفرض بريطانيا عقوبات على روسيا، بينما بدأ الاتحاد الأوروبي ببحث عقوبات على تصرفات بوتين.
أشار مسؤولون غربيون إلى أن اعتراف روسيا ليست عدائية بما يكفي لإطلاق العقوبات الاقتصادية المشددة التي لُوح بها في حال أقدمت على غزو واسع النطاق.
قال مسؤول رفيع المستوى بالإدارة للصحفيين أن العقوبات المخطط لها حاليا مغايرة للإجراءات الاقتصادية الأشد، التي قالت إدارة بايدن إنها ستفرضها إن أقدم بوتين على الغزو.
قال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس للصحفيين في باريس: “لم نبلغ وضع الغزو الذي يتحدث عنه شركاؤنا بعد… لكنه تصعيد شديد جداً في الوضع.” بيّن أن رد الاتحاد الأوروبي قد يشمل عقاب الأفراد المنخرطين عن خطوة الاثنين، فضلاً عن منع الشركات الأوروبية من العمل في المناطق المحتلة.
جلب قرار روسيا إدانة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغالبية ممثلي أعضاء مجلس أمن الأمم المتحدة الذين تحدثوا ليل الاثنين. دعا سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، جميع الأطراف لضبط النفس.
أعلنت واشنطن أن البيت الأبيض ما يزال منفتحاً حيال اجتماع بين بايدن وبوتين طالما لم تشّن روسيا هجوماً. يُنتظر أن يجتمع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين بنظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف الخميس لمناقشة الأزمة.
عقوبات أعمق
فرض عقوبات على الأفراد المنخرطين بالاعتراف بالمنطقتين الأوكرانيتين هي خطوة محدودة يمكن حدوثها بسرعة نسبيا.
قد يستغرق الاتفاق على عقوبات أوسع وعلى ما يستوجب تفعيلها ضد قطاعات مثل الدفاع والمال وقتا أطول وقد يتطلب اجتماعا على مستوى القادة.
أعرب خبير سياسي مقرب من الكرملين عن اعتقاده أن روسيا لا تخطط حالياً لأي انتشار عسكري خارج الحدود الحالية للمناطق الانفصالية الأوكرانية التي تعترف بها.
قال أليكسي موخين، رئيس مركز المعلومات السياسية الذي يقع مقره في موسكو الذي يقدم خدمات استشارية للرئاسة: “ما يزال من الممكن حل الأزمة،” وبيّن أن مطالب روسيا بوقف توسع الناتو وانسحابه من شرق ووسط أوروبا ما هي إلا نقطة انطلاق لمفاوضات حول الضمانات الأمنية في المنطقة.
صوت المشرعون الروس الثلاثاء لصالح التصديق على المعاهدات مع الانفصاليين، ما يمهد لمزيد من الدعم المعلن للجيوب التي تدعمها روسيا منذ ظهورها.
ينسف قرار بوتين بالاعتراف بهم عمليا سنوات من الجهود الدبلوماسية لتنفيذ اتفاق سلام لحل الصراع الذي قتل 14000 إنسان منذ سيطرة الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا على المنطقتين في 2014.