أجري الحوار- ماهر أبو الفضل:
إذا كانت «» كما قال الفيلسوف الألمانى «كارل بوبر» فالتأمين كصناعة ونشاط «يروض كافة المخاطر»، المادية منها والمعنوية، لأن أساسها «وعد» أى وعد بالتعويض وهو أمر «معنوى»، لكن هذا الوعد يضمن الحماية الكاملة من أى أخطار «مادية» يتعرض لها البشر والحجر على السواء.
التساؤل الذى قد يتبادر للذهن من المقدمة الاستهلالية السالفة، ماذا لو كانت هذه الصناعة نفسها تواجه أخطارًا خارجية مثل التغيرات الاقتصادية أتراحها قبل أفراحها، أزماتها قبل رخاءها ؟ كيف ستتعامل شركات التأمين معها؟ هل يمكن أن يتحول موقع شركات التأمين الإعرابى فى جملة الأزمات الاقتصادية تحديدًا من موقع الفاعل لموقع المفعول به؟.
فى الوقت ذاته لاينكر أى عاقل، أن جائحة كورونا أثرت سلبًا على الاقتصادات العالمية، ولم يسلم الاقتصاد المصرى منها كونه جزءًا من هذا العالم، وإن كانت وطأة الجائحة عليه رحيمة بسبب النمو الاقتصادى والجهود المبذولة من كل مؤسسات الدولة، وبما أن لكل ظاهرة تبعات فإن لجائحة كورنا تبعات أيضًا مؤشراتها الذى تزايدت وتيرته عالميا.
التساؤل الآخر، هل ستتأثر سلبًا أم إيجابًا، إذا كانت سلبًا فما هو شكل التأثير؟ وإن كان إيجابا فكيف نلحظه؟ وكيف يمكن قياس كفاءة شركات التأمين بشكل عام سواء فى ظل ظروف استثنائية أو طبيعية؟ هل بمؤشر الأقساط؟ أم الربحية؟ وما هو شكل الربحية هل الربحية الفنية؟ أقصد فائض الإكتتاب؟ أم فائض النشاط وهو الذى ينضوى تحته فائض أو عجز الاكتتاب مضافًا إليه عوائد الاستثمار؟
الأسئلة السالفة وغيرها مما تعن للمتخصصين أو حتى العامة، طرحناها على ، واختيار الزهيرى تحديدًا كونه أكثر تعمقًا فى هذه الصناعة ليس فقط لخبراته الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، ولكن كونه متشابك مع السوقين المحلية والعالمية بحكم منصبه فى الكيانين التنظيميين.
إلى نص الحوار.
نسبة نمو «الأقساط المُكتتبة» وصل إلى 15 % فى 2021
المال: بداية ما توقعاتك لسوق التأمين فى 2022؟ وأسباب هذا التوقع؟
علاء الزهيري: قبل الإجابة على توقعات المستقبل لابد من إلقاء نظرة على الماضى القريب، فالماضى فى حد ذاته استشراف للمستقبل.
ما أقصده أن حققت نموًا ملحوظًا فى أقساطها المكتتبة، فى العام المالى المنتهى فى يونيو الماضى، ووفقًا للبيانات الأولية المتاحة- التى لن يتم الإعلان عنها من جانب الهيئة العامة للرقابة المالية- بلغت حصيلة تلك الأقساط 46 مليار جنيه، أى أن نسبة النمو تصل إلى %15 مقارنة مع العام المالى السابق 2020/2019 رغم جائحة كورونا وتأثيراتها.
إذًا من هذه الخلفية لابد وأن يكون التوقع للعام المالى 2022/2021 متفائل، لأسباب منطقية وليس عاطفية، وأتوقع أن تزيد نسبة النمو فى العام المالى الحالى عما تم تحقيقه فى العام المالى الماضى، والأسباب فى ذلك عديدة ومتعددة، أذكر منها ذِكرًا لا حصرًا التالى.
أولًا، تصاعد معدل النمو الاقتصادى المحقق فى مصر، والذى ينعكس بالتبعية إيجابًا على كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وفى القلب منها قطاع التأمين المصرى، أما السبب الثانى، فيرتبط بحجم المشروعات التى أقامتها وأطلقتها الحكومة المصرية، سواء الخاصة بالبنية التحية، أو مشروعات الغاز، أو الاكتشافات البترولية، ناهيك عن التوسع فى إنشاء المدن الجديدة، وغيرها وهو ما سينعكس بالضرورة على صناعة التأمين لأنها تغطى كل هذه المشروعات بتغطياتها المتنوعة.
السبب الثالث، له علاقة بالمبادرات التى أطلقها البنك المركزى المصرى، ومنها التسهيلات الائتمانية الممنوحة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ناهيك عن اهتمام الدولة نفسها بكافة مؤسساتها، بصورة غير مسبوقة بتنمية التمويل متناهى الصغر، وتشجيع الكيانات العاملة فى هذا المجال، مما انعكس على مؤشر البطالة، وساهم فى خلق المزيد من فرص العمل لمحدودى الدخل، حتى إن القروض متناهية الصغر تجاوزت محفظة تمويلاتها مستوى الـ 25 مليار جنيه.
السبب الآخر مرتبط بنمو ، وتشجيع كل وحدات الجهاز المصرفى على التعاقد مع أكثر من شركة تأمين لتوفير خدمات ومنتجات التأمين البنكى التى تستهدف عملاء البنوك.
وإذا كان الشيئ بالشيئ يُذكر، فلابد من الإشارة إلى اهتمام الاتحاد المصرى للتأمين- ليس تحيزًا له بحكم منصبى ولكن الواقع يشهد بذلك- بالتعاون مع الكيان الرقابى ممثلًا فى الهيئة العامة للرقابة المالية، فى دعم وتشجيع شركات التأمين للتحول الرقمى، وإطلاق العديد من المبادرات الخاصة التى تستهدف فى مجملها زيادة الوعى التأمينى لدى شرائح المجتمع، للتغلب على هذا الهاجس الذى يؤرق مضاجع السوق، ناهيك عن أنه دورًا أصيلًا من أدوار الاتحاد ككيان تنظيمى.
وبناءً على الأسباب السالفة وغيرها، أتوقع أن يكون معدل نمو سوق التأمين كبيرًا ويتناسب مع هذه الصناعة ومع الجهود المبذولة من الكيان الرقابى بالتنسيق مع الاتحاد وتعاون كل مؤسسات الدولة.
القانون الموحد يساهم فى تعميق الصناعة وزيادة الاستثمارات الوافدة
المال: ألا تتفق معى أن الإصلاح التشريعى، أقصد إعداد مشروع قانون موحد للتأمين، يعالج تشوهات التشريعات الحالية سيساهم فى معدلات النمو المتوقعة للسوق رغم الأزمات الاقتصادية العالمية بعد جائحة كورونا؟
الزهيري: اتفق معك فى ذلك، ودعنى أزيدك من الشِعر بيتًا، صدور ، والمتوقع فى الربع الأول من 2022، وبما يحويه من تغطيات تأمينية إلزامية خاصة ما يتعلق بتأمين المسئوليات، سيساهم فى تعميق صناعة التأمين، وزيادة معدل اختراقها، لاسيما وأنه يعمل على توفير أكبر تغطية تأمينية لأوسع شريحة ممكنة من المجتمع المصرى، وبالضرورة سيرفع هذا من إجمالى أقساط التأمين.
أود الإشارة أيضًا فى هذه النقطة، أن السماح – وفقًا لقانون التأمين الموحد- بإنشاء كيانات متخصصة مثل شركات للتأمين الطبى وأخرى للتأمين متناهى الصغر وغيرها، سيساهم فى دعم صناعة التأمين، ودخول استثمارات جديدة، ومن ثم توفير أفضل تغطيات تأمينية بما يتناسب مع القدرات المالية للشرائح المستهدفة وكذا تتلاءم مع احتياجاتهم.
التضخم ليس شُر مُطلق والأزمات فرصة حقيقية لتسويق المُنتجات
المال: إذا كان التأمين نشاطا يقوم على ترويض أو تطويع الخطر للحد من آثاره، فهل التضخم تحديا أم فرصة للتأمين، بمعنى هل يمكن اعتبار التضخم ذا تأثير إيجابى أم سلبي؟
الزهيري: لايمكن أن تقاس الأمور هكذا، فالتضخم حمال للأوجه، أقصد أنه له أثار إيجابية وأخرى سلبية على شركات التأمين.
وببساطة غير مُخلة بالمضمون، ستظهر فى صورة زيادة الأقساط مثل أحجام أو إجمالى الأقساط، والدليل على ذلك أنه تلاحظ أن بعض الأسواق التى شهدت ارتفاعا فى معدل التضخم، ارتفعت فيه حصيلة التأمين بنسب بلغت %20 وتجاوزتها، خلال التسع الأشهر الأولى من 2021، والسوق التركية نموذجًا.
ومن الآثار الإيجابية للتضخم، هو أنه قد تلجأ البنوك المركزية لرفع سعر الفائدة بهدف امتصاص السيولة ومن ثم مجابهة التضخم، وهو ما ستستفيد منه شركات التأمين حيث سينعكس زيادة سعر الفائدة على الإيداع فى صورة زيادة أو نمو بأرباحها عن الأموال المستثمرة فى البنوك فى صورة ودائع أو غيرها من القنوات الآمنة.
المال: إذا كانت هذه بعض الآثار الإيجابية، فما الآثار السلبية للتضخم على شركات التأمين؟
الزهيري:ارتفاع معدل التضخم قد تؤدى إلى ارتفاع معدلات الخسائر، خاصة فى ظل الارتفاع المتوقع- والذى أطلت علينا بوادره- فى أسعار قطع غيار السيارات، ناهيك عن أسعار العديد من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وقطع غيار الماكينات وغيرها، والتى قد تتعرض لمخاطر مغطأة تأمينيًا ومن ثم فى حال تحقيق أى من أخطارها ستلتزم شركات التأمين بسداد تعويضاتها والتى تتناسب بالطبع مع أسعار تلك الأشياء، أى أن زيادة مؤشر التعويضات سيكون أبرز الآثار السلبية للتضخم.
المال: إذا كانت تلك هى الآثار الإيجابية والسلبية لارتفاع معدل التضخم، على مستوى شركات التأمين المباشر، فهل يؤثر معدل التضخم على اتفاقات إعادة التأمين؟
الزهيري: بالتأكيد سيكون هناك تأثير، وللتبسيط، من المعروف أن معظم يتم التعامل فيها – أى سداد حصص معيدى التأمين من الأقساط- بالدولار الأمريكى، فى حين تقوم شركات التأمين فى السوق المصرية على سبيل المثال بسداد التعويضات للعملاء بالجنيه.
وبما أن التضخم يؤثر على القوة الشرائية للجنيه، فإنه من المؤكد ستكون فجوة بين ما يتم توقعه من جانب شركات التأمين، كحجم أقساط متوقعة بالدولار الأمريكى قبل تجديد الاتفاقيات وهو ما يعرف بـ (EPI Estimated Premium Income ).
هذه نقطة، أما النقطة الثانية، سيكون للتضخم تأثير سلبى على المزايا التى قد ترغب شركات التأمين فى الحصول عليها أثناء تجديدات الاتفاقيات فى العام التالى، ومن هنا وجب على شركات التأمين إستخدام كل الأساليب الفنية التى تهدف فى مجملها إلى تحسين نتائج الاكتتاب التأمينى، لتتمكن من تحقيق المعادلة بين عدم إنجاز حجم الأقساط المتوقعة بالدولار الأمريكى لمعيدى التأمين وبين النتائج المحققة لمعيدى التأمين.
عقد ندوة لشركات التأمين والإعادة والعملاء لإيضاح آثار التضخم وكيفية التعامل معها
المال: بصفتك كرئيس للكيان التنظيمى، كيف سيتعامل الاتحاد مع الآثار السلبية للتضخم؟
الزهيري: الاتحاد المصرى للتأمين له دور مهم فى نشر الوعى بين جماهير المؤمن لهم سواء الحاليين أو المرتقبين، هذه نقطة.
أما ثانيتها، فالاتحاد سيقوم بإعداد وتقديم نشرات إلكترونية تُركز بالضرورة على التوعية فيما يتعلق بمراجعة مبالغ التأمين، والعمل على زيادتها، لتتناسب مع ارتفاع أسعار قطع الغيار والمواد الخام والأدوية والمستلزمات الطبية وغيرها.
وسيركز الاتحاد أيضا على توعية شركاته بالإهتمام بوضع بشكل مناسب، مع ما هو متوقع من ارتفاع فى معدلات التضخم، والعمل على توعية العملاء بأهمية مراجعة مبالغ التأمين بشكل يتناسب مع ارتفاع هذه المعدلات.
وأود هنا الإشارة أيضًا إلى أن الاتحاد يُخطط لعقد ندوة تضم خبراء فى الاقتصاد والتأمين وإعادة التأمين، فى خطوة استباقية تستهدف توعية طرفى عقد التأمين، أقصد العملاء وشركات التأمين بالإجراءات المطلوبة والمناسبة للتعامل مع الزيادة فى معدل التضخم.
الاتحاد سيطالب أعضاءه بالتركيز على وضع شروط تتناسب مع الآثار الناتجة عن التضخم
المال: قلت إن للتضخم آثار إيجابية وأخرى سلبية على شركات التأمين، لكن أيهما أكثر استفادة من ارتفاع معدل التضخم، شركات الممتلكات أم الحياة؟ ولماذا؟
الزهيري: رغم أننى قمت باستعراض سريع للآثار الإيجابية والسلبية لارتفاع معدل التضخم على نسب التأمين، لكن من الصعوبة بمكان تحديد النشاط الأكثر الاستفادة من مزاياه، هل الحياة أم الممتلكات.
لكن من الطبيعى أن يكون لنشاط الحياة الاستفادة الأكبر نسبيًا، أقصد هنا فى حال ما إذا صاحب زيادة التضخم ارتفاع نسب الفائدة على الودائع، ورغم أن شركات الممتلكات ستسفيد من هذا أيضا، إلا أنها- أى شركات الممتلكات- ستكتوى بنار الآثار المتوقعة لزيادة أسعار قطع الغيار ومستلزمات الإنتاج، كما أسلفت ذِكرًا فى البداية.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن ارتفاع معدل التضخم قد يؤثر سلبًا على ، بشكل غير مباشر، بمعنى أن التضخم سيقلص من الفوائض المالية لدى الأفراد التى تسمح لهم بشراء وثائق تأمين الحياة، خاصة الوثائق الفردية، وهو ما ينعكس على محصلة الأقساط النهائية لهذا النشاط.
المال: هل التأمين ينشط وقت الأزمات باعتباره مروضًا للمخاطر أم فى الرخاء للاستفادة من النمو؟
الزهيري:صناعة التأمين تروض المخاطر فى الأزمات وتستفيد من عوائد الاقتصاد فى الرخاء، بمعنى أن التأمين ينشط فى الحالتين وإن كانت فرص استفادته أكبر فى الأزمات.
المال: كيف؟
الزهيري: التأمين ينشط فى الأزمات لرغبة الأشخاص- اعتباريون أو طبيعيون- فى البحث عن مخرج يضمن لهم الاستقرار والاستدامة وفى الوقت نفسه يتحمل المخاطر، وهو ما يقوم به التأمين كنشاط، ومن ثم تظهر أهمية التأمين الأزمات وتستفيد من المخاطر المرتبطة بها.
والدليل على ذلك، أن مؤشرات فى تسعينات القرن الماضى كانت كبيرة، أقصد فترة الإرهاب الأسود، ولجوء المؤسسات لتغطية هذا الخطر تأمينيًا، كما تكرر هذا المشهد فى جائحة كورونا، وغيرها من الأزمات مثل المخاطر المرتبطة بالاضرابات والاضطرابات فى المصانع.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ينشط التأمين وقت الرخاء الإقتصادى لتوافر الفوائض لدى الأفراد والمؤسسات، وسعيهم لتوظيف أو استثمار هذه الفوائض، وهنا لابد وأن يظهر التأمين كقناة استثمارية وفى نفس الوقت يوفر شبكة حماية، معنى ذلك أن للتأمين فائدتين وليس فائدة واحدة، وأعتقد أن المجهود الذى تقوم به شركات التأمين فى تسويق خدماتها فى حالة الرخاء الاقتصادى تكون أصعب نسبيا من حالة الأزمة، وذلك لتصور العملاء خطأً أنهم ليسوا فى حاجة للتأمين.
زيادة العمولات له ضوابط ووضع حد أقصى فى بعض الدول لضبط مستوى الخدمة
المال: هل أنت راض عن مستوى العمولات؟وهل زيادتها يؤدى إلى تنشيط السوق؟
الزهيري: أولًا لكل شركة تأمين سياسة مرتبطة بها، سواء سياسة اكتتابية أو إدارية وإنتاجية، ومن بينها هيكل العمولات، ومن ثم توجد صعوبة فى اتفاق الشركات على توحيد العمولة، بسبب اختلاف السياسات كما قلت، بالإضافة إلى أن ذلك يتعارض مع الاتفاقات العالمية، مثل اتفاقية تحرير التجارة العالمية، والقوانين المحلية كقانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
لكن هذا لايعنى عدم قدرة الأسواق مع هذا المؤشر أو البند بلا ضابط، بل بالعكس توجد أسواق وضعت حدودا قصوى لمؤشر العمولات، وهو ما يتيح للشركات التحرك فيما دون هذا السقف أو الحد الأقصى، ولكن عدم تجاوزه، لضبط التكاليف بما يجعل الشركات قادرة على سداد إلتزاماتها.
هذا على مستوى الشكل، أما فيما يخص المضمون، فإن تحديد مستوى معين أو نسبة معينة للعمولات له شروط وقواعد، وإطلاق النسب على عواهنها- أى دون ضابط- لا يتسق مع طبائع الأمور ولا مع معطيات الواقع.
ما أقصده، أن تحديد مؤشر أو نسبة العمولة له شروط، منها على سبيل المثال، نتائج الفرع التأمينى نفسه، ومستوى الأسعار، وكذا عمولات إعادة التأمين المحصلة من شركات الإعادة فى الخارج، بالإضافة إلى معدل الخسائر والتكاليف الإدارية والعمومية.
هذه الشروط أو المحددات هى ما تؤثر على نسبة العمولة التى يحصل عليها ، فلو تضافرت كل العناصر السالفة إيجابًا بالتبعية ستكون زيادة العمولات ليست أداة ضغط على شركة التأمين، لكن لو كانت نتائج العناصر السابق ذكرها بالسالب، بمعنى وجود معدل خسائر مرتفع، وعمولات إعادة ضئيلة، ونتائج اكتتاب غير جيدة، واحتياطى مرتفع من التعويضات تحت التسوية، فإن زيادة العمولات فى هذه الحالة لايعبر عن كياسة الإدارة التنفيذية، وسيكون أداة ضغط على نتائج الأعمال ومستوى الخدمة المقدم للعميل.
المال: على ما يجب أن تراهن عليه شركات التأمين الفترة المقبلة، الحصة السوقية للاستفادة من عوائد استثمار الأقساط أم مؤشر الربحية الفنى بضبط الاكتتاب لتجنب أى ضغوط من معيدى التأمين؟
الزهيري: ليس مطلوبا من شركات التأمين المراهنة على شيئ مقابل شيئ أو التنازل عن هذا لأجل هذا،بمعنى أن الاستثمار جزء من نشاط شركة التأمين، يساعدها فى تحقيق عوائد لدعم مؤشر الربحية، لكن الأصل فى التأمين هو أن يكون النشاط نفسه مُربح أو على الأقل نتائجه مقبولة.
وبالمناسبة، فى حال ما حققت شركة التأمين عوائد استثمار مرتفعة، لكن نتائج الاكتتاب ليست على المستوى المقبول، فإن الصورة الذهنية للمحللين والمتابعين ستكون سلبية أى أن حُكمها على شركة التأمين أنها ليست فاعلة.
ما أقصده أن عوائد الاستثمار لايمكنها تحسين نتائج الاكتتاب، قد تؤثر على فائض النشاط التأمينى إيجابا لكن لايمكنها أن تعكس جودة الاكتتاب الذى يُظهره فائض أو عجز الاكتتاب التأمينى.
وحتى يستفيد القارئ، فائض وعجز الاكتتاب التأمينى هو الأقساط المكتسبة مضافًا إليها عمولة إعادة التأمين الصادر مخصومًا منها التعويضات التحميلية وتكاليف الإنتاج والمصاريف الإدارية، فإذا كان الناتج بالموجب فإن هذا يعنى تحقيق فائض فى الاكتتاب أو أرباح فنية، أما إذا كان الناتج بالسالب فيعنى هذا أن تكبد عجز فى الاكتتاب أو تحقيق خسائر فنية.
أما فائض وعجز، فهو نتيجة الاكتتاب، سواء زيادة أو نقصًا، مضافًا إليها عوائد الاستثمار، حيث يتم استثمار أموال العملاء أو الأقساط المحصَّلة منهم فى القنوات المختلفة، مثل الودائع وشراء السندات وأذون الخزانة وشراء الأسهم فى بورصة الأوراق المالية، وتم تحديد النسب المخصصة لكل قناة فى اللائحة التنفيذية لقانون الإشراف والرقابة على التأمين.
مُعدل الخسائر المُجمع.. المؤشر الحقيقى لقياس كفاءة الشركات
المال: أيعنى هذا أن مؤشر الحصة السوقية فى قياس كفاءة شركة التأمين، ليس معيارًا منضبطًا، وأن معيار المُعدل المجمع أو النسبة المركبة كما يستسيغها البعض هى الوسيلة الأفضل فى القياس؟
الزهيري: أتفق معك، فشركات التأمين وكذلك الإعادة تقاس بمؤشر معدل الخسائر المجمع أو النسبة المجمعة أو المُركبة “combined ratio” وكلما ارتفع المعدل المجمع كلما أعطى ذلك إشارات بأن شركة التأمين ليست فى الاتجاه الصحيح، والعكس صحيح.
ودعنى أذكر بعض النسب الإيضاحية للقارئ، لو أن النسبة المُركبة أو معدل الخسائر المجمع أكثر من %100 فهذا يعنى أن هناك خطورة على شركة التأمين، وعليها التوقف فورًا لمراجعة سياستها، فالنسبة التى تتجاوز %100 تعنى أن هناك مشكلة بل مشكلة كبيرة، ولابد من اتخاذ خطوات تصحيحية.
أما لو كانت نسبة من 95 إلى %100 فهذا يعطى إشارات مبدئية بأنها جيدة، لكن هناك جرس إنذار أيضًا بأنها على مشارف دخول مرحلة الخطر، أما نسبة معدل الخسائر المجمع فلو تراوحت من 90 إلى %95 فهى إشارة إلى كفاءة شركة التأمين وهناك إمكانية لتحسين النتائج أفضل، أما المعدل المجمع لو انخفض عن %90 فهو إشارة طمأنينة وتعكس جودة الاكتتاب وسياسة قبول جيدة ومن ثم سيظهر ذلك فى النتائج السنوية أو نتائج الأعمال خاصة المرتبطة بالنشاط الفنى.
وللقارئ أن يعرف أن المعدل المجمع، أو معدل الخسائر المجمع أو النسبة المركبة، هو مجموع لأربعة عناصر هى التكلفة الإنتاجية، ومعدل الخسائر، بالإضافة إلى معدل المصروفات، وعمولات إعادة التأمين.
إذًا المعدل المجمع هو صافى العمولات – وهو ناتج عمولات إعادة التأمين مخصوما منها عمولات الوسطاء أو عمولات الإنتاج – مضافًا إليها معدلات الخسائر- والتى تتضمن الاحتياطيات والتعويضات المُسددة منسوبة لصافى الأقساط المكتتبة أو الأقساط المكتسبة – مجموعًا عليها أو مُضافًا إليها معدل المصروفات.
خلاصة القول، نتائج الاكتتاب مهمة ومهما تكن الظروف لايجب أن تضحى بمؤشر الاكتتاب أو تتنازل عن تحقيق ربح من النشاط الفنى، كونها شركات فنية وليست شركات استثمار حتى وإن كان الاستثمار جزء من عملها، فليس مقبول أن نحكم على شركة تأمين بأنها جيدة رغم تكبدها عجزًا من الاكتتاب، ونستند على محفظة استثماراتها الضخمة مهما تكن عوائدها كمؤشر على كفاءة شركة التأمين.
المال: زيادة الأسعار السلعية والخدمية هل يمكن أن يستفيد منها التأمين بزيادة أسعار تغطياته أم أن المنافسة قد تحول دون الاستفادة من هذا؟
الزهيري: زيادة أسعار السلع والخدمات قد لايكون مؤثرًا أو مؤشر على زيادة أسعار التأمين، بل على العكس، لو ارتفعت مبالغ التأمين، سترتفع بالتبعية أسعار السلع والمواد الخام المكونة للمُنتَج، وقد يعطى ذلك إشارات عكسية بخفض أسعار التأمين وليس زيادتها.
المال: البعض يخلط بين سعر التأمين وأقساط التأمين، بمعنى أنه يحكم على زيادة الأقساط بأنه دليل على زيادة الأسعار وليس ناتج- أقصد زيادة الأقساط- عن زيادة مبالغ التأمين؟
الزهيري: أتفق معك، ولكى تكون دقيقا، ونتحدث بشكل فنى، لايجب أن يكون مؤشر التسعير أو السعر خاضعا للضغوط، بل يجب أن يكون وفق أسس فنية، وسياسة إكتتابية وقبول للخطر حريصة ودقيقة، لتحقيق نتائج اكتتاب جيدة، أو تُعبر عن عدالة التسعير، بمعنى أن يكون السعر عادلا للعميل ولشركة التأمين أيضًا لتمكينها من تحقيق نتائج جيدة وبالتالى ستنعكس على مستوى الخدمة المقدم للعميل.
أخيرًا، أود أن أشير إلى أن هناك فارقا شاسعا بين ، فسعر التأمين هو التعريفة المقابلة لتغطية الخطر، أما القسط فهو الأموال التى يتم الاتفاق على تحصيلها لتغطية الخطر والتى يتم احتسابها وفقًا لمبلغ التأمين، وهو ما يعنى أن زيادة الأقساط مؤشر على زيادة مبلغ التأمين وليس بالضرورة زيادة أسعار التأمين.