محمد فريد الزعيم النبيل الشهيد
(4)
خرج محمد بك فريد من السجن ــ بعد تنفيذ كل العقوبة ــ خرج فى 18 يوليو 1912، ليكتب مقالاً ناريًّا فى جريدة الحزب الوطنى، تحت عنوان: «من سجن إلى سجن»! أما السجن الذى خرج إليه، فهو سجن الأمة المصرية الذى تحده سلطة الفرد ويحرسه الاحتلال!
طفق محمد بك فريد، يواصل جهاده للمطالبة بالاستقلال وبحقوق الشعب منبهًا إلى أن الأمم التى أملت أن تتعايش مع أمم قوية، سرعان ما اكتشفت أن تلك الدول لم تراع عهدًا، ولم تعمل إلاَّ لمصلحتها، وها هى موارد مصر تستنفد، وأنه ليس يكفى الشباب أن يعرف حقوق وطنه، إنما عليه أن يبثها إلى الشعب ليعرف طريقه إلى الحرية والاستقلال!
تربصت سلطات الاحتلال به الدوائر، وجعلت تتحين الفرص للنيل منه وضرب الحركة الوطنية بتصفية رأسها، فلما واصل محمد بك فريد دعوته، وتبنى تأليف نقابات العمال، وأثار وجوب العناية بالفلاح والعامل، وأنشأ مدارس للشعب للتعليم وبث الوعى، وطفق يحث على الجهاد ضد الاحتلال ويطالب بدستور للبلاد، وما إن ألقى محمد بك فريد خطبته فى المؤتمر الوطنى فى مارس 1912، حتى وجدتها السلطات فرصة للانقضاض عليه!
ولم تضيّع السلطات وقتًا، ففى مساء 24 مارس 1912، يصل إلى محمد بك فريد اخطار على منزله بوجوب المثول أمام النيابة صباح الاثنين 25 مارس، واذا بالنيابة بعد هذا الاستدعاء السريع، تستجوبه فى بعض فقرات خطبته، بدعوى أنها تنطوى على التحريض على كراهية الحكومة.
لم يكن الدفاع صعبًا، فما أبداه نقدٌ مشروع تتناوله الكلمات فى مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، والنقد المشروع من المحال أن يُحمل على أنه تحريض على كراهية الحكومة.
بيد أنه لم يكن هناك استعداد لدى السلطات لقبول المنطق والحجة، وانتهى التحقيق الذى حضره أعلام المحاماة إلى جوار الزعيم، بإقامة الدعوى العمومية ضد محمد فريد، بتهمة التحريض على كراهية وبغض الحكومة وازدرائها، وأُحيل إلى محكمة جنايات مصر ومعه إسماعيل بك حافظ مدير جريدة «العَلَم» وعلى فهمى كامل بك (شقيق مصطفى كامل) ــ مدير جريدة «اللواء» لنشرهما الخطبة فى الجريدتين.
واذ تجلت المقاصد الملتوية، وضنَّ الوطنيون بالزعيم أن يسجن مرة أخرى وقد خرج بالكاد من السجن السابق، لذلك فقد ألحّوا عليه فى مغادرة البلاد، واستقر رأى أقطاب الحزب الوطنى على إحباط المؤامرة بهجرة الزعيم محمد بك فريد ليواصل جهاده خارج البلاد، وحتى لا يسكت صوت الحركة الوطنية، ثم يعود إلى الوطن من منفاه الاختيارى بعد زوال الغمّة!
وبرغم الدفاع القوى، بالمنطق والحجة، الذى أبداه أعلام المحاماة: عبد العزيز فهمى، ومحمود أبو النصر، صدر الحكم بحبس محمد بك فريد (غيابيًّا) لمدة سنة، وبحبس إسماعيل بك حافظ وعلى بك فهمى كامل ــ ثلاثة أشهر حبسًا بسيطًا، بيد أن ما ألقاه المحامون فى دفاعهم أمام المحكمة، كان رسالة شديدة القوة فضحت أساليب السلطات فى ضرب الحركة الوطنية!
ظل هذا الزعيم الوطنى النبيل فى منفاه الاضطرارى خارج البلاد، منذ غادرها فى مارس 1912، إلى حين حضرته الوفاة وحيدًا مريضًا فى 15 نوفمبر 1919.
بيد أن هذه السنوات، سنوات المنفى الاضطرارى، ورغم الوحدة والمعاناة وفقده إبنتيه تباعًا عامى 1915، 1916 ــ كانت آية الآيات على وطنية ونبل هذا الزعيم الفريد إسمًا ومُسمًّى، فقد رعى الحركة الوطنية رعايةً كاملة ً مشهودة بخارج البلاد، على ما سوف نرى.
www. ragai2009.com