مـحمد فريد الزعيم النبيل الشهيد (1)
صاحب هذه المسمَّيات، هو محمد بك فريد، أقرب زعماء مصر طُرَّا إلى قلبى، فقد كان نبيلاً فعلاً، وشهيدًا فعلاً، ضحى بكل شىء من أجل وطنه..
كتبت عنه كتابة مطولة فى «رسالة المحاماة» ( دار الشروق 2008 )، وعدت للكتابة عنه فى «فرسان ثوار» (كتاب الهلال 4771 يوليو 2015) تحت عنوان : الفارس النبيل، شهيد الوطنية المصرية.
تعرف شخصية هذا النبيل، حين تراه وهو أكبر سنًّا من مصطفى كامل، وأسبق تخرجًا فى الحقوق بسبع سنوات، يقبل أن ينضوى تحت لواء مصطفى كامل بلا تردد، ثم حمل الراية بعد وفاة مصطفى كامل، ولكن لم تكن هذه بداية إهتماماته بالحركة الوطنية، فقد انخرط فيها وهو لا يزال طالبًا، وقد كتب مذكراته الوطنية بدءًا من عام 1891 إبان أن كان مصطفى كامل فى بداية دراسته بالحقوق، وما كاد يلتحق بالنيابة العامة بعد تخرجه، حتى غلبته وطنيته على اعتبارات الوظيفة، فجاهر وهو وكيل نيابة بتعاطفه مع عامل التلغراف توفيق كيرلس، والشيخ على يوسف، حين دبرت سلطات الاحتلال لمحاكمتهما، بتعلّة أن جريدة المؤيد لصاحبها الشيخ على يوسف نشرت برقية فى 28/ 7/ 1896، وافاها بها توفيق كيرلس، وكانت البرقية صادرة عن السردار اللورد كتشنر، عن أحوال الحملة على دنقلة بالسودان، وكثرة الوفيات والإصابات فيها.
وحين صدر الحكم ببراءة الشيخ على يوسف، وحبس توفيق كيرلس ثلاثة أشهر، ثارت ثائرة الإنجليز، وصبوا جام غضبهم على «محمد فريد» ونجحوا فى إستصدار أمر بنقله لى نيابة بنى سويف على أن يكون مقره فى مغاغة، ولكن محمد فريد أراح الجميع، وإن أغضب إياه، بالاستقالة من النيابة العامة والعمل بالمحاماة ليكون حرًّا فى نشاطه الوطنى كما يشاء !
تستطيع من هذه البدايات، أن تتعرف على نبل هذا الزعيم الوطنى، الذى ضحى من أجل الحركة الوطنية، بحريته ومستقره وماله بعد أن ضحى بوظيفته، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته طريدًا خارج بلده مطارد من سلطات الاحتلال فيها، ولكنه كرس حياته وماله للدعوة لحقوق مصر بالخارج..
فى بدايته، أججت مقالاته التى كان يكتبها تحت عنوان : «ماذا يقولون ؟» أججت غضب السراى وسلطات الاحتلال، وجمع العرائض والتوقيعات للمطالبة بدستور للبلاد، وأفسح للشيخ عبد العزيز جاويش المجال ليكتب مقالات نارية ضد الإنجليز فى صحيفة «اللواء» لسان حال الحزب الوطنى الذى تولى رئاسته بعد رحيل مصطفى كامل، وقاد حملة وطنية للمطالبة بالجلاء ودستور للبلاد، وألهب الشعور الوطنى، وحمل راية نشر التعليم الذى ساهم فيه الحزب بإنشاء مدارس الشعب الليلية التى صارت كتل وعى متنامية، وتقدم للتدريس فيها متبرعون إقتداءً بمحمد فريد.. أخذوا على عاتقهم تنوير الشعب بالتعليم ليعرف حقوقه ويطالب بها ويكافح من أجلها.
تبنى إقامة مؤتمر وطنى حاشد فى القاهرة، إنتهى إلى تشكيل لجنة من عشرة من أعضاء المؤتمر، كلهم من المحامين والحقوقيين بعامة، منهم المحامى المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، والأستاذ محمود بك أبو النصر النقيب الثالث للمحامين، ولم ينفض المؤتمر قبل أن يصدر بالإجماع قرارين حملتهما عريضة تجدد الاحتجاج على الاحتلال الإنجليزى، وتطالب بإعادة الدستور والمجلس النيابى للبلاد.
ترصدته السراى والإنجليز، وقد كشف أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوى، كشف فى مذكراته فى نصف قرن، كثيرًا مما كان يجرى وراء الكواليس بين الخديو والإنجليز، وكيف كان توجسهم من الحزب الوطنى الذى يؤجج الشعور الوطنى، وترصدهم له ولزعيمه محمد فريد.
وحينما تقلد بطرس غالى رئاسة مجلس النظار، على غير رغبة الشعب والقوى الوطنية، تصدى محمد فريد لقراراته التى مالأت الإنجليز، وعارض إبرامه اتفاقية السودان التى أضرت بالسودان لمصلحة الإنجليز، وهاجم بقوة تبنيه مد إمتياز شركة قناة السويس العالمية لسنة 1969 مقابل أربعة ملايين جنيه، وعارض بشدة إعادة قانون المطبوعات الذى يصادر ويقيد الحريات، وقانون النفى الإدارى، الذى به أمعنت السلطات فى التغول على الحريات الشخصية، فأصدرت فى 4/ 7/ 1909، القانون الذى عرف آنذاك بقانون النفى الإدارى، وهو يتيح للسلطة الإدارية نفى من تشاء تحت شعار أنه خطر على الأمن العام إلى الجهات النائية، فنشطت القوى الوطنيه لمقاومته، وفى مقدمها الفارس النبيل شهيد الوطنية محمد فريد، ومعه من أعلام المحاماة محمد لطفى جمعة وأحمد بك لطفى (النقيب فيما بعد)، وصاحبنا الأستاذ محمود بك أبو النصر، أحد أوتاد الحزب الوطنى القديم.
www. ragai2009.com