أكد عدد من ممثلى وخبراء سوق السيارات الكهربائية أن المركبات الخضراء باتت التوجه العالمى لكبار المصنعين بالعالم حاليًا، فى ظل التركيز على وسائل النقل الصديق للبيئة لخفض معدلات التلوث والانبعاثات، ضمن جهود الحد من آثار التغيرات المناخية العنيفة والحفاظ على كوكب الأرض.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى، قد وجه الأسبوع الماضى بضرورة فتح قنوات اتصال للتنسيق بين كل الجهات الحكومية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتشجيع المواطنين على شراء سيارات الركوب الكهربائية، لما لها من مردود إيجابى مهم على الدولة والمواطنين اقتصاديًا وبيئيًا وصحيًا.
وتواصلت «المال» مع عدد من الخبراء بسوق السيارات الكهربائية فى مصر للتعرف على أبرز عوامل نجاح توطين صناعة السيارات الكهربائية وآليات نشر تلك الثقافة بين المواطنين للاعتماد عليها فى المستقبل.
مدحت نافع: نحتاج إلى وضع حوافز ملائمة.. ومحدودية المبيعات أبرز التحديات
فى البداية، قال الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية السابق المالكة لشركة النصر للسيارت، إن الشركة كانت أول من بدأ البحث عن إنتاج سيارة كهربائية داخل مصنع «النصر»، وإجراء مفاوضات مع دونج فينج ثانى أكبر شركة منتجة للسيارات الكهربائية فى الصين.
وأضاف أن مشروع إنتاج سيارة كهربائية فى شركة النصر جاء لتحقيق هدفين رئيسيين، أولهما توطين وتعميق الصناعة، وثانيهما وضع البنية الأساسية الفنية والتشريعية والحوافز الملائمة للمصنعين لفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص المحلى فى مرحلة تالية.
وتابع «نافع» قائلًا إن هناك عددًا من العقبات التى تعترض تلك الصناعة فى مصر، أبرزها محدودية مبيعات السيارات الكهربائية الإجمالية، وانخفاض القدرة التنافسية للتصدير، فضلًا عن غياب محطات الشحن العامة وصعوبة الشحن المنزلى، نظرًا لطبيعة الأماكن المتاحة لصف السيارات الخاصة.
وبحسب البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات، يقدر إجمالى مبيعات الركوب «الملاكي» فى مصر بنهاية العام الماضى 290.8 ألف سيارة، مقابل 231.2 ألف مركبة بنمو بلغ %26.
وأكد «نافع» أن سوق استهلاك السيارة الكهربائية ما زالت محدودة؛ إذ يحتاج مزيدًا من الحوافز التشجيعية خلال الفترة المقبلة التى من أبرزها إعلان الدولة عن استراتيجية وطنية لتصنيع السيارات فى ضوء إلغاء التعريفة الجمركية على الوحدات الواردة من الاتحاد الأوروبى، ما يجعل صناعة التجميع أمرًا قليل الجاذبية للاستثمار.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قال فى تصريحات الشهر الماضى، إنه اعتبارًا من العام المقبل سيتم إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية، لافتًا إلى أن تكلفة هذا النوع مرتفعة، وتحتاج لبنية أساسية ضخمة، وأشار إلى أن مصر تتحرك بسرعة فى هذا المجال.
وعرض وزير قطاع الأعمال، هشام توفيق، أمام الرئيس الموقف التنفيذى لاستراتيجية الدولة لتعظيم استخدام سيارات الركوب الكهربائية على مستوى الجمهورية.
وقال وزير قطاع الأعمال، إنه يتم العمل على توطين صناعة السيارات الكهربائية، من خلال توفير البنية التحتية اللازمة من محطات شحن لتغطية الجمهورية، إضافة إلى توفير حافز أخضر لتشجيع الإقبال على تلك السيارة.
وذكر «توفيق»، أن مراحل توطين صناعة تلك السيارات بدأت منذ الربع الأخير من عام 2019، وتم تحقيق عدة خطوات ناجحة، أبرزها إصدار تسعيرة الكهرباء، وكذلك رسوم شحنها بالتعاون مع وزارة الكهرباء، وتم اعتمادها من مجلس الوزراء.
وتابع وزير قطاع الأعمال، قائلًا إنه تم الحصول على موافقة وزارة المالية على تقديم دعم نقدى يصل إلى 50 ألف جنيه لمشترى السيارة الكهربائية المصنعة محلياً، إضافة إلى الاتفاق على إنشاء شبكة تتضمن 3000 محطة شحن فى 3 محافظات خلال عامين.
«زين»: نمتلك القدرة على تدبير %50 من المكون المحلى
وقال أحمد زين، رئيس شركة «Alienz»، التى تعمل فى السيارات الكهربائية ومحطات الشحن الكهربائى، إن سوق صناعة السيارات فى مصر واعدة جدًا، خاصة بعد دعم القيادة السياسية لهذا الملف، مطالباً بالتنسيق والتعاون مع المؤسسات الحكومية المختلفة والقطاع الخاص والنظر لمتطلبات السوق على أرض الواقع.
وتابع أن وضع سوق السيارات الكهربائية حاليًا فى مصر يعانى عدم توافر المنتج الذى يلبى الطلب المتزايد لدى المواطنين على تلك النوعية من السيارات، مؤكداً أن الطلب خلال العام الماضى تضاعف مقارنة بالأعوام السابقة.
وأكد «زين» أهمية العدول عن قرار وقف استيراد السيارات الكهربائية المستعملة لمدة عامين فقط ولو بشكل مؤقت لتلبية احتياجات السوق لحين بدء الإنتاج الفعلى داخل مصر، وذلك بشروط وضمانات تضمن استيراد موديلات بتكنولوجيا متطورة، وليست متهالكة كما يتخوف البعض.
وأشار إلى أنه لنجاح استراتيجية توطين تلك الصناعة يجب متابعة تحركات السوق العالمية، لافتاً إلى تطور تلك الصناعة بشكل جيد للغاية مؤخراً، لتصبح السيارة تسير فى الشحنة الواحدة لمسافة 300 و400 كيلو وبكفاءة عالية.
وأكد أن إمكانيات الصناعة المصرية تسمح بوصول حجم المكون المحلى إلى %50 بعد الشراكة مع القطاعات الحكومية والخاصة لتحقيق التكامل، وارتفاع نسبة المكونات المحلية مقابل المستوردة.
وقال “زين” إن الحكومة تسير بخطى ثابتة نحو الاعتماد على آليات التنقل الكهربائى والصديق للبيئة، ومنها تنفيذ مشروع الأتوبيسات الترددية على الدائرى، وانضمام عدد من الكهربائية ضمن أسطول النقل العام.
وذكر أنه يتم تجهيز العاصمة الإدارية الجديدة حالياً بكل أعمال البنية التحتية للاعتماد على وسائل المواصلات الكهربائية والصديقة للبيئة، من خلال نشر نقاط الشحن وتمهيد الطرق بالمواصفات المطلوبة.
وأشاد بقرار إعفاء السيارات الكهربائية من الجمارك بهدف نمو تلك النوعية فى السوق المصرية وتحفيز اقتنائها، لافتًا إلى أن الرئيس شدد فى أكثر من مناسبة رسمية على سرعة الاعتماد على تلك الصناعة.
ولفت إلى أن مشروع الدولة لإحلال وتجديد السيارات المتهالكة ويحل محلها سيارات الوقود النظيف «Go Green»، وتحديث مركباتهم أسهم فى تغير ثقافة المواطنين لاستخدام تلك السيارات.
يذكر أن وزارة المالية أنفقت خلال العام الأول منذ إطلاق مبادرة إحلال المركبات التى مر على إنتاجها 20 عامًا بأخرى تعمل بالوقود المزدوج «غاز طبيعى – بنزين» ما يقرب من 300 مليون جنيه كحافز أخضر (مقدمات للسيارات الجديدة تسدد لشركات السيارات نيابة عن المتقدم للمبادرة).
وأشاد “زين”، بدور وزارة قطاع الأعمال من خلال إحياء شركة النصر للسيارات وعودتها من التصفية والبحث عن شريك لإنتاج السيارة الكهربائية داخل مصانع “النصر”، لافتًا إلى أن تلك الخطوات تؤكد مساعى الدولة لنجاح المشروع.
«إبراهيم»: نخطط لإنشاء 100 نقطة شحن لتلبية متطلبات السوق
وفى سياق آخر، أكد عز إبراهيم، رئيس شركة شاحن، أن الشركة تتبنى خطة طموحة لإنشاء 100 نقطة شحن كهربائى فى نطاق الجمهورية، لتلبية متطلبات السوق بعد الإقبال على تلك السيارة من قبل المواطنين.
وأضاف “إبراهيم”، أن أغلب وكلاء السيارات بدأوا تغيير رؤيتهم لذلك النوع من السيارت والاعتماد عليها فى الخطط المستقبلية، لافتاً إلى أن عددا من الشركات الكبرى استوردتها، ومنها «بورش» و«جاكوار» و«بى إم دبليو».
وتابع إننا نعمل من خلال الشركة على تنظيم عدد من الندوات واللقاءات لنشر الوعى لدى المواطنين بأهمية الاعتماد على السيارة الكهربائية والمميزات التى تتمتع بها.
وقال «إبراهيم»، إن السيارة الكهربائية لا تحتاج لصيانتها بشكل مستمر، خاصةً أنها تتمتع بتكنولوجيا جيدة، لكن يبقى التحدى الأكبر فى ارتفاع سعرها، متوقعاً انخفاضه فى المستقبل القريب بعد زيادة معدلات التصنيع.
وكانت «المال» قد نشرت مطلع يناير الماضى، أن شركة النصر للسيارات فى طريقها للإعلان عن شريكها الجديد، بعد الاستقرار على إحدى الشركات الصينية المتخصصة فى إنتاج السيارات الكهربائية، ومن المتوقع أن تكون بأسعار جاذبة للسوق.
يشار إلى أن وزارة قطاع الأعمال أعلنت فشل المفاوضات مع شركة دونج فينج لإنتاج السيارة طراز «E70»، فبراير الماضى بسبب الاختلاف على نسب المكون المحلى والسعر النهائى لمكونات السيارة (المستورد من الشركة الصينية)، فى ظل حدوث متغيرات مستمرة بسوق السيارات الكهربائية الذى ينمو بمعدلات كبيرة سواء داخل الصين أو عالميًّا.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار مطلع العالم الحالى بدء تشعيل ما يقرب من 20 سيارة كهربائية فى منطقتى وادى الملوك والدير البحرى بالبر الغربى بالأقصر لنقل الزائرين داخل المنطقة الأثرية.
وقالت الوزارة فى بيان لها إن الخطوة تأتى فى إطار مشروعها لتطوير خدمات الزائرين فى 30 موقعًا أثريًا على مستوى الجمهورية كمرحلة أولى، للعمل على تحسين وإثراء تجربة الزائرين خلال جولتهم بالمناطق الأثرية وتشجيعهم على الزيارة عدة مرات.
وفى سياق متصل، توقعت وكالة الطاقة الدولية” IEA “ فى تقرير تزايد الطلب على المركبات الكهربائية بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، ما يزيد من كثافتها على الطرق لتصل إلى 145 مليون مركبة بنهاية 2030، ما يكلل جهود الحكومات بالنجاح، خاصة فى ظل مساعيها الرامية للحد من التلوث عبر إلزام منتجى السيارات للتحول من المركبات التقليدية العاملة بالوقود التقليدى إلى الطاقة النظيفة.
وأشارت الوكالة إلى أن أعداد السيارات الصديقة للبيئة التى تسير على الطرق فى جميع أنحاء العالم بلغ بنهاية 2020 ما يقرب من 10 ملايين مركبة.
وكشفت الوكالة عن حجم المحفزات الحكومية لتشجيع إنتاج المركبات الكهربائية عالميًا، والذى بلغ فى نهاية العام الأول من وباء كورونا ما يقرب من 14 مليار دولار.
وتوقع موقع «statista» تزايد الحصة السوقية للسيارات الكهربائية إلى %80 من إجمالى مبيعات المركبات الجديدة فى العالم بحلول عام 2050، كما تكهن بأن تمثل المركبات التى تعمل بالبطاريات %70 من إجمالى المرخص والذى يسير على الطرق.
وذكر التقرير أن التحليلات تشير إلى استحواذ السيارات الكهربائية بحلول عام 2030 على حصة تمثل %25 من إجمالى مبيعات المركبات الجديدة فى العالم، أى أن من بين كل 4 مركبات جديدة مبيعة ستكون هناك واحدة تعمل بالبطاريات.
وتسعى كبار الكيانات المنتجة للسيارات فى العالم لضخ حزمة من الاستثمارات على المدى الزمنى المتوسط والطويل، بهدف تحويل إنتاجها من المركبات التقليدية العاملة بالديزيل أو البنزين إلى الكهرباء بالكامل.
وأعلنت شركة جنرال موتورز الأمريكية، المالكة لعلامات شيفروليه وغيرها، نيتها لضخ استثمارات بقيمة 35 مليار دولار، بهدف إنتاج 30 موديًلا جديدًا يعمل بالبطاريات بحلول 2025.
كما أعلن تحالف «رينو- نيسان» عن نيته لضخ استثمارات جديدة مشتركة فى صناعة السيارات الكهربائية بقيمة 26 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، على أن تتولى “نيسان” قيادة عملية تطوير تقنية البطاريات، بينما ستطلق «رينو» سيارة «مُعرّفة بالبرمجيات» بحلول عام 2025.
وتستهدف شركة بنتلى الإنجليزية، المتخصصة فى إنتاج السيارات الفاخرة، ضخ استثمار ما يقرب من 4 مليارات دولار لتطوير التصنيع والتخلى عن السيارات العاملة بمحركات كبيرة فى المقابل تقديم سيارات هجينة وكهربائية فقط بحلول عام 2026، وتحويل جميع طرازاتها إلى سيارات تعمل بالبطاريات بالكامل على المدى الزمنى الطويل.
وأعلنت مجموعة فولكس فاجن، المالكة لعلامات فولكس فاجن وأودى وسيات وسكودا وبورش وغيرها، خطتها لاستثمار 52 مليار يورو لتطوير وإنتاج سيارات كهربائية جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، ضمن خطتها للحفاظ على صدارة صناعة السيارات فى العالم، فى ظل المزاحمات التى تقوم بها الصين حاليًا، خاصة أنها أكبر سوق منتجة للمركبات الخضراء فى العالم.