صندوق النقد يتوقع ارتفاع صافى التدفقات الخارجية محلياً إلى 8.6 مليار دولار فى العام المالى الحالى مقابل 5.4 مليار للماضى
تأثرت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة للأسواق العالمية فى العامين الماضيين نتيجة جائحة كورونا الأمر الذى يؤثر بالطبع على السوق المحلية، ورغم عدم وجود إحصائيات حديثة بشأن حجم التدفقات فى العام الماضى أو توقعات العام الجارى ؛ يشير آخر التقارير الذى أصدرته منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة “أونكتاد” فى أكتوبر الماضى إلى أن النصف الأول من العام الماضى شهد انتعاشا أقوى من المتوقع فى الاستثمارات عالميا إلى ما يقدر بنحو 852 مليار دولار بعد تراجعها الكبير فى عام 2020.
ورأت “أونكتاد” أن هناك حالة من عدم اليقين والضبابية عالميا أرجعتها إلى عدد من العوامل المهمة مثل مدة الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا، ووتيرة التطعيمات، خاصة فى البلدان النامية، وسرعة تنفيذ تحفيز البنية التحتية،وعوامل أخرى مثل العمالة والاختناقات فى سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار الطاقة والضغوط التضخمية.
ويعول اقتصاديون على أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعا فى تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى السوق المحلية لاسيما فى ضوء المجهودات التى تبذلها الحكومة والمشروعات العملاقة ، ويرون القطاعات التى ستشهد تدفقات هى البنية التحتية بجانب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقطاع الطبي.
عبد العال: برنامج الإصلاح الهيكلى و المشروعات القومية والبنية الأساسية أبرز عوامل زيادة معدلاتها محليا
بداية، قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميا تقلص فى العامين الماضيين نتيجة تفشى جائحة كورونا ، وهذا كان وضعا طبيعيا خاصةً فى أفريقيا التى تأثرت جراء تلك الأزمة العالمية ، مشيرا إلى أن مصر كانت أقل الدول انخفاضا واستحوذت على أكبر نسبة من الاستثمارات المتجهة للقارة السمراء.
كانت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط ، قالت – فى تصريحات سابقة فى شهر نوفمبر الماضي- إن مصر احتلت المرتبة الثانية بين أكثر الوجهات العربية جاذبية للاستثمار الأجنبى المباشر فى عام 2020 وأكبر متلقى للاستثمار الأجنبى المباشر فى أفريقيا فى عام 2020 إذ استحوذت التدفقات الواردة إلى البلاد على 15٪ من إجمالى 39.8 مليار دولار قادمة إلى القارة.
وأكدت وزيرة التخطيط أن مصر تلقت 5.9 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى عام 2020 بما مثل 14.5٪ من 40.5 مليار دولار تم استثمارها فى المنطقة فى ذلك العام، وفقًا لتقرير مناخ الاستثمار الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، مضيفةً أن مصر جاءت فى المرتبة الثانية لتتلقى 19.9 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مدار العام.
كانت بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزى المصرى منتصف أكتوبر أشارت إلى تراجع صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر العام المالى الماضى( 2020/ 2021 ) مقارنة مع العام المالى السابق عليه ، مضيفا أن ذلك كان متسقا مع تراجع الاستثمار الأجنبى المباشرعالميا ونتيجة طبيعية لمخاوف المستثمرين الناجمة عن استمرار أزمة كورونا عالميا.
وأكد “عبد العال”، لـ”المال”، أن هناك سلسلة من العوامل التى ستؤدى إلى زيادة معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى العام الجارى بمصر من بينها تنفيذ الحكومة المصرية لبرنامج الإصلاح الهيكلى الذى سيؤثر فى صالح بناء بيئة استثمارية أفضل.
فضلاً عن استمرار تنفيذ المشروعات القومية التى توفر المرافق اللازمة للمستثمرين كمشروعات الطاقة النظيفة والكهرباء والغاز بجانب البنية الأساسية مثل الطرق والموانئ والمطارات، وتكوين مجمعات زراعية وصناعية كبيرة.
بالإضافة إلى استقرار سعر الصرف وثباته بما لا يشكل أى مخاطر على المستثمر الأجنبى، كما أن قوانين الاستثمار تسمح للمستثمرين بتحويل النقد الأجنبى وأرباحهم فى أى وقت، وغيرها من العوامل التى ستساعد على زيادة معدل نمو الاستثمار الأجنبى المباشر فى عام 2022.
وتابع إنه مع استمرار معدل نمو الاقتصاد المصرى الذى سجل فى الربع الأول من العام المالى الجارى (2021/ 2022 ) نحو 9.8 % من المتوقع أن يسجل 5.5 % فى نهاية العام نفسه.
وأشار إلى أن القطاعات الاستثمارية التى ستكون الأكثر زخما هى القطاع الطبى ، والمقاولات “تطوير البنية الأساسية “ وتطوير القطاع الزراعى الحديث ، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
وكذلك الاستثمار فى قطاع الشركات غير المالية التى تعمل فى العمليات المصرفية البنكية، بجانب خدمات التجزئة غير المصرفية مثل” consumer banking” والتكنولوجيا المالية ، فضلا عن مجال التجارة الخارجية وخدماتها ، و أنشطة الصناعات البديلة لتوطين الصناعات الوطنية.
وتوقع “عبد العال”، أن يشهد الاستثمار فى مناطق الصعيد زخماً فى الفترة المقبلة.
وتوقع صندوق النقد الدولى، يوليو الماضي، ارتفاع صافى تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المصرية إلى 8.6 مليار دولار فى العام المالى الحالى مقابل 5.4 مليار العام الماضى، تقفز إلى 11.7 مليار فى العام المالى المقبل (2022/ 2023) و16.5 مليار فى العام المالى 2024/ 2025.
وقال “عبد العال”، إن الاقتصاد المصري يمتاز بالتنوع ولا يعتمد على قطاع واحد الأمر الذى يحقق توازنا فى احتياجاته، فضلاً عن أنه سوق مستهلك قائم بذاته إذ يفوق عدد السكان 100 مليون نسمة.
وتوقع أن تستقر الاستثمارات الأجنبية فى أذون وسندات الخزانة محلياً فى العام الجارى عند مستواها الذى سجلته فى العام الماضى ، بارتفاع أو انخفاض فى حدود 5 مليارات دولار تعكسه التطورات الخارجية وسياسات البنوك المركزية العالمية وسياسات الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي.
وأظهرت بيانات البنك المركزى المصرى تسجيل أرصدة الأجانب فى أذون الخزانة 22.061 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضى مقابل 24 مليار بنهاية سبتمبر الماضي.
وقال “عبد العال”، إن هناك توقعات ترى أن كلا من البنوك الأوروبية والفيدرالى الأمريكى سيتبعان سياسة تقييدية “تقشفية” مع الاتجاه لرفع سعر الفائدة، الأمر الذى من المتوقع أن ينعكس على الاستثمار غير المباشر” أذون وسندات الخزانة”.
لكن “عبد العال” يتوقع أن يؤجل الفيدرالى الأمريكى قرار رفع الفائدة إلى الربع الثانى من العام الجاري.
كانت وزيرة التخطيط قالت – فى تصريحات صحفية سابقة – إن الحكومة المصرية تبذل مجهودات كبيرة لخلق بيئة أعمال أكثر ملائمة ، ونفذت استثمارات فى البنية التحتية فى السنوات الأخيرة، وأكدت أيضا الحرص فى الفترة المقبلة على تمهيد الطريق أمام القطاع الخاص ليأخذ زمام المبادرة فى الاستثمار ودفع النمو الاقتصادي.
وزيرة التخطيط أضافت أنه من أجل تحسين بيئة الأعمال وتشجيع مشاركة القطاع الخاص، فقد اعتمدت الحكومة المصرية عددًا من السياسات والإصلاحات، مشيرة إلى القوانين الرئيسية والإجراءات الحكومية المتخذة منذ عام 2018 حتى الآن، والموجهة نحو تحسين بيئة الأعمال فى مصر والمتضمنة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الاستثمار، والإصلاح الضريبى، بجانب تفعيل الخريطة الاستثمارية، إضافة إلى التعديلات التى تمت على قانون المؤسسات العامة، وقانون الجمارك، والتعديلات على قانون سوق رأس المال، وقانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب البعد القانونى والمؤسسى.
أبو هند: عدم يقين عالمى لوضعها فى العام الجارى.. وترقب لقرارات الفيدرالى الأمريكى والبنوك الأوروبية بشأن الفائدة
وقال أيمن أبو هند، الشريك المؤسس، مدير الاستثمار لشركة «Advisable» الأمريكية، إن أبرز القطاعات التى شهدت تدفقات استثمارات بالسوق المحلية العام الماضى تمثلت فى البنية التحتية بالشراكة مع الحكومة ، بجانب التكنولوجيا و التكنولوجيا المالية نوعا ما والصحة.
وتوقع فى تصريحاته لـ”المال”، أن تتركز تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى العام الجارى على قطاعات الصحة والتكنولوجيا المالية والمعلومات والبنية التحتية، مشيرا إلى أن قطاع العقارات لن يشهد ارتفاعا فى هذا السياق.
وحول كيفية استفادة مصر من الأزمة الحالية فى سلاسل التوريد عالميا وجذب استثمارات أجنبية ، قال إن تلك الأزمة ستستمر عالميا لكن ستضعف حدتها، مشيرا إلى أنه لكى نستفيد لابد أن نبحث عن القطاعات التى ستشهد استمرار فى أزمتها عالميا خاصةً فى أسواق آسيا وأوروبا ونتجه لتصنيع منتجاتها محلياً، لاسيما وأن تبعات أزمة سلاسل الإمداد تتمثل فى طول مدد تصنيع المنتجات وتسليم الشحنات ، وارتفاع أسعار الشحن.
وبخصوص حجم الاستثمار العالمى المتوقع فى العام الجارى ، قال إن هناك عدم يقين فى هذا الشأن ، وترقب لما ستسفر عنه قرارات الفيدرالى الأمريكى والبنوك المركزية الأوروبية بشأن معدلات أسعار الفائدة، و من الممكن فى حال رفع الفيدرالى الأمريكى أسعار الفائدة أن تعود رؤوس الأموال مرة أخرى للسوق الأمريكية.
ولفت “أبوهند” إلى أن جائحة كورونا لم تعد هى العامل المؤثر بصورة كبيرة على الاقتصادات العالمية ومعدلات الاستثمار بل عوامل أخرى مثل سعرالفائدة والسياسة التقشفية التى ستتبعها البلدان.
كانت فلافيا بالانزا، مديرة عمليات الإقراض لدى بنك الاستثمار الأوروبى فى البلدان المجاورة للاتحاد، قالت فى حوار مع “المال” نشر مؤخرأً ، إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر شهدت نموا فى السنوات الأخيرة ولكن بوتيرة بطيئة من معدل الناتج المحلى الإجمالى الاسمى، ومن المهم استمرار السلطات فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التى تجعل مصر مقصداً جذاباً للمستثمرين.
وأضافت أن الاقتصاد المصرى كان من بين عدد قليل من الاقتصادت الذى تجنب الركود الذى سببه وباء كورونا، مشيرةً إلى أن سياسات التيسير النقدى والمالى الحكيمة وفى الوقت المناسب ساعدت على حماية الاقتصاد من العبء الكامل للأزمة.
يشار إلى أن البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية توقع فى تقرير أصدره نوفمبر الماضى ارتفاع معدل نمو الاقتصاد المصرى إلى %4.9 العام المالى الجارى، مدعومًا بالازدهار فى قطاع الاتصالات، وانتعاش الاستهلاك الخاص وعائد الاستثمار الأجنبى المباشر.
وقالت إليكسا تييمان، الخبيرة الاقتصادية لدى بنك الأوربى لإعادة الإعمار لمنطقة جنوب وشرق المتوسط، قالت – فى تصريحات سابقة لـ”المال” – إن أداء الاقتصاد المصرى بصورة عامة أفضل من بلدان أخرى فى المنطقة والعالم، مضيفةً أن مصر كانت من بين دول قليلة بالعالم التى حققت نموًا إيجابيًّا فى 2020 بعد تفشى وباء كورونا، وأرجعت ذلك بسبب الاستثمارات الحكومية، وصلابة الاقتصاد، وبفضل الإصلاحات الاقتصادية التى تبنتها الحكومة منذ عام 2016