لم تسلم شركات الغزل والنسيج التابعة للقطاع العام من تداعيات الأزمة التي تجتاح القطاع، من عدة أبعاد، أهمها الارتفاعات الجنونية اليومية في أسعار الغزول والأقطان وعدم توافرها في الأسواق.
وترتب علي هذه الأزمة اضطرار شركات النسيج لرفع أسعار البيع، فلم يجد التجار إلا إلغاء تعاقدات توريد القماش من جانب المصانع، مما أدي إلي تراكم المخزون بها وعدم وجود سيولة للاستمرار في العملية الإنتاجية، فلجأت إلي التوقف الجزئي أو تحمل جانب من الخسارة للوفاء ببعض التعاقدات التصديرية للحفاظ علي العملاء.
وفي خضم الأزمة فوجئت المصانع بقرار الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية، توقف صرف الدعم علي مبيعات الغزل ابتداء من 30 يونيو من العام المقبل، وذلك بالتزامن مع تهديد الشركات التابعة لـ”القابضة للغزل” ببيع الغزول بالأسعار الحرة التي تتحدد وفق تكاليف العملية الإنتاجية وهامش الربح الذي تستهدفه هذه الشركات.
بعض شركات النسيج التابعة للقطاع الخاص تُقلل من خطورة قرار “بطرس غالي”
وفي الوقت نفسه قللت بعض شركات النسيج التابعة للقطاع الخاص من خطورة القرار، وساقت عدة مبررات، أهمها أنها تقوم بشراء الغزول من الشركات المنتجة له وفي مقدمتها شركات “القابضة للغزل” بأسعار التكلفة الفعلية، مستشهدة بالارتفاع اليومي في أسعار الغزول الذي يواكب الارتفاع المستمر في أسعار القطن، معتبرة أن المصانع لا تستفيد من الدعم، فيما ذهب فريق آخر من أصحاب المصانع إلي أن القرار لن يؤثر عليها حيث إن العديد من مصانع النسيج توقفت بالفعل عن الإنتاج بسبب الخسائر وأوشكت المصانع الأخري علي الإغلاق بعد أن تنتهي من الوفاء بتعاقداتها التصديرية.
وتنبئ الأزمة الحالية التي تمر بها شركات الغزل والنسيج التابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج بسقوط الشركات مرة أخري في دوامة تعارض مصالح الجهات الحكومية وغير الحكومية التي تمثل أطرافاً رئيسية في الأزمة، وهذه الجهات تتعدد ما بين وزارة المالية المسئولة عن توفير الدعم سواء لمبيعات الغزول أو صادراتها، وكذلك وزارة الزراعة المسئولة عن آليات تصدير واستيراد الأقطان والرقعة الزراعية المتاحة لزراعة القطن، فضلاً عن وزارة التجارة والصناعة المسئولة عن مراقبة التجار ومتابعة سعر البيع للمستهلك، بالإضافة إلي وزارة الاستثمار التي تتبعها هذه الشركات، يأتي ذلك بعد أن أعلنت الحكومة بشكل رسمي عن عدم نيتها تصفية أي من شركات قطاع الأعمال العام وتبني مفاهيم مختلفة تعتمد علي إعادة ضخ الاستثمارات لهذه الشركات كي تتمكن من المنافسة مع القطاع الخاص.
فؤاد عبدالعليم: توقف الدعم سيؤدي لزيادة حدة الأزمة الحالية
من جانبه قال فؤاد عبدالعليم، رئيس مجلس إدارة شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة أكبر شركات إنتاج الغزل التابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج، إن توقف الدعم سيؤدي لزيادة حدة الأزمة الحالية، مؤكداً أنه من شأن تطبيق هذا القرار زيادة الأسعار بشكل متواصل، مطالباً بضرورة صرف الدعم للفلاح لتشجيعه علي التوسع في زراعة القطن.
وطالب عبدالعليم بوقف تصدير القطن نظراً للصعوبات التي تعاني منها شركات “القابضة” في الحصول علي الأقطان سواء المحلية أو المستوردة، مشيراً إلي أن معظم أسواق العالم المصدرة للأقطان أوقفت صادراتها خاصة الدول الكبري في إنتاج القطن مثل الهند.
كانت “المال” قد كشفت الاثنين الماضي عن تكبد “مصر للغزل” ما يقرب من 100 مليون جنيه كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الأقطان في السوق المصرية.
كما قالت الشركة إن هناك ما يقرب من 34 مصنعاً تابعة لها، مهددة بالتوقف خلال الـ15 يوماً المقبلة.
وقال محمود الغمري، رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية للغزل والنسيج، إن توقف الدعم المالي لمبيعات شركات الغزل والنسيج لابد أن يقترن بالسماح لشركات الأقطان بالبيع بالسعر الحر.
محمود الغمري يطالب بالتوسع في زراعة القطن والسماح للاستيراد من جميع الدول
وطالب الغمري بضرورة التوسع في زراعة القطن المصري والسماح للاستيراد من جميع الدول للتغلب علي أزمة ندرة الأقطان وارتفاع أسعارها بشكل دوري.
واتفق معه في الرأي سامي فراج، رئيس مجلس إدارة الشركة الشرقية للغزل والنسيج التابعة للشركة القابضة، في أن شركات الغزل طالبت أكثر من مرة بوقف الدعم بشرط أن تبيع الغزول بالسعر الحر خاصة، أن وزارة المالية تتأخر في صرف مستحقات دعم مبيعات الغزول.
وأضاف فراج: إن الشركة تتوافر لديها السيولة اللازمة لشراء الأقطان، إلا أنها لا تستطيع الشراء نظراً لعدم توافر الكميات اللازمة، وهو ما يهدد الشركة بالتوقف الكامل خلال أسبوعين من الآن.
في حين أكد محمد فريد خميس، رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، أنه من شأن قرار وزارة المالية التوقف عن صرف أي دعم علي مبيعات الغزول بعد يونيو 2011 وأد صناعة الغزل والنسيج في مصر والقضاء عليها نهائياً، مطالباً وزارة المالية بالعدول عن هذا القرار بأقصي سرعة.
ورداً علي ما أعلنته وزارة المالية من أن دعم الغزول يمثل عبئاً علي كاهل الموازنة العامة للدولة شدد خميس علي ضرورة إحداث توازن في بنود الموازنة العامة للدولة وتوفير الدعم اللازم لصناعة الغزل والنسيج باعتبارها من الصناعات الأساسية وتستوعب أعداداً هائلة من الأيدي العاملة في مصر إلي أن تتم إعادة هيكلتها.
وأوضح أن أزمة توقف مصانع الغزل والنسيج في الوقت الحالي تعود إلي مجموعة من الأسباب الرئيسية آخرها ارتفاع أسعار الأقطان وندرتها في السوق بشكل كامل، فضلاً عن ارتفاع أسعار الخامات البديلة للقطن مثل البوليستر بالإضافة إلي تهريب الغزول للخارج بالأسعار المحلية.
محمد فريد خميس: حل مشكلة الغزول في مصر يتمثل في التوسع في استيراد الأقطان
ويري خميس أن حل مشكلة الغزول في مصر يتمثل في التوسع في استيراد الأقطان من الخارج والاعتماد علي بدائل القطن مثل البوليستر وغيره.
واستبعد خميس جدوي صدور قرار بوقف تصدير القطن المصري لحل المشكلة القائمة، خاصة أن القطن المصري طويل التيلة وأسعاره مرتفعة ولا يستخدم في مصر ومن الممكن استبداله باستيراد القطن قصير التيلة.
ومن جانبه قلل محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات المصرية من التأثير السلبي لقرار وزارة المالية وقف دعم المبيعات بعد يونيو 2011، خاصة أن هذا الوقت كاف لحل أزمة الغزول، مؤكداً أن القرار يتضمن إعادة النظر في وقف الدعم في حال وجود ظروف طارئة تستدعي ذلك أو في حال تحسن مؤشرات الأداء المالي والاقتصادي للموازنة العامة للدولة بعد هذا التاريخ.
وأكد أن غرفة الصناعات النسيجية هي التي طالبت بوجود الدعم لحل الأزمة القائمة، وتم بالفعل صرف المستحقات لبعض الشركات بالكامل، حتي مبيعات الشهر الماضي وجار الانتهاء من أوراق صرف المستحقات لباقي المصانع.
ووصف المرشدي المطالبين بوقف تصدير القطن المصري للخارج بعدم العقلانية، مشيراً إلي أن القطن المصري لا يستخدم في مصر، ومن ثم يتم تصديره للخارج واستيراد القطن قصير التيلة من الخارج بسعر أقل.
وأكد أن غرفة الصناعات النسيجية لم تتلق حتي الآن أي إخطار رسمي بتوقف المصانع المنتجة للغزل والنسيج في مصر، مشيراً إلي أنه لا يعني بذلك التقليل من حجم الأزمة القائمة وتتمثل في ندرة الأقطان وارتفاع أسعارها بشكل مستمر وصل إلي ثلاثة أضعاف.
وتوقع أسامة مسعد، مدير مصنع المحلة الكبري للنسيج، أن تزداد أزمة أسعار الغزول اشتعالاً بعد قرار وزارة المالية وقف صرف الدعم علي مبيعات الغزل، اعتباراً من نهاية يونيو المقبل، مشيراً إلي تضاعف أسعار الغزول بالسوق المحلية خلال الفترة الأخيرة بسبب الأزمة، ولفت إلي تراكم مخزون المصنع من المنسوجات، بسبب عدم قابلية التجار للتعامل بالأسعار الجديد نتيجة التغيير اليومي في أسعار الغزول.
أسامة مسعد: شركات الغزل والنسيج تتحمل مسئولية تأزم الوضع الحالي
وحمل مسعد شركات الغزل والنسيج التابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس الجاهزة مسئولية تأزم الوضع الحالي لعدم تنفيذ التوصيات التي تم التوصل إليها خلال أكتوبر الماضي، للتغلب علي الأزمة.
يذكر أن القابضة للغزل عقدت أكثر من اجتماع مع مسئولي صناعة الغزل والنسيج محلياً خلال أكتوبر الماضي، وانتهت الاجتماعات بالاتفاق علي أن تقوم الشركات التابعة بتوحيد أسعار الغزول وفق السعر العادل، عبر لجنة تضم جميع الأطراف المسئولة عن تحديد السعر الاسترشادي، علي أن يتم تثبيت الأسعار لمدة 15 يوماً وتعاد مراجعتها مرتان شهرياً.
وشمل الاتفاق كذلك التأكيد علي أهمية عودة الدعم المقدم من الحكومة إلي ما كان عليه بعد أن انخفض بواقع 25%، بالإضافة إلي المطالبة بزيادة الدعم بنسبة 50%، توجه لصالح تخفيف أسعار الغزول بنفس القيمة المضافة للدعم، فيما استقرت الشركات التابعة لـ”القابضة” علي أن أولوية بيع الغزول ستكون لصالح المصانع ثم الجمعيات الأهلية والتجار بعد ذلك، بشرط أن يكون التعامل بشكل نقدي وفوري.
وأوضح مسعد أن عدم استجابة شركات »القابضة« للتوصيات السابقة، دفع مصانع النسيج الخاصة إلي التعامل مع التجار لتوفير الغزول، مبرراً ذلك بأن الشركات لم تثبت الأسعار وإنما تحددها وفقاً لتكاليف الإنتاج الفعلية، في حين استغل التجار مخزون الغزل الذي جمعوه خلال الفترة الأخيرة في البيع بأسعار أقل نسبياً من الشركات.
ولم تمر الأزمة دون إلحاق اضرار جسيمة بمصانع النسيج التابعة لجمعية شبرا الخيمة، فقد أوضح أسامة حسن مدير عام الجمعية أن معظم المصانع أوقفت العملية الإنتاجية بسبب اشتعال أسعار الغزول مؤخراً وعدم وجود أسواق لتصريف المنتجات النهائية المتمثلة في الأقمشة، الأمر الذي أدي إلي تراكم مخزون المصانع لرفض المستهلكين الزيادة في أسعار القماش، الناجمة عن الارتفاعات الجنونية في أسعار الغزول، موضحاً أن متوسط سعر الغزل وصل إلي 35 ألف جنيه للطن.
أسامة حسن: الأزمة الحالية غير مقتصرة علي ارتفاع أسعار الغزول في السوق المحلية
وأشار حسن إلي أن الأزمة الحالية غير مقتصرة فقط علي ارتفاع أسعار الغزول في السوق المحلية، موضحاً أن الأسعار العالمية أيضاً مرتفعة بشكل كبير، الأمر الذي يحجم عمليات استيراد الغزول، مما أدي لعدم توافرها بالسوق المصرية.
وأضاف: إن المصانع التي تواصل العمل حالياً لا تعمل بكامل الطاقة الإنتاجية لها، وإنما تحاول تحمل هامش خسارة للوفاء بالتزاماتها التصديرية، في حين فضلت بعض المصانع الأخري إيقاف العمل وإلغاء تعاقداتها التصديرية لعدم قدرتها علي تحمل الخسائر.
ويتوقع العديد من المحللين ارتفاع تكاليف إنتاج مصانع النسيج ابتداءً من نهاية يونيو المقبل، في حال تنفيذ قرار وزير المالية التوقف عن صرف دعم مبيعات الغزول، غير أنه كان لمدير عام جمعية شبرا الخيمة رأي آخر فقد كشف عن عدم ممانعة الجمعية وقف دعم مبيعات الغزول من الوقت الحالي، مبرراً ذلك بأن المصانع الخاصة لا تستفيد منه نتيجة الارتفاعات المستمرة في أسعار الغزول، مما اضطر الشركات إلي التوقف التام أو الجزئي عن الإنتاج، محذراً من أن الأزمة ستقضي علي القطاع الذي يستوعب جانباً كبيراً من العمالة في مصر.
وفي المقابل طالب محمد العريان، مدير مصنع العبور للنسيج غرفة الصناعات النسيجية بعقد اجتماع آخر مع جميع أطراف الأزمة ودراسة رفع مذكرتين لوزارتي المالية والزراعة للمطالبة بالاستمرار في صرف دعم مبيعات الغزول خلال الفترة المقبلة، حتي لا يزداد الوضع سوء، إلي جانب تخفيض الضرائب وتخصيص مساحات من الأراضي الزراعية لصالح الأقطان قصيرة التيلة، نظراً لعدم قدرة المصانع المصرية علي استخدام القطن طويل التيلة، لعدم وجود التكنولوجيا التي تمكنها من ذلك، بالإضافة إلي توفير تكاليف الاستيراد من الخارج، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، مطالباً وزارة البترول بتصنيع “البوي” الذي يستخدم كمادة خام في عملية تصنيع البوليستر، بهدف الاستغناء عن استيراده، موضحاً أن شركات النسيج اضطرت أمام الارتفاعات الجنونية المستمرة بشكل يومي في أسعار الغزل إلي استخدام البوليستر الذي ارتفعت أسعاره مؤخراً لتصل إلي 13.5 ألف جنيه للطن.
محمد العريان: الموقف قد يتأزم بشكل أكبر في حال لم يتم اتخاذ إجراءات جدية
وتوقع العريان أن يتأزم الموقف بشكل أكبر من الوضع الحالي في حال لم يتم اتخاذ إجراءات جدية لانقاذ شركات الغزل والنسيج، مشيراً إلي توقعات من جانب “القابضة للغزل” بتوقف 20 شركة غزل تابعة لها فضلاً عن 34 مصنعاً تابعة لشركة غزل المحلة فقط.
وأكد العريان أن المصانع لن تتحمل الخسائر الباهظة الناجمة عن ارتفاع الأسعار، مما يهدد بانفجار وتأزم الموقف، خاصة أن العديد منها لم تستأنف عملية الإنتاج منذ فترة، وبالتالي فإن نحو 600 ألف عامل في مصانع الغزل والنسيج الخاصة فقط، من المحتمل أن يفقدوا وظائفهم، موضحاً أن مصنعه يتحمل سنوياً 204 ملايين جنيه سنوياً لدفع أجور العمالة، مؤكداً عدم القدرة علي تحمل هذه الأعباء في ظل الأزمة الحالية.
ومن جانبه قال محمد رشاد، رئيس رابطة أصحاب صناعة النسيج بالمحلة الكبري، إنه من شأن وقف الدعم ولو كان علي المدي الطويل زيادة حدة الأزمة بشكل مستمر، خاصة أن الأزمة القائمة حالياً لا يتوقع أن يتم حلها خلال 6 أشهر علي سبيل المثال، مؤكداً ضرورة التوسع في زراعة القطن المصري وتشجيع الفلاح علي زراعته لتحقيق الاكتفاء الذاتي بدلاً من الوقوع تحت رحمة الدول الأخرى.
وأشار رشاد إلي أن معظم المصانع القائمة في المحلة الكبري تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية، موضحاً أن مصانع المحلة تنتظر الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب لحل الأزمة.