قررت الحكومة البريطانية أن تقوم بشكل مؤقت بإدارة شركة بالب للغاز والكهرباء، مع تفاقم أزمة الطاقة، وهو أول تأميم إجباري لشركة بريطانية منذ الأزمة المصرفية عام 2008.
تفاقم أزمة الطاقة
وتضمن الحكومة وهيئة تنظيم الطاقة “أوفجيم” استمرار الإمدادات لعملاء شركة بالب، وعددهم 1.7 مليون من خلال تعيين مدير خاص. وستدعم وزارة الخزانة تكاليف تشغيل الشركة التي تعد سابع أكبر مورد بالتجزئة.
ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن جوستينا ميلتينيت، خبيرة سياسة الطاقة في الموقع الإلكتروني “يو سويتش دوت كوم” المتخصص في مجال الطاقة، قولها إن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذا الإجراء في قطاع الطاقة ببريطانيا، مما يشير إلى “نقطة تحول” في أزمة الطاقة بالمملكة المتحدة.
وتسبَّب ارتفاع أسعار الغاز والطاقة بالفعل في انهيار 21 موردًا منذ أغسطس، وكانت معظم تلك الشركات تبيع الطاقة بتكاليف ثابتة قبل الارتفاع.
كان وزراء قد أشاروا إلى أن الحكومة البريطانية تدرس إجراء تأميم مؤقت لشركات الطاقة العاجزة؛ بغية منعها من الانهيار بسبب ارتفاع أسعار الغاز.
ويُجري وزير الأعمال كواسي كوارتينغ محادثات عن الأزمة مع شركات تعمل في الطاقة بعد اجتماعٍ عقَده مع “مكتب أسواق الغاز والكهرباء”، وهو الهيئة التنظيمية للقطاع. وقد أفاد السيد كوارتينج بأن “خططًا مدروسة جيدًا” وُضعت بهدف ضمان عدم انقطاع الخدمة عن المستهلكين.
وكذلك أشار الوزير إلى أنه سيكون على استعداد لتعيين “مسئول خاص” مكلف الإشراف على الشركات التي ستخضع لرعاية الحكومة، بمعنى تأميمها فعليًّا بشكل مؤقت. وذكر وزير الأعمال أيضًا أنه ستتم حماية المستهلكين من الزيادات المفاجئة في الأسعار من خلال سقف تعريفات الطاقة الذي تفرضه الحكومة.
في ذلك الصدد يفرض الحد الأقصى للأسعار ضغوطًا على المزوّدين غير القادرين على تحميل المستهلكين التكاليف الإضافية المتأتية من ارتفاع أسعار الجملة. وقد انهارت أربع شركات طاقة صغيرة بالفعل، وتسود مخاوف من أن يواجه مزيد منها المصير نفسه.
واستطرادًا أفاد “مكتب أسواق الغاز والكهرباء” بأنه سيضمن استمرار شركات أخرى في توفير الخدمات لعملاء الشركات العاجزة التي تعمل في توريد الطاقة إلى الجمهور.
طمأنة المستهلكين
في سياق متصل، أدلى رئيس الوزراء بوريس جونسون بحديث خلال زيارة دبلوماسية لنيويورك سعى من خلاله إلى طمأنة المستهلكين بأن الزيادات في الأسعار “مؤقتة” وتتزامن مع عودة الاقتصاد العالمي إلى الانتعاش بعد وباء فيروس كورونا.
وأبلغ الصحفيين المرافقين له في زيارته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قائلًا “يبدو الأمر كما لو أن الجميع سيعودون إلى تحضير كوب من الشاي الساخن عند نهاية برنامج تليفزيوني، سترون ضغوطًا هائلة على الأنظمة العالمية في إمداد الطاقة”.
في تطورٍ مرافق، جاء ارتفاع الأسعار الذي شهدته بريطانيا أعلى من أي مكان آخر في أوروبا. لذا يحمّل منتقدون قرار جونسون ترك السوق الموحدة للطاقة في الاتحاد الأوروبي، المسئولية عن الأزمة. في المقابل جادل جونسون بأن ترك السوق الموحدة يعطي بريطانيا مزيدًا من الاستقلالية.
على الجانب الآخر ذكر موقع آي نيوز أن شركات الطاقة تمارس ضغوطًا تهدف إلى إنهاء سياسة الحكومة التي تضع سقفًا لأسعار الطاقة، بينما تشير صحيفة فاينانشيال تايمز إلى أن الصناعة تضغط باتجاه إنشاء ما يسمى “بنك التسوية” بغية استيعاب الزبائن ممن لا يدرّون أرباحًا على الشركات المورِّدة للطاقة التي أصيبت بالعجز.
في تطور موازٍ أبلغت “رابطة النفط والغاز في المملكة المتحدة” التي تمثل الشركات العاملة في هذا القطاع خارجيًّا [بمعنى أنها شركات بريطانية تعمل خارج أراضي المملكة]، عن ارتفاع أسعار الجملة للغاز بـ250% منذ يناير، إذ شكلت الزيادة منذ شهر أغسطس فحسب حوالى 70%.
توفير مورد بديل
بعد قضاء عطلة نهاية الأسبوع في محادثات طارئة، أقر الوزير كوارتينج بأنها فترة “مقلقة” بالنسبة إلى العملاء. وبحسب رأيه، “تتمثل أولويتنا في حماية المستهلكين. إذا لم يكن ممكنًا توفير مورد بديل كملاذ أخير، فسيعيَّن مسئول خاص من قِبل “مكتب أسواق الغاز والكهرباء” والحكومة. يتجسد الهدف من ذلك في استمرارية تزويد العملاء بالطاقة إلى حين إنقاذ الشركات أو تحويل المستخدمين إلى مورّدين جدد”.
في الوقت نفسه يخوض الوزراء صراعًا بسبب التحذيرات من نقص محتمل في البضائع، إذ إن التأثير المُضر لارتفاع أسعار الغاز ينعكس على الاقتصاد.
من زاوية أخرى حذر منتجون من أن إمدادات اللحوم والدواجن والمشروبات الغازية قد تتضرر بسبب نقص ثاني أكسيد الكربون [اللازم في تبريدها وتجميدها].
على كل حال، أصر جونسون على أنه لا يزال واثقًا من استمرار إمدادات الطاقة. ووفق كلماته، “ليس لديّ أدنى شك في أن مشكلات الإمدادات بالطاقة ستعالج بسهولة. نحن واثقون جدًّا من سلاسل التوريد لدينا. وفي غضون ذلك سنتأكد من أننا نتعاون مع جميع شركات الغاز كي نبذل قصارى جهدنا في الحفاظ على وصول الإمدادات إلى الناس، والتأكد من عدم خسارة الشركات أعمالها، وضمان تجاوز الفترة الحالية الصعبة”.
الوضع قد يتحول لأزمة
في سياق مغاير، حذر اللورد بارويل، عضو حزب المحافظين الذي شغل منصب رئيس موظفي رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، ليلة الأحد المنصرم، من أن الوضع الحالي قد “يتحول إلى أزمة”.
ونقل إلى برنامج “ذا ويستمينيستر آور” [حرفيًّا، ساعة لويستمنستر، مقر الحكومة] عبر إذاعة “بي بي سي راديو 4″، أنه “لا شك في إمكانية انتقال الوضع إلى أزمة.
أعتقد أن تركيز الحكومة الأول سيكون حول ضمان أمن الإمدادات، والتأكد من أننا ما زلنا نحصل على الغاز الذي نحتاج إليه، سواء للاستخدام الفردي والأعمال التجارية على حد سواء.
فيما تتألف المسألة الثانية من الأسعار التي يُطلب من المستهلكين دفعها. وبشكل عام ستكون (الحكومة) قلقة أيضًا بشأن تكاليف المعيشة. ويتوجب علينا التعامل مع الزيادات الضريبية التي فرضتها الحكومة للتوّ، ولدينا تخفيض المعونات الحكومية الذي بات الإعلان عنه على الإنترنت وشيكًا، إضافة إلى فواتير الطاقة المتصاعدة، وأعتقد أن هناك خطرًا سياسيًّا حقيقيًّا في تلك الأمور، يتعلق بتحول قضايا تكلفة المعيشة إلى تحدٍّ حقيقي للحكومة”.
في المقابل ذكر وزير الطاقة في حكومة الظل العمالية إد ميليباند، أنه يجب تحويل شركات الطاقة إلى ملكية عمومية.