لا خلاف أو جدال حول هوية أو انتماءات جمهورية مصر العربية. مصطلح (جمهورية مصر العالمية) يناقش عالمية وجود وتحرك وتأثير الجمهورية المصرية، على مسرح الأحداث العالمية الزاحفة نحو 2022 وما بعدها، فهل يتوسع الوجود المصرى على المسرح من مصر العربية لمصر العالمية؟ وهل يمكن النظر لمصر بدور عالمى، كدولة تكافح أزماتها الداخلية مع كورونا والاقتصاد، التعليم، الصحة، الوعى الجمعى المرتبك، الاستئساد الدينى للمجتمع، الغفلة الإعلامية، حرج الناتج المحلى الداخلى، تعملق الدين العام؟
الوضع الطبيعى أن دولة بهذا الوضع تعكف على رتق أوجاعها وأزماتها، لمجرد حفظ وجودها كدولة «صفرية» تنفذ أو تتبع أى قرار أو توجه – مهما يكن – تطالب به المجموعات/الدول المسيطرة بالمجتمع الدولى، أو أن تتورط كدولة «مشايعة» تحقق أهداف مسئولى الدولة بينما توفق بين بعض مصالح المجتمع الأخرى، بما يجعلها سمسارا وآلة تخرج عن السيطرة، لصالح نخبة بالمؤسسات الحكومية الكبرى.
الواقع أن الجمهورية المصرية خلال عهودها، حامت حول حمى الدولة الصفرية والمشايعة، وإن جاهدت كثيرا بدبلوماسية «الدولة الحامية» لمحاولة عدل مسار ميزان القوى بالمجتمع وفقا لمصالح عامة، بدون أن يكون لديها مكونات (قوة الدولة)! فلتحقيق الدولة القوية يلزم -1 تطوير وعيها ودورها الجيوسياسى فى التغيرات العالمية بإستراتيجيات ردع وحماية من قوى عسكرية، مخابراتية، دبلوماسية -2 استقلال قرارات أجهزتها عن ضغوط رجال الأعمال أو المؤسسة الدينية أو جماعات الضغط والمصالح -3 وعى ودعم المواطنين لقرارات هذه الأجهزة بإطار الشرعية لأن تخلف أو ضعف أو خلل أركان القوة، يورط الدولة فى أزمات وصراعات داخلية تقربها من الدولة «الصفرية»، أو تغازل «المشايعة» بمجتمعها الداخلى.
ولبلورة أركان الدولة القوية، هل لدينا مصر عالمية أم حكومة مصرية؟ الدولة ككيان شامل، مفهومها أوسع من الحكومة المؤقتة بطبيعتها، وبهذا المفهوم قد يتسارع للذهن ركون مصر منذ 2014 لمحاولات (الدولة الحامية) داخليا فقط بقوة ناقصة!؟
واقعيا حتى 2021؛ فمصر رفعت الجيش المصرى من الـ 16 للـ 9 عالميا، رفعت ترتيب جودة شبكة الطرق من 118 للـ28 عالميا، رفعت جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعى من 111 فى 2019 إلى 56 فى 2020، رفعت جودة الإنترنت من 166 بديسمبر 2018 لل 91 عالميا بسبتمبر 2020، أسست مشروعات الطاقة بين مصر وقبرص واليونان لنقل الغاز لمصر لتتم عملية الإسالة ثم تصديره لأوروبا، مشروع الشام الجديد من خلال الربط الكهربائى والغاز بين مصر والعراق والأردن لتشكيل تكتل عربى قوى يوقف نفوذ وتهديدات إيران، مشروع انضمام مصر لطريق الحرير الصينى ونهضة محور قناة السويس، مشروع الربط الكهربى لربط مصر بدول القارتين الأفريقية والأوروبية، بإمداد دولهما بالكهرباء بالأبراج المعدنية العابرة للحدود، مشروعات عملاقة بمجال التسليح وتصدير الأسلحة مصرية الصنع لدول أفريقية وعربية، مشروعات إعمار غزة وليبيا، مشروع الربط المائى بين بحيرة فيكتوريا بأفريقيا ومياه البحر الأبيض المتوسط بمصر، مشروع الربط البرى «القاهرة-كيب تاون» الأطول لربط دول شمال أفريقيا بدول الجنوب مارا عبر 9 دول أفريقية، هى (مصر، والسودان، وكينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوى، والجابون، وحتى كيب تاون عاصمة جنوب إفريقيا).
محاولات مصر لاستثمار موقعها الجغرافى ومواردها الطبيعية وقوتها العسكرية وسعيها الاقتصادى، جعلتها من اللاعبين الدوليين لتغيير موازين القوة العسكرية والاقتصادية بالشرق الأوسط، سواء بدورها فى ليبيا وتحجيم التدخل التركى، أو نجاحها الذكى بصفقات البارجة المينسترال، فمقاتلات تايفون وتورنيدو الفرنسية، لتكون من الأسباب غير المباشرة لتأكد أمريكا وإنجلترا، تغريد فرنسا خارج سرب الناتو بالتحالفات الثنائية، فتدفع أستراليا لفسخ صفقة الغواصات الأكبر بتاريخ فرنسا، وتستبدلها بالغواصات الأمريكية! لتقوم فرنسا بعقد تحالف دفاعى عسكرى مع اليونان لتزويدها بـ3 فرقاطات ورادار حديث ومعدات حربية بحرية؛ ليكونا بمثابة حلف جديد بالشرق الأوسط يعيد ترتيب القوى بالمنطقة الإستراتيجية للعالم، والتى سبقها الحلف المصرى اليونانى القبرصى بمشروع الغاز وصد المطامع التركية، لتظهر مصر العالمية مرة أخرى!.
من جهة أخرى تحتفظ مصر بمصالح وإستراتيجيات تجارية مطورة مع روسيا والصين، وكتبت فى مقال سابق (مصر وسيف الكعكعة) عن قمة مجموعة السبع/ يونيو 2021 بأن (توصيات قمة مجموعة السبع بعقوبة الصين وتحذيرات روسيا، كشفت طرفا لرؤية مصر الجديدة بطريق الحرير، وما قد تتحول له بميزان التجارة والقوى العالمية، وهو ما يوافق التحول الصينى للتعامل مع أفريقيا، من البيع المباشر لمنتجاتها لها، للاستثمار فيها، بما جعل مصر نقطة ارتكاز لطريق الحرير بقناة السويس والبحر الأحمر كبوابة لأفريقيا). ورغم أزمة سد النهضة وإثيوبيا، عادت مصر لدورها الأفريقى بتعمق، لمحاصرة إثيوبيا وتدشين مبادرات تجدد تواجدها وعلاقاتها الأفريقية، بل نجح تموضع مصر العالمية لحتمية قيام قطر وتركيا بمهادنتها ومحاولات إزاحة وطرد أسباب الخلاف!.
غادرت مصر نهائيا منصة الدول الصفرية، وتمارس دور الدولة الحامية إقليميا باقتدار، ولكن استمرار واستقرار مصر العالمية يحتم علينا التفرقة بين مصر العالمية بقيادة إدارة الرئيس السيسى، وبين مصر بإدارة الحكومة، ومصر اليومية بتنفيذ الإدارة الوسطى! جمهورية مصر العالمية نراها تنحت موقعها فى «بازل» جيوسياسى عالمى، باستقلال إدارة الرئيس بقراراتها فيه عن أى ضغوط وقبول المواطن لصورتها الذهنية كدولة قوية فعلا – أما مصر بإدارة الحكومة فالعديد من قرارتها تحت ضغوط وامتعاض شعبى، نتيجة غموض الخطاب الحكومى أو نقص الوعى الجمعى بمتطلبات التنمية والمقارنة بمصر العالمية! – أما مصر اليومية فبعيدة عن مصر العالمية، ودرجة امتعاضها تصل للرفض وعلاقة الإدارة الوسطى بالمواطن أشبه بجزيرة القرع والموز!
كمصرى أتمنى استنساخ ادارة الرئيس السيسى فى مصر الحكومة واليومية! مرهق جدا تدشين دولة وجمهورية جديدة توطد عالميتها، وقوتها المعنوية فى وعى وإرادة المواطن وعزيمته الوطنية، محلا للتلاعب والضغوط والاستغلال والتمييع. رؤيتى لجمهورية مصر العالمية حقيقة، ومعايشتنا لمصر الحكومة واليومية، أزمة نحتاج حلها بوعى متدرج التسارع، يلحق مصر العالمية ويستحقها، فقد يمكن للناس معرفة تكتيكاتك للنصر، ولكن سيصعب عليهم معرفة إستراتيجيتك لتحقيقه!
وهذا ما نحتاجه لتمتين جمهورية مصر العالمية.
* محامى وكاتب مصرى