من الثوابت التاريخية عن الصهيونية الدولية.. سعيها على الدوام فى التناوب بين القوى الإمبريالية الأكثر انكشارية- تحقيقًا للغايات العليا لمشروعها السياسى، بما فى ذلك ضمنًا مشاركة جالياتها المحلية فى روسيا القيصرية لإنجاح الثورة البلشفية 1917، قبل أن يبادر الاتحاد السوفيتى من بعد وراء قيام دولة إسرائيل، كتاريخٍ يصفه الرئيس بوتين أنه لا مراء ولا جدال فيه أو حوله، ومن دون نظير في العلاقات القديمة بين البلدين، ابتداءً من اتخاذ موسكو لإسرائيل قاعدة اشتراكية لها فى الشرق الأوسط، وإلى أن تكون أول من اعترفت بها أمميًّا، إلا أنه سرعان ما تبادلت الدولة العبرية الانحياز للولايات المتحدة، وفقًا لمصالحهما، ما دعا القادة السوفيت إلى وصفها آنئذ بـ”قرة قوز” (أراجوز) الإمبريالية الغربية، قبل أن تتجه موسكو لتتخذ من الجانب العربى سبيلًا بديلًا للدخول- عبر مصر- إلى المياه الدافئة، وليصبح الصراع العربي- الإسرائيلى من ثم إحدى أدوات الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وإلى حد أن كادت تنشب بينهما حرب نووية فى أكتوبر1973 .. لولا انحياز مصر وقتئذ للولايات المتحدة فى إطار وبسبب تعقيدات قضية السلام، ما أدى إلى استبعاد موسكو عن المشاركة فى الأساليب الإجرائية للتسوية السياسية للصراع، ومن ثم إلى “طرد” نفوذها تقريبًا من منطقة الشرق الأوسط، ذلك بالتوازى مع تفكك الاتحاد السوفيتى مطلع التسعينات، قبل أن تعود “روسيا المنفتحة” غير الأيديولوجية من جديد إلى مصافّ القوى الكبرى، ذلك حين أصبحت بدخول جيشها إلى سوريا سبتمبر 2015 حقيقة عسكرية وسياسية ثابتة فى شرق البحر المتوسط، وفى مجمل المنطقة، خاصة مع تمركز قواتها العسكرية على الحدود السورية الشمالية مع إسرائيل، ومن ثم إلى إنشاء آلية بين الجيشين الروسى والإسرائيلى لتنسيق الإجراءات بشأن سوريا، كما فى ضوء ما يشكله المكون السكاني الأكبر فى إسرائيل لما يزيد على مليون مواطن (سوفيتي- روسي) يعيشون فيها اليوم، ما قد يجعل من روسيا وسيطًا بالغ الأهمية لتسوية المسائل “الفنية” بين سوريا وإسرائيل، وهى الأقل أهمية، مقارنة بتعقيدات التسوية الأيديولوجية بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا من سعي موسكو لاستضافتهما بهدف إحياء المفاوضات بينهما، ذلك فيما يتجه القادة الإسرائيليون إلى محاولة توزيع الأدوار بينهم لتسوية الخلافات التى أحدثتها الحكومة السابقة مع كل من أميركا وأوروبا والعالم العربى، ربما فى اصطفاف جديد قد يعجل بالتقدم فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، وحيث تجد روسيا فى إسرائيل اليوم بديلًا يمكن أن يكون جسرًا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة والدوائر الغربية، وعلى نحو متميز ومغاير للكثير من بلدان منطقة الشرق الأوسط التى قد يتواكب السلام فيها مع توطيد العلاقات بين روسيا وإسرائيل، إلا أن المسألة الفلسطينية تظل بحاجتها إلى المزيد من الجهد الذي يمكن أن تبذله موسكو للتوصل مع قوى دولية وإقليمية إلى تسويات تستند إلى “حل الدولتين”، ذلك فى إطار ارتباط موسكو بعلاقات ثنائية مع العديد من الدول ذات الاهتمام بشأن أمن المنطقة الملاصقة للحدود الجنوبية الحساسة للفضاء السوفيتى السابق، وهى المنطقة التى يراها “الكرملين” واعدة لتنمية العلاقات الاقتصادية الخارجية، و”صديق تقليدى لروسيا”، ما يجعل من الواضح اهتمام موسكو اليوم- كما الأمس- نحو القيام بأعمال دبلوماسية نشطة، ثنائية ومتعددة الأطراف فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، ولما يرسخ السعي لعودة الروس مجددًا إلى الشرق الأوسط
شريف عطية
6:12 ص, الخميس, 4 نوفمبر 21
End of current post