بين التفاؤل حول التعافى السريع أو التشاؤم جاءت آراء بعض المطورين والاستشاريين العقاريين تجاه التوقعات العالمية بحدوث الركود التضخمى.
والركود التضخمى عبارة عن حالة من التضخم المتصاعد، يصاحبه انخفاض الإنتاج وارتفاع البطالة، وغالبًا ما يكون الدخل الحقيقى منخفضا؛ حيث تكافح الأجور لمواكبة ارتفاع الأسعار، مما له أثر مباشر على قطاع العقارات بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء عالميا، ومن ثم ارتفاع تكلفة الإنشاءات.
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمى يتجه نحو الركود التضخمى بسبب ارتفاع معدلات التضخم فى الاقتصادات الكبرى، واختناقات سلاسل التوريد بسبب الإغلاقات التى حدثت فى بداية تفشى كورونا، وبالتالى تراجعت معدات النمو لكثير من الدول.
وأرجع الكثير من الخبراء هذه التوقعات بشأن حالة الركود التضخمى العام المقبل، إلى حزم التحفيز المالى التى اتخذتها الحكومات لمواجهة تداعيات كورونا ودعم اقتصاداتها، والتى أدت إلى زيادة الطلب من قبل المستهلكين بدرجة كبيرة لدرجة أن المعروض من السلع والخدمات أصبح لا يواكب الزيادة فى الطلب، وهو الأمر الذى أدى إلى زيادة الضغط على سلاسل التوريد العالمية التى كانت تعانى من نقص الاستثمار بسبب تداعيات الوباء.
وبالتالى فهناك مخاوف من ارتفاع نسب التضخم، ومن ثم ارتفاع أسعار السلع بما فيها مواد البناء المستخدمة فى الإنشاءات، لذلك أجرت « المال» نقاشًا موسعًا مع بعض المطورين والاستشاريين العقاريين، لمعرفة آرائهم وتوقعاتهم لمؤشرات السوق العقارى خلال 2022، وكيفية التحوط من قبل المطورين فى حالة ارتفاع معدلات التضخم عالميًّا، ومن ثم التأثير على السوق المصرية وقطاع حيوى مثل قطاع الإنشاءات والعقارات.
منير: من الضرورى تخزين أكبر قدر من مواد البناء والاتجاه نحو بناء الوحدات الصغيرة
بداية، قال محمد منير، رئيس مجلس إدارة شركة فيوتشر هومز للتطوير العقارى، إن فى حال حدوث ارتفاع فى الأسعار عالميا، وصدق التوقعات المتبؤة بالركود التضخمى، سيتضرر الجميع، سواء العملاء أو المطورين العقاريين أو حتى أصحاب مصانع مواد البناء، مرجعا ذلك إلى ارتفاع أسعار مواد البناء، ومن ثم ارتفاع التكلفة الإنشائية، مما ينعكس على زيادة أسعار الوحدات المعروضة.
وأوضح منير أن المطور العقارى فى هذه الحالة يجب عليه التحوط من الآن، بتخزين أكبر قدر من مواد البناء التى سيحتاجها فى أى مشروع جديد إذا أمكن له ذلك، والاتجاه نحو بناء الوحدات الصغيرة فى المساحة، حيث تقليل تكلفة الإنشاءات وعرض هذه الوحدات بأسعار تتناسب مع العملاء، بحيث أن المطور يقلل من سعر الوحدة؛ لأنه لا يمكنه وقتها تقليل التكلفة بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء، كما أن المطور عليه أن يمنح العميل مدد سماح للسداد أطول، وبالتالى تطول فترة الأقساط، حتى يحفز العميل على الشراء رغم حالة ارتفاع الأسعار السائدة وقتها.
كما اقترح منير تأجيل البيع لبعض الوحدات، وإعادة تسعير الوحدات الموجودة بالفعل على التكلفة الجديدة حتى تتناسب مع ارتفاع الأسعار المتوقع، متوقعًا أن تزيد أسعار مواد البناء فى حالة الركود التضخمى بنسبة تتراوح من 10 إلى %20، لافتًا إلى أن يلجأ المطورون إلى رفع أسعار الوحدات المتبقية بالمشروعات القائمة لتتناسب مع التكلفة الجديدة التى يتحملها المطور فى حالة ارتفاع أسعار مواد البناء، وتعويض الخسائر المحققة بفعل ارتفاع الأسعار.
حمدى: السوق قد تصل إلى التشبع وتضطر الشركات إلى تقليل أرباحها
فيما أوضح آسر حمدى، رئيس مجلس إدارة شركة الشرقيون للتنمية العمرانية، أن الارتفاع الحالى فى أسعار بيع الحديد مؤشر لارتفاع باقى أسعار مواد البناء الفترة القادمة، خاصة أنه ارتفع بنسبة كبيرة وغير متوقعة تجاوزت الـ%40، وهذه نسبة كبيرة جدًّا يصعب التحوط تجاهها، مشيرا إلى أنه لابد من التعامل مع هذا الارتفاع فى الأسعار.
وأشار حمدى إلى صعوبة تخزين مواد البناء لتجنب زيادة تكلفة الإنشاءات، إلا فى حالة توافر سيولة كبيرة جدا لدى المطور، وأن يكون لديه ملاءة مالية تسمح بذلك، خاصة أن الحديد عند استخدامه مثلا فى بناء مبنى ما يأخذ شهورا، وبالتالى هذه الفترة تحمل المطور عبئًا ماليًا وتكلفة أعلى، خاصة إن كان يلجأ إلى الاقتراض والتمويل الخارجى.
لذا يرى حمدى ضرورة التعامل مع تحدٍ كبير مثل ارتفاع الأسعار؛ لأنها تنعكس على رفع أسعار الوحدات، وفى هذه الحالة قد يصل السوق إلى التشبع، ويضطر المطور أن يقلل من أرباحه، حتى الوصول إلى وقت معين لا يستطيع أن يصل فيه لمرحلة البيع بالخسارة، مشيرًا إلى أن المطورين العقاريين خلال الفترة الماضية لجأوا بالفعل إلى المشروعات ذات الوحدات صغيرة المساحة، مدفوعين بمواكبة الطلب الحالى خاصة من الفئة العمرية الأصغر كالشباب، فالمساحات الكبيرة لم تعد مطلوبة الآن، لافتًا إلى ضرورة استغلال كل سم من الوحدة العقارية.
وأفاد أنه متفائل بشأن التوقعات الخاصة بالركود التضخمى، طالما لم يحدث ذلك فى وقت الإغلاقات للمصانع فى ذروة الكورونا، وبالتالى مع فتح الكثير من المصانع وفتح السفر فى معظم دول العالم سيعمل ذلك على تحسين مؤشرات الاقتصاد وبقاء نسب التضخم كنسب مقبولة عالميا، لافتا إلى تحوط الكثير من الشركات عند إعداد ميزانياتها من خلال بند احتياطى التضخم، متوقعًا أن يكون العام المقبل أفضل من العام الحالي؛ لأن الأسعار قد ترتفع فى ضوء الزيادة الطبيعية التى تحدث كل عام سواء فى مصر أو خارج مصر.
كما يتفاءل المهندس فتح الله فوزى، رئيس مجلس إدارة شركة مينا لاستشارات التطوير العقارى ورئيس جمعية رجال الأعمال، بشأن مؤشرات القطاع العقارى فى مصر العام المقبل، خاصة مع تحقيق الشركات المدرجة أرباحا فى ظل أزمة كورونا، وتطور أدائها المالى رغم الأزمة، وذلك دليل على قوة الطلب داخل القطاع العقارى.
وبالتالى تابع قائلا: «الاحتياج إلى السكن مثل الاحتياج إلى المواد الغذائية فكلاهما مواد أساسية وضرورية للمستهلكين، خاصة مع الزيادة السكانية فى مصر، والطلب المستمر على العقارات».
وأشار فوزى إلى ضرورة تحوط الشركات العقارية الفترة القادمة من خلال اللجوء إلى إنشاء وحدات صغيرة المساحة حتى تتناسب مع متطلبات العملاء فى حالة ارتفاع الأسعار، وتقليل التكلفة من خلال الهندسة الحديثة التى تعمل على استغلال مواد البناء أفضل استغلال، وبالتالى تقليل التكلفة الإنشائية.
أما عن تخزين مواد البناء يرى فوزى أنه صعب للغاية لأن تخزين الحديد مثلا ليس عمليا، وبالتالى قد يكون التحوط من خلال حسن استغلال مواد البناء أفضل استغلال ومن ثم تقليل التكلفة، وزيادة أسعار الوحدات المتبقية لتعويض فرق التكلفة المدفوعة لإنشاء وحدات جديدة، والتصميم الجيد للوحدات حتى تعطى نفس احتياجات الوحدات ذات المساحات الكبيرة للعميل، وبالتالى ينافس المطور بذلك باقى المطورين فى ضوء ارتفاع الأسعار.
ومن جانبه، أوضح خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، خلال مشاركته فى مؤتمر شركة «المال جى تى إم» للتطوير العقارى الخامس The 5th Real Estate Debate 2021 تحت شعار «مستقبل التنمية العمرانية فى مصر»، أن التضخم ظاهرة عالمية، والقطاع العقارى فى مصر له خصوصية بعض الشيء، كما يتمتع بوجود طلب حقيقى، وأن مهمة الدولة والمطورين العقاريين خلق طلب يتماشى مع الدخل، وهو ما يتم من خلال مبادرات البنك المركزى.
وعلى صعيد متصل، قال أحمد شلبى، رئيس شركة تطوير مصر، خلال مشاركته فى المؤتمر إن الفترة الراهنة تمثل فرصة للمشتري؛ لأن أسعار العقارات سترتفع بقوة الفترة المقبلة، بينما تمثل عبئا على المطور العقارى بسبب زيادة الأسعار فى مواد البناء، موجها حديثه إلى الشركات التى نجحت فى تحقيق مستهدفاتها العام الحالى بإبطاء عمليات البيع لتجنب الخسائر.
كما عبر هانى توفيق، خبير الاستثمار، خلال مشاركته بالمؤتمر، عن رأيه فى التطور اللافت للقطاع العقارى الفترة الحالية، مشيرا إلى ضرورة استغلال الوحدات السكنية المغلقة، التى تقدر بحوالى 15 مليون وحدة عقارية، أى حوالى 15 تريليون جنيه مجمدين فى مواد البناء المختلفة كالحديد والأسمنت، لافتًا إلى أن استثمار هذه المواد فى مشروعات اقتصادية أخرى سيكون لها عائد أكبر مما هى عليه حاليًّا.