تتوقع شركة انترناشيونال داتا كوربوريشن «IDC» الأمريكية للخدمات الاستشارية وأسواق التكنولوجيا والميديا ارتفاع نمو الطلب العالمى على رقائق أشباه الموصلات الإلكترونية بحوالى 17.3 % مع نهاية العام الجارى، بالمقارنة مع 10.8 % خلال عام الوباء، مشيرة إلى عودة التوازن إلى سوق الرقائق الإلكترونية بحلول منتصف العام المقبل.
وترى شركة IDC التى تملكها شركة بلاكستون الأمريكية لإدارة الاستثمارات أن إيرادات سوق أشباه الموصلات – التى تعد من المكونات المتطورة التى تدخل فى تصنيع السيارات الكهربائية وذاتية القيادة والإلكترونيات الحديثة من الموبايلات إلى الساعات السمارات وحتى ألعاب الفيديو – يمكن أن تصعد لأكثر من 22.8 % بنهاية العام الحالى مع تخفيف أزمة نقص هذه الرقائق الإلكترونية،وزيادة إنتاجها خلال الشهور القادمة.
وذكرت وكالة بلومبرج أن صناعة رقائق أشباه الموصلات قد تعود إلى طبيعتها بداية من منتصف العام القادم، ومشيرة بعودة الإنتاج بمعدله الطبيعى عام 2023 بفضل توسع الشركات العالمية والبدء فى البيع أونلاين فى نهاية العام المقبل لمواجهة الطلب المتزايد على هذه المكونات المتطورة من شركات السيارات والموبايلات وغيرها من المنتجات الإلكترونية التى تعتمد على هذه الرقائق.
تعثرالسيارات الكهربائية والموبايلات الذكية
وجاء فى تقرير شركة IDC الصادر أمس أن نمو إنتاج رقائق أشباه الموصلات يرجع لتطور صناعات الموبايلات و أجهوة النوتبوك والسيارات الكهربائية والألعاب المبتكرة والأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة المنزلية الحديثة التى تعتمد على التكنولوجيا المبتكرة وغيرها من الأدوات المتطورة التى تستخدم الواى فاى و رقائق الذاكرة.
وأكد محللوا الشركة أنه برغم استمرار انتشار العدوى من فيروس كورونا الذى تسبب فى إصابة ما يقرب من 230 مليون حالة، وأكثر من 4.7 مليون وفاة فإن هناك استهلاك متزايد لأشباه الموصلات منذ العام الماضى وحتى الآن لدرجة أن الشركات الصناعية تستهلك 100 % من الطاقة الإنتاجية لهذه الرقائق، ووجود عجز فى المعروض بسبب الاختناقات فى سلال الإمدادات الناجمة عن قيود كوفيد 19 التى فرضتها الحكومات،وأدت إلى إغلاقات للعديد من الأنشطة الاقتصادية فى الموانئ والمصانع.
ومن المتوقع أن تنمو إيرادات رقائق أشباه الموصلات الجيل الخامس G5 بحوالى 128 % خلال العام القادم،ومنها أشباه الموصلات اللازمة للموبايلات بنسبة نمو 28.5 %، ولألعاب الفيديو و الأجهزة المنزلية الذكية، و الأجهزة القابلة للارتداء بنسب نمو مرتقبة تتجاوز 34 % و 20 % و 21 % على الترتيب خلال نفس العام.
كما توقع المحللون فى شركة IDC والذين يقولون إن إيرادات أشباه الموصلات اللازمة للسيارات و النوتبوك و السيرفيرات ستصعد أيضا بحوالى 22.8 % و 11.8 % و 24.6% على التوالى.
600 مليار دولار إيرادات الرقائق
وكانت أسعار رقائق أشباه الموصلات قد زادت خلال النصف الأول من 2021 بسبب أزمة النقص فى إمداداتها، وأدت إلى إغلاق العديد من مصانع السيارات فى الولايات المتحدة واليابان والمكسيك، فى ظل توقعات باسمرار زيادة أسعارها بقية العام الحالى وربما حتى عام 2025 لتزداد إيراداتها إلى أكثر من 600 مليار دولار بمتوسط نمو سنوى 5.3 % مقارنة مع متوسط نمو 3 % – 4 % خلال السنوات الخمس الماضية.
وأكد التقرير تزايد الطلب على الرقائق من شركات تكنولوجية عملاقة لإنتاج سيارات كهربائية تعتمد على هذه الرقائق،ومنها شركة آبل الأمريكية التى تتوقع إطلاق سيارتها الكهربائية الخاصة بحلول عام 2025،وبيع ما يصل إلى 1.5 مليون سيارة بعد خمس سنوات من إنتاجها،وأن مبيعات السيارات الكهربائية يمكن أن تضيف ما يقرب من 75 مليار دولار إلى إيرادات أبل وتضاعف بشكل فعال معدل النمو الإجمالى للشركة أبل.
210 مليار دولار خسائر شركات السيارات
وأعلنت شركة اليكسبارتنرز الأمريكية لأبحاث الأسواق المالية أن أزمة النقص فى رقائق أشباه الموصلات والتى شكلت 90 % من احتياجات صناعات المنتجات التكنولوجية وغيرها على مستوى العالم قلصت إيرادات شركات السيارات العالمية وحدها بجوالى 210 مليار دولار، مع توقع هبوط إنتاج السيارات بحوالى 7.7 مليون وحدة بنهاية العام الجارى،مقارنة مع توقعات فى مايو الماضى بانخفاض إنتاجها بحوالى 3.9 مليون سيارة وهبوط إيراداتها بما يقرب من 110 مليار دولار، بينما كانت الإيرادات المتوقع انخفاضها فى بداية العام الحالى حوالى 60 مليار دولار.
وأشار مارك ويكفيلد رئيس البحوث الصناعية بشركة اليكسبارتنرز إلى أن شركات السيارات العالمية كانت تأمل حل أزمة نقص الرقائق بحلول النصف الثانى من العام الجارى،ولكن استمرار الإغلاقات بسبب كورونا فى العديد من الموانئ والمصانع العالمية أدى إلى تفاقم المشكلة.
وحذرت شركات سيارات عديدة منها جنرال موتورو وفورد موتور أكبر شركتى سيارات أمريكيتين من انخفاض هائل فى أرباحها هذا العام بسبب نقص إمدادات الرقائق وغيرها من المكونات وإغلاق مصانع وخصوصا فى الهند وفى المكسيك وماليزيا وفى مدينى كانساس سيتى الأمريكية أيضا.
صناعة السيارات فى مهب الريح
وكانت شركة فورد أعلنت فى أبريل الماضى عن سلسلة إغلاقات لمصانعها بسبب نقص رقائق أشباه الموصلات العالمى، وتشمل 5 مصانع فى الولايات المتحدة وواحدا فى تركيا، كما قالت فى مارس إنها تتوقع أن تتراوح تكلفة نقص أشباه الموصلات بين مليار و2.5 مليار دولار،وأنها اضطرت أحيانا إلى وقف إنتاج شاحنتها الأعلى ربحية وهى F-150، وأودعت بعضا منها فى المخازن حتى يتم التجميع النهائى لها فى وقت لاحق،عندما تتوافر الرقائق بكميات كافية وتستخدم بكثافة فى أجهزة عديدة ومنها مثل مراقبة أداء المحرك وإدارة التوجيه أو النوافذ الكهربائية، وفى حساسات التوقف وأنظمة الترفيه.
وأكدت شركة نيسان موتور اليابانية عن تقليص ساعات العمل بمصانع لها فى الولايات المتحدة بسبب نقص الرقائق،وشركة هوندا موتور اليابانية التى أعلنت أنها تخفض إنتاج بعض مصانعها الأميركية، بينما قررت شركة فولكس فاجن الألمانية أكبر شركة سيارات أوروبية وقف إنتاج سيارتها تيجوان فى مصنعها بمدينة بويبلا المكسيكية،ولكن من غير الواضح إن كانت إمدادات الرقائق ستتحسن خلال الربع الحالى أم لا،وإن كانت شركات السيارات ستتمكن من تعويض فاقد الإنتاج فى وقت لاحق قبل نهاية العام الحالى.
السوق الأمريكى يتعثر
ويتوقع المحللون تزايد الطلب على المعروض من السيارات نتيجة أزمة نقص رقائق أشباه الموصلات خلال الشهرين المقبلين اللذين يزداد خلالهما شراء السيارات مع قرب أعياد الميلاد وإجازات السنة الجديدة،مما يكبد شركات السيارات خسائر تقدر بحوالى 1 – 1.5 مليار دولار فى وحدها.
وكانت العديد من كبرى شركات السيارات العالمية مثل تويوتا اليابانية وجنرال موتورز وفولكس فاجن وماهيندرا الهندية ومرسيدس الألمانية اضطرت إلى خفض إنتاجها منذ العام الماضى وحتى الآن بسبب أزمة نقص توريدات رقائق أشباه الموصلات التى جعلت تويوتا تعلن فى بداية سبتمبر الحالى خفض توقعاتها لإنتاجها هذا العام بسبب قيود التوريدات، نتيجة استمرار انتشار العدوى من فيروس كورونا فى جنوب شرق آسيا وخصوصا الهند.
الأزمة تشتعل
ويبدو أن تفاقم أزمة الرقائق ستستمر بقية شهور العام الجارى وعدم تحسنها إلا بعد النصف الأول من عام 2022 على الأقل، ولكن شركة «فولكس فاجن» حذرت من أن الأزمة قد تستمر لسنوات، مع وجود نقص فى الرقائق العالمية،واختناقات سلاسل التوريد العالمية التى أجبرت شركة هوندا اليابانية على إغلاق بعض من مصانعها و تقليص إنتاج بعضها الآخر،علاوة على أن هناك شركات عديدة تراجعت مبيعاتها خلال الشهر الماضى بسبب أزمة أشباه الموصلات ومنها شركة فورد بحوالى %33 فى السوق الأمريكية وشركتى «نيو» و«بينج» فى السوق الصينية بنسبة %35 و%11 على التوالى.
وتعتزم وحدة سيات الإسبانية المملوكة لمجموعة فولكس فاجن تمديد تعليق إنتاج مصانعها بالقرب من مدينة برشلونة حتى وقت لاحق العام المقبل نتيجة الاختناقات فى سلاسل توريد رقائق أشباه الموصلات، وتتفاوض مع النقابات العمالية على منح إجازات بدون مرتب للعمال فى المصانع التى أغلقتها، وعلى إلغاء بعض نوبات العمل فى مصانع أخرى خلال الفترة من 27 سبتمبر الحالى وحتى 30 يونيو المقبل.
الفيروس يضرب أسواق التكنولوجيا
ووضعت بعض شركات السيارات العالمية خططا لتقليل الإنتاج فى فترة قد تصل لمنتصف 2022، وربما تمتد لعام 2023، وواكبها تخفيض توريد سيارات الركوب والرياضية متعددة الأغراض خلال الشهر الجارى بنسبة انخفاض 40 % عن مثيلتها خلال الشهرنفسه من العام الماضى، بعد أن هبط توريدها حوالى 30 % خلال الشهر الماضى مقارنة مع الشهر نفسه من عام الوباء بسبب أزمة الرقائق الإلكترونية.
وظهرت أزمة أشباه الموصلات ونقص سلاسل توريدات اللوجستيات المرتبطة بأزمة كورونا وازداد الطلب على الموارد الطبيعية والاستهلاكية والمنتجات الإلكترونية المتطورة بسبب الظروف الاستثنائية الناجمة عن تداعيات وباء كوفيد 19 الذى أدى إلى اضطراب حركة التجارة العالمية منذ العام الماضى وحتى الآن، ولاسيما فى مجال السيارات و المنتجات الإلكترونية مع ازدحام الموانئ وتأخير السفن والناقلات واستمرار إبحارها فى المحيطات،وانتظارها لأسابيع طويلة حتى تجد رصيفا خاليا فى الموانئ التى تفرع فيها شحناتها بسبب قيود الوباء.
ويتوقع الخبراء أن يعود إنتاج الرقائق الأليكترونية إلى معدلها قبل الأزمة حتى تتمكن شركات أشباه الموصلات من توريد كميات كافية باستمرار إلى مصانع السيارات والإلكترونيات حول العالم حتى تستطيع إنتاج الموديلات المبتكرة من الموبايلات والمركبات الكهربائية وذاتية القيادة التى تحتاج إلى نسبة كبيرة من هذه الرقائق فى مكوناتها المختلفة. وتؤثر أزمة أشباه الموصلات على الصناعات التكنولوجية العالمية لأن هذه الرقائق الإلكترونية تنتجها عدد قليل من الدول أهمها الصين وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وبعض دول أوروبا والتى تعد شركاتها الكبرى مثل إنتل وسامسونج من أهم موردى هذه الرقائق