كشف شكيب أبو زيد الأمين العام للاتحاد العام العربى للتأمين عن التحديات التى يواجهها القطاع على مستوى الوطن العربى حاليا، خاصة إعادة التأمين التى تعرضت لانتكاسات على حد وصفه والفرص المتاحة أمام شركات التأمين.
جائحة كورونا والرقمنة يعيدان تشكيل مستقبل الصناعة
وأضاف – فى حواره مع «المال» – لقد مضى قٌرابة العامين على تفشى فيروس كورونا والذى أضر باقتصادات دول كنا نظنها قادرة على مواجهة الوباء الذى أصاب أكثر من 42 مليون شخص حول العالم، وتكشُف ضعف المنظومة الصحية وعدم قدرتها منفردة على تحمل الجائحة، مشيرا إلى الدور الحيوى لشركات التأمين وإعادة التأمين بالرغم من تزايد الضغوط عليهما فى أسواق تتجه من المرونة إلى التشدد. وإلى نص الحوار.
المال : ماهو السيناريو الأقرب إليك فى تجديد اتفاقيات إعادة التأمين العام المقبل ؟
شكيب أبو زيد : بداية لابُد أن نقسم الإعادة على الصعيد العالمى إلى مرحلتين، الأولى منذ التشدد الذى حصل بعد عام 2001 وتلتها فترة مرونة إلى 2017، أما المرحلة الثانية والتى تميزت بالتشدد فبدأت منذ عام 2017 لأسباب موضوعية، ونتيجة زيادة الطلب على التأمين وزيادة الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والأعاصير وحتى الآن هناك تشدد مستمر ولم ينته.
الرهان على «المتخصصة» لمضاعفة معدلات النمو
المال : هلى تعنى أن التجديدات المقبلة ستكون متشددة بالنسبة للمنطقة العربية ؟
أبو زيد: لا أعنى ذلك، لأن المنطقة لم تعرف نفس وتيرة التشدد التى شهدتها معظم دول أوروبا وكندا وأستراليا على مدار أكثر من 17 ربعا ماليا -4 سنوات و3 شهور- وإنما اقتصر التشدد على بعض الفروع المتخصصة مثل المسئولية المدنية والمسئوليات المهنية كالمديرين والمعروفة بالـ«D&O» وكذلك تأمين الأخطار الكبيرة وهى فروع محدودة.
والتسعير الفنى بها يأتى من سوق لندن أما بالنسبة للفروع التقليدية مثل الطبى والهندسى والحريق والبحرى وغيرها فمرتبطة بالنتائج التى تحققها كل سوق والتسعير الفنى لكل شركة والدليل نمو شركات وتراجع أخرى وفقا لقدرتها على مواكبة المستجدات منذ بداية أزمة «كورونا».
المال : ماهى أبرز التحديات التى تواجه معيدى التأمين فى المنطقة من وجهة نظركم؟
أبوزيد: أولا لابد أن نعترف أن إعادة التأمين الإقليمية واجهت انتكاسات عدة فعلى سبيل المثال فى مصر دمج الشركة المصرية لإعادة التأمين فى 2007 والتى كانت تحقق نتائج متميزة وخروج «Emirates Re « والمجموعة العربية للتأمين «أريج» بالبحرين وهى كانت ضربة للإعادة بالمنطقة، علاوة على التصنيف الائتمانى لبعض شركات الإعادة والذى لا يمكنه تجاوز سقف التصنيف السيادى للدولة.
المال: هل يعد خروج بعض شركات الإعادة ناقوس خطر لشركات التأمين المباشر بالمنطقة؟
أبوزيد: ليست الصورة قاتمة إلى هذا الحد وتوجد حوالى 6 أو 7 شركات إعادة تأمين عربية متميزة تحقق نتائج فنية جيدة وتصنيفها جيد لكن كما قلت مسبقا محدد بسقف دولتها مثل شركة الإعادة السعودية» Saudi Re» والإعادة الكويتية «Kuwait Re» والإعادة المركزية بالمغرب «SCR» و«عُمان ري» والإعادات التونسية والجزائرية والإعادة العربية، وهى قادرة على خدمة شركات التأمين المباشر بشكل متميز رغم تأثرها بجائحة كورونا رغم أن معيد التأمين الإقليمى لا يلعب دور الرائد فى غالبية اتفاقيات إعادة التأمين.
المال : هل كانت جائحة كورونا تمثل الضغط الأوحد على شركات الإعادة العربية؟
أبوزيد: بالطبع لا، الإعادات العربية تأثرت بالمنافسة الشرسة داخل الأسواق العربية وبالوضع فى لبنان وبالظروف الجيوسياسية الصعبة للغاية فى العراق وسوريا، ومع ذلك معيدو التأمين العرب بذلوا جهودًا مضنية فى حماية صناعة التأمين فى بلدانهم وتوفير طاقات اكتتابية والمحافظة على استقرار أسعار أسواقهم خاصة وأن وجودهم ضرورى جدًا كداعم رئيسى لها بشتى الطرق ككسر الإحتكار وتوفير طاقات استيعابية إضافية وتكوين كوادر وطنية .
40 مليار دولار الحجم الكلى للأقساط %19 منها للحياة فقط و%35 للطبي
المال: ماهو حجم أقساط سوق التأمين بالوطن العربى وهل نسب المساهمات فى الناتج الإجمالى المحلى مرضية؟
أبو زيد: إجمالى أقساط سوق التأمين العربية حوالى 40 مليار دولار ومتوسط مساهمة التأمين على المستوى العربى %1.45 وهى قليلة ونرغب فى تحقيق قفزة كبيرة لترتفع هذه النسبة إلى %3 فعلى سبيل المثال دول أوروبا وجنوب المتوسط تصل إلى 5 أو 7 %وفى تايوان تصل فيها مساهمة التأمين إلى %18 لذا لابد أن يكون هدف الأسواق العربية هو مضاعفة مساهمة التأمين فى الناتج القومى .
المال: كيف تحقق أسواق التأمين العربية هدف مضاعفة مساهمة التأمين فى الناتج القومى؟
أبوزيد: هناك العديد من الطرق التى يمكن أن تحقق قفزة فى أقساط التأمين العربى مثل التأمينات الإجبارية التى تساهم فى تعظيم حجم الأقساط التأمينية، بالإضافة تحقيق الشمول المالى الذى أصبح هدفًا لكل الحكومات بالإضافة إلى اللجوء إلى قنوات جديدة فى التأمين مثل تسويق المنتجات التأمينية عبر الإنترنت والتحول الرقمى فى كل مناحى التأمين سواء المستوى الفنى ونماذج العمل أو مستويات التسويق والبيع والدعاية عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعى والتى أصبحت رافدا مهما لقطاع التأمين، فضلا أن مجمعات التأمين مهمة فهى تقبل الأخطار التى يصعب على شركات التأمين تحملها منفردة بالإضافة للاحتفاظ بأكبر نسبة من الأقساط داخل السوق والتسعير الفنى بها يكون فى أفضل حالاته؛ بخلاف الحد من الغش.
لانعانى نقص الكوادر ولكننا فى حاجة لاكتساب مهارات جديدة
المال: هل يعانى قطاع التأمين العربى نقصا فى الكوادر الفنية لذا لانستطيع الوصول إلى الأهداف المخطط لها منذ سنوات؟
أبوزيد: لا، نحن لانعانى من نقص فى الكوادر الفنية، فدولة مثل مصر كانت تُصدر كوادر للمنطقة العربية وتوجد كوادر على أعلى مستوى فى المغرب والجزائر وتونس ولبنان والأردن والعراق، ولكن ما نعانيه هو نقص المهارات فنحن فى حاجة إلى دخول أنواع متخصصة جديدة من التأمين إلى السوق العربية ونحتاج إلى مهارة فن تسعيرها لعدم وجود سابق خبرة فيها كتأمين المسئوليات والخيول والمجوهرات والأعمال الفنية والأقمار الصناعية والتى يتم تسعيرها فى الخارج بنقابات سوق اللويدز فى لندن.
المال: ماهى أبرز المستجدات التى طرأت على قطاع التأمين بعد تفشى فيروس «كورونا»؟
أبوزيد: التحول الرقمى فى البعض من البلدان العربية كان يتم العمل به قبل تفشى كورونا لكن الوباء كان حافزا للإسراع بالرقمنة لكونها ستقود قطار النمو خلال أزمة الجائحة وما بعدها خاصة وأن شكل صناعة المستقبل سيتغير من خلال الاستثمار فى البنية التكنولوجية من خلال التطبيقات ووضع ما يسمى «بالتأمين المعياري» وكذلك تحليل وتسعير الأخطار بشكل دقيق من ناحية، كما أن الرقمنة ستساعد على الحد من الغش فى أنواع عديدة من التأمين مثل السيارات، من ناحية ثانية.
المال : ماهى أبرز الفروع التى امتصت صدمة كورونا وأهم الحيل الدفاعية لمواجهة نزيف الخسائر ؟
أبو زيد: الفروع التى امتصت صدمة كورونا هى أولى الفرع التى تأثرت بالإغلاقات مثل الطيران والسفر والسياحة والبحرى بالنسبة للممتلكات، أما الحياة والتأمين الطبى فقد واجها فاتورة ضخمة من التعويضات بسبب العلاج والوفيات من الكورونا؛ وبسبب الوباء أصبح واضحًا ضعف المنظومة الصحية التى لاتستطيع منفردة القيام بدورها فنحن فى حاجة إلى تضافر جهود الحكومات مع شركات القطاع الخاص.
المال: ولماذا بالرغم من كل الصدمات التى تلقاها القطاع لاتزال هناك منافسة شرسة على الأسعار؟
أبوزيد: أرى أن حدة المنافسة فى المقام الأول بالأسواق العربية تأتى من كثرة عدد شركات التأمين ففى دولة الإمارات العربية 50 لاعبا ودولة مثل مصر 40 شركة تأمين والمملكة العربية السعودية 32 كيانا تأمينيا مباشرا؛ والسبب الثانى هو أن أسواقنا مجزأة فالكبار يتمتعون بحصص سوقية كبيرة أما الصغار فيتناحرون على ما تبقى، والسبب الثالث هو زيادة عدد الوسطاء المباشرين، بالإضافة لافتقاد المنطقة العربية للإحصائيات الدقيقة لنتائج الفروع والتسعير الذى يغلب عليه الطابع التجارى وليس الفني.
المال: ماهى الفروع التى ترى أنها الأفضل فنيا فى التسعير ؟
أبوزيد : مبدئيا نشاط تأمينات الحياة الأكثر فنية فى تسعيره عن نشاط الممتلكات والمسئوليات بسبب وجود جداول تأمين اكتوارية بها التزام إلى حد كبير بأسعار التأمين وهو ماقلل من حدة المنافسة فى الحياة أما الممتلكات فتشهد منافسة كبيرة، ما عدا الأخطار الكبيرة والمتخصصة مثل الطيران والبحري، فالتسعير هنا يتم على مستوى السوق العالمية مما يلزم كافة الشركات باتباعه.
المال: هل الوعى التأمينى سيرفع مستقبلا الطلب على التأمين؟
أبوزيد: نمو التأمين يتوقف على العرض والطلب ومستوى الخدمة المقدمة للعميل هو الذى يحكم النمو المستقبلي، ولقد أبان تقرير الأمم المتحدة عن تحولات فى الخصائص الديموغرافية من عام 2020 وحتى 2050 حيث أن أكبر عددًا من الفئات العمرية الشابة سيدخل إلى سوق العمل فى هذه الفترة وهو ما سيرفع الطلب على التأمين بمختلف أنواعه وخاصة الطبى والسيارات ثم تأمين المنازل وغيرها.
المال: ماهى كلمة السر أو ماهو المفتاح الحقيقى لجذب المواطن للتأمين ؟
أبوزيد: أولاً الابتكار مهم جدا ولكن قبل ذلك لابد أن تكيف الشركات منتج التأمين وأن تبيعه على يد وسطاء قادرين على إيصال المعلومة بوضوح وشرح الاستثناءات والتحملات وشرط النسبية لكن بشكل مبسط وبصورة محببة للعميل، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون هناك ميثاق شرف يضمن نزاهة التعامل مع كافة الأطراف وهو ما سيقود القطار إلى طريق النمو الصحيح حتما.
المال: ماهى الفرص غير المستغلة فى قطاع التأمين حتى الآن؟
أبوزيد: لاتزال هناك أنواع من التأمين تعد فرص لنمو القطاع لم تستغل حتى الآن ومنها التأمين الزراعى والتأمين المتناهى الصغر وتأمين الهجمات الإلكترونية «Cyber Risks» بجانب ماذكرته مسبقا من أنواع جديدة متخصصة كتأمين المسئوليات والجِمال والخيول المجوهرات والأشياء التاريخية المتاحف علاوة على أنه لاتزال هناك فرص نمو كبيرة فى التامين التكافلى مستقبلا.
المال: من أين يأتى القصور فى التأمين التكافلى والمتسبب فى ضعف أقساطه ؟
أبوزيد: التأمين التكافلى كنموذج عمل «business model « غيرمفهوم بالنسبة للعامة لأنه مختلف؛ عنصر الالتزام الشرعى فى الاستثمارات له خصوصيته وهو مايميزه؛ لكن ما حدث هو أنه تم نسخ المنتجات التجارية من طرف شركات التأمين التكافلي؛ ونحن فى حاجة إلى مجهودات كبيرة تبذل من أجل تمييزه كنوع تأمين غير تقليدى، ولقد بلغ إجمالى أقساطه 12.9 مليار دولار فى 2019 فى المنطقة العربية.
لدينا دليل بيانات يتم تحديثه دوريًا لمواكبة المستجدات
المال : ماهو الدور الذى سيلعبه الاتحاد العام العربى للتأمين فى المرحلة المقبلة ؟
أبوزيد: الاتحاد العام العربى للتأمين يُعد الممثل الأوحد لشركات التأمين وإعادة التأمين العربية ومهمته الدفاع عن / والارتقاء بصناعة التأمين فى المنطقة العربية، واليوم يوفر الاتحاد منصة معلومات ضخمة ويربط بين كل أطراف العالم العربى ودوره كذلك أن يوفر المعلومات لاكتشاف الفرص الاستثمارية، ولهذا الغرض أطلقنا دليل شركات التأمين وإعادة التأمين والوسطاء العرب وهو مجلد متكامل بإحصائيات الأسواق والبيانات المالية للشركات لإعطاء قيمة مضافة لقطاع التأمين بالوطن العربى.
السوق السعودية تعاونية بالكامل والتأمين الإسلامى بالسودان يشهد تحولات
المال: هل ترى الأُطر القانونية فى الدول العربية مشجعة للاستثمار فى قطاع التأمين؟
أبوزيد: الأُطر القانونية لقطاعات التأمين العربية ممتازة ومشجعة على الإستثمارمثل قانون التأمين بالمملكة العربية السعودية وقانون التأمين الموحد المرتقب إقراره فى مصر جيد إلى درجة كبيرة وسوف يتم ضبط إيقاع السوق فور العمل به من خلال التأمينات الإلزامية التى تم وضعها به، علاوة على ذلك أرى أن قانون التأمين السودانى سوف يتغير فى السنوات المقبلة ولن تصبح كل الشركات الموجودة به تكافلية.
المال: هل سنرى صفقات اندماج فى الفترة المقبلة أم أن هذه الثقافة بعيدة عنا إلى حد ما؟
أبوزيد: من قال إنها بعيدة عنا؟ ثقافة الاندماج فى الوطن العربى لم تكن عندنا موجودة منذ سنين، لكن تزايد الإقبال على دمج الشركات فى الفترة الأخيرة بالإمارات والسعودية والمغرب فعلى سبيل المثال تم تنفيذ أول صفقة اندماج فى قطاع التأمين السعودى بين شركتى ولاء للتأمين التعاونى وشركة «متلايف إيه آى جى العربى» فى العام الماضى وفى الإمارات دمج «نور تكافل» التابعة لدار تكافل وإبرامها شراكة إستراتيجية مع بنك نور للاستحواذ على %100 من أسهمها فى فبراير 2020 وسوف تزيد ضغوط السوق من تسريع صفقات اندماج أخرى.
المال : هل يبنى الاندماج فقط على أساس رفع أو دعم القاعدة الرأسمالية للشركات فقط؟
أبو زيد: لا ولكن دعنا نقول إن الاندماجات تبنى على أسس عملية وإقتصادية ولابد أن تكون هناك مصلحة وجدوى كبرى منها وسوف تفرض ثقافة الدمج نفسها فى السنوات المقبلة حتى تستطيع كيانات التأمين أن تكون قادرة على الاستثمار فى البنية التكنولوجية «IT» وحتى وعلى تكوين كوادر بشرية على أعلى مستوى قادرة على مواكبة المستجدات المستقبلية بكافة أنواعها خاصة وأنه اقتصادات الحجم تشجع المستثمرين على الدمج وتقارب وجهات النظر والمصالح.
المال: هل ترى أن الدمج يحقق أهداف الكيانات التأمينية بشكل أسرع؟
أبوزيد: نعم الاندماج بين الشركات له العديد من المزايا أهمها ضخامة رأس المال، بالإضافة إلى أنه كلما زادت قوة الكيانات كلما زادت قدرتها على المنافسة وتعزيز مركزها فى السوق، فضلا عن قوتها فى الاستثمار فى التكنولوجيا.
المال: ماهى الرسالة التى سيتم توجيهها من خلالكم كمتحدث فى مؤتمر شرم الشيخ فى نسخته الثالثة؟
أبوزيد: سوف أتوجه للجميع برسالة كمدير إحدى الجلسات بضرورة ركوب قطار الرقمنة والسير مع التحول المرتقب الذى فرضته علينا العولمة فى كل شئ، خاصة وأن كل الصناعات لها مستقبل واعد مع التحول التكنولوجى وليس قطاع التأمين فقط وعلينا استغلال ذلك بشتى الطرق حتى تنمو وترتقى صناعة التأمين.