تضمنت نصوص القرآن وأحاديث السنة الصحيحة منهجية حياة إيجابية للبشر، بصورة كفلت عالمية الإسلام، دون تحديد لجنس أو لون أو دين. فنجد مثلا بسورة البلد -11 17 (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ. يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ). كذلك ما ورد بالحديث الشريف من أن من إماطة الأذى عن الطريق من شُعب الإيمان.
النصان يمثلان منهجا بشريا لتحقيق الإيمان وثواب الآخرة، فربطا المنهج بأفعال مادية أرضية قابلة للمعاينة والقياس والتحقيق هى (أ) إماطة الإنسان الأذى عن الطريق بإزالة ما يعوقه، فيؤذى الآخرين ويحافظ على سلامته ونظافته (ب) كيفية إزالة العقبة أو الحائل المانع من استحقاق الإنسان لثواب الآخرة، بتحريره لعبودية أخيه الإنسان، أو سد جوعه أو دعم أيتامه، أو جبر ضعف مساكينه وقلة حيلتهم، وللوصول لكل ذلك على الإنسان التحلى بالصبر والرحمة.
تطور الحياة والمفاهيم يجعلنا نتأمل تطور مفاهيم وصور (الإماطة، الأذى، الطريق، العبودية). فالإماطة تجاوزت صورة الفعل المادى بإزالة العوائق المادية من الطرق والشوارع، لأن مفهوم الطريق ذاته توسع واختلف! فسلوكيات الإنسان أصبحت طريقا تحتاج إزالة سلبيته وجهله وغروره ونرجسيته. فكر ووعى الإنسان أصبحا طريقا يحتاج إماطة رجعيته وتخلفه وسطحيته وشوفونيته وتعصبه. الأذى والعقبة والحائل تعددت صورهم بدورها، لتطغى أنواع جديدة من العبودية، تحتاج فكّها! كعبودية المال، الفقر، الجوع، الظلم، الهوان. هناك مجتمعات كاملة تعوم فى الفقر والجوع والتخلف والتعصب. هناك فئات طاغية فى السفه والسطحية والادعاء المؤذين لطريق الوعى الجمعى، وكلها ظواهر تسترق الإنسان فى حياته المجتمعية، ودعى القرآن الإنسان لفكها، سواء ذاتيا أو كمجموعة أو كمجتمع أو كدولة، ولن يتحقق ذلك إلا بفعل (الإماطة والإزالة والكشف والدعم والتعاون).
تطور رؤية معانى الطريق والأذى والإماطة، جعل نطاق تطبيقهم يتوسع ليغطى الاقتصاد والسياسة والمجتمع لا الإنسان فقط، ليؤسس هذا المنهج طرقا جديدة فى تحول الفعل الفردى إلى مبادرات مجتمعية وجمعيات وبرامج حكومية، ومن هنا تقدم القرآن والسنة للتنمية المستدامة منذ 1400 سنة، بصورة جعلت أسسه ومفاهيمه عالمية بطبعها، خصوصا فى بدايات القرن 21، وظهرت معانيه أكثر مع ظهور فيروس كورونا، اختلاف المجال المغناطيسى للأرض وكثرة الزلازل، الكوارث المناخية والظواهر الجوية الشاذة، ارتفاع البطالة، ازدياد معدلات الفقر إلخ.
أصبحت الجهود المجتمعية والسياسية (الوطنية والإقليمية والدولية) لإماطة الأذى عن العالم، ترجمة عملية فعلية حديثة للقرآن والسنة الصحيحة، نادوا بها من ١٤ قرنا. من هذه الجهود مبادرة الحركة العامة الدولية ALLATRA، https://allatraunites.com/ar التى تعمل على محاور تترجم العديد من رؤى وحلول القرآن والسنة الصحيحة لسعادة الإنسان وإنقاذه. تهتم ALLATRA بإحياء القيم الروحية والأخلاقية فى المجتمع العالمى، وإقامة حوار سلمى حول جوانب الحياة داخل المجتمع، مثل الظروف الثقافية والاجتماعية والروحية والأخلاقية، وفى مشروع طموح أطلقت ALLATRA (المجتمع الأخلاقي) كمنظومة من 8 محاور، تشكل فى تقديرى صورا عملية لتحقيق منهج إماطة الأذى من طريق الإنسان ورفع عقباته وفك أسره من العبوديات الحديثة. هذه المحاور هى الحياة البشرية / الحرية البشرية / سلامة الإنسان / الشفافية والانفتاح فى المعلومات للجميع / الفكر الخلاق / تنمية الشخصية / العدل والمساواة / مجتمع يتمتع بالحكم الذاتى.
يعتمد التطور الفكرى لبناء مجتمع صحى ناجح عمليا وسليم فكريا، على الانفتاح على الآخر، موضوعية الآراء، تبادل الخبرات، تضافر الجهود، تنوع الدعم، نبذ التعصب، تبنى منهج اربح/تربح، الاستفادة من التاريخ، تحييد الدين عن السلطة، تضفير العلم مع الرحمة.
للأسف فالربع الأول من القرن الـ21 لا يشير إلى سنوات مريحة قادمة! فالجغرافيا العالمية يعاد تشكيلها، الكثافة السكانية العالمية تحت مؤامرة التقليص لتناسب الموارد الأرضية، التحالفات الاقتصادية العالمية تعيد تشكيل النظام المالى العالمى الجديد، الصين المارد النائم استيقظ ويطالب بنصيبه العالمى، أمريكا تصر على استعادة ملعب العالم، روسيا تستعيد سوفيتيتها بأشكال جديدة، العرب يعيشون ربيعا مستجدا، أفريقيا المجزر الآلى الجديد، طالبان، إسرائيل، آسيا الجديدة، فالعالم 2021 وما بعده طريق بشرى مفعم بالأذى والعقبات والموانع، المحتاجة لإماطة تبدأ من الذات لتنتهى بالأمم المتحدة، التى حان إماطتها بدورها، بما تعوقه فى طريق تنمية وسلام وحفظ دول العالم الثالث.
منهج الإسلام فى رفع الأذى وفك العبودية ودعم الإنسان، رسالة عالمية نسمعها من ALLATRA وجمعية إماطة المصرية وغيرهما، ورغم الباع الطويل للمسلمين فى هذا المنهج، إلا أن الواغلين منهم فى أدغال النصوص والحواشى والفتاوى والتحريم والتكفير، يظلمون المنهج والإطار فيصبغونه بأفعالهم وسلوكهم، ليكونوا أذى مستجدا فى طريق المنهج الرائق، ينتظر بدوره إماطته!
تكلموا بعالمية منهج الإسلام، لا بلسان وأفعال محدثيه، فستسمعون له صدى لا صخبا، ومؤمنين به لا مسلمين فقط!
* محامى وكاتب مصرى [email protected]