من تراب الطريق (1176)

من تراب الطريق (1176)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:44 ص, الخميس, 9 سبتمبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(8)

عن خطورة التكفير، كان فضيلة الإمام الأكبر قد ألقى كلمة افتتاحية فى المؤتمر الثالث والعشرين لوزارة الأوقاف المصرية، تحت عنوان: خطورة الفكر التكفيرى والفتوى بدون علم ـ على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية، والمنعقد فى القاهرة فى 24 جمادى الأولى 1425 هـ / 25 مارس 2014 م، تناول فيها خطورة التكفير من شتَّى جوانبه وآثاره الضارة، والجرائم المريعة التى ترتكب باسم الإسلام وباسم شريعته السمحاء، مع صيحات التهليل والتكبير ودعاوى الاستشهاد فى سبيل الله، الأمر البعيد كل البعد عن الإسلام، الأمر الذى استغله الإعلام الغربى فى تشويه صورة الإسلام، وتقديمه للناس على أنه دين همجى متعطش لسفك الدماء !

والواقع الذى علينا أن نواجهه، أن هذه الظاهرة ليست جديدة على المجتمعات الإسلامية، فقد كان لها أصولها فى فقه الجماعات المتطرفة، وفى فرقة الخوارج، وانحرافها إلى هذا الاتجاه الكارثى نتيجة انحراف سابق فى تصورها العقدى والفقهى، ومفهومها الخاطئ للعلاقة بين مفهوم « الإيمان » بالله تعالى كأصل، و« الأعمال » كفرع، وكيف ضلت ضلالاً بعيدًا حين تشبثت ببعض ظواهر النصوص، وأدارت ظهرها لظواهر أخرى تدعوا لنقيض ما فهموا وتشبثوا به بفهم خاطئ لبعض النصوص القرآنية.

ترى ما هو سبب عودة قضية التكفير إلى الساحة ؟ قبل عام 1967 لم تعرف المجتمعات الإسلامية مثل هذه الجماعات، وجماعات التكفير الحديثة إنما تَشَكَّلَ فكرها التفكيرى ووُلِدت داخل السجون والمعتقلات، واختلفت جماعات الشباب فى الحركات الإسلامية، فى موقفها من الحاكم، بين من يعلن تأييده، وبين من يرفض ويعتبر التأييد تخاذلاً فى الدين، ثم ما لبث هؤلاء المتشددون الرافضون أن انعزلوا عن الباقين فى صلاتهم، معلنين كفر الآخر لتأييدهم حاكمًا كافرًا، ثم ما لبث هؤلاء أن كفروا المجتمع، وظهرت فيمن ظهر ـ جماعة التكفير والهجرة، تتبنى تكفير المجتمع كله، الحاكم والمحكومين، ووجوب اعتزال هذا المجتمع الكافر وهجرته، وعرفت هذه الجماعة بجماعة التكفير والهجرة، واستعارت فكرة الهجرة من عبد الله بن ياسين الذى وضع الأسس الأولى لدولة المرابطين فى المغرب العربى من أواخر القرن العاشر الميلادى، وتورطت هذه الجماعة فى قتل الشيخ الذهبى، وقُضى بإعدام عدد منهم، وأُعيد الباقون إلى السجون التى كان فكرهم قد تشكل سلفًا وراء أسوارها !

والحديث حول هذه الجماعات طويل، لا يتسع له هذا الحيز، والمهم هو معرفة مدى مخالفة هذه الأفكار لصحيح الإسلام. ونحن نعرف ـ فيما أبدى فضيلة الإمام الأكبر ـ أن مذهب أهل السنة والجماعة فى حقيقة الإيمان، هو التصديق القلبى بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، إلى آخر الأحاديث الصحيحة التى تفسر مفهوم الإيمان بالإعتقاد القلبى الجازم، ولا تفسره بالأعمال سواء ما تعلق منها بفعل الطاعات، أو ترك المنكرات. وأورد البخارى بسنده فى صحيحه، من حديث الهادى البشير عليه الصلاة والسلام عن الإيمان، قوله: «أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث».

أما الأعمال من صلاة وصيام وحج وزكاة، فإنها بالتعريف النبوى ـ من واجبات الإيمان، وليست الإيمان ذاته، فهى ليست جزءًا مقومًا لماهيته، بل هى شرط كمال، ولها بلا مراء شأن كبير وخطير فى زيادة الإيمان ونقصه، فهى تصعد بالإيمان إلى أعلى درجاته، ويهبط تركها أو الإهمال فيها إلى أدنى درجات الإيمان، ومؤدى هذا أن زوال الأعمال ـ كليًّا ـ ناهيك بالقصور فيها، لا يزيل الإيمان، ويبقى المؤمن مؤمنًا حتى وإن قصّر فى الطاعات، أو اقترف المعاصى والسيئات، ولا يجوز تكفيره ما دام لا ينكر المعلوم من الدين بالضرورة، ومحتفظًا بالاعتقاد القلبى الذى هو حقيقة الإيمان ومعناه.

www. ragai2009.com

[email protected]