خواطر مواطن مهموم (97)

خواطر مواطن مهموم (97)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:18 ص, الأحد, 18 يوليو 21

مصر وصراعاتها الإقليمية

كتبتُ فى المقالات السابقة ما يفيد بأن النصر الحاسم قد يكون على المدى الطويل أقل كلفة من الحلول الوسطى القائمة على تنازلات تشترى خفضًا للتوتر يؤجل استئناف الصراع ولكنه لا يلغيه، ولا سيما إن لم تتضمن تلك الحلول الوسطى بنودًا تمنع الخصم من تسليح نفسه؛ لأن هذه الاتفاقات تشترى السلام بدم وأموال الأجيال التالية. وللعالم العربى خبرة بتلك الاتفاقات التى حققت هدوءًا لبضع سنوات ثم عاد الصراع كأنه بركان استيقظ ليلتهم كل شيء.

وفى المقابل قلتُ إن الحرب أصبحت مرتفعة الكلفة فى الأرواح والأموال والمُعدات والمنشآت، وأن النصر الحاسم أصبح صعب التحقيق بعيد المنال. وقلت إننا لسنا مضطرين إلى الاختيار؛ لأن هناك وسائل أخرى لإدارة الصراع مثل الاحتواء والمقاطعة والعقوبات الاقتصادية ومحاولة إفهام العدو أن أى اعتداء سيترتب عليه رد قاسٍ.

وطبعًا لا توجد روشتات تصلح لكل مكان وزمان، وهذا مكمن صعوبة وجمال السياسة. القائد العظيم هو الذى يقدر على فهم وضعٍ ما وسماته وخصوصيته. كل وضع وكل أزمة يشتركان مع أمثلة تاريخية فى سمات، ويختلفان معها فى سمات أخرى، والقائد الماهر يعرف يحدد ما هو أهم… المشترك أو الخاص… ويحدد لو الوضع يحتاج إلى روشتة جديدة تمامًا أم إلى روشتة تمّت تجربتها فى الماضى.

فيما يتعلق بمصر فإن رئيسها قائدنا له مشروع طموح فى البناء الداخلى وفى تحقيق التنمية وفى إخراج أكبر عدد من المصريين من مثلث الفقر والجوع والمرض، ويحاول أن يعيد رسم الخريطة الثقافية والفكرية المصرية لتعود إلى الاعتدال والتسامح، وإلى التفكير العلمي- ما يسميه الأخذ بالأسباب، وإلى تفضيل ما هو وطنى على ما هو طائفى وأممى… إلخ.

والنجاح فى هذا المشروع الطموح يقتضى تجنيب مصر ويلات الحروب. وطبعًا من يريد أن يمنع وقوع حرب عليه الاستعداد لها استعدادًا يردع كل سيئ النية وهم كُثر، بل يمكن القول إن مصر مُحاطة بأعداء حقيقيين أو محتملين، إلى جانب حاجتها إلى تأمين أو المشاركة فى تأمين شرق المتوسط والبحر الأحمر والقرن الإفريقى ومناطق الساحل والصحراء.

أى أن التهديدات تتكاثر وتتعقد فى وقتٍ تكون مصر فيه فى أمسّ الحاجة إلى استقرار وسلام. ويزيد من الطين بلّة الاختلاف فى نوعية التهديدات وفى المهامّ الواجب تنفيذها فى إطار التعامل معها… وكون تعدد التهديدات يصعّب من أمر حشد وتركيز القوات ضد عدوِّ ما. لا نملك ترف تعرية جبهة.

الوضع ليس قاتمًا تمامًا فأغلب ما يهددنا يهدد غيرنا، مما يتيح لنا بناء تحالفات، أو على الأقل شراكات، أدعو القارئ إلى التفكير فى عدد الدول التى تحتاج إلى مصر قوية. أعلم أن أغلبهن لن يقر علنًا بهذا، ولكن مصر أصبحت دولة محورية فى عدد كبير من الملفات؛ لدورها فى مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية… مثل الهجرة والإرهاب والجريمة المنظمة.

وطبعًا نعانى وجود طابور خامس؛ من مصريين يفضلون دولًا أجنبية على بلدهم ويعملون ضد الأخيرة، أغلبهم تحرِّكه دوافع أيديولوجية، وقليلهم يفعلها إما لضغائن أو رغبة فى الكسب السهل.

ما العمل؟ من الجليّ الواضح أن عملًا عسكريًّا حاسمًا ولا يستغرق وقتًا طويلًا خيار غير متاح ضد بعض أعدائنا وغير متاح لهم. أى علينا التحضير لمستقبل متوتر معهم. السؤال: هل يمكننا التفكير فى حلول وسطى تخفض التوتر؟ طبعًا ليس هناك رد واضح وحاسم على هذا السؤال. ما هو واضح أن هذه الدول لا يمكن التعويل عليها لاحترام التهدئة لفترة طويلة ولا لاحترام حقوق مصر كما يقررها القانون الدولى والتاريخ. ومن ثم علينا التحوط قبل تقديم تنازلات هامة… وطبعًا تحديد ما هو هام وما هو غير هام مسألة خلافية.

يتبع

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية