سقط مجلس الأمن بآخر فخ بفن حرب الرئيس السيسي ، لتوثيق مشروعية ضرب سد النهضة! ورغم خيبة أمل العديدين لقرار المجلس ومواقف الدول، إلا أنه فى رأيى خاتمة الاستراتيجية المصرية لحل أزمة السد! لماذا؟
قد تكون خطوات مصر منذ إعلان المبادئ 2015 والتزامها التفاوض وضبط النفس سنوات، حتى فيديو «حلفان إثيوبيا» بعدم الإضرار بمصر، ثم صمتها لإتمام الملء الأول وعدم انتفاضها لإعلان الملء الثاني، كل ذلك صور متفرقة عند الكثيرين لضعف الموقف المصرى وتخاذله لحفظ وجودها ذاته! ولكن الحقيقة أن مصر لا تواجه إثيوبيا فقط ولكن من خلفها أيضا، والسد مجرد أداة تركيع وتنفيذ لسياسة الحنفية، فلذلك توجيه ضربة عسكرية للسد، سيكون حربا بكل تداعياتها داخليا وخارجيا.
إن نحت مركز قانونى سياسى عسكرى آمن فى السياسة الدولية، يحتاج زخما من الترتيبات والتصعيدات والتوثيقات لوصف أى عمل لاحق لهذا المركز (بالحالات المشروعة لاستخدام القوة) كقرار تعريف العدوان 1974/3314 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لدرجة نفى صفة اللاشرعية عنه ومنحه سببا للإباحة.
للوصول لهذه الحالة بالقانون الدولي، يلزم الدولة إثبات أنها بالحالة الرابعة لاستخدام القوة ـ الدفاع الشرعى طبقا لميثاق الأمم المتحدة! فقانونية الدفاع الشرعى دوليا (سواء فرديا من دولة أو جماعيا لأكثر من دولة بينهم مصالح وصلات)، هو القيام بتصرف غير مشروع دوليا، للرد على تصرف غير مشروع ابتداء.
أساس حق الدولة بحالة الدفاع الشرعي، إثباتها شروط العدوان من الدولة الأخرى، وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة وقت صدوره ربط العدوان بالاعتداء المسلح لوصله بعنصرى الاستعجال والضرورة، (لمواجهته بالدفاع الشرعى المسلح) إلا أن تطور الزمن واختلاف صور الاعتداء والإضرار، جعلت الاعتداء المسلح صورة ثانوية للعدوان الماس بسيادة الدولة أو استقلالها أو وجودها أو مصالحها الاقتصادية المحورية.
من جهة أخرى؛ يلزم قيام العدوان واستمراره بالفعل، مما يمنح الدولة رخصة الدفاع الشرعي، بعيدا عن الموافقة المسبقة لمجلس الأمن. كذلك يجب مباشرة العدوان بقدر من الجسامة والخطورة لتأسيس حالة ضرورة لرده بدفاع شرعى حاسم. وأخيرا، يكون فعل العدوان غير مشروع نتيجة مخالفة قوانين أو اتفاقيات أو تعسف باستخدام الحق ليجعله عملا ماديا، يلحق تنفيذه المخالف، أضرارا مباشرة بالدولة الأخرى.
على صعيد آخر؛ يلزم لتأصيل فعل الدفاع الشرعى للدولة، كونه الوسيلة الوحيدة لرد عدوان الدولة المعتدية + توجيه فعل الدفاع لمصدر الخطر ذاته + اتسام الدفاع بالصفة المؤقتة لحين تدخل مجلس الأمن، إلا إذا كان استمراره 1 – منوطا به حماية الدولة من انتهاك حقها المشروع بالوجود طبقا للقوانين والأعراف الدولية 2 – ثبوت فشل مجلس الأمن لوقف المعتدى و رد الحق للمضرور 3 – استمرار المعتدى بعدوانه ورفضه للاتفاقيات والمواثيق الدولية. هنا تتكامل منظومة الدفاع الشرعى للدولة لحماية حقها بالوجود، بكل ما يتضمنه من أرض وبشر ومصالح وحق بالحياة.
يلخص منظومة حق الدول بالدفاع الشرعى مقولة مونتسكيو (إن حياة الدول مثل حياة الناس، فكما للناس حق القتل بحالة الدفاع الطبيعي، فإن للدول حق الحرب لحفظ بقائها).
من كل ذلك، أقول إن الاستراتيجية المصرية نجحت أمس ـ بقرار مجلس الأمن السلبى بانتزاع أخطر موقف دولى قنّن ـ بطريقة غير مباشرة ـ إثبات حق مصر لاستخدامها الدفاع الشرعى لحفظ وجودها! كيف ذلك؟
جلسة مجلس الأمن كانت آخر خطوة مصرية لإشهاد العالم رسميا 1 – بالتزام مصر بالاتفاقيات الدولية 2 – تعسف إثيوبيا لاستخدام حقها بحيازة واستخدام – وليس امتلاك – النيل الأزرق، بتعمد قصد الإضرار بدول المصب ورجحان هذا الضرر 3 – بلورة صورة ذهنية للعالم بتوفر حالة عدوان سد النهضة، على وجود ومصالح دول المصب 4 – التزام مصر بميثاق الأمم المتحدة بالعرض على مجلس الأمن 5 – فشل مجلس الأمن لوقف عدوان إثيوبيا.
زلة مجلس الأمن قبول انعقاده وقراره الصادر! هذه الزلة قمة نجاح فن الحرب للسيسي، المنتزع لحالة دفاع شرعى مصرى من قلب قاعة الأمم المتحدة، ليترك لمصر وحدها اختيار توقيت ونوع وشكل هذا الدفاع.
الفكرة ليست سرعة ضرب السد ولا إعلان الحرب لتأديب الصلف الإثيوبي، كل ذلك مستهدف لتوريط مصر فى حرب أسعار داخلية، غليان شعبي، استنزاف موارد، وقف التنمية، إعلان مصر منطقة كوارث، إخراجها من طريق الحرير وحركة التجارة الدولية، استنفار القوى الدولية لحرب عالمية محدودة تبتلع أفريقيا مجددا، إلخ.
مهارة الاستراتيجية المصرية بعد تأمين حقها بالدفاع الشرعى واستخدام القوة، هو عدم تدمير السد كاملا، كحالة اعتداء مسلح يتجاوز الدفاع الشرعي! البراعة ستكون بخطة إتلاف أو إعاقة مؤثرة للسد، تجبر إثيوبيا لتنفيذه طبقا لمصالح الثلاث دول تحت رقابة دولية. هنا سيكون شكل ومضمون الضربة، مغطى دوليا وسياسيا بالدفاع الشرعى وليس تجاوزه، بالاعتداء المسلح على دولة إثيوبيا. خاصة أن مفهوم الاعتداء المسلح بتعريف ميثاق الأمم المتحدة يلزمه توافر شكل ونوعية وكمية معينة لإثباته، وهو حتما ما يلزم تجنبه بالضربة الدفاعية.
استراتيجيا؛ امتلاكك القوة لا يضمن فوزك، لو موقع الحرب وظروفها، لا تناسب قوتك!
المعضلة هى كيف توقف مصر الأزمة بحل مادي، بدون شبهة الاعتداء المسلح على سيادة دولة، تجرها لوصف الحرب، فتورطها بنتائجها المستهدفة؟
مفتاح اللغز كان منهجية انتزاع مصر الصفة الدولية، لمشروعية الدفاع عن وجودها. شكل الدفاع قد يبدأ من التخريب الفنى للسد، للقوة المسلحة عند الضرورة! المهارة الحقيقية هى إسباغ صفة الدفاع الشرعى على شكل تنفيذه، بدون الوصول لمواصفات الاعتداء المسلح، تجنبا لإضعاف الدفاع الشرعى وتدخل الآخرين.
للأسف الشارع المصرى المُستفز يريد حراكا، كما لو كان ضرب السد سينهى المشكلة ويثبت قوتنا ونعود لحياتنا اليومية! الحقيقة مسؤولية الرئيس السيسى أعمق بمراحل من إرضاء المصريين ـ بمختلف توجهاتهم ونواياهم ـ بضرب سد يورطنا بحرب لا تناسبنا!
الطريق طويل، ولا مجال فيه للمراهنات ولكن للحسابات، فالدفاع الشرعى بدأ!
- محامى وكاتب مصرى