نجحت مصر بشكل لافت في الفترة الأخيرة في إدارة الملفات الخارجية، مثل غزة وشرق المتوسط وليبيا، بفضل انتهاجها الدبلوماسية الخشنة بغية اتخاذ خطوات جدية نحو حل هذه الأزمات.
ونجحت مصر كذلك في استعادة حرارة العلاقات مع بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وتطبيع العلاقات مع دول أخرى مثل قطر.
استخدام الدبلوماسية الخشنة في بعض الملفات
وأرجع خبراء هذا النجاح إلى نشاط “الدبلوماسية الرئاسية” للرئيس عبد الفتاح السيسي، واستخدام “الدبلوماسية الخشنة” في بعض الملفات، و”الصبر الاستراتيجي” في ملفات أخرى، إلى جانب تشعب علاقات مصر الخارجية، و”خبراتها المتراكمة” و”سياساتها المعتدلة” في الإقليم.
وأعلنت مصر، في 20 مايو الماضي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار متزامن ومتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، بعد 11 يوما من القصف المتبادل، وأجرت خلال الأيام القليلة الماضية مباحثات بين الطرفين لتثبت التهدئة، وحسم ملف صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس.
كما أعلنت القاهرة عن مبادرة لإعادة إعمار القطاع الفلسطيني، وخصصت 500 مليون دولار لهذا الأمر، على أن تستضيف الأسبوع القادم وزراء فلسطينيين للتنسيق بشأن إعادة الإعمار.
كذلك نجحت مصر في إدارة ملف شرق المتوسط، حيث تمكنت من ترسيم حدودها البحرية مع اليونان، وتكثيف عمليات التنقيب عن البترول والغاز في مياهها الإقليمية بالبحر المتوسط، وتأسيس واستضافة منتدى “غاز شرق المتوسط”، الذي دخل ميثاقه حيز التنفيذ في مارس الماضي.
حل الأزمة الليبية
وفي ليبيا، ساهمت مصر بدور حيوي في دفع الحل السياسي للأزمة، لاسيما بعد أن وضع الرئيس السيسي خطا أحمر، وهدد باستخدام القوة في حال تجاوزه.
في الوقت نفسه، تجري مصر مفاوضات مع كل من تركيا وقطر لتطبيع العلاقات، بينما استعادت علاقاتها مع واشنطن حرارتها بعد أن أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالين هاتفيين مع نظيره المصري في أقل من أسبوع خلال حرب غزة، وهما أول اتصالين منذ وصول بايدن للسلطة.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن “نجاح الدبلوماسية المصرية يعود إلى الرئيس السيسي، الذي سن قاعدة (الدبلوماسية الرئاسية)، وهي دبلوماسية مهمة مبنية على أسس وقواعد تعتمد على علاقات الرئيس الخارجية”.
وأضاف فهمي، لوكالة أنباء (شينخوا)، أن “السيسي نجح بمهارة كبيرة في استخدام هذه القاعدة في إدارة ملفات السياسة الخارجية في أفريقيا والدول العربية وإقليم شرق المتوسط، وهذه الدبلوماسية الرئاسية مخطط لها من قبل المخابرات العامة ووزارة الخارجية والرئيس بصفة شخصية”.
خبرات متراكمة
وتابع “لقد شاهدنا كيف تعاملت مصر مع ملفات ليبيا وشرق المتوسط والسودان وقطاع غزة، وفى كل الأحوال نجحت بشكل كبير في إدارة هذه الملفات”.
أما الخبير العسكري العميد سمير راغب رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، فقال إن مصر لديها “الخبرات المتراكمة” التي تساعدها على النجاح في إدارة الملفات الخارجية.
واستشهد راغب، بما حدث في غزة، لافتا إلى أن “مصر قامت بإدارة أربعة صراعات كبيرة في غزة في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021، ولديها خبرات متراكمة للتعامل مع هذا الأمر”.
وأشار إلى تشعب علاقات مصر الخارجية، حيث “استفادت مصر من علاقاتها بالأردن، والمصالحة مع قطر، والموقف الأمريكي المساند لها، لوقف إطلاق النار في غزة”.
وتابع لـ (شينخوا)، أن الرئيس بايدن أجرى اتصالات هاتفية مع السيسي حول غزة، و”هذا يدل على قوة مصر في حل الأزمات، وأثبتت للإدارة الأمريكية أن مصر حليف استراتيجي، وأن الكثير من أوراق الحل في المنطقة في يد مصر”.
ووصف تعامل مصر مع أزمة ليبيا بأنه “أكثر من رائع”، ورأى أن “تخفيف الصدام مع تركيا أحد أسباب الهدوء في ليبيا وجعل الحكومة الليبية تشكل في مناخ ليس فيه مؤثرات خارجية”.
وأردف أن “الدبلوماسية الرئاسية أحد أسباب نجاح مصر في إدارة الملفات الخارجية، خاصة أن الرئيس السيسي يتبع دبلوماسية رشيدة وفاعلة وواقعية، لا تعتمد على الشعارات، ما أدى إلى رغبة الأطراف في المصالحة مع مصر”.
الصبر الاستراتيجي
ومن بين الأسباب كذلك “الصبر الاستراتيجي” في العلاقات مع قطر وتركيا، مشيرا إلى أن “الرئيس السيسي صبور، ويتخذ الخطوات التي تؤدى إلى نتائج مضمونة، بدلا من الخطوات المتسرعة”.
وواصل أنه “لا توجد دولة تستطيع أن تلعب دور مصر في الإقليم، فهي أول دولة وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، وتربطها اتصالات مع كافة الفصائل الفلسطينية، وبالتالي حينما حدث النزاع رأى العالم أن مصر هي القادرة على حل هذه الأزمة”.
بينما رأى الدكتور محمد صادق أسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مصر اتبعت خلال الفترة الأخيرة “سياسة معتدلة” سواء فيما يتعلق بالمنطقة العربية أو الإقليم.
وقال إسماعيل لـ (شينخوا)، إن “نجاح السياسة المصرية له عدة عوامل، أبرزها هو احترام القاهرة سيادة الدول على أراضيها، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، وإقامة علاقات متوازنة مع كافة دول العالم”.
وأكد ” انفتاح مصر على كل دول العالم”، مشيرا إلى “الدبلوماسية الرئاسية، حيث رأينا السيسي يذهب إلى دول لم تطل عليها الدبلوماسية (المصرية) من قبل مثل بعض دول أفريقيا”.
وتابع أن “مصر قبل عام 2011 كان لديها حليف استراتيجي هو الولايات المتحدة الأمريكية، أما الآن فهناك عدة حلفاء استراتيجيين، وليس حليف واحد، مثل روسيا وفرنسا وألمانيا “.
ولفت إلى أن مصر دشنت عدة تحالفات، مثل التحالف الثلاثي مع الأردن والعراق، وآخر مع قبرص واليونان، وغيرهما.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.