
محمود إدريس
في ظل أزمة ندرة الأعمال المطروحة حاليا علي قطاع المقاولات، والتي انعكست بالسلب علي أداء القطاع وشركاته، جاءت بارقة الأمل بعد إعلان البنك »الدولي« والبنك »الإسلامي للتنمية« عن عزمهما طرح صندوق برأسمال مليار دولار للاستثمار في قطاع البنية التحتية بالدول العربية، في خطوة وصفها العديد بطوق النجاة للقطاع.
وأشادت شركات المقاولات المصرية بآلية عمل الصندوق، الذي سيفتح مجالات عمل للعديد من الشركات المصرية سواء باقتناص مشروعات مطروحة داخل مصر أو خارجها، بأي من البلدان العربية، أو اقتناص شركات أجنبية لهذه المشروعات داخل مصر، بما يجبرها علي الدخول في شراكة مع أخري مصرية.
وأجمع رؤساء الشركات علي أن المردود الإيجابي لهذا الصندوق لن يخرج عن دائرة الشركات الكبيرة، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن جميع المناقصات التي يطرحها البنك الدولي، لها صبغة عالمية، وبالتالي ستكون المنافسة من الشركات المحلية، مقصورة علي تلك الشركات، التي تستطيع مزاحمة نظيرتها العالمية ذات الأسماء الرنانة، بالإضافة لطرح البنك الدولي مناقصته وفقًا لعقود »الفيديك« وليس قانون المناقصات والمزايدات، علاوة علي أن الشركات العالمية التي ستنافس علي مشروعات ستختار الشركات المصرية المعروفة علي الصعيد الخارجي كحليف، وفقًا للقانون المصري المنظم لعمل شركات المقاولات الأجنبية.
وكان البنكان »الدولي، والإسلامي« قد أصدرا بيانًا مؤخرًا أعلنا فيه عن تطلعهما لجمع حوالي مليار دولار لتوفيرمزيد من التمويل لمشروعات السكك الحديدية والطرق والكهرباء ومشروعات أخري في قطاع البنية التحتية بالدول العربية، التي تواجه ضغوطًا لتقديم خدمات أفضل لشعوبها.
وقالت شامشاد اختار، نائبة رئيس البنك الدولي لشئون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن الميزانيات الحكومية تتعرض لضغوط والقطاع الخاص يدرك المخاطرة التي تنطوي عليها الاضطرابات السياسية، ولذا يكون من الصعب تمويل المشروعات.
وبحسب تقديرات البنكين لا يستطيع %50 من سكان العالم العربي، الحصول علي الماء بالشكل المناسب، وتحتاج المنطقة إلي استثمار ما بين 75 و 100مليار دولار سنويا للحفاظ علي معدلات النمو الحالي، وأنه في ضوء النمو السكاني فمن المنتظر أن يرتفع أيضًا استهلاك الكهرباء خلال السنوات القليلة المقبلة، وسيتطلب الوفاء بالطلب استثمار 30 مليار دولار سنويا.
في البداية، أوضح الدكتور مصطفي رزق، أمين عام الاتحاد العربي لمقاولي التشييد والبناء، وكيل وزارة الإسكان سابقًا، أن هذه المبادرة من البنكين الدولي والإسلامي، تمثل طوق النجاة بالنسبة لشركات المقاولات المصرية والعربية بصفة عامة، لما تشهده المنطقة العربية، لا سيما مصر من ركود غير معتاد في القطاع العقاري، نتج عنه غياب تام للمشروعات الجديدة وتزامن ذلك مع استنزاف خزينة الدولة جراء الأحداث الأخيرة، والتي استدعي علاجها نفقات باهظة من خزينة الدولة، جاءت علي حساب العديد من الموارد والمخصصات، ومنها قطاع البنية التحتية والأساسية ومشروعات الإسكان اللذين يمثلان شريان الحياة بالنسبة لشركات المقاولات.
وتوقع »رزق« أن تنحسر مردودات هذه المبادرة الإيجابية علي الشركات الكبيرة فقط، التي تستطيع مزاحمة كبريات الشركات العالمية، وذلك لأن جميع المشروعات التي يدخل فيها البنك الدولي كجهة إسناد وتمويل، يتم طرحها خلال مناقصة عالمية، ولا تقتصر علي شركات الدولة المنفذ فيها المشروع فقط، الأمر الذي يقصي جميع الشركات المتوسطة والصغيرة عن الانتفاع بالصندوق المزمع تدشينه ، وأضاف أن جميع مناقصات البنك الدولي، تكون خاضعة لعقود »الفيديك« وليس قانون المناقصات والمزايدات، الذي ينظم طرح المناقصات في مصر، ومن ثم ستقتصر المنافسة المحلية علي مشروعات البنك الدولي علي الشركات التي سبق لها أن عملت خارج مصر، ولديها ثقافة العمل بعقود »الفيديك«.
وعقد »الفيديك« هو نظام عالمي ويعد اختصارًا لـ »الفيدرالية الدولية للمهندسين الاستشاريين«، ووضعت هذه المنطمة شروط العقود بصورة متوازنة، بحيث لا يكون هناك إجحاف لأحد أطراف العقد، وأصدرت عدة أنواع من العقود تمت تسميتها بناءً علي لون الغلاف الصادرة به، وهي الكتاب الأبيض، الذي يختص بالعقد بين المالك والاستشاري، والكتاب الأحمر، الذي يختص بالعقد بين المقاول والمالك والكتاب الأصفر، الذي يختص بعقد المقاولات للأعمال الكهروميكانيكية.
وأضاف »رزق« أن الاتحاد العربي، لا يملك إجبار البنك الدولي، علي منع الشركات العالمية عن المنافسة في المشروعات التي يطرحها، لافتًا إلي إنه إذا كان البنك الإسلامي، هو صاحب الصندوق منفردًا كان باستطاعة الاتحاد العربي إقناع البنك بحسر المنافسة بين الشركات العربية فقط بحجة أن البنك عربي وتمويله عربي، والدول التي يستثمر فيها عربية، وبالتالي فمن الأحري إسناد تنفيذ المشروعات لشركات عربية، لافتًا لنجاح الاتحاد مرات عديدة في إقناع البنك سابقًا.
وأوضح »رزق« أن الاتحاد لا يملك ترشيح المشروعات الأولي بالتمويل خلال الفترة الحالية مرجعًا تلك المهمة لاختصاصاتها فوزارة الإسكان تحدد المشروعات الأولي بالتنفيذ وكذلك الزراعة والري.
ومن جانبه، أكد المهندس عليوة شلبي، رئيس مجلس إدارة »النصر« للأعمال المدنية، أن الصندوق المزمع طرحه سيعمل علي تنشيط القطاع بشكل واسع، فقد استغل البنكان عدم قدرة معظم الدول العربية خلال الفترة الحالية علي الدخول في أي مشروعات جديدة كجهات إسناد نتيجة الاحتجاجات التي تشهدها الدول العربية، والتي تستلزم إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة تنهك خزينة الدول العربة خاصة غير البترولية.
وأضاف »شلبي« أنه بخروج شركات المقاولات، أو بقائها في السوق المحلية، ستستفيد من الصندوق، لا سيما الشركات الكبيرة التي تحظي بسمعة دولية وعربية جيدة والتي تستطيع التطوير من إمكانيتها وخبرات العاملين بها باستمرار، خاصة أن المنافسة ستكون محتدمة لأقصي حد بين الشركات العالمية، ذات الأسماء الرنانة والشركات الخليجية، التي تعاني هي الأخري ندرة الأعمال، علاوة علي عدم قبول البنك الدولي، إلا بمستوي تنفيذ غاية في الجودة.
وأشار إلي انعكاس إيجابي آخر للصندوق علي الشركات المصرية، ولكنه أيضًا لن يخرج عن دائرة الشركات الكبيرة المعروفة عالميا، وهو في حال تولي البنك مشروعات داخل مصر واقتنصتها شركات أجنبية، ستكون مرغمة علي الدخول في شراكات وتحالفات مع الشركات المصرية، وفقًا للقانون المصري بعد أن أعادت له الثورة المصرية هيبته وجعلته ملزمًا للجميع ولا مجال للرشوة والمحسوبية، كما كان مطبقًا في السابق بالنسبة لشركات المقاولات الأجنبية.
وتنص قوانين الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، علي أنه لكي يسمح للشركات الأجنبية بالتقدم لدخول في مناقصات لتنفيذ مشروعات ألا تقل قيمة العملية المتنافس عليها عن أربعين مليون جنيه، وأن يشاركها عضو عامل مصري بنسبة لا تقل عن %51 من قيمة العطاء المتقدم مع إرسال خطاب للاتحاد يفيد بذلك ويرسل الاتحاد خطابًا بعدم ممانعته من تقدمه للمناقصة.
وفي السياق نفسه، أكد المهندس إسماعيل عثمان، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، رئيس مجلس »إدارة المقاولون العرب« سابقًا، أن نشاط المقاولات بصفة عامة يعد مرآة لحركة الاستثمار والإسكان في أي دولة، فطالما الدولة منتعشة استثماريا، انتعش قطاع المقاولات، ولذلك فإن نشاط المقاولات يشغل %50 من ميزانية الدولة إجباريا، ودون قصدها، فعندما تبني الدولة مدرسة أو مصنعًا أو غيرهما فإن نصف التكلفة الاستثمارية علي الأقل تتمثل في التكلفة الإنشائية، ومن هذا المنطلق فإن الدول الأوروبية المتقدمة تعتمد علي قطاع المقاولات والتشييد لقياس قوة الدولة ومدي تقدمها.
وأشاد »عثمان« بالخطوة التي أقدم عليها كل من البنك الدولي والبنك الإسلامي، وما ستحدثه من انتعاش ورواج في القطاع المحلي، ولكنه شدد علي أن هذا لا يعني أن البنك الدولي يقدم مساعدة لمصر وقطاعاتها وشعبها، فمن المؤكد أنه درس آلية عمل الصندوق جيدًا ويعلم تماما مدي احتياج الدول لسيولة نقدية لتنفيذ مشروعات البنية التحتية الضرورية والتي تحتاج لموازنات ضخمة ومن ثم يحتفظ بهامش ربح مناسب ومثالي.
واستبعد »عثمان« أن تخرج شركات المقاولات المصرية لأسواق جديدة سعيا للمنافسة علي مشروعات الصندوق، خاصة إذا كانت الأسواق جديدة، ولا تمتلك الشركة المصرية أي خبرات تراكمية فيها، مؤكدًا أن السوق المصرية بدأت في استرداد عافيتها، بعد اندلاع الثورة، وما ترتب عليها من اضطرابات ومن ثم اتخذت منحني هبوطيا نحو الاستقرار علي العكس من باقي الدول العربية التي لم تصل الثورات والاحتجاجات فيها ذروتها، ومن ثم لا أحد يعلم ما الذي سيحدث، مقدرًا الفترة الزمنية التي سيستغرقها القطاع للوصول لنقطة الجذب والتعافي بـ 6 أشهر.
وانتقد »عثمان« الحكومات السابقة، والتي ألغت وزارة التخطيط، التي تلعب دورًا محوريا في تنظيم حركة الاستثمارات والإسكان، وقد برز دورها الآن عند طلب البنكين الدولي والإسلامي الحكومات العربية بتقديم المشروعات الأولي بالتنفيذ، والتي هي إحدي مهام وزارة التخطيط الملغاة، وستحدث العديد من التناقضات والمشكلات بين الوزارات المختلفة لرؤية كل وزارة أن مشروعها أولي من غيره، سواء كان مشروع مياه الشرب أو مشروعًا سكنيا أو طريقًا زراعيا، وكلها مشروعات مهمة، ولكن يجب أن يكون هناك ترتيب لهذه الأهمية.
وطالب »عثمان« البنك الدولي والحكومة المصرية بالاتجاه نحو ما يسمي »الاستثمار الاجتماعي« علي غرار ألمانيا التي تشرك منظمات المجتمع المدني في معظم الاستثمارات، لا سيما الحكومية كي تستطيع هذه المنظمات ممارسة دور الرقيب علي أكمل وجه، تحقيقًا للشفافية.
وبدوره توقع المهندس أيمن إسماعيل، رئيس مجلس إدارة »دلتا مصر« للمقاولات، ألا يتوجه البنكان الدولي والإسلامي بمشرعات خلال الأشهر الستة المقبلة في مصر، نظرًا لغياب خطة تنموية واضحة يتم من خلالها ترشيح المشروعات الأولي بالتنفيذ، وأرجع إسماعيل ذلك لسوء التخطيط، خلال الحقبة الماضية، فضلاً عن كون الوزارة الحالية وزارة تسيير أعمال وليس من صلاحيتها رسم السياسات المستقبلية ووضع الخطط العمرانية ذات الأبعاد المستقبلية.
وأضاف رئيس »دلتا مصر«، أنه يبقي احتمال ضئيل، لتبني الصندوق مشروعات داخل مصر خلال الفترة المقبلة، وفي هذه الحالة ستقتصر هذه المشروعات علي الشركات الكبيرة فقط، التي تملك الإمكانات التي تؤهلها للتنافس مع الشركات العالمية، ولفت إلي أن مشروعات البنك الدولي والبنك الإسلامي، عادة ما تكون مثالية بالنسبة لشركات المقاولات، لما تتميز به من هامش ربح مرتفع، علاوة علي ضمان شركة المقاولات الحصول علي مستحقاتهم كاملة وفي مواقيتها المتفق عليها.