
146 قطعة أرض بمساحة تزيد علي 6 ملايين متر أرض، وتتوزع علي غالبية محافظات مصر انتقلت لبنكي »الأهلي« و»مصر« قبل انتهاء العام المالي الماضي 2010/2009 من شركات قطاع الأعمال العام، في إطار تسوية المديونيات التي تم إبرامها بين البنوك والشركات، برعاية وزارة الاستثمار والبنك المركزي في ذلك الوقت، بقيمة بلغت 12.6 مليار جنيه، مما أدي لتحرر شركات قطاع الأعمال العام من مديونياتها في مقابل استغلال البنوك هذه الأراضي، سواء ببيعها أو بإقامة مشروعات عليها، سواء بمفردها أو بالتعاون مع مطورين آخرين، مما دفع البنكين لتأسيس »الشركة المصرية لإدارة الأصول العقارية والاستثمار«، بالمناصفة بينهما برأسمال مدفوع 300 مليون جنيه ومرخص به 2.5 مليار جنيه.
وينظر إلي الأراضي التي استحوذ عليها البنكان، علي أنه تم انتزاعها بأسعار رخيصة تقل عن قيمتها الحقيقية، وانتقد عدد من المتابعين لملف قطاع الأعمال العام، السرية التي تمت بها أعمال التقييم، وفي الوقت نفسه تسببت هذه التسوية في تأسيس شركة جديدة تنضم للقطاع العقاري المصري وفي حوزتها 6 ملايين متر بصورة مبدئية، وتستفيد من الزخم المالي لأكبر بنكين حكوميين في مصر، كما أن توزيع هذه المساحة علي عدد كبير من قطع الأراضي دفع الشركات العاملة بالسوق إلي محاولة التعامل مع الشركة الجديدة بالشراكة مع عدد منها، وإن كانت الظروف الحالية في أعقاب ثورة 25 يناير قد تمثل عقبة أمام تمكين الشركة من الاستفادة بشكل كبير من هذه الأصول.
إلا أنه علي الجانب الآخر، أكد المهندس محمود حجازي، العضو المنتدب للشركة المصرية لإدارة الأصول العقارية والاستثمار، في حوار مع »المال« أن الأراضي التي آلت إلي البنكين جراء التسوية لم تنتقل إلي الشركة بعد، وفند الأقاويل التي أكدت وقوع ظلم بين علي شركات قطاع الأعمال العام في تقييمها، رافضاً إطلاق مصطلح »الكنز« علي هذه الأراضي، وفضل وصفها بـ»المشكلة« التي ينبغي التعامل معها بروية، خاصة في ظل ارتفاع قيم بعض القطع إلي أعلي من قيمتها السوقية الحقيقية بمراحل، وأكد أنه إذا كان هناك ظلم فقد وقع علي البنوك وليس الشركات.
وشرح حجازي الأسلوب الذي تدرس الشركة تطبيقه في إدارة محفظة أراضيها، في ظل اعتبارات السيولة واللوائح الحاكمة لتعامل البنوك مع الأصول العقارية، وحالة السوق نفسها، كما كشف عن أنه بنهاية العام الحالي ستكون الشركة قد اتخذت قرارات بشأن مشروعات محددة تتم إقامتها علي أراضيها، سواء بالاتفاق مع المطورين العقاريين، الذين أبدوا اهتماماً باستغلال قطع من أراضيها، أو بتوليها إقامة مشروعات محددة بمفردها، وإن كانت النية تتجه لأن تستثمر الشركة في 4 مشروعات تدخل بها السوق العقارية في محافظات القاهرة والإسكندرية والمنصورة وطنطا.
وأوضح العضو المنتدب للشركة المصرية لإدارة الأصول العقارية والاستثمار، أن الشركة تعكف حالياً علي دراسة قاعدة البيانات التي أعدتها شركة نماء للاستشارات الهندسية والخاصة بالأراضي التي آلت إلي البنكين، والبالغ عددها 146 قطعة تمثل الأصول التي تم تسلمها وفقاً لمحاضر رسمية من شركات قطاع الأعمال العام، وتضمنت قاعدة البيانات دراسة لموقع الأرض، ومزايا كل قطعة، وعيوبها، وموقفها من حيث المرافق والخدمات وشبكة المواصلات، والأسلوب الأمثل من وجهة نظرها، لاستغلال كل قطعة علي حدة، وإن كانت الشركة ستراعي النشاط الاقتصادي السائد في محيط كل قطعة من أراضيها، فضلاً عن ارتباطها بالمخططات الاستراتيجية للمدن الواقعة بها.
واستغرق إعداد قاعدة البيانات الخاصة بأراضي المصرية لإدارة الأصول العقارية أكثر من 6 أشهر، بدأت في سبتمبر الماضي، ومن المتوقع، وفقاً لمحمود حجازي، أن تستغل الشركة فترة الركود الحالي، وحتي نهاية العام لدراستها وتحديد طرق استغلالها والخروج بقائمة مشروعات محددة، بعد دراسة أجواء السوق ومزايا كل قطعة، لتحديد القطع التي سيتم تطويرها بمعرفة الشركة والأخري التي سيتم تطويرها بالمشاركة مع منمين عقاريين آخرين والقطع التي سيتقرر بيعها.
وأضاف: إنه حتي الآن لم يتم نقل هذه الأراضي إلي الشركة وهي خطوة- علي حد تعبيره-لا يقررها إلا البنكان وتتحكم فيها ضوابط مصرفية معينة، إلا أنه في النهاية يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه الأصول عبارة عن سيولة مجمدة من أموال المودعين، في الوقت الذي سيحتاج فيه البنكان، إن عاجلاً أو آجلاً، للسيولة، لذلك لابد أن تتضمن استراتيجية التعامل مع هذه الأراضي أسلوب البيع لبعض القطع، خاصة أن الشركة لن تستطيع تطوير جميع قطع الأراضي التي آلت إلي البنكين في ظل اعتبارات السيولة والتدفقات النقدية، وبالتالي لا يمكن أن يواصل البنكان ضخ السيولة فيها إلي ما لا نهاية، كما أن الشركة لن تتمكن في الوقت نفسه من بيع جميع هذه المساحات، ليس فقط بسبب ظروف السوق حالياً، وإنما لأن عدداً كبيراً من القطع كبيرة المساحة ويلزم تقسيمها.
وقدر حجم الاستثمارات التي يحتاج إليها تطوير جميع قطع الأراضي بأنه يتراوح بين 60 و70 مليار جنيه، خاصة أن الأرض تمثل %25 علي الأقل من التكلفة الاستثمارية للمشروع العقاري.
وأضاف أن الآراء التي قدمتها شركة نماء للاستشارات الهندسية حول أسلوب استغلال كل قطعة أرض غير ملزمة، وأن شركته ستلجأ أيضاً إلي شركات تسويق عقاري متخصصة أكثر دراية وخبرة بالسوق، وأكثر تعمقاً تمهيداً للتوصل إلي قرار نهائي لاستغلال كل قطعة، لأهمية الاعتماد علي آراء الجهات التي لها تجارب سابقة في المناطق التي تقع بها أراضي الشركة، علي أن يتم اتخاذ قرار نهائي بمعرفة لجنة الاستثمار بالشركة المشكلة من شريف علوي، نائب رئيس البنك الأهلي، رئيساً وعضوية كل من محمد عباس فايد، نائب رئيس بنك مصر، ود.سوزان حمدي، رئيس قطاع الاستثمار ببنك مصر، ود.سامي عبدالصادق، رئيس قطاع الموارد البشرية بالبنك الأهلي، فضلاً عن العضو المنتدب للشركة.
ومبدئياً تعتزم الشركة نقل نحو 4 قطع أراض لها بأربع مدن مختلفة، لاستغلالها في مشروعات تكون الأولي لها في السوق، تتوزع بين القاهرة والإسكندرية والمنصورة وطنطا، إلا أنه لم يتم الاستقرار بعد علي موقع كل قطعة منها بالتحديد.
وأوضح العضو المنتدب للمصرية لإدارة الأصول العقارية والاستثمار، أن جميع الأراضي ستتم دراسة أنسب أسلوب لاستخدامها بالتنسيق مع المحافظات بما يحقق أعلي فائدة للمجتمع وخطط التنمية بالمحافظات.
ورداً علي الانتقادات التي تم توجيهها مؤخراً للأسلوب الذي انتقلت به هذه الأراضي من شركات قطاع الأعمال العام إلي بنكي الأهلي ومصر والملاحظات التي تطرقت إلي التقييم، أكد المهندس محمود حجازي، أن تقييم الأراضي التي دخلت في التسوية تم عبر الجهات الحكومية الثلاث المسئولة عن تقييم الأراضي في مصر، وهي هيئة المساحة، التابعة لوزارة الموارد المائية والري، وجهاز الخدمات الحكومية، التابع لوزارة المالية، وجهاز تثمين أراضي الدولة، التابع لوزارة الزراعة، ولم يشترك البنكان مطلقاً في عملية التقييم، خاصة أنها حصلت علي أراض بأضعاف قيمتها السوقية، ووافقا علي ذلك سعياً منهما لحل مشكلة المديونيات المتعثرة للشركات، فبعض القطع تم نقلها مقابل 3 آلاف جنيه للمتر، في حين أن سعرها لا يتجاوز ألف جنيه للمتر، من وجهة نظره.
وذكر حجازي عدداً من الأمثلة علي قطع الأراضي مرتفعة الثمن التي انتقلت للبنكين بأعلي من قيمتها السوقية، مشيراً إلي قطعة أرض بمساحة كبيرة تبلغ 105 آلاف متر في منطقة صناعية بمدينة بشمال الدلتا انتقلت للبنكين بسعر 5 آلاف جنيه للمتر، أي حوالي 525 مليون جنيه، بينما يؤدي الالتزام بقانون البناء الموحد، الذي يحدد النسب البنائية بـ%60 من مساحة الأرض، إلي ارتفاع سعر المتر علي البنكين إلي حوالي 12 ألف جنيه، وذلك قبل البناء، فكيف يتم تطوير هذه الأراضي، وأين السوق التي تستوعب هذه الأسعار؟، فضلاً عن وقوع عدد من القطع في مناطق تحيط بها المصانع ورغم ذلك تم تقييمها بـ6 آلاف جنيه للمتر.
وضرب العضو المنتدب للشركة عدداً من الأمثلة الأخري للتدليل علي أن الأراضي آلت إلي البنكين بأسعار أعلي من قيمتها السوقية، مشيراً إلي أن هناك قطعة أرض مساحتها 40 ألف متر في مدخل مركز بإحدي محافظات وسط الدلتا تم تقييمها بـ10 آلاف جنيه للمتر، بما يعني أنه عند الشروع في بنائها سيرتفع سعرها بالنسبة للشركة إلي ما يزيد علي 20 ألف جنيه، مما يصعب معه تسويق الوحدات السكنية التي ستضمها، كما لا تصلح لاستغلالها تجارياً.
الحال نفسها بالنسبة لقطعة أرض تقع علي أحد الطرق الصحراوية، حيث تبلغ مساحتها نحو 130 ألف متر إلا أن شروط البناء في هذه المنطقة تحدد النسبة البنائية بـ%22.5، وبارتفاع أرضي و3 أدوار، أي أن سعر البيع يجب ألا يقل عن 6 آلاف جنيه للمتر السكني، بما يزيد علي متوسطات الأسعار بهذه المنطقة بشكل كبير.
وأوضح المهندس محمود حجازي، أن هذه الوضعية تعني أن الأراضي التي آلت للبنكين ليست كنزاً وإنما هي في حقيقتها مشكلة ينبغي التعامل معها بهدوء وتفكير متأن، والعمل علي إحداث التوازن بين قطع الأراضي التي تضمها المحفظة المزمع نقلها إلي الشركة، مشيراً إلي أن البنوك قبلت هذه المخاطرة، بما يفرض عليها دراسة كل خطوة في التعامل مع هذه الأراضي جيداً قبل الإقدام عليها.
أما فيما يتعلق بتقييم خطوة التسوية نفسها، فأكد حجازي، أنها كانت إيجابية لشركات قطاع الأعمال العام التي تحررت من مديونيات كانت تثقل كاهلها بشكل كبير، وأشار إلي تجربته السابقة مع شركة القاهرة للمقاولات التي كان رئيساً لمجلس إدارتها استفادت من صفقة بيع %80 من بنك الإسكندرية لمجموعة سان باولو، حيث تم توجيه حصيلة البيع لسداد مديونيات شركات قطاع الأعمال العام، وكانت الشركة التابعة للقابضة للتشييد الأكثر استفادة، فشركة القاهرة العامة للمقاولات تخلصت من 20 مليون جنيه مديونيات لبنك القاهرة، تنتج عنها فوائد سنوية لا تقل عن 1.5 مليون جنيه، وكانت الشركة تحتاج لسداد الفوائد فقط تنفيذ حجم أعمال لا يقل عن 50 مليون جنيه سنوياً، بينما أدي سداد هذه المديونيات عن الشركة إلي تمكين الإدارة من رفع أجور الموظفين، وتحول المبلغ الذي تسدده كفوائد سنوية عن أصل المديونية إلي عوائد للشركة، وبالتالي، وبالقياس علي تجربة حصيلة خصخصة بنك الإسكندرية، فقد أدت التسوية إلي تحرر قطاع الأعمال العام من مديونيات قديمة ومتراكمة وفي الوقت نفسه حددت للبنوك مصير الأموال التي سبق أن منحتها للشركات.
وبالعودة مرة أخري إلي أسلوب التعامل مع قطع الأراضي الـ146 التي آلت إلي البنكين، كشف العضو المنتدب للمصرية لإدارة الأصول العقارية عن أن عدداً من الشركات العاملة بالسوق أبدي اهتماماً بالتعامل علي أراضي الشركة، وتلقت بيانات حول مواقع ومساحات الأراضي التي في حوزتها، إلا أن أياً منها لم يتقدم حتي الآن بعرض محدد، خاصة في ظل تأثر خطط الجميع بتداعيات ثورة 25 يناير، إلا أنه يجري حالياً بالتعاون مع البنكين وضع المعايير الواجب توافرها في الشركات التي سيتم قبول الشراكة معها علي أن يتم تقييم العروض من قبل لجنة الاستثمار بالشركة، ومن أهم هذه المعايير السمعة في السوق والملاءة المالية والالتزام بالتسليم في المواعيد والقدرة علي التسويق وجودة التنفيذ.
وفي السياق نفسه، أوضح حجازي أنه سيتم تحديد آلية الشراكة وحدودها في كل حالة علي حدة، وذلك لاختلاف المساحات وأسعار الأراضي في كل قطعة من الأراضي الداخلة ضمن المحفظة، فهناك علي سبيل المثال قطعة أرض في مدينة نصر دخلت التسوية بسعر 20 ألف جنيه للمتر بمساحة كبيرة، ستختلف الشراكة عليها، إذا ما تم الاستقرار علي استغلالها بالشراكة مع مطورين آخرين، عن الشراكة في إقامة مشروع علي قطعة أرض أخري أكبر مساحة وأقل سعراً علي سبيل المثال.
وأكد أن مجلس إدارة الشركة، من قبل ثورة 25 يناير، كان قد اتخذ قراراً بأن يتم استغلال الأراضي التي انتقلت إلي البنكين لإقامة مشروعات إسكان متوسط عبارة عن شقق، نظراً لان هذه الشريحة من الإسكان تعاني من عجز لتركيز الدولة في الفترة الماضية علي إقامة الوحدات صغيرة المساحة واهتمام الشركات بإقامة الفيلات والشقق الفاخرة، مما أسفر عن أن الشريحة الوسطي حالياً تمثل نحو 40 إلي %60 من الطلب حالياً، حيث تعتزم الشركة بناء مشروعات سكنية توفر وحدات تتراوح مساحاتها بين 80 و120 متراً.