تناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، في تحليل جديد له تأثير الشمول المالي على خفض معدلات الفقر في الدول النامية.
وذكر خلال التحليل أن المجتمع الدولي بذل الكثير من الاهتمام والجهود للتعامل مع هذه الأمر، وتم الاعتراف بالشمول المالي باعتباره أحد العوامل المهمة التي تؤثر على الحد من الفقر؛ حيث يعد الوصول السهل والميسور التكلفة إلى الخدمات المالية من خلال الشمول المالي أداة سياسية ضرورية لتحسين سبل العيش والحد من الفقر وعدم المساواة، خاصة بالنسبة للدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
موضحا أن الهدف الرئيسي لسياسة الشمول المالي هو إشراك الفقراء -الذين لا يتعاملون مع البنوك- في النظام المالي السائد حتى يتمكنوا من الحصول على منافع اقتصادية، وأنه من خلال إدراك أهمية الشمول المالي على حياة الفقراء، قامت العديد من الدول النامية والمتقدمة بتوسيع نطاق الوصول للخدمات المصرفية الرسمية إلى الشرائح الدنيا من سكان المجتمع.
وأشار المركز إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة في العقود الأخيرة للحد من الفقر وتعزيز الرخاء، إلا أن جزء كبير من السكان الأفقر في العالم لا يزالون يكافحون من أجل بلوغ الحد الأدنى من مستوى المعيشة في المناطق النامية، لا سيما في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وأنه وفقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2022، يعيش أكثر من نصف الفقراء المدقعين في العالم (60%) في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ ويبلغ معدل الفقر في المنطقة حوالي 35٪، وهو أعلى معدل في العالم، وبلغت نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار يومياً في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء 37.9% خلال عام 2021، وحوالي 18.8% في قارة أوقيانوسيا، و6.6% في منطقة وسط وجنوب آسيا.
وأضاف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خلال تحليله، أن هناك خطوات ناجحة نحو الشمول المالي تحققت الفترة السابقة منذ عام 2010، حيث قدمت أكثر من 55 دولة التزامات بتحقيق الشمول المالي، وقامت أكثر من 60 دولة بوضع استراتيجية وطنية نحو تحقيق الشمول المالي.
وخلال الفترة (2011- 2017)، حصل ما يقرب من 1.2 مليار شخص بالغ بجميع أنحاء العالم على حساب مصرفي، واتضح ذلك من خلال قاعدة بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي، الصادر عن البنك الدولي، التي يتم تجميعها من خلال مسح يشارك فيه أكثر من 125 ألف شخص بالغ في 123 دولة، حيث وجد المسح أن 71% من البالغين في الدول النامية أصبحوا الآن يمتلكون حسابا مالياً رسمياً -سواء لدى بنك أو مؤسسة خاضعة للقواعد التنظيمية مثل اتحاد ائتماني أو مؤسسة للتمويل أو مؤسسة لتقديم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول- بالمقارنة مع 42% عندما نُشِر الإصدار الأول لقاعدة البيانات في عام 2011.
وعلاوةً على ذلك، تقلص الفرق بين نسبة الرجال والنساء الذين يمتلكون حسابًا ماليًّا في الدول النامية للمرة الأولى من تسع نقاط مئوية إلى ست نقاط فقط، وارتفعت نسبة البالغين في الدول النامية الذين يسددون أو يتلقون مدفوعات مصرفية رقمية من 35% عام 2014 إلى 57% في عام 2021.
وذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن الأدلة التجريبية تشير إلى الارتفاع الواضح في مستويات الدخل في الدول التي بها عدد أكبر من الفروع والودائع المصرفية؛ حيث تساعد حسابات التوفير البنكية في تسهيل عملية الادخار.
وأشار مثلًا، إلى أن هناك جهود حكومية لفتح بنوك في المناطق الريفية ساعدت على خفض الفقر في الريف بما يصل إلى 17%، وأن زيادة نسبة ملكية الحسابات البنكية من شأنها أن تعزز المساواة بين الجنسين؛ حيث تمثل النساء الفقيرات حوالي 1.1 مليار من المستبعدين مالياً حول العالم، ولذلك؛ عندما تم توفير حسابات التوفير المصرفية على بائعات السوق الإناث في كينيا، زادت نفقاتهن اليومية بنسبة 37٪، مقارنة بمجموعة مماثلة من النساء اللواتي لم يحصلن على حساب مصرفي.
وجاب بالتحليل كذلك؛ أن الشمول المالي يساعد ايضا المزارعين في زيادة استثماراتهم في الزراعة، فمثلًا عندما تم إيداع أرباح المزارعين في ملاوي في حسابات مصرفية، أنفقوا 13٪ أكثر على المعدات وزادوا قيمة محاصيلهم بنسبة 21٪.
وأشار إلى طرق يمكن أن يفيد الشمول المالي بها الأسر الفقيرة منها: زيادة دخل الأسرة، حيث يمكن للخدمات المالية تحسين جودة الحياة من خلال توفير التمويل اللازم للأنشطة التجارية، التي يمكن أن تزيد من دخل الأسرة؛ حيث تساعد المصادر الموثوق بها للخدمات المالية في التخطيط للأنشطة التجارية وتوسيعها، والتي يمكن أن تمكن العائلات من الادخار وإدارة التدفقات النقدية وتقليل الحاجة إلى بيع الأصول في أوقات الأزمات.
وكذلك فإن بناء الأصول هو أحد هذه الطرق، ومع زيادة الدخل والقدرة على الادخار والحصول على الائتمان، توفر الخدمات المالية الوسائل للأسر الفقيرة للحصول على الأراضي أو بناء أو تحسين منازلهم أو شراء الماشية أو توسيع أعمالهم.
وذكر أن زيادة الأمن المالي يبرز أيضا ، حيث يستخدم خُمس العالم النامي فقط المؤسسات المالية للحفاظ على الأموال؛ وأنه عادة ما يقوم الفقراء بتخزين النقود في المنازل، ويسهل العثور عليها وسرقتها، ومن خلال ادخار الأموال في مؤسسات مالية موثوق بها، يمكن للأسر تخزين الأموال وتنميتها واستخدامها بأمان.
فضلاً عن ذلك فإن الشمول المالي يساهم في خلق فرص عمل للأسر الفقيرة، حيث توفر الخدمات المالية لأصحاب المشاريع الناشئة الفرصة لخلق فرص عمل لأنفسهم، ويضمن أن المشاريع الصغيرة المتنامية ستوفر فرصًا للآخرين في المجتمع للوصول إلى الوظائف.
ومن أهم التحديات التي تمنع الشمول المالي عن الحد من الفقر في الدول النامية؛ أكد التحليل أن الدول النامية تتسم بثلاث خصائص رئيسية تساهم في رفع تكلفة الخدمات المالية للفقراء على النحو التالي:
أولاً: اتساع نطاق سوق العمل غير الرسمي، فمثًلا حوالي 80.8٪ من العمال بالمناطق الحضرية في إفريقيا هم عمال غير رسميين، وتعتبر البنوك العمال غير الرسميين عملاء محفوفين بالمخاطر، لعدم امتلاكهم تدفق دخل منتظم أو ضمانات، إضافة إلى كونهم أكثر عرضة للتخلف عن سداد مدفوعاتهم وتقديم مطالبات التأمين، وبالتالي، فإن الخدمات المقدمة لهؤلاء العمال أكثر تكلفة وتميل شروط التعاقد إلى أن تكون أقصر مما هي عليه في الاقتصادات المتقدمة.
ثانيا: يتم إدراج الدول النامية في نظام نقدي دولي هرمي، توجد العملات الأساسية به مثل الدولار الأمريكي واليورو في الأعلى وعملات الدول النامية في الأسفل، وبالتالي تضطر البنوك المركزية بالدول النامية إلى تحديد أسعار فائدة أعلى من تلك التي في الدول المتقدمة؛ لمنع هروب رأس المال منها؛ مما يجعل تكلفة الخدمات المالية مرتفعة بالنسبة للشرائح الفقيرة من السكان.
ثالثًا، غالبًا ما يفتقر القطاع المالي بالدول النامية للمنافسة.
ففي جامبيا، على سبيل المثال، يبلغ تركيز البنوك (يقصد به أصول أكبر ثلاثة بنوك في الدولة كحصة من مجموع البنوك) 100%، وهذا يسمح للبنوك بتحديد أسعار فائدة مرتفعة للخدمات، وإضافة هامش ربح شبيه باحتكار القلة، وبالتالي، القروض والخدمات المالية المقدمة للأفراد ذوي الدخل المنخفض في الدول النامية هي بطبيعتها أكثر تكلفة مما هي عليه بالدول المرتفعة الدخل، والتي تتمتع بوجود عدد كبير من البنوك التي تتنافس لتقديم تسهيلات للأفراد.
ونظرًا لأن تكاليف الخدمات المالية مرتفعة وجداول السداد صارمة، فالعديد من الأفراد ذوي الدخل المنخفض لديهم مشاكل في تحمل تلك التكاليف في الوقت المحدد، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع رسوم السداد المتأخر أو التخلف عن سداد القروض؛ مما يمنع الشمول المالي من الحد من الفقر.
أكد التحليل على أنه يقع على عاتق صانعي السياسات مسؤولية خلق فرص فعّالة للإدماج المالي، ومفتاح مثل هذه التدخلات هو السياسات التي تسرع إدخال التكنولوجيا المبتكرة، والإصلاحات التنظيمية، وتوفير بنية تحتية تقلل من تكاليف المعاملات، وتسمح بتقديم الخدمات المالية بسرعة وكفاءة وسهولة أكبر لشرائح واسعة من السكان.