■ بقلم: لياو لى تشانغ – السفير الصينى فى القاهرة
إن مصر هى أول دولة عربية وإفريقية التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل 63 عاما، تتبادل الصين ومصر دائما الفهم والثقة والدعم، على الرغم من المسافة البعيدة التى تفصل بينهما. وفى السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الصينية المصرية طفرة كبيرة تحت إرساد رئيسى البلدين. فى عام 2014، قام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارة الدولة إلى الصين لأول مرة، حيث قرر مع فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ ترقية العلاقات الصينية المصرية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، قائلا إن هذه العلاقات تعتبر نموذجا يحتذى به للعلاقات بين دول العالم. فى يناير عام 2016، قام فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ بالزيارة التاريخية لمصر، والتى ساهمت فى تسريع وتيرة تطوير العلاقات الصينية المصرية والارتقاء بمستواها مساهمة كبيرة. خلال 6 السنوات الماضية، قام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى بـ6 زيارات للصين وعقد 8 لقاءات مع فخامة الرئيس الصينى، الأمر الذى عزّز التعاون العملى بين البلدين وسجل فصلا متميزا فى تاريخ التواصل بين البلدين. قبل أيام، شارك فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ وفخامة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى القمة الصينية الإفريقية المصغرة على هامش قمة أوساكا لمجموعة العشرين.
بصفتى السفير الـ17 لجمهورية الصين الشعبية لدى جمهورية مصر العربية الجميلة والخلابة، أحمل المهمة المجيدة المتمثلة فى تعزيز الصداقة والثقة المتبادلة والتعاون بين البلدين، سعيا إلى مستقبل أفضل.
إننى أتشرف بافتتاح بطولة كأس الأمم الإفريقية بمصر بعد وصولى إلى القاهرة بعدة أيام، والتى أتاحت لى فرصة لمشاهدة مباريات رائعة. وأعرف كمحب لكرة القدم أن المنتخب المصرى يتكون من النجوم العالمية مثل “الفرعون المصري” محمد صلاح، متمنيا للمنتخب المصرى كل التوفيق والنجاح فى بطولة كأس الأمم الإفريقية. خلال فترة بطولة كأس الأمم الإفريقية، انعقدت قمة مجموعة العشرين فى مدينة أوساكا اليابانية، ويطيب لى تقديم بعض المعلومات حولها.
أولا، على هامش قمة أوساكا لمجموعة العشرين، انعقدت القمة الصينية الإفريقية المصغرة التى ترأسها فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ وشارك فيها كل من فخامة الرئيس المصرى الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقية عبد الفتاح السيسى وفخامة رئيس جنوب إفريقيا الرئيس المشارك السابق لمنتدى التعاون الصينى الإفريقى سيريل رامافوسا والرئيس السنغالى الرئيس المشارك الحالى لمنتدى التعاون الصينى الإفريقى ماكى سال والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. حيث أشار فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ إلى أن التطلعات الأصلية الصينية الإفريقية إلى التعاون المبنى على الكسب المشترك والتنمية المشتركة لن تتغير، والعزيمة الصينية الإفريقية على بناء مجتمع مصير مشترك أوثق لن تتغير، على الرغم من الأوضاع الدولية المعقدة ومحاولة بعض القوى للتدخل. إن الصين لها النية الصادقة والإجراءات الحقيقية لتعزيز التعاون مع إفريقيا، بصفتها صديقا حميما وأخا عزيزا وشريكا طيبا للقارة السمراء، وقد أحرز التعاون الصينى الإفريقى ثمارا وافرة تحت الرعاية الكريمة من فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ.
قال فخامة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى خلال القمة الصينية الإفريقية المصغرة إن مصر تحرص على تقوية الشراكة الإفريقية الصينية والعمل المشترك على تحقيق أهداف أجندة الاتحاد الإفريقى 2063 وأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة. كما تطرق إلى “مشروع طريق القاهرة – كيب تاون” و”مشروع الربط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط” وغيرهما من المشاريع الإفريقية الكبرى التى تدل على الطموح المصرى لتحقيق التكامل الإفريقى. وإنه من دواعى سرورنا أنه سيتم إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، والتى ستمثل ضمانا قويا لتعزيز وحدة القارة الإفريقية وتتيح فرصة سانحة لإجراء التعاون الثلاثى بين الصين ومصر ودول إفريقية أخرى.
ثانيا، انعقدت قمة أوساكا لمجموعة العشرين فى ظل الأوضاع الدولية المتغيرة والمعقدة. هل المجتمع الدولى سيلتزم بالتعددية أم سيتراجع إلى الأحادية؟ هل سيتمسك بالانفتاح أم سيتراجع إلى الانغلاق؟ طرح فخامة الرئيس الصينى مبادرة بناء النمط الجديد للعلاقات الدولية ومجتمع المصير المشترك للبشرية، الأمر الذى جسّد حكمة القيادة الصينية ومدى التزام الصين بمسؤوليتها الدولية. خلال قمة أوساكا لمجموعة العشرين، دعا فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ إلى التعددية والتعاون والشمولية والكسب المشترك، مشيرا إلى أن الانفتاح هو تيار العصر الذى تترابط مصالح دول العالم فيه، ويجب على كافة لأطراف الالتزام بالحوكمة العالمية القائمة على التشاور والتشارك والتنافع والدفاع عن النظام الدولى المبنى على القانون الدولى الذى يتخذ الأمم المتحدة كمحوره ومنظومة التجارة المتعددة الأطراف المبنية على القواعد التى تتخذ منظمة التجارة العالمية كمحورها، سعيا إلى صيانة التعددية والتجارة الحرة ودمقرطة العلاقات الدولية وبناء الاقتصاد العالمى المنفتح.
طرحت “رؤية مصر 2030” مشروع تنمية محور قناة السويس وهدف بلوغ معدل إجمالى الناتج المحلى 12% بحلول 2030. فمن الضرورى أن تستفيد مصر من الأيدى العاملة والأموال والتكنولوجيا والمعلومات وغيرها من عناصر الإنتاج فى السوق الدولية، وتجد مكانها فى السلسلة الصناعية العالمية. أكد مستشار الدولة وزير الخارجية الصينى وانغ يى أن امتداد الأحادية والحمائية يُضعِف الثقة المتبادلة والتعاون بين دول العالم ويشكل تهديدا لقواعد النظام الدولى ويؤدى إلى تراجع النمو الاقتصادى العالمى، فلا يوجد خيار أمامنا إلا التمسك بالتعددية التى لا تتناسب مع تيار الترابط الاقتصادى العالمى فقط، بل تساهم فى الحفاظ على مصالح الدول النامية أيضا. أما الأحادية، فتهدف إلى إبعاد الدول النامية عن الثورة الصناعية الرابعة لتكون ضحايا لتعديلات السلسلة الصناعية العالمية.
تمثل قناة السويس ممرا مائيا دوليا مهما، إذ تمر بها 80% من البضائع غبر النفطية المنقولة بين آسيا وأوروبا، وتستوعب قناة السويس سنويا مليار طن من البضائع أى ما يعادل 24% من إجمالى حجم تجارة الحاويات العالمية. فى حالة تراجع التجارة المتعددة الأطراف، لا يمكن لمصر أن تستفيد من موقعها الجغرافى. فإن الحفاظ على نظام التجارة المتعددة الأطراف عبارة عن الحفاظ على مصالحنا المشتركة.
ثالثا، عقد فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ تلبية لدعوة مقابلة لفتت أنظار العالم مع فخامة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. حيث قال فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ إن الصين والولايات المتحدة تستفيدان من التعاون وتخسران فى المواجهة، خاصة أن مصالح البلدين تترابط وتتشابك بشكل كبير، ويتعين عليهما العمل على تحقيق التنمية المشتركة من خلال التعاون فى مختلف المجالات بدلا من المواجهة. اتفق الرئيسان على استئناف المشاورات التجارية على أساس المساواة والاحترام المتبادل وعدم قيام الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية إضافية جديدة على المنتجات الصينية. إن استقرار العلاقات الصينية الأمريكية له دور إيجابى فى تطوير الاقتصاد العالمى وسيعود بالخير على شعوب العالم.
بعد اختتام قمة أوساكا لمجموعة العشرين، أكد فخامة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تسمح للشركات الأمريكية ببيع قطع الغيار لشركة هواوى وترحب بدراسة الطلاب الصينيين فى الولايات المتحدة. إن شركة هواوى شركة خاصة صينية مشهورة، وتمتلك تكنولوجيا 5G التى تمثل أفضل طريق لتحقيق التحول الرقمى فى الدول النامية. الآن تحتل شركة هواوى المرتبة الثانية فى السوق المصرية للهواتف المحمولة، وتعلب دورا مهما لخدمة تطور مجالى الاتصالات والاقتصاد الرقمى بمصر.
رابعا، أعلن فخامة الرئيس الصينى شى جينبينغ خلال قمة أوساكا لمجموعة العشرين موقف الصين الإيجابى من فتح الأسواق وزيادة الواردات وتحسين بيئة الأعمال التجارية ودعم التجارة الحرة وتعزيز التكامل الاقتصادى الإقليمى وإجراءاتها الجديدة فى هذا الصدد، معربا عن ترحيب الصين بمشاركة كل الشركاء فى بناء “الحزام الطريق”. إن الإجراءات الصينية الجديدة للانفتاح تستشرف أفقا مشرقا لتعميق التعاون بين الصين ومصر وغيرها من الدول الواقع على طول “الحزام والطريق”.
تنتمى مصر إلى أوائل دول العالم التى أعربت عن دعمها لمبادرة “الحزام والطريق” وشاركت فى بنائها. فى إبريل الماضى، حضر فخامة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى الدورة الثانية لمنتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولى، قائلا إن مصر تحرص على ربط مبادرة “الحزام والطريق” بمشروع تنمية محور قناة السويس والارتقاء بمستوى التعاون الصينى المصرى. ستواصل الصين جهودها فى دفع عجلة التعاون فى القدرة الإنتاجية والبنية التحتية وغيرهما من المجالات، وفى مقدمتها مشروع إنشاء منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة ومشروع القطار المكهرب الذى يربط بين مدينة العاشر من رمضان والعاصمة الإدارية الجديدة. يعود التعاون الصينى المصرى بفوائد كثيرة على البلدين والشعبين. على سبيل المثال، منطقة تيدا السويس للتعاون الاقتصادى والتجارى الصينى والمصرى التى تعد مشروعا تعاونيا رئيسيا فى إطار مبادرة “الحزام والطريق”، نجحت فى جذب استثمارات بقيمة أكثر من مليار دولار أمريكى. وفرت الاستثمارات الصينية فى مصر فرص العمل لحوالى 40 ألف مصرى وساعدت الموظفين المصريين على رفع قدراتهم الفنية والإدارية. كما وفرت الصين فرص التدريب لمئات المهنيين المصريين فى مجالات كثيرة، بما فيها مجالات التكنولوجيا العالية مثل الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الاصطناعية.
فى الأيام الأخيرة، أقيمت الدورة الأولى للمعرض الاقتصادى والتجارى الصينى والإفريقيى فى مقاطعة هونان الصينية. حيث قامت مصر بعرض فرصها الاستثمارية ومناخها الاستثمارى باعتبارها ضيف الشرف للمعرض، سعيا إلى جذب المزيد من الاستثمارات الصينية إلى مصر وتعزيز التعاون الثنائى فى مجالات البنية التحتية وصنع السيارات والزراعة والاتصالات وغيرها.
خامسا، تعتبر إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر فى عام 1956، نقطة الانطلاق لتطوير علاقات الصين مع الدول العربية والدول الإفريقة. بعد أكثر من 60 عاما من الجهود الدؤوبة، قد أصبح التعاون بين الصين ومصر نموذجا يحتذى به للتعاون المخلص بين الصين والدول العربية والدول الإفريقة. وتعتبر الصين كأكبر دولة نامية فى العالم الدول العربية والدول الإفريقية شركاء حيويين لها.
أنا على يقين بأن العلاقات الصينية المصرية لها آفاق واعدة. لماذا؟ لأننى استقبلت 4 وفود وزارية صينية زارت مصر منذ وصولى إلى القاهرة قبل أكثر من أسبوعين، واستقبلت فى المطار سيادة رئيس مجلس النواب المصرى الدكتور على عبد العال الذى عاد من الصين بعد زيارته الناجحة للصين، وعقدت لقاءات كثيرة مع مسؤولين من الجهات المصرية المعنية وحضرت عديد من الفعاليات مثل مهرجان الأفلام السينمائية الصينية بمناسبة الذكرى الـ70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. أنا سعيد جدا بهذا النوع من الاشتغال الذى يجسد مدى العلاقات الصينية المصرية، متمنيا مستقبلا مشرقا للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر. وإن الصين على استعداد لبذل جهود مشتركة مع مصر لمواجهة كافة التحديات وخدمة التنمية والازدهار على المستويين الإقليمى والعالمى!