وهم «إسرائيل الكبرى» بين «الفوبيا العربية» و«السيكوباتية» الإسرائيلية

11:43 ص, الخميس, 30 أغسطس 18

جريدة المال

المال - خاص

11:43 ص, الخميس, 30 أغسطس 18


 من دواعى سعى العرب للسلام مع إسرائيل- فى ظل تفوقها الواقعى أو اصطناعياً- قطع الطريق على خطواتها فى سبيل بناء «إسرائيل الكبرى»، ذلك بنفس قدر مراوغة إسرائيل من مستحقات السلام مع العرب لئلا يفسدوا عليها توحدها فى مواجهة خطر خارجى واقعى أو محتمل، ما يقطع على الإسرائيليين حلمهم باستكمال «إسرائيل الكبرى»، وما بين الفوبيا العربية والسيكوباتية الإسرائيلية تتعطل جهود التسوية السلمية للنزاع العربى- الإسرائيلى إلى درجة التجمد فى العقود الأخيرة، ذلك فيما تتمهل الولايات المتحدة من جانبها عن تحقيق الاستقرار سواء فى قضية الشرق الأوسط أو فى منطقة الخليج، وفقاً لسياستها منذ مطلع السبعينيات عن أنه لا بأس لديها من التعامل مع «شرق أوسط قلق ومتوتر لمدة طويلة»، ولأسبابها (..)، ما يشجعها فى سبيل ذلك على انتهاج دبلوماسية «الخطوة خطوة» للتسوية السلمية بعد أن وضعت حرب أكتوبر 1973 أوزارها، وعلى تشجيع أسباب تحول دون استقرار منطقة الخليج بعد حربيه الأولى والثانية -1980 1991، ذلك بالإبقاء على كل من فزاعة «صدام» حتى 2003.. وإلى الترويج لمخاطر الفوبيا النووية الإيرانية حتى الآن، الأمر الذى لا يغيب عن إسرائيل توظيفه لاكتساب الوقت من أجل السعى لبناء غاياتها التوسعية العليا، خاصة مع وضع يدها على الأراضى العربية المحتلة.. وفى ظل الانقسام الفلسطينى، إلى توالى موجات الهجرة إليها خاصة من الاتحاد السوفيتى السابق – الذى غاب من قبل تفككه عن المشاركة فى الأساليب الإجرائية لتسوية كل من النزاع العربى مع إسرائيل أو أزمة الخليج، كما لا يترك الانحياز الأميركى لإسرائيل مساحة موضوعية للجانب العربى فى التباحث بشأن ما قد يمثل قدراً مقبولاً لكل طرف من وجهة نظره، للتفاوض بشأنه ذلك فيما يمثل تنافس القوى الكبرى عاملاً سلبياً لعدم وضوح الهدف النهائى للتسوية، وهو ما تناور به إسرائيل – تاريخياً- بين العواصم الكبرى لتأكيد توسعها الإقليمى، حتى إذا ما تبدلت السياسات الخارجية أو رئاساتها.. تنتقل إلى العاصمة المنافسة الأخرى، من أميركا «أيزنهاور» 1956 إلى الجمهوريتين الرابعة والخامسة الفرنسية (قوة ذرية صغيرة)، ومن فرنسا «ديجول» إلى البيت الأبيض «جونسون» 1967، وحين عزم «نيكسون» 1973 أن تصدر الولايات المتحدة إعلاناً باحترام حدود مصر الدولية.. رفض «كسينجر» مستقوياً ربما بقضية «ووترجيت» التى أطاحت بالرئيس 1974، وهكذا أيضاً حين لم يتح إلى «كارتر» 1980 ولاية رئاسية جديدة لاستكمال الإطار الثانى من اتفاقيات كامب ديفيد، كذلك الأمر مع «بوش الأب» بعد تصريحه مارس 1991.. المتضمن صياغة للتسوية بين العرب وإسرائيل تقوم على مبدأ «الأرض مقابل السلام» بيد أن إسرائيل تتزايد أطماعها فى أميركا ذاتها، سواء فى عهد «كلينتون» (فشل تفاض ثنائية المسار للتسوية بينها وكل من سوريا- الشرع/ بارك – ومع الفلسطينيين – عرفات فى كامب ديفيد2) أو سواء فى تماهيها من بعد مع المحافظين الجدد «بوش الابن» 2004 الذى أكد فحسب على صيغة «دولة فلسطينية موصولة» (أى ليست متصلة فى قطعة واحدة بل ممزقة)، أو فى تمردها على نهج «أوباما» 2009 فى تجميد الاستيطان الإسرائيلى فى الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس انتهاء بالمشاركة في صياغة المبادرة الأميركية «ترامب» 2018 المرفوضة عربياً، إذ إن إسرائيل عبر هذه المرحلة الطويلة من الانسحاق أو التمرد، بسيان، مع أميركا.. لم تلتفت إلى أهمية التغييرات التى عمت العالم- لا تزال- سواء بسقوط الإمبراطورية السوفيتية أو نشوب حرب الخليج الثانية بقيادة أميركا.. إلخ، ما يعنى عدم حاجة أميركا إلى إسرائيل للتصدى للنفوذ السوفيتى فى الشرق الأوسط، أو للتصدى لحركة القومية العربية التقى تقودها مصر.. أو فى مساعداتها لتأمين النفط فى المنطقة، وبالرغم من ذلك تواجه إسرائيل- بمراوغاتها التى لا تعرف المستحيل- العالم كله، جرياً وراء حلم «إسرائيل الكبرى»، خاصة من بعد أن تم لصالحها غزو العراق 2003، ومحاسبة سوريا 2005، وتدمير الترسانة الصاروخية وما إليها فى ليبيا نهاية 2003.. إلى تراجع العلاقات المصرية- الأميركية منذ 2007.. وليس آخراً إلى نقل السفارة الأميركية للقدس كعاصمة موحدة لدولتها.

إلى ذلك، وبفضل تحالف الحركة الصهيونية لمساندة المنتصر فى الحروب العالمية، تأكدت فكرة مجتمع يهودى فى قلب الشرق الأوسط، يدين لباريس بالولاء- وفق «نابليون» 1789 – لوقف المد البريطانى نحو الهند، وليلتقط البريطانيون الفكرة من بعده (وعد بلفور) 1917، وتشبث بها يهود العالم.. قبل أن يتوجهوا بها إلى الولايات المتحدة (مؤتمر بلتيمور 1942، وهكذا بعد توافق الإمبرياليات الغربية الكبرى الثلاث على زرع الوطن القومى لليهود، (هدف مباشر) وأعلنت دولة إسرائيل 1948 (هدف تال) بالتزامن مع سلسلة المعارك المعروفة بين الدول العربية وإسرائيل التى قامت بتحسين عقيدة العسكرية الإسرائيلية (معادلة الجندى الإسرائيلى الواحد بأربعين جندياً عربياً)، وتأكيد «النقاء اليهودى» فى فلسطين، وذلك فيما شهد العام 1990نهاية الحرب الباردة إذ شرعت إسرائيل فى مباشرة المرحلة الثالثة (الهدف النهائى) نحو بناء إسرائيل الكبرى، بالتزامن مع تفكك الاتحاد السوفيتى.. مع استمرار الدعم الأميركى لإسرائيل، وحيث أكدت قمة الدولتين الأعظم 1990 أهدافها فى الشرق الأوسط فى إطار التعاون المشترك بينهما، إذ أشارت الوثيقة السوفيتية إلى قيام «نظام آمن» فى المنطقة ضمن «النظام العالمى الجديد»، بينما أشارت الوثيقة الأميركية إلى ضرورة أن ينتهج العرب نهجاً مستقبلياً ومتطوراً، ذلك فيما كرر وزير الخارجية الإسرائيلى «شيمون بيريز» دعوته فى مؤتمر الدار البيضاء 1994 إلى «شرق أوسط جديد».. (سوق مشتركة وأمن جماعي)، كما سبق أن تحدث فى هذا الإطار عن صياغة سياسة إسرائيلية ترغب فى الإعلان عنها حول الأمن الإقليمى وضبط التسليح.. عندما يتحقق السلام، مقترحاً- انطلاقاً من المتابعة الكونية لنزع السلاح العام والكامل- أن تنشيء دول المنطقة ما من شأنه أن يتحقق فيها التأكد من خلوها من صواريخ أرض- أرض، ومن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية».

فى إطار الوثيقتين الأميركية والسوفيتية إلى جانب إعلان وزير الخارجية الإسرائيلى.. عن «شرق أوسط جديد».. ذى «نظام آمن» ضمن «النظام العالمى الجديد»، ينتهج فيه العرب «نهجاً مستقبلياً ومتطوراً»، لا يغيب سعى إسرائيل فى توظيف هذه المتغيرات لأن تكون قوة إقليمية عظمى (إسرائيل الكبري).. ربما يساعدها فى البلوغ إليه.. ميل التوازن لمصلحة إسرائيل بعد حربى الخليج الثانية والثالثة، مع تصدع تضامن الدول العربية.. وتراجع مصداقية منظمة تحرير فلسطين- بعد «أوسلو»- وتفاقمها إثر الانقسام الفلسطينى.. وإلى الخسائر الجسيمة التى لحقت بانتفاضة الأقصى 2000، ولذلك كان من الطبيعى استمرار إسرائيل فى الهروب من مستحقات السلام لحين أن تؤتى عناصر تشبثها بالوضع الراهن ثمارها نحو مركز قوة إقليمى متميز.. تخطط له وسط الجماعة العربية.. لتضمن أمناً تؤكده ظروف دولية وإقليمية مواتية إلى جانبها.. وأسواق جديدة أكثر اتساعاً.. وطريق أوضح لما تخطط له، بيد أن سعيها تتآكل عناصره، إذ برزت فى العقدين الأخيرين قوى إقليمية غير عربية تنافس إسرائيل فى إمبرياليتها، ما يتيح للعرب التوازن فيما بينها- لصالحهم، كما عادت روسيا فى سبتمبر 2015 إلى المنطقة كحقيقة سياسية فى الشرق الأوسط، ويشهد العالم العربى رغم المحن التى لحقت به خلال ما يسمى «الربيع العربى»، وربما بسببه، إحياء التضامن بين الدول العربية مجدداً.. وفى الوقوف كحائط صد فى مواجهة مبادرات أميركية للتسوية- شديدة الانحياز لإسرائيل، وما إلى ذلك من مستجدات عربية إيجابية تضع مشروع «إسرائيل الكبرى» على طريق التردى بعد أن كاد قاب قوسين أو أدنى للتحقق فى برهة زمنية راهنة، على عكس حركة التاريخ، ولتعود عناصر النزاع العربى- الإسرائيلى من جديد إلى ذات المعادلة المشئومة ما بين «الفوبيا» العربية و«السيكوباتية» الإسرائيلية، ذلك ما لم يجتهد الطرفان فى طرح شكوكهما المتبادلة جانباً.. سعياً نحو سلام عادل وشامل.

جريدة المال

المال - خاص

11:43 ص, الخميس, 30 أغسطس 18