لم تكن حكومة «قنديل» صاحبة المبادرة فى الإعلان عن خطط وهمية لـ”الإصلاح الاقتصادى”، إذ سبقتها حكومة الدكتور عصام شرف الأولى التى شكلها المجلس العسكرى عقب الثورة مباشرة، حيث وعدت بتنفيذ برنامج يقفز بمعدلات النمو إلى حدود 7% فى فترة لا تتجاوز 5 سنوات، ويقلص العجز بالموازنة العامة للدولة إلى 5% من الناتج المحلى الإجمالى، ودائماً ما ارتبط الحديث عن «برنامج» لـ”الإصلاح الاقتصادى” بمفاوضات للاقتراض من صندوق النقد الدولى، حيث أعاد الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق الحديث عن برنامج «وطني» لـ”الإصلاح الاقتصادى” بالتزامن مع استئناف مفاوضات صندوق النقد الدولى فى يناير 2012 لاقتراض 3.2 مليار دولار.
على الرغم من ذلك فإن حكومة «قنديل» تختلف عن حكومات «شرف والجنزورى» فى كونها ظلت تدير الشأن الاقتصادى لنحو العام اتخذت خلاله إجراءات غير مدروسة أثرت سلبا على النشاط الاقتصادى ككل، كان أبرزها على الإطلاق سلسلة التعديلات التى أقرها الرئيس مرسى على قانون ضرائب المبيعات إلى جانب مراسيم بقوانين أخرى تزيد من أسعار نحو 50 سلعة أساسية قبل أن تخرج مؤسسة الرئاسة ببيان فى منتصف ليلة إعلان إصدار تلك القرارات فى أوائل ديسمبر الماضى لتعلن عن إيقاف العمل بها مؤقتا.
وتوافد إلى القاهرة منذ أغسطس الماضى 4 بعثات من صندق النقد الدولى فى أغسطس ونوفمبر من العام الماضى، ويناير ومارس من العام الحالى، للبحث مع الحكومة عن «برنامج» للإصلاح المالى يحول دون الزيادة المستمرة فى عجز الموازنة العامة، وفشلت كل مساعى الحكومة فى إقناع تلك الوفود بوجود هذا البرنامج واحكام تطبيقه فى توقيتات زمنية محددة، واعتبر «الصندوق» الاتفاق المبدئى الذى وقعه مع حكومة «قنديل» فى نوفمبر من العام الماضى كأن لم يكن بسبب تعليق زيادات ضريبية متفق عليها.
رشاد عبده: الحكومة فشلت فى إقناع صندوق النقد بوجود برنامج واضح محدد التوقيت لـ”الإصلاح الاقتصادى”
وذكر الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، أن حكومة الرئيس مرسى فشلت فشلا ذريعا فى إقناع صندوق النقد الدولى بوجود برنامج واضح محدد التوقيت لـ”الإصلاح الاقتصادى”، وأضاف أن رفض «الصندوق» إتمام اتفاقية اقراض الحكومة على مدار العام الماضى رغم الإعلان عن سلسلة من الإجراءات المرتبطة بزيادة الضرائب يعود إلى عدم ثقة مجلس إدارة الصندوق فى الحكومة الحالية وقدرتها على تمرير قرارات اقتصادية صعبة كتقليص دعم الطاقة بالموازنة.
ويعتمد أى برنامج لـ”الإصلاح الاقتصادى”، يحظى بموافقة صندوق النقد، على إجراءات تتعلق بفرض مزيد من الضرائب وتحرير أسعار الصرف إلى جانب خفض فاتورة الدعم بالموازنة خاصة دعم الطاقة، وكانت أولى الإجراءات المرتبطة بهذا الشأن موافقة مجلس الوزراء فى اجتماعه الرابع خلال سبتمبر الماضى على مقترح وزير البترول بتطبيق نظام جديد لصرف البنزين والسولار المدعم عبر بطاقات ذكية.
واعتمد الرئيس مرسى فى إدارة ملف الإصلاح الاقتصادى النهج نفسه الذى اتبعه فى إدارة الحياة السياسية من حيث اتخاذ القرارات أولا ثم الدعوة لـ «حوار وطنى» حولها، وطلبت حكومة الرئيس من مجتمع الأعمال والغرف التجارية مناقشة التعديلات الضريبية بعد إقرارها، ومع مطلع العام الحالى تم إطلاق ما يسمى «المبادرة الوطنية للانطلاق الاقتصادى» تحت شعار «نتفق على ما يجمعنا» عقدت من خلالها الحكومة لقاءات مع خبراء الاقتصاد على مدى يومين عرضت فيها «برنامجاً» لـ”الإصلاح الاقتصادى” يستهدف تنفيذ سلسلة الإجراءات التى تبدأ من يناير وتستهدف خفض العجز بالموازنة بنهاية السنة المالية الحالية إلى 10.4%.
وقال د رشاد عبده، إن الطريقة التى اتخذ بها الرئيس مرسى قرارات زيادة ضرائب المبيعات وغيرها من التعديلات التشريعية الهادفة لزيادة حصيلة موارد الموازنة أدت إلى نتائج عكسية متمثلة فى اضطراب الأسواق وانفلات أسعار عدد من السلع والخامات.
الارتباك فى اتخاذ القرارات المرتبطة بالضرائب هى أبرز ما ينفر المستثمرين
وأكد أن الارتباك الحادث فى اتخاذ القرارات المرتبطة بالضرائب هى أبرز ما ينفر المستثمرين من الدخول لأى سوق ناشئة نتيجة ضبابية النظام الضريبى فى هذه السوق.
وبعد إطلاق تلك المبادرة بأقل من أسبوع، طلبت كرستين لاجارد، مدير صندوق النقد الدولى من الحكومة عرض «برنامج الإصلاح الاقتصادي» على الشعب وإجراء حوار حقيقى بشأنه، وأجرى الرئيس مرسى تعديلا محدودا طال وزير المالية الأسبق ممتاز السعيد، الذى تم استبداله بالمرسى حجازى الأستاذ الجامعى المتخصص فى الاقتصاد الإسلامى الذى أعلن فور توليه جاهزيته لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولى لاقتراض 4.8 مليار دولار وإجراء تعديلات على «البرنامج»، وقالت الحكومة إنها انتهت من تلك التعديلات فى فبراير الماضى.
ورفض صندوق النقد «برنامج» الحكومة المعدل مجددا فى مارس الماضى، ووصفه بـ«الضعيف ويحتاج إلى توافق مجتمعى».
وتساءل د. رشاد عبده: أين هذا البرنامج الذى تتحدث الحكومة عن تعديلات تجرى عليه على مدار الشهور الماضية؟ وحتى الآن لم تٌتخَذ أى إجراءات فعلية لترشيد الدعم الموجه للطاقة بالموازنة، وأدى الإعلان عن توقيتات متضاربة لتطبيق نظم جديدة لصرف السولار والبنزين للمواطنين، وإعادة تسعير بيع المازوت والغاز للمصانع، إلى ارتباك شديد فى مختلف الأنشطة الاقتصادية التى تعتمد على الطاقة بشكل أساسى للإنتاج، وبدلا من تقليص الإنفاق الحكومى على هذا الدعم كأحد الشروط الرئيسية للحصول على تمويل من صندوق النقد، تضخمت فاتورة الدعم بالموازنة للعام المالى الحالى 2012-2013 إلى نحو 150 مليار جنيه، حسب تصريحات وزير الاستثمار يحيى حامد، أى ما يزيد على ضعف المخصص لهذا الدعم بالموازنة التى أعدها «الجنزورى» وعمل بها «قنديل».
عانت مصر على مدار عام تحت حكم مرسى من أسوأ أزمة نقص طاقة فى تاريخها
وعلى الرغم من هذا الانفلات غير المسبوق فى مخصصات دعم الطاقة بالموازنة، عانت مصر على مدار عام تحت حكم مرسى من أسوأ أزمة نقص طاقة فى تاريخها، وبدأ الرئيس المنتخب حكمه بتطبيق مخطط لقطع الكهرباء عن المنازل بشكل دورى لأول مرة فى مختلف أنحاء الجمهورية، وتناول المصريون إفطارهم وسحورهم فى الظلام مرات عديدة خلال رمضان الماضى، وقلصت الحكومة إمدادات الغاز لمصانع الأسمنت والأسمدة بعد عيد الفطر الماضى مباشرة، وأغلق عشرات مصانع الطوب بسبب قرارات رفع أسعار الغاز والمازوت للصناعات «كثيفة الاستهلاك» أواخر العام الماضى.
كما دخلت مصر فى عصر «النهضة» لمصاف الدول المستوردة للغاز لأول مرة، ورغم إعلان حكومة قنديل عن الاتجاه نحو استيراد الغاز اللازم لسد احتياجات المصانع ومحطات الكهرباء من الطاقة فى أكتوبر الماضى لم تنجح أى محاولة لوزارة البترول فى طرح مناقصة لاستيراد الغاز، وانتهى الأمر بالتعاقد على استيراد 15 شحنة غاز من قطر بسعر 13 دولارا للمليون وحدة حرارية، وهى الشحنات التى من المنتظر أن تصل أولاها يوليو المقبل.
وأصبح مشهد تكدس السيارات والاشتباكات أمام محطات تموين السيارات أمراً مألوفاً منذ جاءت حكومة «قنديل»، واتسعت أزمة نقص وقود السيارات بحيث لم تعد تقتصر على «السولار» و«بنزين 80»، وامتدت الأزمة لـ«بنزين» 90 و92، كل ذلك على الرغم من إلغاء دعم بنزين 95 ورفع السعر الرسمى لاسطوانة البوتاجاز إلى 8 جنيهات.
وكانت آخر زيارة لوفد من صندوق النقد فى أبريل الماضى وبعدها لقاء آخر على هامش اجتماعات الربيع فى واشنطن.