حذرت كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية سمية سواميناثن، من إحتمال أن تستغرق عملية السيطرة على فيروس نحو 4 أو 5 سنوات تقريبا.
وعرضت سواميناثن، توقعاتها الرهيبة – خلال حلقة نقاش في “Financial Times”-محذرة من العديد من المتغيرات في قواعد اللعبة، التي ستحدد إلى متى سيستمر الفيروس يفتك بسكان الأرض.
وأردفت قائلة “لنفترض أن لدينا لقاحًا ونستطيع تغطية جميع سكان العالم، الأمر الذي قد يستغرق، ربما 3 أو 4 سنوات، لذلك أود أن أقول في إطار زمني من 4 إلى 5 سنوات يمكننا أن نشهد السيطرة عليه”.
تصريحات منظمة الصحة العالمية دعوة عاجلة للتدبر والإستعداد
لاينكر إلا مغيب، أن تصريح كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية، صادم للكثيرين – وكاتب تلك السطور في مقدمتهم- لما يمثله من جرس إنذار وناقوس خطر حينا، ودعوة عاجلة للتدبر والإستعداد أحيانا، علي إعتبار أن الفيروس- وفقًا لأغلب التقديرات العلمية- بات واقعًا لا مفر منه، بل يجب التعايش والتأقلم معه- بالطبع بعد أخذ الحيطة والحذر منه ، بالإجراءات الصحية التي يعلمها القاصي والداني-.
المقدمة الإستهلالية ضرورة ، قبل الولوج- أو الدخول- في تأثير جائحة Covid19 – المعروف إصطلاحًا بكورونا المستجد- علي صناعة ، التي أشرف أن أنتمي لعائلة العاملين فيها، المهمومين بأتراحها والمهللين بأفراحها.
لا أخفي سرًا، تصريح كبيرة العلماء بمنظمة الصحة العالمية ، أدي إلي تغيير مؤشر تفكيري بشكل ديناميكي وبصورة دراماتيكية، للتساؤل عن تأثير كورونا علي صناعة من جهة، والسيناريوهات المتوقعة عنه، والإجراءات الإحترازية التي إتخذها قطاع في العالم كله بشكل عام، والقائمين علي ترويض مخاطرها في مصر بشكل خاص.
السيناريوهات المتوقعة لصناعة التأمين في عالم ما بعد كورونا
التساؤلات لم تنتهي، ويبدو أنها لن تنتهي، لكن الإجابة الحاضرة- ولو بشكل مؤقت- أن صناعة في العالم كله، باتت علي المحك- بالمناسبة نفس الصورة أكدها الأمين العام للإتحاد العربي للتأمين في تصريحات له نشرتها جريدة المال- واصبحت أمام خيارين أو بمعني أدق ، سيناريوهان- حسب ظني وليس كل الظن إثم- كلاهما مُر.
السيناريو الأول:
إستمرار شركات في تقديم نفس التغطيات، التي كانت تقدمها قبل عالم كورونا، بنفس المنتجات السابقة للأزمة، والتي باتت لا تكفي إطلاقًا لحماية العالم من الأخطار المحتملة سواء حاليًا أو مستقبلًا ، فالتغطيات الحالية، اصبحت لاتسمن ولا تغني من جوع.
السيناريو الأول لايتوقف عند ذلك فقط، بل أن الصورة قد تكون أكثر قتامة، فتلجأ شركات التأمين- مضطرة بالطبع- إلي تقليص حدود التغطيات الحالية، أو بمعني أدق، التي كانت تطرحها قبل ظهور الضيف الثقيل علي القلب والنفس- أقصد كورونا- وتضطر أسفة- أي شركات – إلي زيادة الاستثناءات في التغطيات التأمينية، في خطوة تستهدف حماية الصناعة من خسائر مؤكدة ، وفاتورة تأثيراتها فادحة.
إذا لجأت إلي هذا السيناريو، فإنها بلا شكِ، ستفقد واحدًا من أهم مقوماتها، بل وأساس وجودها وتواجدها، وهو المساهمة في ترويض الأخطار، وتوفير شبكة الحماية اللازمة للبشر والحجر علي السواء، والتخفيف من أثار الكوارث، علي إعتبار أن التأمين، هو الظهير الاستراتيجي والحمائي ودرع الأمان للبشرية، ضد كافة المخاطر التي تهدد بقاء الإنسانية، وكذا المخاطر المرتبطة بتأثيرات وخسائر مالية وإقتصادية كبيرة.
السيناريو الثاني:
هذا السيناريو هو الأقرب من وجهة نظري- للإفلات بالطبع من الحبكة الدرامية في السيناريو الأول- وهو لجوء إلي إبتكار تغطيات جديدة حينا، وتطوير المنتجات الحالية أحيانا، لتطويع مقاصدها لتفي بالغرض المرجو منها، وهو توفير الحماية اللازمة من الأخطار الجديدة.
تطوير المنتجات الحالية، وإبتكار الجديد منها، يهدف إلي توفير حدود أمان أكثر رحابة، تتلائم مع طبيعة الأخطار الجديدة التي يواجهها العالم.
هذا السيناريو، لا يخلو من حبكة درامية أكثر تراجيدية من حبكة السيناريو الأول، وما أقصده، أن شركات ، سوف توفر التغطيات الجديدة بأسعار أو أقساط كبيرة، حتي تتمكن من تدبير التكاليف أو الوصول الي المعادلة الصفرية بين الإيرادات والمصروفات، أو بمعني أدق بين الأقساط المحصلة والتعويضات المسددة، ولن أكون حالمًا وأقول أن الشركات ستسعي لتحقيق فوائض فنية، أو أرباح من الإكتتاب التأميني، ذلك بالطبع بعد دراسة الخطر إكتواريًا، بمجرد الإنتهاء من تحليل بياناته التي تئن الشبكة العنكبونية من حملها.
السؤال، ما الحبكة الدرامية في هذا السيناريو؟ الإجابة ببساطة ، أن طرح تغطيات جديدة بأسعار لا تتلائم مع الظروف الإقتصادية والتبعات الضخمة التي خلفها الضيف الثقيل- أقصد كورونا- معناه، عدم قدرة المشتري أو العميل المستهدف علي شراء تلك التغطيات، ما يحولها لبضاعة غير قابلة للتداول.
جدلية طرح المنتجات المبتكرة لتغطية كورونا بأسعار ملائمة
قد يقول البعض، تفاءل، ألا يمكن للشركات طرح تلك التغطيات بأسعار ملائمة؟ هنا يجب أن نكون واقعيين، بمعني ، لايمكن لشركة توفير تغطية تأمينية بقيمة أو قسط أقل من القيمة الفنية العادلة- لن أدخل في جدلية المضاربات السعرية لأن هذا ليس وقتها ولا ظرف الحديث عنها- لتحقيق كما قلت المعادلة الصفرية بين الإيرادات والمصروفات، وإذا لجأت الشركات إلي هذا السيناريو، أقصد طرح المنتجات الجديدة أو التي سيتم تطويرها بسعر أقل من القيمة الفنية، فإن الخسارة الفنية، ستكون المصير المحتم، لأنها هذا السيناريو معناه تأكل رؤوس الأموال سواء في نشاطي التأمين المباشر أو إعادة التأمين، ما يعد تهديدًا صريحًا لعنصر الإستقرار.
بالمناسبة، لايمكن المراهنة علي عوائد الاستثمار في الوقت الحالي لتعويض الخسائر الفنية من نشاط التأمين، لأسباب من بينها، أن الاستثمار نفسه في أزمة، ومن ثم فالمراهنة علي هذا المخرج يمثل في حد ذاته، درب من دروب الخيال.
صناعة التأمين في مصر جزء من المنظومة العالمية
علي كلِ، صناعة في مصرنا الحبيبة، هي جزء لا يتجزأ من الصناعة علي مستوي العالم، لنقطتين، أولاهما، أن صناعة التأمين، تمثل صناعة عالمية، لاينفك فيها المحلي عن الدولي ، والثاني أن شركات التأمين المصرية تلجأ إلي إعادة جزء كبير من المخاطر، لدي أسواق إعادة التأمين العالمية، ومن ثم فأي أثار إيجابية أو سلبية لاقدر الله، سيكون لصناعة التأمين المصرية جزء وافرًا منها.
وفي ضوء ما سبق، وتأسيسًا علي ذلك، ليسمح لي القارئ النابه، والمتخصصين في صناعة التأمين، ان أطرح بعض التساؤلات الإستفهامية وليست الإستنكارية بالطبع؟ ليجب عنها بنفسه ولنفسه، أو ينشرها لنا عسي أن تكون ترياقًا للداء الذي إبتلينا به .
تساؤلات إستفهامية لدور التأمين في ترويض مخاطر كورونا
التساؤل الأول ، هل ستقف صناعة في العالم ، عاجزة ، ومكتوفة الأيدى، أمام التحديات والمخاطر الجديدة التي يشهدها العالم، خاصة عالم ما بعد كورونا؟ ، والتساؤل الثاني، هل هناك تشريعًا أو أداة إقتصادية ، تسمح بتقديم دعم مالي لشركات التأمين و في الحالات المماثلة- أقصد الكوارث والازمات الكبرى- لدعم تلك الشركات حتي تقف صامدة، وقادرة علي الوفاء بإلتزاماتها المالية؟ سواء كان الدعم من حكومات الدول أو من خلال منظمات إقتصادية عالمية ، مثل صندوق النقد الدولي ؟ وفِي حال عدم وجود ذلك هل يمكن أن يكون ذلك مخرجًا من الحبكة الدرامية في السيناريوهان الأول والثاني؟
والله من وراء القصد