#وعي _ الهري _ بسد _ العدوان

#وعي _ الهري _ بسد _ العدوان
محمد بكري

محمد بكري

6:51 ص, الأثنين, 26 يوليو 21

خاطب الرئيس السيسى جموع المصريين قائلا (بطلوا هرى ومتقلقوش)، بتعبير تلقائى مباشر ودعوة للثقة بإنقاذه مصرنا الغالية.

قوة أى خطاب فى مصدره ومضمونه ونتيجته، وعندما يكون المصدر أعلى سلطة بالدولة، يتحول من مجرد تعليق، لرسالة قد تصل أحيانا للتغلغل بالوعى الباطنى للمُخاطب، فيطمئن ويهمل حذره وتدابيره لمواجهة أزمة ما!

عموما، يتكون الوعى الجمعي للجماعات، بوعي الأفراد بالظروف والعلاقات التى تربطهم داخل مجتمعهم، كدلالة على استيعابهم وإلمامهم وفهمهم لهذه الظروف أو العلاقات بصفة الإدراك العام أو الوعى بها مجتمعيا. لذلك فهناك وعى العامة ووعى الدولة ووعى الخاصة ووعى خاصة الخاصة. عندما تكون هناك أزمة أو مشكلة مؤثرة، فهناك الوعى المحلى والوعى الإقليمى والوعى الدولى، وفى كل دائرة من دوائر الوعى المذكورة، يتدرج اطمئنان أهل كل دائرة، بقدر علمهم واستيعابهم وفهمهم، لسند وظروف وأبعاد وآثار وأطراف الأزمة أو المشكلة، ومكامنها ومُخططها وأغراضه والنتيجة النهائية المستهدفة. وفى غياب أو نقص أو تغييب أو تجهيل أو تعمية عناصر الاطمئنان السابقة، سيصعب على وعى أى دائرة الفهم والاستيعاب، وبالتالى سيصعب صبرها ودعمها، وحتما ستحتاج للهرى أى كثرة الكلام بدون جدوى.. فيكون الهرى هو تعبيرها عن وعيها بأزمة ما!

هرى وعى العامة مقدورٌ عليه! لأن مفاتيح تشكيل الوعى هى الإعلام والتعليم والمؤسسة الدينية، وفى بيان وتصحيح وتوضيح عناصر اطمئنان الوعى السابقة، بالدوائر المحلية للإعلام والتعليم والدين، ما يمكن منه التأثير تدريجيا على «الهرى العام» إن جاز التعبير. فى حين وعى الدولة؛ خاص بتوحيد فهم وتوجه أجهزة وأدوات حكمها بقضية ما. غير أن هرى الوعى الإقليمى بأزمة محلية، يكون غالبا مصدره إفرازات صناع الوعى الجمعى الداخلى والمصادر الأجنبية العليمة، لذلك يصعب القول بهرى الوعى الدولى عن ذات الأزمة! لأننا كثيرا ما نكون بصدد أطراف وصناع خارجيين لهذه الأزمة وأصحاب مصالح وحالات مثل وتصفية حسابات داخلية إلخ. وعليه فتصحيح وتثبيت عناصر اطمئنان الوعى الداخلى، هى أساس ضمان عدم هريه فى الأزمة بكثرة الكلام غير المُجدى، سواء بالتشكيك أو التقول أو التفسير أو التأويل.

مشكلة الأزمات الكبرى، فى هرى وعى دائرة الخاصة والأخطر هرى دائرة خاصة الخاصة! لأن الهرى هنا صوره وأشكاله أخطر من كثرة الكلام بالفهم أو التقول والتزيد! فالهرى السلبى قد يكون بتغييب معلومات، أو تحالف عاملين على ملف معين بهرى ظاهره صالح وباطنه العذاب! وقد يكون هريا إيجابيا بتقديم صورة ذهنية معينة تنفى القلق أو تقدم صورة غير صحيحة بصورة صحيحة! هنا وعى دائرة الخاصة وخاصة الخاصة معرض لإصدار أحكام «مهرية» تخالف التاريخ أو الحقائق أو المراكز القانونية أو الدولية.

دائما يرتبط الوعى الجمعى الشعبى بتوجهات الإدارة بقيادة موضوعات معينة، ليأتى الإعلام والخطاب الدينى لينحتا يوميا مُنمنمات بالصورة الذهنية للشعب بالبرامج الحوارية، الأغانى، الصحف، خطب الجمعة، الفتاوى، رسائل الشخصيات العامة إلخ. ورغم قوة وعمق تأثير الإعلام والدين بطبقات المجتمع، يجلس التعليم المصرى على دكة الاحتياطى، لغياب دوره الحقيقى بتكوين المصريين منذ عقدين على الأقل، لذلك يمكن توقع أشكال الهرى، كنتيجة غير مباشرة لأدوات الوعى، المهرية بدورها خارج دائرة الخاصة وخاصة الخاصة.

تطويع دعوة وقف الهرى بأزمة سد النهضة، تطالب بحسابات لدوائر الوعى الممتدة من دائرة العامة لخاصة الخاصة! فقد يطالب الهرى بسرعة ضرب السد وسحق إثيوبيا طالما لدينا جيش قوي! أو هرى تفريط الإدارة فى نيل مصر! أو هرى تفسيرات وثيقة إعلان المبادئ 2015، بتضمينها مادة 4 كاتفاقية عنتيبى 2010 المرفوضة مصريا سابقا واتفاقية الأنهار الدولية 1997، ورفع مبدأ التحكيم من الوثيقة واتفاق قواعد الملء الأول للسد بالتوازى مع عملية بنائه، والملء بالإخطار لا بالاتفاق! هنا قد تحتاج الدائرة الأولى لبحث هرى وعى مسؤولى الملف بهذه الفترة لتمرير الاتفاقية بهذا الشكل الاستفهامى.

لا شك بخرق إثيوبيا لاتفاقية الأنهار الدولية، كذلك وثيقة إعلان المبادئ، والتعسف باستخدام حقها بالملء، بل ورفض التعاون والتنسيق مع دول المصب بما يحفظ مصلحتهما، وتعمد الإضرار الهندسى والبنائى بحجب الدراسات لدرجة تحويل السد لقنبلة مائية مسلحة، تهدد بالانفجار أى وقت! الحديث الإثيوبى سيطول «هريها الحكومى» المؤسس على تلاعبها باتفاقية إعلان المبادئ، وتسخيرها من أصحاب المصالح القديمة، لتطويق مصر وتركيعها بسياسة الحنفية، وانتزاع غصبها لمد مياه النيل لإسرائيل كحل أخير للأزمة! وأخيرا فشلها بالملء الثانى وانقلاب حلفائها عليها!

لا يوجد هرى بالعلاقات الدولية أو التسريع بالحرب! ولكنها معلومات وحسابات ومصالح وتوازنات، وحسابات وعينا الدولى أدركت فشل إثيوبيا بالملء الثانى ورفض إنقاذ آبى أحمد بضرب السد، لتبدأ مرحلة جديدة بالصراع! وذات الوعى حتما اعتبر التقارب الروسى الإثيوبى، مقابل التقارب المصرى مع الناتو بمناورات البحر الأسود، وربما امتلاك مصر لوعيها ودفة حساباتها، تدبرت تأثير الرفض الروسى لتهديد مصر باستخدام القوة بالأزمة، رغم حق دفاعها الشرعى لمواجهة عدوان السد. قد نكون مواجهين قريبا بهرى بالعلاقات الدولية، يمس مصالح مصر وقدرتها الواقعية على حماية مصالحها بأزمة النيل، فهل سنحتاج لتطمين روسيا باستمرار الوفاق؟ أم غنمت مصر مقابلا من الناتو، لم يتحقق بمجلس الأمن؟ أم توظف مصر الهرى الإقليمى لمصلحتها؟ أم تتبرع بتحويل إثيوبيا برمتها لبحر رمال يبتلع كل المؤامرات والسدود؟

وعى الهرى المصرى بسد العدوان، محتاج لمكاشفة سريعة جدا بفتح ملف تأسيس وثيقة إعلان المبادئ، ومصير الاستمرار فيها، بتحويل #السد_لعدوان_مسلح، والدفاع الشرعى المصرى، وضبط إيقاع العلاقات الدولية، وجدوى تدبر الضربة الاستباقية لجسم السد أو انتظار تفسخه، ودعم الإعلام المصرى والخارجى بصورة واقعية جديدة لعدوان سد النهضة. لا مطالبة بإيقاف الهرى بدون تطمين موضوعى، ولا تطمين موضوعيا بدون تصحيح الدوائر، ففى النهاية هى مصر المحتاجة للوجود، لا شعبها للاطمئنان.

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]