قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن التجربة المصرية فى إصلاح نظام المعاشات ارتكزت على عدد من الافتراضات والأسس المتحوطة التي سمحت بتخفيض اشتراكات المؤمَّن عليهم ووضع آليات لزيادة المعاشات سنويًّا بمعدل التضخم، وتحقيق التوازن بين الأجور الحقيقية التي كان يتقاضاها المؤمَّن عليهم خلال فترة عملهم قبل التقاعد، مقارنة بالمعاشات المنصرفة لهم بعد التقاعد، إضافة إلى معالجة مشكلة التهرب التأميني كليًّا أو جزئيًّا، مشيرًا إلى أن قيمة المعاشات التي يستفيد منها 10.5 مليون مواطن، ارتفعت بنحو 70%، خلال الفترة من 2018 حتى 2022.
الخزانة العامة تسدد 45 تريليون جنيه للتأمينات والمعاشات خلال 50 عامًا
وأكد الوزير أن مصر استطاعت، بقيادتها السياسية الحكيمة، أن تصنع إنجازًا تاريخيًّا يُجسد تجربة رائدة فى إصلاح نظام المعاشات والتأمينات الاجتماعية،
وذلك رغم كل التحديات الاقتصادية العالمية؛ بدءًا من أزمة الأسواق الناشئة، ثم جائحة كورونا، التى تشابكت مع تداعياتها الآثار السلبية القاسية للحرب فى أوروبا،
وما ترتب على ذلك من موجة تضخمية حادة، وارتفاع غير مسبوق فى أسعار السلع الأساسية كالقمح والمواد البترولية والخدمات أيضًا، وما تفرضه من ضغوط على موازنات مختلف الدول، خاصة الاقتصادات الناشئة.
وأضاف الوزير أن تواتر الأزمات الدولية على هذا النحو بالغ التأثير السلبي فى أداء الاقتصاد العالمي، بما يقتضيه من التوسع فى مد مظلة الحماية الاجتماعية، يعظِّم الرؤية الثاقبة للدولة، فى اقتحام ملف المعاشات والتأمينات الاجتماعية، الذى تراكمت تعقيداته لأكثر من 50 عامًا،
حيث عكفت الحكومة على إصلاح هذه المنظومة بمفهوم شامل ومتكامل، تبلور فى إصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، الذى يُعد مظلة تأمينية موحدة لجميع فئات المؤمن عليهم،
تشمل ذات الأخطار المغطاة من قبل، فى قوانين كانت متعددة بتعدد فئات المؤمن عليهم، وبنسب مختلفة من الاشتراكات والمزايا، على نحو أسهم في تعقيد النظام، والحاجة إلى المزيد من الشفافية في التعامل مع أصحاب المعاشات والمؤمن عليهم.
أوضح الوزير أن هذا القانون أسهم في حل الغالبية العظمي من المشكلات التى كان يعانيها نظام المعاشات والتأمينات الاجتماعية لأكثر من 50 عامًا بتوقيع اتفاقية فض التشابكات المالية بين وزارة المالية ونظام المعاشات، الذى يساعد فى توفير الملاءة المالية القوية لهذا النظام حاليًّا ومستقبلًا؛ من أجل استدامة القدرة على الوفاء بكامل الالتزامات المستقبلية نحو أصحاب المعاشات والمستحقين عنهم والمؤمن عليهم، وتحسين أوضاعهم المعيشية.
وأشار إلى أن الخزانة العامة للدولة سوف تسدد نحو 45 تريليون جنيه للهيئة القومية للتأمينات والمعاشات على مدار 50 عامًا حتى 2068،
وقد تم بالفعل تحويل أكثر من 558 مليار جنيه لصناديق المعاشات خلال 39 شهرًا منذ عام 2019، ومن المقرر أن تُسدد الخزانة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي فقط 191 مليار جنيه،
حيث تم تعديل المعدل السنوي لنمو قسط فض التشابكات بنسبة 5.9% بدلًا من 5.7%؛ وذلك لاستيعاب بعض الإجراءات الإضافية المتخذة عام 2020 لتحسين الأوضاع المعيشية لأصحاب المعاشات، رغم الظروف الاستثنائية التى يشهدها الاقتصاد العالمي وتلقي بظلالها على مختلف الدول؛ بما فيها مصر، والتى لن تثني الدولة عن الوفاء بالتزاماتها نحو أصحاب المعاشات، والعمل على تحسين أحوالهم المعيشية.
وقال الوزير إن اتفاق فض التشابكات يحقق آثارًا إيجابية على الاقتصاد المصرى ككل؛ إذ إن الفائض المتاح للسيولة بالصناديق سيتم ضخه فى مجالات استثمارية ذات عائد مرتفع؛ بما سيحوِّل هيئة التأمينات إلى مستثمر مؤسسى له وزن كبير فى الاقتصاد المصرى كصناديق الاستثمار فى مختلف دول العالم،
موضحًا أن هذه التشابكات المالية كانت تؤثر بشكل كبير على سيولة النظام وتضع- لعدة سنوات- عبئًا ماليًّا ضخمًا ومتناميًا على الخزانة العامة للدولة يتزايد بشكل مطرد سنويًّا لم يكن يؤثر فقط على قدرتنا على تمويل المشروعات القومية والاجتماعية، بما فيها مشروعات البنية التحتية، بل كان يؤثر أيضًا على التصنيف الائتماني لمصر لأنه كان يزيد بنسبة كبيرة من حجم الدين المحلي.
وذكر الوزير أن استضافة مصر المؤتمر العربي السنوي السادس للتقاعد والتأمينات الاجتماعية، بمدينة شرم الشيخ؛ تأتي ترسيخًا لحرصنا على رعاية ودعم هذا التجمع الإقليمي الثري الذى يوفر فرصًا كبيرة للتواصل الإيجابي،
وتبادل الخبرات والتجارب بين عدد كبير من ممثلي القطاعات المختصة بالتأمين الاجتماعي وصناديق التقاعد والادخار الخاصة والاستثمار والخدمات المالية المعنية بالادخار التقاعدي، ومديري الاستثمار والخبراء الإكتواريين، ومحللي المخاطر وأمناء صناديق التقاعد ومقدمي التكنولوجيا الرقمية لأنظمة التقاعد.. نلتقى جميعًا.. معًا نتشارك الأفكار والرؤى، من أجل الإسهام فى بناء غد أفضل لمن أفنوا حياتهم فى خدمة أوطانهم، وأداء واجباتهم الوظيفية بمنتهى الإخلاص.
وأضاف: نتطلع إلى خلق المزيد من الوعي المؤسسي والاجتماعي والاقتصادي حول إدارة أنظمة التقاعد بمختلف أنماطها، وبنيتها التحتية، وسبل تعزيز خدماتها واستدامتها،
آملين أن تسهم هذه الفعالية الإقليمية الحيوية فى تعزيز المعرفة بالجوانب الاقتصادية والاستثمارية لصناديق التقاعد العامة والخاصة وجميع أنواع الادخار التقاعدي، وأفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، والفرص الكبيرة التي تتيحها، وكيفية النهوض بخدماتها مستقبلًا.
جاء ذلك خلال افتتاح المؤتمر العربي السادس للتقاعد والتأمينات الاجتماعية الذى يعقد تحت شعار «آفاق أنظمة التقاعد العربية للعام 2050- التغيير والفرص» في مدينة شرم الشيخ،
بحضور الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء، واللواء جمال عوض رئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، والدكتور فخري الفقى رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب.