واصل وزير التخطيط الدكتور اشرف العربي تصريحاته لجريدة “المال” خلال الحوار الذى أجرته معه، وتناول الجزء الثانى من الحوار كواليس وتفاصيل المساعدات والقروض الأجنبية التى منحت لمصر إبان عهد الرئيس المعزول محمد مرسى وما بعد ثورة 30 يونيو، وأزمة قرض الصندوق الدولى للنقد، وغير من الأمور الهامة التى تطرق إليها العربي.
«المال»: تصاعدت حدة انتقادات الحكومتين التركية والقطرية عقب الإطاحة بنظام الرئيس المعزول محمد مرسى، ماذا عن موقف المساعدات المالية التى منحتها الدولتان فى صورة ودائع وسندات بعد تلك الانتقادات؟ وهل كانت المساعدات القطرية هى الأعلى من حيث تكلفتها على الاقتصاد؟
وزير التخطيط: حتى هذه اللحظة لم تطلب أى من حكومتى تركيا وقطر رسمياً تعديل أو إلغاء اتفاقيات الودائع والمنح الموقعة مع الحكومة المصرية باستثناء رد 2 مليار دولار من ودائع قطر، وإذا اردنا أن نقارن بين تكلفة المساعدات التى تلقتها مصر منذ ثورة يناير 2011، وحتى الآن يمكننا القول إن المساعدات القطرية هى الأعلى تكلفة، والدفعة الاولى من السندات التى اشترتها قطر بقيمة 3 مليارات دولار بدءاً من مايو الماضى كانت لاجل 3 سنوات وفائدة تصل إلى 4%.
وكى نكون منصفين فإن الحكومة القطرية أقرضت مصر فى ظروف صعبة بعد خفض التصنيف الائتمانى للديون السيادية المصرية 8 مرات متتالية فى عامين، لم نكن نجد أى دولة توافق على إقراضنا فى مثل تلك الظروف، الآن الاوضاع تغيرت ولدينا سلة متنوعة من التمويلات العربية، ونستطيع أن نفاضل بين شروط الإقراض، كما يمكن أن نطلب نحن من حكومتى “تركيا” و”قطر” إنهاء أو تعديل اتفاقيات المساعدات إذا ما رأينا أن أعباء تلك المساعدات لا تتناسب معنا وفق المعطيات الحالية.
«المال»: وماذا عن الوديعة الليبية لدى البنك المركزى بقيمة 2 مليار دولار، هل طلبت الحكومة الليبية تعديل الاتفاق بشأنها؟
ليبيا ملتزمة بالتعاون الاقتصادى مع الحكومة المصرية
وزير التخطيط: على العكس، رئيس الوزراء الليبى أكد خلال زيارته إلى مصر أوائل الشهر الحالى على التزام بلاده بالتعاون الاقتصادى مع الحكومة.
«المال»: كنت طرفاً مباشراً فى الاتفاق مع الحكومة التركية حول إيداع مليار دولار لدى البنك المركزى فى صورة وديعة، إلى جانب قرض بقيمة مليار دولار من بنك إكسيم التركى، هناك اتهامات بأن حكومة الدكتور هشام قنديل قبلت الوديعة التركية بشروط مجحفة من بينها الالتزام بانفاق قيمة الوديعة لصالح مشروعات بعينها تحددها الحكومة التركية.. ما مدى صحة ذلك، وكيف ستتعاملون مع هذه الشروط؟
وزير التخطيط: أستطيع ان أقول إن اتفاقية الوديعة التركية كانت الأفضل من حيث الشروط من بين مختلف الودائع التى تلقاها البنك المركزى من الدول التى ساندت الاقتصاد المحلى فى ذلك الوقت، على العكس فإن سعر الفائدة الذى تدفعه الحكومة على تلك الوديعة مربوط بسعر “الليبور” أى وفق متوسط أسعار الفائدة بين بنوك لندن، ما اشترطته تركيا فقط هو قيام شركاتها بتوريد معدات وخامات المشروعات التى سيتم إنفاق قيمة الوديعة فيها.
أما بخصوص قرض بنك «إكسيم» فإن الحكومة التركية لم تقم بتفعيل هذا القرض حتى الآن، وما تم فى هذا الشأن هو التوقيع على بروتوكول ولا يعتبر التزاما على الحكومة التركية، وفى كل الاحوال قامت المجموعة الاقتصادية الحالية بإخراج هذا القرض من الإيرادات المتوقعة، ووفق خطة التنشيط الاقتصادى التى تم الإعلان عنها مؤخرا، سيتم تخصيص جانب من التمويل الإضافى لصالح دعم أسطول هيئة النقل العام بـ600 أتوبيس جديد، كان من المفترض تمويلها عبر قرض بنك إكسيم، ونتوقع عدم إتمام تلك الاتفاقية فى ضوء تكرار إساءات الحكومة التركية للنظام الحالى فى مصر، وأريد أن أقول بوضوح إن مصر لا تنتظر من أى دولة قرشاً واحداً.
«المال»: كنت طرفا رئيسيا كذلك فى الاتفاق مع الحكومة العراقية لتزويد مصر بـ4 ملايين برميل من النفط كل شهر، ماذا عن هذا الاتفاق؟
الاتفاق مع العراق كان بشكل مبدئى بخصوص تزويدنا بـ4 ملايين برميل نفط
وزير التخطيط: الاتفاق كان بشكل مبدئى خلال زيارة رئيس الوزراء السابق هشام قنديل إلى بغداد فى شهر مارس الماضى، الملف فى وزارة البترول، وحسب معلوماتى فإن الحكومة الانتقالية الحالية لم تتلق أى إخطار من الجانب العراقى يفيد ببدء سريان هذا الاتفاق.
«المال»: هل يمكن القول بأن الوفاء بوعود بمساعدات قيمتها 12 مليار دولار من السعودية والامارات والكويت يمكن ان تغطى متطلبات السيولة اللازمة لتوفير الواردات من الطاقة سواء المشتقات البترولية أو الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء؟
وزير التخطيط: الوضع من حيث السيولة حالياً مريح للغاية، وأستطيع أن أؤكد أن إمدادات الطاقة اللازمة لتوفير المشتقات البترولية وكذلك الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء آمن حتى نهاية المرحلة الانتقالية التى لن تتجاوز 9 شهور، الأزمة الوحيدة مرتبطة بوفرة الطاقة اللازمة لتشغيل المصانع، ولا أتوقع تفاقم تلك الأزمة على الأجل القصير، ووزارة البترول ما زالت تسير فى إجراءات استيراد الغاز سواء عن طريق الحكومة أو عبر المصانع مباشرة.
الدعم المخصص للطاقة بموازنة العام المالى الحالى فى حدود 100 مليار جنيه تغطى دعم الطاقة بشكل كبير على مدار العام المالى، وحينما ننجح فى تطبيق المرحلة الاولى من برنامج الكروت الذكية لشراء البنزين سنتمكن من توفير 20% تمثل نسبة التهريب، بما يعنى توفير قرابة 20 مليار جنيه للموازنة.
«المال»: حينما توليت منصب وزير التعاون الدولى إلى جانب وزارة التخطيط فى حكومة الدكتور هشام قنديل كنت لاعباً رئيسياً فى المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، ما الموقف من المفاوضات مع الصندوق بالنسبة للحكومة الانتقالية؟
وزير التخطيط: الحكومة حريصة على علاقة جيدة مع صندوق النقد، ومصر عضو بالصندوق وتدفع اشتراكها بانتظام – ولدينا حقوق على صندوق النقد يجب الاستفادة منها – كما يجب الاعتراف بوجود تأثير واسع للصندوق على مستوى العالم، السياق الآن مختلف، كما ان التوجهات الاقتصادية والاجتماعية اختلفت بعد 30 يونيو.
لا أعتقد ان الوقت الحالى يسمح بالتفاوض مع صندوق النقد
هناك توجه توسعى للحكومة الحالية، يتضح من خلال خطة التحفيز، والصندوق لن يرضى عن هذا التوجه، نحن الآن نهاجم حالة الانكماش الاقتصادى بسياسة توسعية، ولا أعتقد ان الوقت الحالى يسمح بالتفاوض مع صندوق النقد، فهذا لن يكون خلال المرحلة الانتقالية على الاقل، الأهم من المفاوضات مع الصندوق أن ننفذ برنامج إصلاح اقتصادى حقيقى لا يرتبط بالاقتراض من صندوق النقد.
أريد التأكيد على أن إتمام المفاوضات مع صندوق النقد فى ذلك الوقت كان مهماً لرفع التصنيف الائتمانى بعد أن تراجع 8 مرات متتالية فى سابقة ربما تكون هى الأولى على مستوى العالم، وتحسين التصنيف الائتمانى كان مهما لخفض تكلفة الدين المحلى، المعروف أن كل نقطة تخصم من الفائدة على السندات والأذون توفر 10 مليارات جنيه للموازنة.
«المال»: ماذا عن المجلس القومى للأجور الذى تم تشكيله منذ نحو 10 سنوات ولم يكن له أى دور فى وضع سياسة محددة للأجور بالقطاعين العام والخاص حتى الآن؟
وزير التخطيط: أعدنا تشكيل المجلس ليصبح أكثر توازنا وتعبيرا عن مختلف الأطراف، والتشكيل القديم كانت الحكومة تهيمن عليه فى صورة 8 ممثلين من الوزرات، بالإضافة إلى رؤساء الجهازين المركزى للمحاسبات، والتعبئة العامة والإحصاء، أما التشكيل الجديد فموزع بواقع 6 مقاعد للحكومة و6 مقاعد لأصحاب الأعمال ومثلهم عن العمال، بالإضافة إلى 6 من الخبراء فى مجال الاجور، بجانب ممثلين عن المجتمع المدنى بصفة مراقب.
«المال»: ما مبرر استمرار وجود المجلس القومى للأجور طالما أن قراراته غير ملزمة لأى طرف؟
وزير التخطيط: ندرس تعديلات تشريعية تجعل قرارات المجلس ملزمة لمختلف الاطراف، ولهذا الغرض أعدنا تشكيل مجلس الإدارة ليعبر عن كل الاطراف بتوازن تام، بحيث يكون فيه التزام من الجميع بما يقرره المجلس، كما أننا متفائلون بحركة إعادة تشكيل مجلس ادارة اتحاد الصناعات.
هناك خللاً كبيراً فى هيكل الأجور بالقطاع الحكومى
واعترف أن هناك خللاً كبيراً فى هيكل الأجور بالقطاع الحكومى، فنحو 80% من دخل الموظف الحكومى عبارة عن اجر متغير والباقى هو الأجر الأساسى، وهذا هرم مقلوب، وهناك تفاوت فى الأجور التى تدفعها الحكومة مقارنة بالقطاع الخاص، والحكومة تتحدث عن تشجيع القطاع الخاص ليكون المشغل الأساسى للعمالة بينما السياسات المطبقة على الارض غير ذلك، فمتوسط الأجور فى الحكومة أكبر بكثير عنه فى القطاع الخاص، وكذلك درجة الامان الوظيفى، كل ذلك يجب أخذه فى الاعتبار عند تطبيق سياسة موحدة للاجور فى مصر تراعى الابعاد الاجتماعية ومعدلات التضخم.
«المال»: كيف ستدير الحكومة صندوق دعم مصر؟ وما حجم الأموال التى جمعها الصندوق حتى الآن؟
وزير التخطيط: نعمل حاليا على تشكيل مجلس أمناء لإدارة الصندوق، الفكرة الرئيسية أن تكون تلك الإدارة من خارج القطاع الحكومى لتعزيز ثقة الناس فى وجود مجلس أمناء قادر على إدارة الاموال التى جمعها الصندوق وتوجيهها لدعم الاقتصاد، معلوماتى عن الأموال التى جمعها الصندوق تشير إلى أنها تجاوزت 700 مليون جنيه، ولن نستخدم تلك الاموال فى الإنفاق الحالى، وقد يرى مجلس الأمناء بعد تشكيله توجيه جانب من حصيلة الصندوق لتمويل جزء من خطة التنشيط الاقتصادى التى أعلنا عنها، أنوه هنا إلى أن تشكيل مجلس الأمناء يتم بالتنسيق مع المجتمع المدنى وأصحاب التبرعات.
«المال»: ملف بنك الاستثمار القومى ومديونياته المتبادلة مع الهيئات الحكومية، وكذلك أموال التأمينات لماذا لم يتم حسمه حتى الآن؟
فض الاشتباك بين بنك الاستثمار والهيئات الحكومية أحد أهم المحاور التى تعمل عليها وزارة التخطيط حالياً
وزير التخطيط: فض الاشتباك بين بنك الاستثمار القومى والهيئات الحكومية المختلفة، أحد أهم المحاور التى تعمل عليها وزارة التخطيط حالياً، وهذا الملف شائك، وعندما نتحدث عن مديونيات مستحقة على بنك الاستثمار لصالح التأمينات الاجتماعية، نجد أن البنك مدين لمختلف الهيئات الاقتصادية بمبالغ تتجاوز 100 مليار جنيه، ونعمل مع مختلف الوزارات المعنية على تسوية المديونيات المستحقة على هيئاتها التابعة لصالح البنك حتى يتمكن الأخير من رد أموال التأمينات.
وهذا يحدث حالياً بالنسبة لهيئة السكك الحديدية بالتعاون مع وزير النقل الذى يعكف على وضع خطة طموح لتطوير أداء الهيئة، بما يمكنها من سداد مديونيات متراكمة لصالح بنك الاستثمار القومى تصل إلى 12 مليار جنيه، الأمر نفسه بالنسبة لمديونيات قطاع الاعمال العام لصالح البنك، وهو القطاع الذى تضع له المجموعة الاقتصادية حاليا تصوراً واضحاً لتطويره، خاصة القطاعات الكبرى كالغزل والنسيج والحديد والصلب.
«المال»: ما المحاور الأخرى التى تعمل عليها الوزارة فى الوقت الحالى؟
وزير التخطيط: نشارك بشكل أساسى فى وضع خطة التنمية الاقتصادية للدولة خلال 3 سنوات تبدأ من العام المالى المقبل، وتنتهى بنهاية العام 2016-2017، ونتوقع الانتهاء منها وإعلانها فى مارس من العام المقبل، وبالتزامن مع ذلك نعكف على مشروع يهدف لتحويل مخططات التنمية الصادرة عن الحكومة إلى خطط مجتمعية يتبناها المواطن، ويراقبها بحيث لا تتحمل الحكومة وحدها مسئولية وضع تلك الخطط، وفى هذا الإطار نجهز لنظام معلومات جغرافى نربطه بالموقع الإلكترونى للوزارة بما يتيح لكل مواطن على مستوى الجمهورية التعرف على خطط التنمية الخاصة بالقرية أو المركز التى يعيش فيه تشارك فيها بالمتابعة والمراقبة.
«المال»: كيف تقيم إدارة نظام الرئيس المعزول محمد مرسى للاقتصاد وأنت واحد من الذين كانوا فى حكومته؟
وزير التخطيط: الحقيقة لم يكن هناك إدراك كامل لطبيعة التحديات الاقتصادية على الاجل القصير بالنسبة لإدارة الدولة العليا، وأقصد هنا الرئاسة على وجه التحديد، وكانت الحسابات السياسية تطغى على الحسابات الاقتصادية، كل ذلك هو ما أدى إلى إنهاء العام المالى الماضى بعجز كارثى غير مسبوق فى الموازنة العامة.