محمود محيي الدين في ندوة «المال» قبل رحيله إلى واشنطن‮:‬ جهاز إدارة أصول الدولة‮.. نواة أول صندوق سيادي مصري

جهاز إدارة الأصول سيعمل من منطلق اقتصادي واستثماري لتعظيم العائد علي أمواله

محمود محيي الدين في ندوة «المال» قبل رحيله إلى واشنطن‮:‬ جهاز إدارة أصول الدولة‮.. نواة أول صندوق سيادي مصري

في ندوة عقدتها «المال» مع د محمود محيي الدين قبيل مغادرته إلي واشنطن، كانت عامرة بالملفات التي تم النقاش حولها، وذلك بمناسبة مؤتمر اليورومني للاقتصاد المصري الذي يعقد اليوم، كشف أول وزير سابق للاستثمار في مصر عن التصورات التي تركها لاستكمال برامج الاصلاح التي بدأتها الوزارة في الملفات التي أشرفت عليها منذ تأسيسها، والأهداف الكامنة وراءها، وعلي رأسها جهاز إدارة أصول الدولة الذي ستنتقل إليه جميع شركات قطاع الأعمال العام، والذي أكد أنه سيكون بمثابة أول صندوق سيادي مصري وسيبدأ عمله مطلع يوليو 2011. وشدد محيي الدين، علي أن جهاز إدارة الأصول سيعمل من منطلق اقتصادي واستثماري لتعظيم العائد علي أمواله، ولن يخضع لأي تدخلات سياسية قد تودي لابتعاده عن مساره، خاصة أن الوزارة اقترحت فصل ملكيته عن الإدارة.

وكما كان هو العقل المدبر وراء جميع الاصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة خلال السنوات الست الماضية، من موقعه الحزبي قبل أن يشارك في تنفيذها بعد أن تولي أول حقيبة وزارية للاستثمار في مصر منذ 6 سنوات، شهدت خلالها مؤشرات النمو وتدفقات رؤوس الأموال طفرة غير مسبوقة، خاصة بعد التحسن الكبير في مناخ الاستثمار، وضع د محمود محيي الدين قبل رحيله إلي البنك الدولي التصورات الخاصة باستكمال البرامج الاصلاحية للقطاعات المالية غير المصرفية ومناخ الاستثمار وإدارة الأصول العامة للدولة.

وضع د محمود محيي الدين خلال الندوة المواصفات التي ينبغي أن يتسم بها وزير الاستثمار القادم، والتي تتراوح بين البعدين الفني والسياسي، والقدرة علي تحمل النقد في محله وفي غير محله.

وشدد الوزير السابق علي أن وزارة الاستثمار قدمت خلال عام 2006 مذكرة خاصة لمجلس الوزراء حول رؤية الوزارة لقانون أو مشروع القرار الذي يعالج تعارض المصالح، وأن المجلس شكل مجموعة عمل لدراستها شاركت فيها الوزارة وانتهت من إعداد مذكرتها، وأن اللجنة التشريعية بمجلس الشعب بصدد الانتهاء من تصورها حول هذا القانون.

وزارة الاستثمار لم تستهدف منافسة أي من الوزارات الأخرى

أكد وزير الاستثمار، الذي غادر موقعه مؤخراً، أن نقل تبعية هيئة الرقابة المالية إلي مجلس الوزراء كان مخططاً لتنفيذه سواء ظل في موقعه الوزاري أم لا، بما يتفق مع الإطار المؤسسي الذي تم وضع تصوره عند إعداد مشروع قانون إنشاء الهيئة ودمج القطاعات المالية غير المصرفية.

أكد محمود محيي الدين أن الوزارة لم تستهدف منافسة أي من الوزارات الأخري، وإنما كان عملها مكملاً لها، وإن تبنيها إنشاء طريق «الصعيد – البحر الأحمر» جاء من ثلاثة منطلقات، أولها اعتباره من جانب الوزارة تكليفاً رئاسياً بعد خطاب الرئيس مبارك في أسيوط، وثانيها توافر التمويل اللازم له بالوزارة من حصيلة بيع أرض سيدي عبدالرحمن، والثالث أنه يدعم مفهوم تساقط ثمار النمو علي الجميع.

وحدد محيي الدين الاشتراطات الخاصة بالاستمرار في تحقيق معدلات نمو 7-8% سنوياً، كما رشح القطاعات التي سيرتبط بها أي تطور مستقبلي في حركة تدفق رؤوس الأموال إلي السوق، وقال إن استهداف جذب 10 مليارات دولار استثمارات أجنبية العام المالي الحالي، ليس بعيد المنال.

كشف وزير الاستثمار السابق عن السبب في تأخر التشريع الخاص بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن هذه المشروعات بإمكانها الاعتماد علي السندات كمصدر تمويلي يتجاوز العقبة الخاصة بالقاعدة الرأسمالية للبنوك.

وأكد أن التعامل الجدي والفوري من جانب الحكومة في أزمة حكم بطلان عقد مدينتي من شأنه أن يرفع من ثقة المستثمرين بالحكومة، وحدد من جانب آخر الأسباب التي أدت إلي عدم تطور مشروع اندماج هيئات الرقابة المالية غير المصرفية ليشمل الخدمات المصرفية وغير المصرفية.

كشف محمود محيي الدين عن تفاصيل خطة تنشيط السندات ومقترحات الوزارة، وعن تلقيها طلبين من شركتين أجنبيتين لتأسيس شركات تصنيف ائتماني، إحداهما آسيوية.

كما حدد السلع المرشحة لبدء التداول عليها في بورصة السلع والعقود، وشرح أسباب إصرار الوزارة علي تفعيل هذه السوق بشقيها.

الفترة الوجيزة المقبلة قد تشهد تضاعف النسبة التي يساهم بها قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي

وأقر وزير الاستثمار السابق بزيادة المطالبات من شركات التأمين بتعديل نسب استثمار أموالها، خاصة في السندات، التي تصاعدت بعد قرار البنك المركزي حظر تعامل المؤسسات المالية عليها، وهو الأسلوب الاستثماري الذي وصفه بأنه يناسب الأرامل والأيتام وليس شركات تزخر بإدارات مالية واستثمارية.

وتوقع محمود محيي الدين أن تشهد الفترة الوجيزة المقبلة تضاعف النسبة التي يساهم بها قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي، خاصة بعد التشريع الخاص بالتأمين الإجباري علي الممتلكات، كما توقع أن يمر التمويل العقاري الموجه لمحدودي الدخل بطفرة في الفترة المقبلة بدعم الصندوق لحوالي 65 ألف وحدة من قرض البنك الدولي، وإن أقر بأن هذا القطاع تكبله صعوبة إجراءات تسجيل الملكيات بالشهر العقاري.

«المال»: في البداية نرحب بزيارة د محمود محيي الدين لمقر جريدة «المال» للمرة الأولي، في ندوة تستهدف إلقاء الضوء علي فترة السنوات الست التي قضاها وزيرا للاستثمار، وآخر تطورات الملفات التي تشرف عليها الوزارة، ورؤيته لمصير الوزارة بعد رحيله إلي واشنطن وتوليه منصب المدير التنفيذي للبنك الدولي، خاصة فيما يتعلق بالملفات الثلاثة الرئيسية وهي شركات قطاع الأعمال العام وهيئة الرقابة المالية وهيئة الاستثمار، فضلا عن مجموعة من مقترحات القوانين المشجعة للمناخ الأمثل الجاذب للاستثمار، والتي نخشي ألا يتم استكمالها، ومنها علي سبيل المثال قانون منع تعارض المصالح.

والقانون الأخير بالتحديد فوجئنا في حوار مع الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء أنه لا يزال مجرد «فكرة»، وأن هذا التشريع بحاجة إلي مزيد من الحوار المجتمعي وألا يقتصر فقط علي مجلس الوزراء، كما أكد أن الأجندة التشريعية للدورة المقبلة بمجلس الشعب لن تشمل هذا القانون، رغم تأكيدات سابقة منكم بأن هذا المشروع حزبي في الأساس، فما تفسيرك؟

شاركنا في مجموعة عمل بتكليف من مجلس الوزراء لدراسة مقترح «الاستثمار» بقانون «تعارض المصالح» .. وتشريعية «الشعب» نقدم تصورها قريبا

محي الدين: بداية أشكركم علي هذه الإستضافة، وفيما يتعلق بمشروع قانون تعارض المصالح فهناك مذكرة بهذا الأمر تم عرضها بالفعل علي مجلس الوزراء في فبراير 2006 تفسر القواعد العامة البديهية لمسألة تعارض المصالح في إطار الدستور، وقام رئيس الوزراء -في ذلك الوقت- بتشكيل مجموعة عمل تتولي دراسة مشروع القانون، تلتها مذكرة أخري تم عرضها في شكل مشروع قرار من مجلس الوزراء، جري تعميمها علي الوزارء، فهو يخاطب الوزراء ومساعديهم ورؤساء الهيئات والمحافظين ومساعديهم إلي غير ذلك، نزولا إلي المستوي المحلي.

وتضم لائحة مجلس الشعب عددًا من المواد الأكثر وضوحا من مجرد المخاطبة في الدستور، وما اقترحناه في هذا الشأن كان رؤية الوزارة لما يجب أن يكون عليه هذا التشريع، سواء جاء بشكل متدرج في صورة قرار من مجلس الوزراء أو قرار من رئيس الجمهورية بإصدار القانون، ووضعت الوزارة الملامح الرئيسية وكانت طرفا ضمن مجموعة عمل معنية بهذا الأمر، وينتظر أن تقدم لجنة الشئون التشريعية بمجلس الشعب تصورها حوله خلال الفترة المقبلة.

«المال»: هل يمكن أن يحدث تعارض بين تولي الوزير لمنصب في البنك الدولي وموقعه الحزبي؟

لا تعارض بين عضوية الحزب الوطني ومنصب البنك الدولي

محمود محيي الدين: تأكدت من أن الالتحاق بالعمل في البنك الدولي لا يمنع من عضوية الأحزاب أو المؤسسات غير الحكومية.

«المال»: ما المواصفات التي تري أنها يجب توافرها في وزير الاستثمار القادم، وما النصائح التي من الممكن أن تسديها إليه؟

هذه مواصفاتي للوزير القادم

محيي الدين: المواصفات والاختصاصات شئون يسأل فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إلا أن هناك دائما مواصفات خاصة يجب أن يتمتع بها الوزير، خصوصا في الوزارات التي تتسم بأبعاد فنية لعملها مثل وزارة الاستثمار، بالإضافة إلي ضرورة تمتعه بقدر كبير من تحمل المسئولية خلال تلك المرحلة التي تمر بها الدولة وقدرة أخري علي تحمل النقد، في محله وفي غير محله، حتي تصبح له إمكانية علي التحمل والصبر والقدرة علي إدارة مؤسسات ضخمة، فمهما كانت الفرصة التي يمنحها الوزير لهذه المؤسسات علي إدارة نفسها باستقلالية سينظر دائما للوزير علي أنه المسئول عن إدارتها وحده، ولا أتحدث هنا عن وزارة الاستثمار بعينها.

كما أن الوزير لابد أن يجمع بين الفهم في البعد »التكنوقراطي» أو الفني والبعد السياسي في العمل، الأمر المهم كذلك هو مسألة العمل الجماعي ومدي الاستعداد له، ووفقا لتلك المواصفات أتصور أن هناك عددًا كبيرًا من المرشحين لتولي الوزارة، أما من حيث النصيحة فهناك من هم علي دراية وخبرة كافية وقدرة علي اتخاذ القرار.

«المال»: ذكر رئيس الوزراء أن الحكومة تدرس جديا إحالة تبعية هيئة الرقابة المالية الموحدة إلي مجلس الوزراء، فهل يأتي ذلك بسبب مغادرتك للوزارة أم أنه كان مخططا له؟

هيئة الرقابة المالية في طريقها لتبعية مجلس الوزراء حتي لو بقيت بمنصبي الوزاري

محمود محيي الدين: هذا الإقتراح جاء بمبادرة مبكرة من وزارة الاستثمار في الأساس، فعند إعداد مشروع قانون هيئة الرقابة المالية الموحدة الذي صدر العام الماضي، وضعنا نصا واضحا بأن يحدد رئيس الجمهورية الوزير المختص عن الهيئة بحكم التفرغ والتخصص والفهم في التفاصيل، وبعد أن تنشأ هذه الهيئة ويتشكل لها مجلس إدارة ونظام وتمارس عملها، يتم نقلها إلي تبعية مجلس الوزراء ليكون هو جهة الاختصاص.

والوضع الآن يقول إن الوزير المختص يغادر البلاد وإن الهيئة ستنتقل إلي تبعية مجلس الوزراء، وهذا يختلف عن ان يتولي رئيس الوزراء منذ البداية مسئوليات تأسيس هيئة الرقابة المالية الموحدة وتنظيمها ووضع الأطر المنظمة لعملها فهي عملية صعبة جدا، وعلي مدار الفترة الماضية كنت أعد لهذه الخطوة بالفعل، فقبل اعداد مشروع القانون الذي تم تقديمه لمجلس الشعب كان لدي تصور للشكل المؤسسي الذي سوف تكون عليه الهيئة، وبالتالي فإن انتقال هيئة الرقابة المالية إلي رئاسة مجلس الوزراء قد حان وقته، بغض النظر إن كنت موجودا أو غير موجود في الحكومة.

«المال»: قبل أن نخوض في التفاصيل، هل يمكن القول بأن الاتجاه العام حاليا هو نقل تبعية هيئة الرقابة المالية إلي رئاسة الوزراء؟

الأهم من مسألة تبعية الرقابة المالية لرئاسة الوزراء هو المؤسسة ذاتها ومدي كفاءتها وفاعليتها

محمود محيي الدين: أري أن التركيز يجب أن ينصب علي المؤسسة ذاتها أكثر من هوية الجهة التي تتبعها.. الجميع منشغل بالجهات التي ستتبعها الهيئات الرئيسية المكونة لوزارة الاستثمار دون النظر لهذه الهيئات، وأذكر أنه أثناء النقاش حول مسألة تبعية واستقلالية البنك المركزي فإن نسبة كبيرة مما ذكر في هذا الشأن كان في غير محله علي الإطلاق، فالأهم من مسألة التبعية هو المؤسسة ذاتها ومدي كفاءتها وفاعليتها، وهي عوامل رئيسية تمكن المؤسسة فيما بعد من تحقيق الاستقلالية الكاملة، فلو كانت تلك الكفاءة متحققة في ظل تبعية هيئة الرقابة المالية لوزارة الاستثمار فليكن، ولو كانت التبعية حتي لأي منظمة غير حكومية أخري فلا يوجد ما يمنع.

«المال»: إذا، ما جدوي الحفاظ علي وجود وزارة الاستثمار إذا ما تم نقل هيئات بحجم هيئة الرقابة المالية الموحدة ونقل جهاز إدارة الأصول الذي ستنتقل إليه شركات قطاع الأعمال العام إلي جهات أخري؟

محمود محيي الدين: هناك دائما وزير مختص، بغض النظر عن مسمي الوزارة، دائما ستظل 3 أنشطة رئيسية تزاول عملها هي.. هيئة الاستثمار، وهيئة الرقابة المالية، والجهاز المقترح لإدارة الأصول، إلي الآن تحدثنا عما يخص هيئة الرقابة المالية ولا أحد يختلف علي ضرورة وجود وزير مختص سواء كان رئيس الوزراء أو أي وزير، لأن القانون يحتم ضرورة وجود وزير مختص لشئون القطاع، ودائما وأبدا سيظل هناك وزير مختص بشئون الاستثمار، كما أن حكومات غالبية دول العالم تضم وزيرا مسئولا عن السياسة المعنية بالاستثمار مع اختلاف المسميات، ففي بعض الدول يكون هذا الوزير هو وزير الاستثمار،وهي ليست دولاً كثيرة بالمناسبة، وفي دول أخري مجاورة يعني وزير التنمية بالاقتصادين الخاص والعام.

وزارة الاستثمار معنية بعدد من الأمور لها علاقة بحوكمة الشركات ومسئوليتها الاجتماعية والتنسيق مع وزارات المجموعة الاقتصادية

أما عند الحديث عن الحالة المصرية فينتظر أن ينشأ ما يسمي بجهاز إدارة الأصول، الذي سيمتلك شركات قطاع الأعمال العام، وبالتالي فوجود وزير مختص أمر مهم، خاصة أنه دائما وأبدا ما ستكون هناك طلبات إحاطة بالبرلمان أو مشكلة هنا أو هناك تطلب الرد والتعامل معها عبر مسئول مختص، وهذه المسألة كما قلت تعود إلي رئيس الجمهورية وليس من قبيل اللياقة أو الاعتبار أن يتم المصادرة عليها.

كما ان وزارة الاستثمار ليست معنية فقط بالملفات الثلاثة الرئيسية، هيئتا الرقابة المالية والاستثمار وقطاع الأعمال العام، وإنما هي معنية أيضا بعدد من الأمور لها علاقة بحوكمة الشركات ومسئوليتها الاجتماعية، والتنسيق مع وزارات المجموعة الاقتصادية بالحكومة والمبادرات المختلفة في الشأن الاقتصادي.

«المال»: وبالنسبة لجهاز إدارة الأصول الذي ستئول إليه شركات قطاع الأعمال العام، لأي جهة ستكون تبعيته، وماذا عن التجربة الماليزية التي تتم دراستها، حسب تصريحات رئيس الوزراء لـ”المال”، بأن يتولي جهاز واحد مستقل إدارة الاموال العامة بشكل احترافي واقتصادي؟

محمود محيي الدين: فكرة إنشاء جهاز إدارة الأصول تعود إلي بداية طرح برنامج الملكية الشعبية الذي أعدته وزارة الاستثمار ويعد الجهاز واحداً ن مكوناته الرئيسية، فبعد نحو عشرين عاما لم نستقر خلالها علي سياسة واضحة بشأن الشركات المملوكة للدولة، التي مورست عليها أشكال مختلفة ومتغيرة من السياسات ولا يزال لدينا نحو ثلث مليون عامل وحصيلة كبيرة من الشركات بعضها ذات كفاءة عالية وبعضها له أبعاد اجتماعية.

فكانت فكرة وجود إدارة محترفة لا تتغير بتغير الوزراء وتمارس عملها من منطلق استثماري بعيدا عن تسييس الامور، وهناك نماذج بالفعل وتجارب أخري اطلعنا عليها في آسيا، مثل نموذج »شيبو« في كوريا، والصندوق السيادي الماليزي «خزانة»، وكذلك التجارب المشابهة في سنغافورة، وكلها دول استطاعت أن تستقدم كفاءات ذات حرفية عالية لإدارة الملكية العامة للدولة، بما لم يمنع مؤسسات القطاع الخاص في تلك البلدان مثل «إير لاين ماليزيا» و«بروتون» وغيرها من ان تصبح مؤسسات متميزة، فهذا الفكر كان لدينا منذ البداية، وأهم ما يتميز به هو الشكل المؤسسي للجهاز.

أي تجربة يتم نقلها تراعي فيها فوارق الثقافات ومدى استعداد السوق لها والوقت المناسب لتطبيقها

أما فيما يتعلق بالإعتراضات التي ذهبت إلي إختلاف الوضع المصري عن أوضاع دول شرق آسيا، أحب أن أؤكد أن أي تجربة يتم نقلها تراعي فيها فوارق الثقافات ومدي استعداد السوق لها والوقت المناسب لتطبيقها.

لا تشغلني تبعية جهاز إدارة الأصول لأي جهة

وقد أعددنا مشروع قانون جهاز إدارة الأصول، وهو من ضمن تسعة مشروعات قوانين انتهت الوزارة إعداد وطرح المقترحات بشأنها، ومسألة تبعية هذا الجهاز لا تشغلني، فقد يتبع وزيراً مختصاً، ومن الممكن أن يكون هناك مجلس للأمناء يشرف عليه وهي فكرة مطبقة في آسيا أيضا علي أن يكون الرئيس الأعلي للجهاز هو رئيس مجلس الوزراء ويكون هناك وزير مختص بإدارة شئون الجهاز وفي اعتقادي هو وزير المالية، فالأشكال التنظيمية المقترحة مختلفة وليست تلك هي المشكلة، وهناك تصور للشكل التنظيمي الذي يكون عليه الجهاز تم إرساله إلي مجلس الوزراء بالفعل ستجري مناقشته قبل أن يسلك طريقه الطبيعي عبر مجلسي الشوري والشعب حتي إقرار القانون المنظم لعمل الجهاز.

لو تم الحوار المجتمعي حول فكرة «الملكية الشعبية» عند بداية تنفيذ برنامج الخصخصة للقي قبولاً وسرعة في التنفيذ.. ويتبقي للوزارة وجهة نظر

وفي النهاية تبقي 3 مكونات رئيسية من برنامج الملكية الشعبية لن تتغير رغم كل الضجة الكبري التي أثيرت حوله، أولها إنشاء جهاز مستقل لإدارة الأصول، وأن يكون هناك حق للأجيال القادمة في ملكية الأصول التابعة للجهاز، من خلال الصندوق الخاص بها، بالإضافة إلي إعادة استخدام الحصيلة الناتجة عن عمل الصندوق في تطوير شركات قطاع الأعمال العام، وتتمثل أهم أهداف البرنامج في عدم بقاء هذه الشركات في حوزة الدولة دون إدارة قادرة علي تحقيق عوائد جيدة علي حقوق ملكيتها، فما تغير من البرنامج لا يعدو فكرة واحدة فقط تتعلق بمسألة التوزيع علي المواطنين وهل سيكون في شكل صكوك مجانية أو عبر توزيع جزئي في شكل أسهم يتم طرحها للمصريين، وببساطة شديدة أنا أدعي ان هذا الحوار المجتمعي لو تم عند بداية تنفيذ برنامج الخصخصة للقي قبولا وسرعة في تنفيذه، ويبقي لوزارة الاستثمار وجهة نظرها.

«المال»: وما طبيعة عمل جهاز إدارة الأصول والاستثمارات التي سيقوم بها؟

استثمارات «السكر» بالسودان.. إشارة للدور الإقليمي الذي سيلعبه جهاز إدارة الأصول مستقبلاً

محمود محيي الدين: جهاز إدارة الأصول في تكوينه سيمثل أول صندوق سيادي مصري من نوعه، فبنك الاستثمار القومي لا يقوم بهذا الدور، وإنما جهاز إدارة الاصول سوف يملك شركات وسيتابع كفاءة إدارتها وسيقوم باستثمارات طويلة الآجل، فالجديد في هذا الصندوق أننا نتبني فكرة إنشاء صندوق سيادي حقيقي لمصر، وبعد عشرة أعوام علي أقصي تقدير سيكون متاحا لهذا الصندوق القيام بأشياء كثيرة أخري والتوسع خارج القطر المصري مستهدفا أسواقا أخري، وهو ما يمكن استشرافه من الخطوات التي تجري حاليا، فلدينا علي سبيل المثال مساهمات خارجية لشركة مثل شركة السكر والصناعات التكاملية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، منها حصة في شركة كنانة للسكر بالسودان، كما أن هناك مساهمات خارجية للشركة القابضة للتأمين، من هذا المنطلق نستطيع أن نخلق صندوقا سياديا لمصر وجهاز إدارة الأصول هو النواة الأولي له.

«المال»: وهل ستنتقل للجهاز جميع الشركات المملوكة للدولة بمختلف أشكالها والقوانين التي تأسست في إطارها؟

محمود محي الدين: التشريع الخاص بإنشاء جهاز إدارة الأصول يقتصر علي جميع شركات قطاع الأعمال العام وما يتبعها من حصص في الشركات المشتركة.

«المال»: هل سيتم الفصل بشكل حقيقي بين إدارة جهاز الأصول وملكيته؟

نطاق نجع حمادي وحده شهد ضخ ما يزيد علي مليار جنيه في صورة استثمارات جديدة

محمود محيي الدين: هذا ما سعينا للقيام به بالفعل، وقد حاولت قدر المستطاع خلال السنوات الست الماضية التأكيد علي فصل الملكية عن الإدارة والسلطة السياسية عن الإدارية داخل الشركات، وأن الوزير ليس هو الموجه للخطط الاستثمارية الخاصة بالشركات، بينما كل ما فعلناه في تلك الشركات استهدف انتشالها من الأوضاع التاريخية السيئة التي مرت بها وكانت هناك ضرورة لإعادة هيكلتها كما كانت هناك ضرورة قصوي لتسوية المديونيات التاريخية المتراكمة عليها، وعلي التوازي كان لابد من ضخ استثمارات جديدة.

فوزارة الاستثمار لم تصدر أي توجيهات من شأنها تحديد ورسم الخطط الاستثمارية للشركات حتي يتراكم ما تم ضخه من استثمارات جديدة بشركات قطاع الأعمال العام علي مدار 6 سنوات إلي نحو 19 مليار جنيه، تلك القرارات كانت علي مستوي كل شركة، وهناك إدارات مسئولة عنها وضعت خطط التطوير مثلما تم في مصانع الألومونيوم أو مصانع السكر بنجع حمادي، فنطاق نجع حمادي وحده شهد ضخ ما يزيد علي مليار جنيه في صورة استثمارات جديدة بالشركات التابعة التي تعمل داخله وفقا لقواعد خاصة وجهات مسئولة عن تلك الشركات أكدت حاجة تلك المصانع إلي التطوير.

واستطيع أن أقول إن وزارة الاستثمار نجحت في تعميق مفهوم فصل الملكية عن الإدارة فيما يتعلق بالشركات المملوكة للدولة، واؤكد أن شكل الملكية ونوعها ليس توجها في حد ذاته، والتدخل في سياسات المؤسسات المملوكة للدولة كان فكرا سائدا في وقت من الأوقات حتي مع البنوك العامة عبر توجيهات مباشرة كانت تصدر بمنح القروض، إلا أنه منذ 6 سنوات وحتي الآن لم يوجه أي مسئول داخل الدولة أي شركة نحو أي مسار لا تراه في صالحها، وبالتالي ليس هناك ما يدعو للقلق من أن يؤول الصندوق السيادي المتمثل في جهاز إدارة الأصول إلي أي جهة أو وزارة ولن يشكل ذلك خطرا علي حسن إدارة هذا الصندوق.

اقترحنا الفصل بين الملكية والإدارة في مشروع القانون المنظم لعمل جهاز إدارة الأصول

وإن كنا اقترحنا الفصل بين الملكية والإدارة في مشروع القانون المنظم لعمل جهاز إدارة الأصول، ومقترح القانون يستطيع عبر سلسلة من القواعد التي وضعناها، خاصة المتعلق منها بمبادئ الحوكمة الفاصلة بين الملكية والإدارة، بهدف الوصول إلي أول صندوق سيادي مصري يهتم بقواعد الكفاءة ولا يخضع لأي تدخلات سياسية في شئونه.

«المال»: وماذا بالنسبة لمعايير تحديد طبيعة عمل وأداء مديري الصندوق؟

محمود محيي الدين: بالتأكيد، هناك معايير خاصة بالقواعد المحاسبية والكفاءات المطلوبة في مديري هذا الصندوق، إلي جانب الضمانات والقواعد التي تضمن تحقيق أعلي عائد علي المال العام المستثمَر، وأحد أهم النقاط التي كانت تكبل النمو الحقيقي والمستمر في أداء شركات قطاع الأعمال العام هي المديونية التي تم غلق ملفها بنهاية يونيو الماضي ولم يتبق سوي مديونية الشركات لصالح بنك الاستثمار القومي وهي محدودة ومقصورة علي عدد قليل من الشركات، وأغلبها مستحق علي شركة واحدة تتبع الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، إلي جانب عدد من الشركات المحدودة التابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج والأقطان، وهناك تصور لحسم تلك المديونية خلال العام المالي الحالي.

«المال»: ومن المسئول عن تعيين مدير هذا الصندوق؟ وهل يجوز عزله؟

محمود محيي الدين: سيتم تعيينه بموجب قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء علي عرض من الوزير المختص، أما بالنسبة لعزله، فيمكن أن يتم حثه علي الاستقالة كأي مسئول آخر بالدولة.

«المال»: وما السياسة التي سيتبعها الصندوق في طرح حصص بالشركات التابعة له؟

محيي الدين: هناك عدد واسع من الخيارات ليس من بينها الطرح لمستثمر استراتيجي، وهذا الأمر سوف ينظمه القانون أيضا، والصندوق المقترح سيعمل أيضا وفقا للقيود والاعتبارات التاريخية والاجتماعية التي تمثلها شركات قطاع الأعمال العام.

«المال»: وما هو التصور الخاص بالشكل التنظيمي لجهاز إدارة أصول الدولة وفقا لما اقترحته وزارة الاستثمار؟

أتوقع أن يكون جهاز إدارة أصول الدولة علي أرض الواقع بدءا من مطلع يوليو 2011

محمود محي الدين: هذا الأمر يشمله مشروع القانون المقترح الذي خرج من وزارة الاستثمار إلي مجلس الوزراء وأصبح في حوزته بما يضمه من ملامح وتصورات رئيسية وضعتها إلي جانب مذكرته الإيضاحية أيضا وبما يحال إلي اللائحة التنفيذية للقانون، وتم إرساله إلي مجلس الوزراء وإلي رئيس لجنة الشئون البرلمانية، وأتوقع أن يكون الجهاز علي أرض الواقع بدءا من مطلع يوليو 2011 إذا سارت الأمور كما نتوقع، وتم وضع تصور الكيان المؤسسي للجهاز ضمن مقترح القانون، إلا أن هناك عدداً من الثوابت، فالجهاز سينشأ تحت مظلته صندوق الأجيال القادمة وأيضا صندوق الحصيلة التي ستتراكم من حصيلة طرح نسب من الشركات للمصريين ويعاد استغلالها في الشركات التابعة.

«المال»: فيما يتعلق بصندوق الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، هل تفكر الوزارة في تأسيس صندوق آخر علي غراره؟

صندوق المتوسطة والصغيرة لن يتعارض مع «الصندوق الاجتماعي».. ويساند الشركات الطموحة في غياب «رأس المال المخاطر»

محمود محيي الدين: لا، فصندوق الشركات الصغيرة والمتوسطة هو الأولي بالاهتمام حاليا، وقد مر علينا حتي الآن نحو 6 شهور لإخراج هذه الفكرة إلي النور بتأسيس صندوق للدخول بالتمويل في شركات وليس في مشروعات صغيرة ومتوسطة والفارق كبير جدا بينهما، وعمل هذا الصندوق لن يتعارض مع اختصاصات أي مؤسسة أخري مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية، فهو سيساهم بحصص تتراوح بين 5 إلي 10% في الشركات ولن يسمح له بمنح قروض، ويمكنه الاستثمار في الشركات المدرجة ببورصة النيل كما يمكنه المساهمة في شركات حديثة التأسيس، علاوة علي مهمة أخري تتمثل في مساندة الشركات الطموح في ظل غياب نظم لرأس المال المخاطر داخل السوق المصرية خاصة الشركات متوسطة الحجم.

«المال»: لمسنا تعارضا في دورك كوزير للاستثمار مع وزراء مسئولين عن قطاعات مختلفة، علي سبيل المثال لماذا تتبني «الاستثمار» مشروعاً مثل طريق الصعيد– البحر الاحمر وهو مسئولية أصيلة لوزارة النقل، خاصة أن الدور الذي تقوم به وزارة الاستثمار في مشروعات البنية الأساسية في أغلب الامر ليس من طبيعة مهامها، فهل وزير الاستثمار هو فقط مروج للاستثمار في مصر كما هي الصورة العامة التي تكونت عن تلك الوزارة في الأذهان أم أنه يتدخل في تخصصات وزارات أخري تخدم المشروعات التي يروج لها؟

أحترم عدم التدخل في اختصاصات الوزراء.. والترويج للاستثمار يتخطي الحدود القطاعية

محمود محيي الدين: وظيفة الوزير المعني بالاستثمار لا تقتصر علي قطاع بعينه دون غيره، فالاستثمار بطبيعته يقطع الحدود القطاعية، نحن نتولي الترويج للاستثمار في الصناعة والتجارة والخدمات المالية والسياحة وكل الفرص المتاحة بالدولة، والترويج هنا ليس معناه حضور المؤتمرات الخاصة بالصناعة علي سبيل المثال، وانما نتحدث عن تنفيذ سياسات تتبناها دولة ترغب في أن تصبح في مصاف الدول الأكثر جذبا للاستثمار، وبالتالي فإن مبدأ الرغبة في جذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات في مختلف القطاعات قائم في النهاية، ونتحدث اليوم عن 100 مليار جنيه زيادة تحققت في حجم الاستثمار الخاص خلال 6 سنوات فقط لتسجل 140 مليار جنيه نهاية العام المالي الماضي ارتفاعا من نحو 40 ملياراً خلال العام المالي 2004/2005 رغم ظروف الأزمة المالية ورغم التراجع الذي لحق بأغلب مؤشرات الاقتصاد القومي منذ بداية العام 2009 وهذا في النهاية ليس نتيجة جهد وزير منفرد وإنما جهد حكومة.

فاليوم نتحدث عن تراكم استثمارات أجنبية يقدر صافيها بـ49 مليار دولار وإذا كنا نظرنا إلي إجمالي تلك الاستثمارات المسجلة خلال العام المالي 2004/2005 التي قدرت بنحو 2 مليار دولار وعمدنا إلي الحفاظ عليه لكان متوسط حجم الاستثمار الأجنبي المتراكم بالسوق حاليا لا يتجاوز نحو 13 مليار دولار ولكان الأمر مختلف تماما من حيث معدلات النمو والتدفقات في احتياطات النقد الاجنبي وعدد المصانع والشركات المؤسسة.

فهذا التوجه في الترويج للاستثمار في مختلف قطاعات الدولة نتج عنه عدم تنوع مكونات تدفقات الاستثمار علي الوارد من الدول الأجنبية فقط، بل زاد عليها الاستثمار العربي أيضا، مما أسفر عن زيادة تقدر بنحو 53% في عدد الشركات التي تم تأسيسها خلال 6 سنوات عما تم تأسيسه من شركات في مصر منذ عام 1970 حتي 2004.

أتصور أن وزارة الاستثمار قامت بأعمال مكملة لأهداف مختلف الوزارات الأخرى وليست علي سبيل منافسة

أما مسألة الحساسيات الخاصة بالتداخل في بعض القطاعات التي تتبع جهات وزارية أخري، وبالنظر إلي طبيعة عملي عموما حتي قبل أن أتولي وزارة لاستثمار، وحينما كنت رئيسا للجنة الاقتصادية بالحزب الوطني، فقد كنت دائم الاحتكاك بعدد كبير من القطاعات وممثليها في الجانب الرسمي وغير الرسمي، لذلك فقد تعودت علي تلك الحساسية، وإن كنت أتصور أن وزارة الاستثمار وهيئاتها ومجموعة عملها قامت بأعمال مكملة لأهداف مختلف الوزارات الأخري وليست علي سبيل منافسة.

«المال»: وإذا عدنا إلي طريق الصعيد-البحر الأحمر الذي تبنته وزارة الاستثمار؟

اعتبرت طريق الصعيد تكليفا رئاسياً

محمود محيي الدين: بداية، هذا الطريق لا يعد المشروع الوحيد الذي تبنته الوزارة ويدخل في إطار اختصاصات قطاعات أخري، كما أن الوزارة لم تقم بتنفيذه وحدها، وهذا المشروع التنموي الضخم كانت له ثلاثة أبعاد، أولها يتمثل في الدعوة القوية التي وجهها رئيس الجمهورية للاهتمام بالصعيد خلال كلمته الشهيرة في جامعة أسيوط، وأنا اعتبرت تلك الدعوة بمثابة التكليف الواضح لكل وزير في اختصاصه باتخاذ التدابير اللازمة لتنمية محافظات الصعيد علي مختلف المستويات.

وتعود فكرة طريق الصعيد البحر الأحمر إلي عام 1961 ومنذ ذلك التاريخ تعاقب علي مصر عدد واسع من وزراء النقل لم يأخذوا الفكرة علي محمل الجد والضرورة في التنفيذ، بينما تعاقب خلال الحكومة الحالية ثلاثة وزراء للنقل جميعهم شاركوا في إنجاز طريق الصعيد– البحر الأحمر.

وبصفة عامة فإن الطرق تنقسم إلي نوعين، فهي إما طرق فاتحة للتنمية وإما أن تكون للمسالك المرورية والتي ستشهد كثافة مرورية من أول يوم وهو ما يجعل النوع الثاني الأولي بالتنفيذ كما هي الحال بالنسبة لمشروع طريق “شبرا-بنها” علي سبيل المثال الذي يهدف إلي تفريغ الكثافة المرورية من علي واحد من أكثر طرق الجمهورية تكدسا وهو الطريق الزراعي الحالي الرابط بين القاهرة والإسكندرية، أما طريق الصعيد فهو طريق تنمية بطبيعته ومعني بالاستثمار.

البعد الثاني لهذا الطريق يتمثل في مشكلة التمويل، بينما توافر التمويل لدي الوزارة دفعها لتبني المشروع ومتابعة تنفيذه من حصيلة بيع أرض »سيدي عبد الرحمن» في الساحل الشمالي، وكان التوجيه باستخدام تلك الحصيلة فيما ينفع الناس بشكل مباشر ويكون له أثر دائم وليس مجرد توريدها في فائض شركة من الشركات المملوكة للدولة، علاوة علي أن وزارة الاستثمار كانت تمتلك في ذات الوقت الأذرع الفنية والعملية التي تستطيع من خلالها إنجاز هذا الطريق، والدراسات وحدها استغرقت نحو العام ونصف العام.

طريق الصعيد هو أحد المسالك الكبري الداعمة للاستثمار في الجنوب

أما البعد الثالث لهذا الطريق فيتمثل في دعمه للمفهوم الذي تتبناه الحكومة فيما يتعلق بتساقط ثمار النمو علي الجميع وهو ما يدور حوله الحديث والخلافات دائما، وقلنا أكثر من مرة إن النمو في حد ذاته ليس هدفا، فليست هناك جدوي في معدلات نمو تنمو بشكل مطرد دون أن يشعر بهذا النمو جميع فئات المجتمع خارج حزام التنمية التي تسارعت وتيرتها في العاصمة وغيرها من محافظات الشمال، وقد أوضحنا للحكومة أن طريق الصعيد هو أحد المسالك الكبري الداعمة للاستثمار في الجنوب، فمن خلال الاحتكاك المباشر بالمستثمرين والراغبين في الاستثمار بمحافظات الصعيد تأكدنا من أن أبرز المشكلات التي يواجهها هؤلاء تتعلق بالبنية الأساسية وعدم سهولة نقل الاستثمارات والبضائع والمنتجات من وإلي البحر الأحمر عبر طرق سريعة وآمنة.

طريق «الصعيد – البحر الأحمر» دليل علي نجاح أي عمل جماعي.. ويكفي تعنت جهة واحدة للفشل

ولولا تعاون وزارة النقل وهيئة الطرق والكباري في إنجاز هذا الطريق سواء خلال الوزير الحالي أو السابق أو الأسبق لما تم إنجازه، بما يؤكد أن أي مشروع طيب تم إنجازه في هذا البلد لابد ان تتوافر له المساندة من عدة جهات تجتمع علي أهميته للمجتمع والتنمية، فيما لا تحتاج للقضاء علي أي مشروع أو فكرة طموح سوي جهة واحدة تتعنت وتعطل التنفيذ.

لحسن الحظ أن العرض الاول لهذا المشروع كان مع رئيس الجمهورية الذي تبناه منذ المداخلة التي قام بها مع أبناء سوهاج وأسيوط أثناء الحملة الانتخابية عام 2005 دائما كانوا يسألونه عن «الأمانة» التي تعني حلم الطريق الذي يربط محافظات الصعيد بالبحر الأحمر، وكان لدي أبناء الصعيد ثلاثة مطالب هي: وصول الغاز الطبيعي وهو ما حدث، وتجديد مطار أسيوط وإنشاء مطار في سوهاج، إلي جانب طريق الصعيد-البحر الأحمر، وأنا شخصيا أعتز جدا بهذا العمل الضخم بأبعاده الاجتماعية والسياسية والتنموية، وله بعد آخر هو أنه بعد خمسين أو مائة عام سيمر أحد الأفراد من هذا الطريق ويتذكر بالخير من قاموا بإنجازه.

«المال»: عند الحديث عن الاستثمار في مصر بشكل عام فإنه دائما ما يقترن باسم محمود محيي الدين، خاصة أنه لم تكن هناك وزارة معنية بشئون الاستثمار في مصر قبل الوزارة الحالية، ونعني بالاستثمار هنا تدفقات رؤوس الأموال الخاصة والحكومية والأجنبية إلي السوق ومساهماتها في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي عبر 6 سنوات شهدت كثيراً من المتغيرات علي المستويين الدولي والمحلي، فماذا كنت تتوقع لمستقبل تلك المؤشرات في حال مواصلة عملك وزيرا للاستثمار في مصر، أو من توصيات بعد أن قبلت بترك المنصب؟

تحقيق 7% إلي 8% نمواً متواصلاً يحتاج استثمارات عامة وخاصة لا تقل عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً

محمود محيي الدين: لا تستطيع أن تفصل بين تصورات مؤشرات تدفق الاستثمارات إلي السوق مؤشرات النمو، فالاستثمار ليس هدفاً في حد ذاته لكنه احد المكونات المهمة في معدل النمو، خلال الأعوام الستة الماضية كان نصيب تدفقات رؤوس الأموال إلي السوق من الناتج المحلي الإجمالي يدور حول 19 إلي 22% وشهدت الاستثمارات الخاصة تحديدا متغيرات مطردة، ومع ذلك ما زلنا أقل مما هو مطلوب فلكي نحقق نموا في الناتج المحلي بين 7 و8% بشكل متواصل لابد ألا تقل معدلات نمو الاستثمارات بنوعيها الخاص والعام كنسبة من معدل الناتج المحلي الإجمالي عن 25% ولقد حدثت نقلة نوعية كبيرة في الاستثمارات الخاصة خلال السنوات الأخيرة ليس فقط في معدلات تأسيس الشركات خلال تلك المرحلة، ولا في زيادة نسبة تلك الاستثمارات من الدخل القومي فقط، ولكن في التغير القطاعي والإقليمي فيها.

وأصبحت هناك قطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة ولها مساهمات أكثر تأثيرا في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، مثل قطاع الخدمات الذي أثر بشكل كبير في الاستثمارات الإجمالية التي تم جذبها، وعلي المستوي الإقليمي أصبح للدلتا والصعيد نصيب مهم من الاستثمارات، وبالمناسبة فإن نصيب تلك المناطق من حجم الاستثمارات زاد كثيرا علي ما كان مستهدفا لها بعد ما كان هناك قصور في الترويج لها.

مشروعات البنية الأساسية والطاقة والزراعة والصناعة في الصعيد والدلتا ستحدث الفارق في السنوات الثلاث المقبلة

وأري أن هناك 3 متغيرات رئيسية ستحرك مؤشرات الاستثمار والنمو علي السواء خلال السنوات الثلاث، أولها الاستثمارات المنتظر اجتذابها في مشروعات البنية الأساسية وهي أحد القطاعات التي تعاني من ضعف شديد جدا في الاستثمارات الخاصة بها، ويتمثل المتغير الثاني في مشروعات الطاقة بأنواعها المختلفة سواء الجديدة أو المتجددة، هذا في حد ذاته قطاع مهم سوف يقود حركة الاستثمار في مصر خلال الفترة المقبلة، المتغير الثالث هو ما أكده رئيس الجمهورية في اجتماعه بمجلس الوزراء ويختص بحجم الاستثمارات الموجهة للقطاعات الزراعية والصناعية في محافظات الدلتا والصعيد، والتي لديها فرص عظيمة جدا وسيرتبط بها أي تطوير مستقبلي في حركة تدفقات رؤوس الأموال إلي السوق.

165 مليار جنيه الحد الأدني لمستهدف الحكومة للاستثمارات الخاصة حتي نهاية العام الحالي… بعيداً عن أي متغيرات

الخطة المستهدفة للحكومة هي جذب استثمارات خاصة حتي نهاية العام المالي الحالي تزيد علي 165 مليار جنيه بعيدا عن أي معطيات أخري منتظر أن تستجد، وهي خطة لا تأخذ في الاعتبار عدداً من التغيرات الجوهرية استنادا إلي اعتبار ظروف العام المالي 2010/2011 هي ذاتها ظروف العام المالي 2010-2009، هذا المستهدف اعتمده مجلس الوزراء بعد نقاش، وأعتبر هذا المخطط هو الحد الأدني بعيدا عن الأشخاص وبعيدا عن أي نقلات نوعية مأمولة قد تحدث حتي نهاية العام المالي الحالي مثل التعديلات في قانون الشركات وتعديلات في القوانين الحاكمة للاستثمارات غير المباشرة وكذلك ما وضعناه من تصورات بشأن تطوير البورصة، في ظل تلك المعطيات.

الاستثمارات البترولية تسير بمعدلات نمو أسرع من العام المالي الماضي من حيث الوزن النسبي

أري أن الاقتصاد المصري قادر علي تحقيق ما هو مخطط، هناك تراجع في حجم الاستثمار الأجنبي ليصل إلي 6 مليارات دولار انخفاضا من 8.1 مليار عن العام المالي 2008/2009 لكن هناك مكوناً مثل الاستثمارات البترولية التي تسير حاليا بمعدلات نمو أسرع من العام الماضي من حيث الوزن النسبي، أيضا مشروعات البنية الأساسية وما يرتبط بمشروعات المراكز التجارية ستحدث فارقا في حركة وحجم الاستثمار الكلي، علما بأن أكثر المؤشرات من حيث التأثير في الرقم القياسي الذي حققته السوق خلال العام المالي 2007/2008 عبر اجتذاب إجمالي تدفقات أجنبية بلغ 13.3 مليار دولار كان عائداً في الأساس إلي حجم الاستحواذات علي أصول عامة وخاصة، وهو أحد المؤشرات التي تشهد تراجعا واضحا في معدلات النمو خاصة بعد التوقف عن عمليات الخصخصة.

استهداف استثمارات أجنبية تصل إلي 10 مليارات دولار ليس بعيداً عن التحقيق

وأري أن استهداف استثمارات أجنبية تصل إلي 10 مليارات دولار حتي نهاية السنة المالية الحالية ليس أمرا بعيدا عن التحقيق.

«المال»: وماذا عن دور مشروعات الشراكة المطروحة علي القطاع الخاص؟

محمود محيي الدين: كل مشروعات البنية الأساسية التي تم طرحها بنظام الشراكة مع القطاع العام هي مشروعات قطاعية، وأهمها قطاع النقل الأكثر تأثيرا في أوزان الاستثمارات المرتقب جذبها إلي جانب قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة، هناك سلسلة من المشروعات اللوجيستية مثل الجاري طرحها علي جانبي طريق الصعيد– البحر الأحمر، أو مشروعات تطوير الموانئ ومشروع محور روض الفرج و طريق شبرا – بنها، علاوة علي ما يجري في المنطقة الاقتصادية شمال غرب خليج السويس التي ستشهد افتتاح مشروع الشباك الواحد.

شركات كورية وهندية أبدت الرغبة في الاستثمار شمال غرب خليج السويس

وهناك عدد من الشركات الكورية والهندية أبدت رغبتها في الاستثمار فيها بالإضافة إلي الجانب الصيني المسئول عن تطويرها، كما أن هناك الشركة المكلفة بتنمية طريق الصعيد – البحر الأحمر التي ستطرح وتشارك في المشروعات المقترحة.

وبدأت بالفعل في طرح مشروعات خدمات علي جانبي الطريق واتخاذ إجراءات إنشاء مدينتين في سوهاج وأسيوط، وأنا أتحدث هنا عن مشروعات بدأت اجراءات التنفيذ فعليا، بينها مشروع لإنشاء محطة لتوليد الطاقة عبر الرياح بالتعاون مع شركة «مصدر» الإماراتية للطاقة المتجددة، وهي شركة لها تاريخ من حيث المشاركة في مشروعات بالسوق المصرية، كما أن هناك مشروعات أخري لتطوير النقل النهري.

«المال»: ولماذا تعطل صدور التشريع المنظم للشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية؟

تبسيط إجراءات إصدار السندات استهدف إتاحة أداة تمويلية بعيدة عن ضوابط القاعدة الرأسمالية للبنوك

محمود محيي الدين: واحد من أهم التعديلات التي تمت وتسببت في تأخير صدور التشريع هو التعديل الذي أجري علي قانون سوق رأس المال بإتاحة الفرصة للمؤسسات بإصدار السندات، حيث كان أحد أهداف ذلك التعديل فتح الباب أمام المؤسسات التي ستشارك في مشروعات الشراكة مع الحكومة للحصول علي التمويل تفاديا للاصطدام بضوابط البنك المركزي الخاصة عند التوجه للحصول علي القروض، نظرا لضخامة هذه المشاريع وبالتالي ضخامة القروض التي قد تتطلبها وتعارض ذلك مع الحدود القصوي للتمويل نسبة إلي رؤوس أموال البنوك، وفقا للقاعدة الرأسمالية لكل بنك.

«المال»: لنا ملاحظة علي مفهوم الحكومة وتوجهها نحو جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تم طرح عدد من الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام للبيع رغم أنها الوحيدة التي تمارس هذه الأنشطة، ثم تقرر الحكومة تحمل تكلفة الاستثمار الجديد في ذات القطاعات، وأكبر دليل علي ذلك حالة شركة كربونات الصوديوم التي باعتها الحكومة لشركة بلجيكية ثم عادت تسعي لإنشاء مصنع جديد بتكلفة ضخمة وتواجهها مشكلة في توفير الطاقة اللازمة له؟

محيي الدين: أولا لم تكن الحكومة هي من قررت ولا من باعت شركة كربونات الصوديوم وإنما الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، تلك الشركة، مع الأخذ في الاعتبار أننا لا نتحدث عن شركات بعينها ولكن عن توجه عام، الوحيدة التي تعمل في إنتاج كربونات الصوديوم الذي نسعي فيه لاجتذاب عدد من الشركات ذات الخبرة، والشركة البلجيكية التي استحوذت على مصنع الشركة الحكومية هي صاحبة براءة الاختراع الخاص بالأنشطة المتعلقة بخام كربونات الصوديوم، وبالتالي فالسوق فازت بشريك اجنبي استهدف مصر كواحدة من اهم الدول المؤهلة للاستثمار في هذا المجال، والشركة مازالت تعمل في الإطار المصري، ورات أنه من الأفضل والأسرع لاقتحام السوق المصرية أن يتم الاستحواذ علي شركة قائمة بدلا من تأسيس مشروع من بدايته يستغرق فترة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات، ولو كان منطق التأسيس هو الأنسب للشركة البلجيكية لتقدمت بطلب الحصول علي ترخيص.

الشركة القابضة ترى أن طرح “كربونات الصوديوم” للبيع هو الأسلوب الأمثل لها

كما رأت الشركة القابضة أن طرح هذا المصنع للبيع هو الأسلوب الأمثل والأنسب لها، بعد أن تمت إعادة هيكلة الشركة الحكومية التي عانت من مشكلات ضخمة وضخت فيها سيولة كبيرة لإعادتها للطريق الصحيح دون أن تحقق العائد المطلوب، مع العلم بأن تلك الشركة كانت مدرجة ضمن برنامج طرح أصول قطاع الاعمال العام للبيع منذ منتصف التسعينيات.

جذبنا أكبر شركة عالمية في «كربونات الصوديوم» وتحالفنا مع «الوصيف»

ورغم وجود هذه الشركة الأجنبية فإن مصر تستورد أكثر من 75% من احتياجاتها من كربونات الصوديوم الذي يدخل في صناعة الزجاج وغيرها من الصناعات الكيماوية والغذائية بمختلف أنواعها، وبالتالي فالشركة القابضة في إطار المنهج الجديد لإدارة الأصول تسعي لإقامة مصنع جديد يزود طاقاتها وإيراداتها، فمن خلال عائد مالي جيد حصلت عليه من البيع تمكنت من حماية عدد من الشركات الأخري، بزيادة استثماراتها فيها، وكذلك اجتذاب شركة هي الكبري عالميا في تلك الصناعة علي الإطلاق، ثم أبدت رغبتها في استخدام تلك الإيرادات في تنفيذ مشروع آخر في ذات النشاط يصعب علي أي مستثمر أجنبي تبنيه منذ بداية مراحل الإنشاء.

واستهدفت وفقا لذلك مناطق وفيرة بالمواد الخام اللازمة لتلك الصناعة مثل الملح والحجر الجيري، لذلك فهي تتحرك في اماكن قريبة من البحر عند البحر الاحمر أو في المنطقة الصناعية في «بئر العبد» شمال سيناء، وقامت بتشكيل تحالف لضخ استثمارات مشتركة تصل إلي نحو 3 مليارات جنيه مع شركة أخري هي ثاني أكبر شركة في صناعات كربونات الصوديوم علي مستوي العالم «سشي جام» التركية.

والتفكير في هذه المسألة يجب ألا يكون من منطلق التساؤل حول لماذا باعت الدولة شركة متخصصة في نشاط ثم عادت وقررت اقتحام هذا النشاط مرة أخري، فالحكومة بطرح الاسكندرية لكربونات الصوديوم ربحت مرتين، الأولي عندما حصلت علي حصيلة جيدة وجذبت أكبر شركة في العام، والثانية عندما جذبت ثاني أكبر شركة عالميا في هذا المجال لمشاركتها.

أما العقبة التي تواجه البدء في تنفيذ المشروع الآن رغم وجود التمويل الكامل لدي الشركة القابضة الكيماوية والموقع الأمثل للتنفيذ فتتمثل في مشكلة الطاقة، والشركة القابضة للصناعات الكيماوية لا تزال في انتظار حسم هذا الأمر.

«المال»: هل أثر حكم مثل بطلان تعاقد الحكومة علي مشروع «مدينتي» في حجم الاستثمارات المستهدف جذبها إلي السوق وتحديدا القطاع العقاري الذي كان أحد أكثر القطاعات جذبا للاستثمارات الأجنبية؟

في «مدينتي».. العبرة بالخواتيم والتعامل الفوري مع الأزمة يجدد ثقة المستثمرين في الحكومة

محمود محيي الدين: قطعاً الحكم كان له أثره السلبي في الأجل القصير، وهو ما كان واضحا في أداء البورصة عقب صدوره، هذا الأمر امتد لينعكس ليس فقط علي أداء الشركة المعنية بالحكم ولكن علي نشاط السوق ككل، ولكن اؤكد هنا أن العبرة بخواتيم الأمور والتي ستحدد الأثر الحقيقي لهذه الأزمة علي مناخ الاستثمار في مصر، المسألة لا تقتصر علي بيان من رئيس
مجلس الوزراء يتحدث عن أنه إذا كان هناك خطأ إداري قد وقع عند إبرام التعاقد، فالحكومة ملزمة بإصلاحه وبالتالي يصبح الأمر كأن لم يكن، فالتأثير السلبي الذي استشعرته السوق سيتلاشي، خاصة أن الحكومة تعاملت مع الأمر بشكل جدي بما يحفظ حقوق المستثمرين والمساهمين وغيرهم من المعنيين بالمشكلة، ومنذ اليوم الأول لصدور الحكم القضائي اتخذت الحكومة إجراءات وتدابير لحماية الحقوق المختلفة للمرتبطين بهذا العقد، وهو ما طمأن المستثمرين في النهاية.

«المال»: قبل عام 2004 كنت تلعب دورا نشيطا في تقديم وإعداد المقترحات الإصلاحية باعتبارك رئيسا للجنة الاقتصادية في الحزب الوطني، لماذا لم يتمكن من تعاقبوا علي رئاسة هذه اللجنة من ممارسة هذا الدور؟

اندماج أفكار الحزب والتوجه الحكومي يحسمان الاختلافات مبكراً

محيي الدين: ما حدث هو أن السياسات التي كان يجري تجهيزها في الفترة ما بين 2002 و2004 تم تبنيها من قبل الوزارات المعنية بالمالية والصناعة والاستثمار تحديدا، بينما في فترة سابقة كان هناك تباين بين أفكار الحزب والحكومة، أما الآن فأصبح هناك اندماج قائم بينهما بما يقطع الطريق علي احتمالات عدم توافق الفكر الحزبي مع التوجه الحكومي ويتم حسمه مبكرا أثناء تحضير تلك المبادرات وخطط الإصلاح.

«المال»: إذا عدنا مرة أخري لهيئة الرقابة المالية الموحدة، لماذا لم يتطور المشروع وصولا للكيان الموحد للرقابة علي الخدمات المالية المصرفية وغير المصرفية؟

محمود محيي الدين: أستطيع أن أؤكد أنه ليست هناك واحدة من السياسات التي قمنا بتنفيذها إلا وكانت مدروسة وخرجت بها مقترحات، خصوصا من اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني، وهو ما انعكس علي عدد سابق من المبادرات، مثل قانون منع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك والتطورات التي لحقت بقانون الضرائب وحتي قوانين التأمينات وكل ما يعني الاستثمار بشكل عام.

كل تلك القوانين التي صدرت والإصلاح الذي تم كان عبارة عن مقترحات وأوراق عمل أعدها الحزب الوطني وعرضها علي الحكومة، وواحدة من تلك الاوراق كانت ما يخص الإصلاح في القطاع المالي.

وأتذكر مقالا نشرته عام 2002/2003 حمل عنوان «أحوال المتعثرين» كانت تضم أحد تصورات هذا الإصلاح، فموضوع الإصلاح المالي بشقيه تم تنفيذه علي 3 مراحل، بدأناها بحتمية جمع كل المؤسسات المالية غير المصرفية من شتاتها، فقد كان هناك شتات في المؤسسات والجهات التابعة لها، التأمين كان يتبع وزارة المالية والتمويل العقاري يتبع الإسكان، والبورصة وسوق المال كانتا تتبعان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في وقت من الأوقات وهو الدكتور بطرس غالي باعتباره أكثر الاشخاص في الحكومة فهما لها، بينما نشاط التأجير التمويلي «ليس له صاحب»، وتم جمع هذه الأنشطة تحت مظلة وزارة الاستثمار.

الأزمة المالية والدراسات الحديثة وتراجع مفهوم الجهة الموحد عالمياً وراء الإبقاء علي رقيبين على الأنشطة المالية المصرفية وغير المصرفية

المرحلة الثانية كانت تقوم علي جمع تلك القطاعات تحت رقيب وحيد وهو ما تم تنفيذه نتيجة مجهود استمر 4 سنوات بدءا من مشروع القانون المنظم لعمل هيئة الرقابة المالية الموحدة، واطلعنا علي عدد من التجارب في هذا الصدد، مع العلم بأن ورقة الحزب الوطني في هذا الشأن كانت تشير إلي الرقيب الوحيد علي النشاط المالي عموما مصرفيا وغير مصرفي، إلا أن عدداً من التطورات التي وقعت، ومنها الأزمة المالية العالمية وصدور بعض الدراسات التي لم تمانع أن يكون هناك رقيب علي الجهاز المصرفي وآخر علي النشاط المالي غير المصرفي، فضلا عن تراجع مفهوم الرقيب الموحد في عدد من البلدان الكبري مثل انجلترا علي سبيل المثال والتي استحدثت رقباء مختلفين علي أن يكون للبنك المركزي اليد العليا، فالوزارة بدأت التجربة بالاخذ في الاعتبار تجارب تمت في بعض الدول مثل جنوب إفريقيا واستراليا وهي نماذج كانت الأقرب لنا في ذلك الوقت.

«المال»: إذا انتقلنا للحديث عن الملف الخاص بسوق المال، ما آخر تطورات برنامج تنشيط سوق السندات الذي تبنته وزارة الاستثمار؟

محمود محيي الدين: في الفترة ما بين 2002/2003 وبداية العام 2004/2005 كانت سوق المال تعاني من عدد من المشكلات، أبرزها محدودية أحجام التداول وتلاعب بعض شركات السمسرة في القواعد بأموال الأفراد، فكان اول ما يشغلني هو تنظيم السوق وأن يكون هناك عدد من الشركات «المحترمة»، وأكدنا أن اعتماد نشاط السوق علي مجموعة من الشركات التي يمكن طرحها للاكتتاب عبر الخصخصة أمر غير سليم، أنه ينبغي تشجيع الشركات الخاصة علي التوجه للبورصة كأحد أهم آليات الحصول علي التمويل، وفي الوقت نفسه زيادة الشركات الموجودة بالسوق، وأزعم أننا نجحنا في هذا بالنظر إلي الزيادات التي جرت خلال الفترات الماضية في رأس المال السوقي للبورصة وفي حجم التعاملات، والذي تم عبر شركات لا علاقة لها ببرنامج الخصخصة علي الإطلاق، كما أنشأنا صندوقا لحماية المتعاملين من المخاطر غير التجارية.

استلزم تفعيل وتنشيط دور السندات في السوق عدة قرارات تنظيمية تصدت الوزارة باصدارها

وبعد ذلك بدأنا نتطرق إلي ملف آخر، وهو اعتماد السوق علي الأسهم فقط وغياب دور السندات، ورأينا أن زيادة الاعتماد علي السندات كأداة تمويلية بأشكالها المختلفة يحتاج إلي مبادرة قوية لتنشيط السندات الحكومية وكذلك سندات الشركات بالتوازي مع سندات التوريق وغيرها من الأشكال المختلفة التي تستهدف إيجاد مزيد من الأوعية والادوات المالية.

واستلزم تفعيل وتنشيط دور السندات في السوق عدة قرارات تنظيمية تصدت الوزارة باصدارها، بما في ذلك من تعديلات تشريعية لازمة، مع الاخذ في الاعتبار أنني إلي الآن مازالت أشغل منصب رئيس اللجنة الاستشارية لإحدي المبادرات التي أطلقتها مؤسسة التمويل الدولية بالتعاون مع مجموعة من بنوك الاستثمار لتشجيع الدول ذات الأسواق الناشئة علي إصدار السندات بعملاتها المحلية تجنبا لمخاطر تقلبات أسعار الصرف، حتي تتمكن من الحصول علي تمويل محلي وتنموي.

جهود «محمد فريد» في ملف تنشيط السندات أحد أسباب ترشيحه نائباً لرئيس البورصة

بدأنا العمل في تلك المسألة بالتعاون الكامل مع وزارة المالية والبنك المركزي، وأعددنا دراسات حول كيفية النهوض بسوق السندات حتي لا يستمر الوضع الحالي الذي تسيطر فيه الأسهم علي سوق المال في الأسهم فقط، وقد تولي هذا الملف محمد فريد، النائب الجديد لرئيس البورصة، وكانت مجهوداته في هذا الشأن أحد أسباب ترشيحه ليتولي هذا المنصب، اعتبارا من
مطلع أكتوبر المقبل.

«المال»: ولكن هناك بعض الأمور تصطدم بجهود تنشيط سوق السندات، منها الضريبة المفروضة علي أرباحها، كذلك عدم حسم الفصل بين التسوية المالية والورقية، والتداخل بين دور وزارة المالية والدور الذي تقوم به شركة مصر للمقاصة، حيث تقدمان خدمة واحدة؟

اتفاق مرتقب بين «المالية» و«المركزي» و«الرقابة المالية» لتحديد الأدوار في السندات

محمود محيي الدين: أولا فيما يتعلق بتداخل الأدوار بين الجهات ذات العلاقة بالسندات، هناك اتفاق في هذا الإطار بين الأطراف الثلاثة وهي: وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة الرقابة المالية سيتم الانتهاء منه خلال الـ 4 شهور المقبلة، وهذا الملف بالغ الأهمية، ونستطيع أن نلمس أهمية هذه السوق بعد أن بلغت سندات وزارة المالية خلال العام الماضي 13 مليار جنيه صعودا من صفر في السنوات السابقة، كما أن هناك جهات عديدة كانت في حاجة ملحة للتمويل مثل هيئة المجتمعات العمرانية، وهناك أيضا جهات أخري مرشحة لإصدار السندات والاستفادة من جهود تنشيطها مثل صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والصندوق التابع للشركة القابضة للتأمين، وأي مشروع في المستقبل سيتم إنشاؤه وفقا لنظام المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، بالنظر لوجود تدفقات مالية يمكن توقعها للمشروع، فضلا عن سندات التوريق.

«المال»: وماذا عن المعالجة الضريبية للسندات؟

فرض الضرائب على السندات في حاجة للمراجعة.. والقرار النهائي في يد المالية

محيي الدين: المعالجة الضريبية ليست مسئولية وزارة الاستثمار وإنما هي من صميم مسئوليات واهتمامات وزارة المالية، وهناك خلاف حاليا حول المعالجة الضريبية، فإذا كانت هناك ضريبة فستساهم في رفع تكلفة الإصدار وسيتحملها إما المستثمر أو المصدر أو يتم تقاسمها بينهما، وهي مسألة في حاجة إلي مراجعة، إلا أن القرار النهائي في هذا الشأن بأيدي وزارة المالية.

«المال»: وفيما يتعلق بالتسوية المالية والورقية، ما توصيات وزارة الاستثمار؟ هل بيان تتولاها جهة واحدة أم الفصل بينهما؟

محمود محيي الدين: تلك مسألة أخري بحاجة إلي الحسم من ثلاث جهات هي وزارة المالية والبنك المركزي وشركة مصر للمقاصة، علي أن يتم الاسترشاد بالتجارب الدولية، فمصر ليست أول دولة تبتدع هذا النظام، وقد تم وضع 3 نماذج من الشرق والغرب سيتم المزج بينها للوصول إلي الكفاءة المرجوة في نظام التداول عما هو قائم الآن.

«المال»: علمنا أن وزارة الاستثمار أعطت توصياتها لهيئة الرقابة المالية فيما يتعلق بصياغة عقود إعادة الشراء، فما هذه التوصيات؟

مقترحات الوزارة لتنشيط السندات دارت حول عقود الشراء وضوابط الشراء بالهامش والتسليف

محيي الدين: توصيات الوزارة لتنشيط سوق السندات لم تقتصر علي عقود إعادة الشراء فقط، لدينا مقترحات أخري تتعلق بالعقود وقابليتها للتحويل بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وكذلك توصيات بشأن القواعد الحاكمة للشراء بالهامش وتسليف السندات، وكل تلك المقترحات تدور حول نقل ضوابط تطبيق هذه الآليات من الأسهم إلي السندات.

«المال»: قبل عام تقريبا أعلنت وزارة الاستثمار عن دراستها تعديل قانون المتعاملين الرئيسيين بهدف تنشيط السوق، بما يتيح لبنوك الاستثمار المنافسة علي المزايدات، وفي الوقت نفسه أعلنت وزارة المالية عن السماح لإحدي الشركات بالتداول علي السندات وتم تأسيس الشركة بالفعل وتوقف الأمر عند هذا الحد، فما آخر تطوراته؟

وضعنا تصوراً لمعايير تأهيل الشركات لـ«المتعاملين الرئيسيين» وهناك 5 : 6 شركات قوية قادرة علي ممارسة النشاط

محمود محيي الدين: هذا العام لم يكن تقليديا بما يسمح لنا بإجراء تعديلات تشريعية كيفما نشاء، إلا انه تم الاتفاق علي ضرورة إدخال بنوك الاستثمار، سعيا لتنشيط التداول علي السندات، وبالتالي طالبنا بتوسيع الدائرة حتي تشمل بنوك الاستثمار وشركات التداول المؤهلة وعدم قصرها فقط علي البنوك التجارية التي لا يهمها سوي العائد علي الإصدار فقط، ووضعنا تصورا لمعايير تأهيل الشركات للمنافسة علي المزايدات الحكومية، ينتظر أن تؤدي لتأهيل ما بين 5 و6 شركات قوية، وترتبط هذه المعايير بالكفاءة المالية والفنية، وهي مستنبطة من المعايير التي سبق أن تم وضعها عند تأهيل البنوك لمزاولة هذا النشاط.

«المال»: ولكن أهمية وضع السيولة تختلف بين البنوك التجارية وبنوك الاستثمار، وعلمنا أن الثانية تعترض علي الالتزام بحد أدني لقيمة الاشتراك في المزايدات التي تنافس عليها، بما يقيد حركة السيولة المتاحة لديهما؟

السوق بحاجة إلي خطوات لتنشيط حركة اصدار السندات وضمان استمرار التداول عليها

محيي الدين: السوق بحاجة إلي عدد من الخطوات التي ترتبط ببعضها البعض لتنشيط حركة اصدار السندات وضمان استمرار التداول عليها، فالسند المصري لم يكن يتمتع بالجاذبية التي تدفع المستثمرين للتداول عليه، ورغم انخفاض عدد الإصدارات إلا أن المؤسسات سواء محلية أو إقليمية أو حتي دولية كانت تكتتب فيها بغرض الاحتفاظ حتي تاريخ الاستحقاق، وذلك لعدة اعتبارات علي رأسها الاستقرار الذي تتمتع به مصر وانخفاض المخاطر من حيث تقلبات هامش الفائدة عليها، وبالتالي فإن السندات التي كان يتم إصدارها في الماضي كانت علي سبيل الإحلال بدلا من الإصدارات التي بلغت أجل استحقاقها، فضلا عن القيود الموضوعة من جانب الدولة فيما بتعلق بالاقتراض الخارجي، حتي أصبحت مصر واحدة من الدول التي لا تعاني من مشكلات في المديونية الخارجية.

وأري أن تدشين منحني للعائد علي السندات المحلية يعد من المحاور الرئيسية لخطة تنشيط سوق السندات، وستكون المؤسسات والشركات هي أحد المستفيدين من المتوسطات السعرية التي سيحددها المنحني للآجال المختلفة، خاصة في ظل ظروف الازمات الدولية وضعف مصادر التمويل الاعتيادية.

«المال»: بالنسبة لنشاط التصنيف الائتماني، إلي أين وصلت نتائج جهود الوزارة في تحفيز ودعم تأسيس شركات محلية جديدة لمزاولة هذا النشاط؟

تلقينا طلبين عالميين لتأسيس شركات تصنيف ائتماني.. والبحث عن شراكات محلية

محمود محيي الدين: حتي الآن تلقت الوزارة طلبين من شركتين عالميتين لدخول السوق المصرية، إحداهما ترغب بالدخول في مشاركة مع بعض المؤسسات المحلية، أما الثانية فهي من إحدي دول جنوب شرق آسيا لديها خبرة طويلة في أوراق التمويل الاسلامي تسعي للمشاركة بخبرتها الفنية علي أن تساهم معها المؤسسات المحلية برأس المال، وتدرس الوزارةحاليا أحد أسلوبي الشراكة أو كلاهما معا.

«المال»: بالنسبة لبورصة السلع والعقود، حيث أجرت الوزارة وهيئة الرقابة المالية عدة اجتماعات مع اتحادات منتجي السلع، ما القائمة المبدئية للسلع التي سيتم الاستقرار علي تداولها في هذه السوق؟

القطن والسكر والبطاطس والموالح والأرز والأسمنت والأسمدة مرشحة للتداول في بورصة السلع والعقود

محيي الدين: هناك علي الأقل 5 أو 6 سلع تتمتع بقيمة سوقية مرتفعة، والحديث كان يدور حول عدة سلع زراعية منها القطن، السكر، البطاطس، الموالح، والأرز، إلي جانب الأسمنت والأسمدة اللتين تتمتع السوق المصرية فيهما بميزة نسبية كبيرة، وبصفة عامة يمكن تفعيل هذه البورصة ببدء التداول علي سلعتين او ثلاث سلع فقط.

«المال»: الملاحظ أن هناك إصراراً من وزارة الاستثمار علي تفعيل بورصة السلع والعقود بشقيها، رغم المطالبات بالبدء بتداول العقود قبل السلع، فبماذا توصي لاستكمال هذا المشروع؟

محمود محيي الدين: هذه البورصة ليست مطلوبة لحد ذاتها وإنما هي وسيلة لتحويل البورصة المصرية إلي واحدة من الأسواق الأكثر تنوعا في منتجاتها، وحينما نتحدث عن بورصة جديدة للعقود نتحدث عن منتج سيعطي بعدا جديدا للتداول والاستثمارات داخل البورصة، لكن في الوقت نفسه نسعي أيضا لتقديم خدمة لمنتج السلع الزراعية والصناعية والتجار أيضا، لذلك فتداول العقود وحدها ليس كافيا نظرا لعدم ارتباطها بسلع حقيقية موجودة بالسوق يمكن الاسترشاد بأسعارها، كما أن الاقتصار علي جزء من هذه السوق سيؤدي لاختصار بعض الاهداف المطلوبة من هذه البورصة، فضلا عن أن من طالبوا بالبدء ببورصة العقود فقط اعتبروها بداية يمكن البناء عليها واستكمالها وليس التوقف عندها.

«المال»: بورصة النيل من المشروعات التي تبنيتها بشكل شخصي، إلا انه تم تفعيلها بأسلوب يتيح المجال للمضاربات، بما أبعدها عن الهدف من المشروع بجذب مستثمرين جادين، وعلمنا أن وزارة الاستثمار أعدت برنامجا لتطوير بورصة النيل من المفترض أن يبدأ تطبيقه بعد التغييرات التي جرت علي الإدارة العليا للبورصة، فما ملامح هذا البرنامج؟

محمود محيي الدين: بداية، أنا سعيد بتحول فكرة بورصة النيل إلي واقع حقيقي بعدما أصبحت هناك قاعدة للشركات الصغيرة والمتوسطة في سوق يتم التداول فيها وفقا لقواعد الحوكمة، وأكثر النظم التي ركزت عليها مجموعة العمل المعنية بمشروع هذه السوق هو زيادة عدد الشركات المتداولة لتصبح 13 شركة بالإضافة إلي 3 شركات أخري تتأهب للإدراج بها، إلي جانب زيادة فاعلية قواعد الطرح والاكتتاب والتداول.

الوزارة منفتحة علي جميع الأفكار الجديدة التي تستهدف تطوير بورصة النيل

والوزارة منفتحة علي جميع الأفكار الجديدة التي تستهدف تطوير هذه البورصة، فهناك بعض علامات الاستفهام حول بورصة النيل، والتعامل معها ومعالجتها كان من ضمن التكليفات التي بحثتها مع اللجنة المشكلة لتطويرها برئاسة النائب الجديد لرئيس البورصة، ليس فقط لتبسيط قواعد إدارج الشركات الجديدة وإنما لتيسير عمليات التداول أيضا.

«المال»: وماذا عن الشكل المؤسسي للبورصة، ومصير المقترحات الخاصة بتحويلها إلي شركة قابضة تتبعها شركة مصر للمقاصة وسوق السلع والعقود؟

لا جدوي من تحويل البورصة إلي شركة قابضة.. والوضع المؤسسي الحالي يحقق أهدافها

محمود محيي الدين: لا أعتقد أن فكرة تحويل البورصة إلي شركة قابضة قابلة للتنفيذ في الوقت الحالي، وفي الحالة المصرية، فهي ليست ذات جدوي علي جميع المستويات، سواء بالنسبة للبورصة نفسها أو نظام حوكمتها والرقابة عليها كما انها ليست ذات فائدة في حماية المتعاملين، والوزارة تري أن الشكل المؤسسي الحالي هو الأنسب وفقا للمعطيات الأخري الخاصة بقواعد التنظيم والرقابة، إلا ان هذا الرأي يأتي في ظل ظروف وأوضاع العام الحالي 2010 ودائما ما تبنيت أسلوبا »برجماتيا« ومرنا في العمل من خلال مقارنة المعطيات بالأهداف المرجوة.

إلا أننا عند الإجابة عن مصير المقترح الخاص بتحويل البورصة إلي شركة قابضة ينبغي أن نقيم وضعها الحالي القانوني والمؤسسي ومدي قدرته علي تحقيق الأهداف المطلوبة منه، وهل أثر في تلبية احتياجات السوق وابتكار وتفعيل أدوات جديدة مثل السندات وبورصة السلع إلي جانب إدارة الشئون الإدارية للبورصة؟، وهو ما لم يحدث حتي الآن، ولا أري صراحة في الوقت الراهن أي ميزة تعود علي أي طرف في السوق من تحويل البورصة إلي شركة قابضة يملكها
الأفراد، فليس هذا هو التوقيت المناسب ولا قيمة مضافة له، كما أن الادعاء بأن هذا هو الاتجاه العالمي لابد أن يقترن بحصر عدد البورصات التي تعمل بهذا النظام وأن يقترن بدلائل تثبت أن هذا الشكل المؤسسي يدعم طمأنة المتعاملين بالسوق.

«المال»: وبالنسبة للقناة الفضائية الخاصة التي أعلنت عنها وزارة الاستثمار، متي سيتم إطلاقها؟

من المرجح أن تخرج القناة الفضائية بإرسالها قبل نهاية العام الحالي

محمود محيي الدين: الشق الخاص بالقناة الفضائية تتولاه البورصة بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، ومن المرجح أن تخرج القناة بإرسالها قبل نهاية العام الحالي، وستبدأ بمتابعة جلسات التداول اليومية التي تبلغ مدتها 4 ساعات إلي جانب إذاعة برامج اقتصادية، ومن المنتظر أن يكون للبورصة شركاء في الشركة التي ستؤسس هذه القناة.

«المال»: فيما يخص قطاع التأمين، لماذا لم تحسم الوزارة مصير المقترحات الخاصة بتعديل نسب استثمار أموال الشركات، خاصة فيما يتعلق بالسندات، بالنظر للتداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية علي عوائد الاستثمارات التي تعتمد عليها شركات التأمين في تعويض أي تراجع في عوائد النشاط؟

أتحمس لتنويع القنوات الاستثمارية لشركات التأمين.. والإلحاح علي تعديل نسب الاستثمار في السندات زاد بعد حظر تعامل المؤسسات المالية عليها

محمود محيي الدين: بالفعل هناك مطالبات بتعديل هذه النسب، إلا أن ذلك يحتاج إلي تدخل تشريعي بينما هناك نصوص أخري في القانون يعد تعديلها أكثر أهمية، كما أنني أحد أكثر المتحمسين لفكرة تنويع المحفظة الاستثمارية للشركات، ولقد زاد الإلحاح علي تعديل نسب استثمار أموال شركات التأمين بعد قرار أعتبره أحد أهم القرارات التي أصدرها البنك المركزي بحظر تعامل المؤسسات المالية علي الودائع طويلة الأجل مثل الشهادات الادخارية، والذي اعترض عليه عدد كبير جدا من قيادات التأمين، إلا انني ذكرتهم بأن هذا النوع من الاستثمار تمت صياغته للأرامل والأيتام فقط وليس للمؤسسات المالية التي ينبغي أن تبحث عن قنوات جديدة لاستثمار أموالها، وهو من صميم عمل الإدارات المالية والاستثمارية بهذه الشركات.

«المال»: شركات التأمين علي الحياة تشكو من عدم تدخل وزارة الاستثمار لدي وزارة المالية لمنحها حصة من الأموال التي ستديرها هيئة التأمينات والمعاشات بعد القانون الجديد، خاصة أن هذا القانون سيؤثر بشكل كبير في قدرة شركات تأمينات الحياة علي الاستمرار في السوق؟

عالجنا أثر قانون المعاشات والتأمينات علي شركات «الحياة» بتعديل قانون الصناديق الخاصة

محيي الدين: الوزارة عالجت هذا الأمر من خلال المشروع الذي تم إعداده لتعديل قانون صناديق التأمين الخاصة التي يجب أن تتوسع شركات التأمين علي الحياة فيها لتعويض أي تأثر بتفعيل قانون التأمينات والمعاشات الجديد.

«المال»: هل أعدت الوزارة تشريعا خاصا للتأمين الإجباري علي الممتلكات الحكومية؟

أنا مازالت أنادي بضرورة التأمين علي جميع الممتلكات العامة والخاصة

محيي الدين: هناك عدد من وجهات النظر في هذا الأمر، إلا أن وزارة الاستثمار تري أن جميع المؤسسات والمرافق الحكومية يجب أن يتم التأمين عليها تأمينا تجاريا، ليس للحصول علي التعويضات في حال وقوع الخطر فقط، ولا لزيادة حجم المدخرات الحكومية فقط، ولكن سعيا لتعميق ثقافة الانضابط والاهتمام بإجراءات صيانة الممتلكات العامة، بما ينعكس في النهاية علي زيادة عمر مرافق وممتلكات الدولة وتحقيقها معدلات مرضية من الامان، وأنا مازالت أنادي بضرورة التأمين علي جميع الممتلكات العامة والخاصة.

«المال»: هل ستطرح الوزارة إحدي شركات التأمين في البورصة خلال الفترة المقبلة؟

فلسفة إدارة الأصول هي تنمية وتطوير الشركات

محيي الدين: بداية أود أن أوضح ان الطرح ليس هدفا في حد ذاته، وفلسفة إدارة الأصول هي تنمية وتطوير الشركات، وأنا لا أتحدث هنا عن تاريخ اقتصادي، فواحدة من شركات التأمين العامة وهي شركة التأمين الأهلية وصل بها الامر إلي أن أصبحت تمثل علامة استفهام، وقامت الوزارة بتدعيمها ولا تزال تتلقي دعما في رأسمالها، والشركة الثانية هي مصر للتأمين وكانت أضعف مما هي عليه الآن، والتي اندمجت شركة الشرق للتأمين داخلها وأثبتت جميع التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسابات ومن الرقيب خلال الأعوام السابقة علي الإصلاح أنها غير قادرة علي الوفاء بالتزاماتها.

تلك المؤشرات مثبتة في تقارير رسمية، فقمنا بتأسيس كيان هو الأكبر حتي الآن وأحد أضخم 5 كيانات تأمينية علي مستوي الشرق الأوسط وقادر علي الوفاء بالتزاماته والدخول في استثمارات جديدة والمنافسة علي صفقات ضخمة محليا وإقليميا، ولديه القدرة علي التواجد والانتشار في الداخل والخارج.

«المال»: وسطاء التأمين يطالبون بقانون يتيح تأسيس اتحاد خاص بهم، هل هذا الأمر مطروح علي أجندة وزارة الاستثمار؟

محيي الدين: طلبنا من الوسطاء اختيار الصيغة المناسبة لهم، سواء بتأسيس شعبة أو لجنة داخل اتحاد الشركات أو الاستقرار بشكل نهائي علي اقامة اتحاد خاص بهم، فجميع السيناريوهات متاحة لهم في هذا الأمر والوزارة علي استعداد لمساعدتهم.

«المال»: رغم النمو الملحوظ في أقساط قطاع التأمين خلال السنوات الأخيرة لكن نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي تدور حول 1% فقط، مقارنة بما يتراوح بين 3% و4% في دول أخري تتشابه ظروفها الاقتصادية مع مصر، فكيف تفسر ذلك؟

مساهمة التأمين في الناتج المحلي الإجمالي رغم ارتفاعه المطرد زادت من 0.75% إلى 1%

محيي الدين: أفسرها أولا بأن الناتج المحلي الإجمالي زاد في مصر، كما أن نسبة مساهمة قطاع التأمين فيه ارتفعت أيضا بشكل مطرد من 0.75% في بداية الإصلاح إلى 0.9% قبل ان تصل إلى 1% حاليا، في حين أن الدول التي وصلت إلي نسب تتراوح بين 3% و4% لا تتشابه ظروفها الاقتصادية مع مصر، وإلا لوصلنا لنفس هذه المعدلات.

«المال»: ألا تضع اعتبارا لضعف الوعي التأميني في هذا الأمر؟

تطور ملحوظ في أداء الاعلام الاقتصادي المصري

محيي الدين: بالطبع، هناك ضعف في الوعي التأميني، وزيادة هذا الوعي تعد واحدة من مهام هيئة الرقابة علي الخدمات المالية غير المصرفية، كما أن الإعلام يجب أن يلعب دورا كبيرا فيه، وإن كنت ألاحظ تطورا ملحوظا في الإعلام الاقتصادي المصري في الفترة الأخيرة.

«المال»: إذا تطرقنا لملف التمويل العقاري، لاحظنا في الفترة الاخيرة تراجع معدل نمو القطاع، فبعد أن كان ينمو بمعدلات تفوق 30% علي أساس ربع سنوي، تراجعت هذه المعدلات إلي 6% و7% حاليا، فما الأسباب؟

محيي الدين: بالنسبة للتمويل العقاري، أود أن أقول إنه لم تكن هناك سوق بالمعني المعروف لهذا النشاط في مصر قبل مجيء وزارة الاستثمار، فقد تسلمت الوزارة قطاعا تعمل فيه شركتان فقط ولم يتخط إجمالي التمويل الممنوح في ذلك العام المالي 2004-2005 سواء من البنوك أو الشركتين حاجز الـ 106 ملايين جنيه بينما في العام المالي الأسبق لم يكن هناك تمويل عقاري يذكر.

أما اليوم فنحن نتحدث عن حجم تمويل عقاري يبلغ 4 مليارات جنيه ومنافسة قوية بين 13 شركة حاصلة علي الترخيص، وهناك 19 بنكا داخل السوق المصرفي تمارس هذا النشاط، إلي جانب شركة في نشاط إعادة التمويل العقاري.

الفترة المقبلة ستشهد نقلة في التمويل العقاري لمحدودي الدخل

وأعتقد أن التساؤل هنا ينبغي أن يدور حول مستقبل هذه السوق، فالفترة المقبلة ستشهد نقلة أكبر في التمويل العقاري الموجه لمنخفضي الدخل، فحتي الآن تم إبرام بروتوكولات بين صندوق ضمان ودعم التمويل العقاري و29 محافظة لإقامة 49 ألف وحدة سكنية منخفضة التكاليف يتم دعمها من خلال الصندوق بنظام التمويل العقاري، الذي تم تدعيمه ماليا بقرض تبلغ قيمته 1.650 مليار جنيه قرضا من البنك الدولي سيتم توجيهه لدعم الحصول علي 65 ألف وحدة، وهذا ما يعني أضعاف ما تم تمويله حتي الآن من صندوق دعم التمويل العقاري، كما أن عدد المستفيدين من دعم صندوق التمويل العقاري ارتفع من نحو 5 آلاف فرد إلي حوالي35 ألف حالة، بعد الاتفاق الذي تم بين وزارة الاستثمار والبنك المركزي مؤخرا بتحويل 30 ألف قرض حصل عليها أفراد من البنوك إلي نظام التمويل العقاري وقيام الصندوق بدعم المستفيدين منها، بما سيضيف 100 مليون جنيه أخري إلي مبالغ الدعم التي قدمها الصندوق حتي الآن.

وأستطيع أن أقول إن هناك مؤشرات تؤكد تضاعف معدلات نمو نشاط التمويل العقاري في الفترة المقبلة.

«المال»: هناك إشكالية مهمة لم يتم القضاء عليها حتي الآن رغم مرور 5 سنوات علي بداية إصلاح القطاع، تتمثل في صعوبة إثبات الملكية العقارية رغم أنها الضمانة الحقيقية لهذا النوع من التمويل، مما أدي لعدم تحقيقه المستهدفات التي تم إعلانها واعتماده بشكل أكبر علي التحقق من قدرة الأفراد علي السداد ليقترب بذلك من القروض الشخصية، فكيف ومتي سيتم حل هذه الإشكالية؟

نعم… هناك مشكلات في إجراءات تسجيل العقارات

محيي الدين: بالفعل هناك مشاكل في إجراءات التسجيل يجب أن يتم حلها، إلا أن هناك اجراءات مهمة اتخذت في هذا الملف، أولها خفض رسوم التسجيل بالشهر العقاري من 12% من قيمة العقاري وتحويلها إلي مبلغ قطعي لا يجاوز 2000 جنيه، كما أنه تم التعامل مع مشكلة الوحدات السكنية الواقعة بالمدن الجديدة، التي رغم امتلاك أصحابها لها فإنه لا يمكن رهنها للجهات الممولة، لأن الأرض تم تخصيصها من هيئة المجتمعات العمرانية، وتم الاتفاق مع هيئة المجتمعات العمرانية علي أن يتم التعامل مع عقود التخصيص بمثابة سندات ملكية، فتلك الأمور لها علاج، وأدعو الشركات التي تعاني من صعوبة التسجيل في أي من المحافظات أو المدن الجديدة أن تخاطب وزارة الاستثمار حتي يمكن العمل علي حلها.

«المال»: وهل تصورك للوضع الحالي لقطاع التمويل العقاري يتوافق مع الأهداف التي تم وضعها مسبقا؟

نمو القطاع كان أكثر من المتوقع بنحو 2 مليار جنيه

محيي الدين: بالفعل الوضع الحالي يتفق مع الأهداف وتخطاها بنحو مليار أو 2 مليار جنيه، فقد كان التصور منذ بدأنا اتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل هذه السوق هو أن يصل حجم التمويل العقاري إلي حدود 10 مليارات جنيه داخل بلد ينمو بمتوسط دخل قومي ألف ميار جنيه بما يمثل 1% من الناتج المحلي الإجمالي، علي أن يتم ذلك خلال 6 إلي 7 سنوات من بداية الإصلاح.

وقلنا في البدايات إن عام 2005 سيكون عام بداية التمويل العقاري في مصر رغم وجود قانون منظم للنشاط منذ عام 2001 ولم نواجه أي مشاكل في تمويل نحو 35 ألف وحدة سكنية، وهناك إمكانية لتمويل 65 ألف وحدة أخري جاهزة للحصول علي 1.650 مليار جنيه دعما من قرض البنك الدولي للتعمير والإنشاء، تم التوقيع بالفعل علي 49 ألف وحدة منها كمرحلة أولى تتبعها الثانية مباشرة.

حوار: أحمد رضوان وماهر أبوالفضل وياسمين منير ومحمد كمال الدين ورضوي إبراهيم وأحمد شوقي وأحمد عاشور