قالت الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى إن البرامج الإصلاحية التى تنفذها مصر لا يمكن تأجيلها، وذلك للخروج من أزماتها الاقتصادية، مؤكدة أن الإصلاحات رغم تأثيرها على بعض الفئات المجتمعية على المدى القصير، لكن الحكومة حريصة على توفير شبكات الرعاية الاجتماعية، لتقليل الآثار السلبية لتلك الإصلاحات.
وذكرت وزيرة التعاون الدولى فى حوار مع «المال»، أن الوزارة وفرت نحو 900 مليون دولار لبرامج الحماية الاجتماعية، وجار تدبير مبالغ أخرى من بينها 300 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقى لمشروع تطوير العشوائيات.
وتوقعت أن يرتفع إجمالى ما وفرته الوزارة من النقد الأجنبى بنهاية العام الجارى لـ 5 مليارات دولار، مقارنة بـ 3.8 مليار حاليا، مضيفة أنها قادرة على تدبير تلك المبالغ سنوياً، لسد الفجوة التمويلية، لكنها تمنت أن تتعافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة لمصر، وكذلك السياحة.
وكشفت وزيرة التعاون الدولى أن مصر تتفاوض على وضع برنامج جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية، لبحث صرف منحة بقيمة 200 مليون دولار للأنشطة الاقتصادية، على أن يتم التركيز على المشاريع الصغيرة، والمتوسطة، والإسكان الاجتماعى، وتوصيل الغاز الطبيعى.
«المال»: الحكومة بدأت خلال الفترة الماضية فى تنفيذ برنامج إصلاحى تم وصفه بأنه «صعب»، ويشير التطبيق الفعلى إلى تأثر الفئات الاجتماعية المختلفة من الإجراءات الإصلاحية المتبعة، من وجهة نظركم كيف ترون ذلك التأثير، وكيف تتم مواجهة الآثار السلبية؟
نصر: فى البداية أؤكد أن برنامج الإصلاح الذى وضعته الحكومة برنامج مصرى، ويعمل فى الاتجاهين الاقتصادى والاجتماعى، والحكومة حريصة على توصيل الخدمات، والسلع للمواطن بالسعر المناسب، مع التأكيد على وصول الدعم لمستحقيه، بفاعلية وكفاءة، وبشفافية، لتفادى الأزمات، أو الفساد مثلما حدث فى ملف القمح.
تدبير 500 مليون دولار لتمويل برنامج الإسكان الاجتماعى
وبدأت الحكومة خلال الفترة الماضية اتباع آليات جديدة للدعم، وعلى سبيل المثال كان دعم الوحدات السكنية يصل للمقاول، أو المستثمر عبر توفير الأراضى، والمرافق بأسعار رخيصة، ورغم ذلك لم يكن المواطن هو المستفيد الأكبر من المنتج النهائى، المتمثل فى سعر الوحدة، وتم تغيير تلك الألية بحيث يصل الدعم المباشر للمواطن الأولى بالرعاية، وذلك من خلال برنامج التمويل العقارى أو الإيجار، وعملت الوزارة بالاشتراك مع البنك الدولى على تدبير 500 مليون دولار، تمويلا لبرنامج الإسكان الاجتماعى.
وأضيف أن برنامج تطوير العشوائيات، يعتبر من شبكات الضمان الاجتماعى، فمن خلاله يتم توفير مسكن ملائم للأسر الفقيرة، ونتفاوض حالياً مع أكثر من جهة لتوفير التمويل اللازم للمشروع، ومن بين الجهات الجارى التفاوض معها، بنك التنمية الأفريقى لتدبير 300 مليون دولار.
ونسعى أيضًا لتوفير خدمات الصرف الصحى، والمياه، والكهرباء لتحسين مستوى معيشة المواطن، وحمايته من التعرض للأمراض، كما أن المشاريع الصغيرة، والمتوسطة، ومتناهية الصغر، واحدة من أهم الأدوات التى تحارب الفقر، مع التركيز على المشاريع متناهية الصغر، إذ يحصل الفرد على قروض تتراوح بين 1000 و5000 جنيه.
وأود أن أشير هنا إلى أن الجولات التى قمت بها فى عدة مناطق من بينها سيناء، أظهرت كيف ساهم قرض بـ5 آلاف جنيه فقط، فى مساعدة المرأة البدوية على تكوين مشروع خاص بها، يحسن من دخل أسرتها، مع عدم الإخلال بواجباتها الأسرية.
كما يجب الإشارة إلى أن الوزارة وفرت نحو 400 مليون دولار من البنك الدولى، لبرنامج تكافل وكرامة، الذى يستهدف تقديم الدعم للفئات التى تحتاج لمساندة مالية، سواء كانت تحت خط الفقر، أو من ذوى الاحتياجات الخاصة، أو المرأة المعيلة، التى ليس لديها فرصة عمل.
«المال»: هل ستكون برامج الحماية قادرة على حماية جميع فئات المجتمع من الآثار الناتجة عن برنامج الإصلاح؟
نعترف أن التأثير على فئات المجتمع لا مفر منه لكن ذلك على المدى القصير
وزيرة التعاون الدولى: نعترف أن التأثير على فئات المجتمع لا مفر منه، لكن ذلك على المدى القصير، وعلى المدى الطويل سيحقق البرنامج تحسنا كبيرا فى دخل الأسر المصرية، خاصة مع عودة السياحة، وبدء جنى ثمار المشاريع القومية الجارى تنفيذها، وبالتالى يتوجب علينا على المديين القصير والمتوسط، مساندة الفئات المتضررة من خلال التوسع فى المشاريع متناهية الصغر، وتوفير خدمات ميسرة، واستهداف المتضررين بالدعم المناسب.
«المال»: هل بدأت الوزارة مفاوضات جديدة مع مؤسسات التمويل الدولية، للمساهمة فى برامج الحماية الاجتماعية وزيادة فاعليتها؟
نصر: ناقشت منذ أيام مع كل المؤسسات المانحة، كيفية مساعدة المناطق الأكثر احتياجاً، والفئات المجتمعية التى ستتأثر على المدى القصير من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، من خلال توفير الخدمات الصحية، والمياه النظيفية، وأكرر أنه من المهم الإسراع فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، وعدم الانتظار.
«المال»: تكرر الحديث عن تحريك أسعار مترو الأنفاق، فهل تعنى الزيادة أنها ستساهم فى دعم قدرة «التعاون الدولى» على التفاوض مع مؤسسات التمويل الدولية، لتدبير سيولة جديد للهيئة القومية للأنفاق، خاصة بعد وجود تعليمات بعدم اقتراض أى جهة حكومية، إلا بعد التأكد من القدرة على السداد؟
وزيرة التعاون الدولى: قطاعات النقل، والتعليم، والصحة، من القطاعات التى لها مردود إيجابى كبير على المجتمع، ولا يمكن قياس عائدها مادياً فقط، إذ إن تلك القطاعات تحقق عوائد تنموية واجتماعية.
وعلى وجه التحديد فإن قطاع النقل من القطاعات المهمة، والحيوية للنمو الاقتصادى، فجزء كبير من تنمية المحافظات النائية يتطلب ربطها بالمجتمعات السكنية عبر شبكة الطرق، وليس مجرد إنشاء مشاريع فقط، كما أن قطاع النقل مهم بالنسبة للمرأة، وعلى سبيل المثال وجدنا أن المرأة فى الصعيد لا يمكنها الذهاب للعمل بالمناطق الصناعية، لعدم توافر وسيلة النقل المناسبة لها، رغم أن المرأة الصعيدية لديها القدرة على تنفيذ مشاريع حيوية، ومهمة تحتاجها المدن الصناعية.
ليس لدينا أى مشكلة فى توفير التمويل اللازم لمشاريع النقل بجميع قطاعاته
وأؤكد أن وزارة التعاون الدولى ليس لديها أى مشكلة فى توفير التمويل اللازم لمشاريع النقل بجميع قطاعاته، وأود أن أشير إلى أن القطاع يحتاج أولا لتطوير وصيانة المشروعات والمرافق القائمة، وتوفير الخدمات، والمواصلات للمشاريع الجديدة، سواء للإسكان الاجتماعى، أو المجتمعات العمرانية الجديدة، وللوفاء باحتياجات القطاعات لابد من تحسين موارد الهيئات.
وأكرر أنه ليس شرطاً أن يصاحب تحريك أسعار التذاكر، زيادة وتحسين الاقتراض، فالهيئات الدولية تتعامل معنا وفقاً لرؤية وبرنامج واضح، ولم يحدث أن طلبنا تمويلاً لأى مشروع، سواء بقطاع الكهرباء، أو النقل والصرف الصحى، إلا وتم قبوله بكل ترحيب، فالمشاريع تتم دراستها بكل أبعادها الاقتصادية التى تتضمن سعر الخدمة، أو من الناحية الاجتماعية والتنموية، التى تساهم فى خدمة المجتمع.
«المال»: شهدت الفترة الماضية انتقادات واسعة من صحف عالمية، بأن مصر لم ترتب أولوياتها، ولم تُحسن اختيار المشاريع التى تنفذها على الوجه السليم، الأمر الذى تسبب فى حدوث أزمة اقتصادية؟
وزيرة التعاون الدولى: على العكس تماماً أنا مقتنعة بأهمية المشاريع القومية، لتحقيق التنمية على المدى الطويل، وعلى سبيل المثال مشروع المليون ونصف المليون فدان من شأنه تحقيق الأمن الغذائى لمصر ويحتاج لتكاتف جميع الجهات المعنية مثل الرى والزراعة والتخطيط والتعاون الدولى.
أما بالنسبة للعاصمة الإدارية الجديدة فالجميع يعانى زحام القاهرة وارتفاع عدد سكانها، ونشتكى من سوء الخدمات مثل الكهرباء والمياه وبالتالى نحن فى حاجة للتوسع ولمدن ذكية وحديثة تعمل بالطاقة الشمسية وتفى بتطلعات الجيل الجديد.
«المال»: كيف ترين الاقتصاد المصرى خلال العامين المقبلين؟
وزيرة التعاون الدولى: أنا متفائلة وأرى أن مصر لديها رؤية واضحة وبرنامج شامل ولكن نحتاج من الجميع أن يعمل سواء كان موظفا فى القطاع العام أو الخاص أو المجتمع المدنى أو فى الصحافة.
«المال»: ننتقل لمحور آخر يتعلق بموقف المساعدات الخليجية والصناديق العربية لمصر الفترة المقبلة؟
نسعى لفتح قنوات دائمة للتعاون مع صناديق التمويل العربية
نصر: تسعى الوزارة لفتح قنوات دائمة للتعاون والتفاوض مع صناديق التمويل العربية لتنمية مساهماتهم فى تمويل المشروعات التنموية ذات الأولوية فى مصر خلال الفترة الحالية، وفى هذا السياق تم توقيع الاتفاق الإطارى لبرنامج الملك سلمان بن عبدالعزيز 20 مارس 2016، وتم التوقيع على عدد 12 اتفاقية منبثقة عنه لتمويل مشاريع تنموية فى شبه جزيرة سيناء توزع بين القطاعات السكنية والتعليمية والزراعية والبنية التحتية والمياه وغيرها.
وتستهدف هذه المشروعات رفع المستوى المعيشى لأبناء شبه جزيرة سيناء وتحسين مستوى الخدمات فضلا عن توفير فرص عمل واستثمار بهذه المنطقة.
وقد تسلمت الوزارة 300 مليون دولار 28 أغسطس الماضى، من إجمالى الدفعة المقدمة لبرنامج الملك سلمان والتى تبلغ 397 مليون دولار تقريبا، وسيتم تحويل باقى المبلغ فور الانتهاء من إجراءات بعض المشروعات «مشروع جامعة الملك سلمان – مشروع التجمعات التنموية المرحلة الأولي»، أما باقى الدفعات فسيتم تسلمها بواقع 30% لكل دفعة عدا الأخيرة بواقع 10%، وذلك وفق نسب التقدم فى تنفيذ هذه المشروعات.
إنشاء 5 محطات تحلية مياه بجنوب سيناء بقيمة 105 ملايين دولار
وتستهدف الوزارة عرض مجموعة من المشروعات على الصندوق الكويتى للتنمية بعد أن نجحت فى توقيع اتفاقية تمويلية معه لتمويل إنشاء 5 محطات تحلية مياه بجنوب سيناء بقيمة 105 ملايين دولار، وكذا تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية تمويل انشاء محطة لتحلية المياه بمدينة شرق بورسعيد الجديدة بقيمة 126 مليون دولار.
وتتفاوض وزارة التعاون الدولى حاليًا مع الصندوق الكويتى للحصول على تمويل لمشروعات جديدة فى إطار خطة الدولة لتنمية سيناء، ومن بين هذه المشروعات تطوير ميناء الصيد البحرى بمدينة الطور، ومشروع تطوير طريق عرضى 4، ومد خطوط الكهرباء لعدد 17 تجمعا تنمويا بشمال وجنوب سيناء.
كما فتحت الوزارة مفاوضات حالية مع صندوق أبو ظبى للتنمية لتمويل عدد من المشروعات فى شبه جزيرة سيناء من بينها مشروع إنشاء مزرعة ضخمة بنظام الصوب الزراعية المطورة، وكذلك مشروع لإنشاء محطة معالجة ثلاثية لمياه ترعة السلام، وسيتم الإعلان فور التوصل لاتفاق مع الصندوق بشأن هذه المشروعات.
ويأتى هذا إلى جانب متابعة تنفيذ المشروعات التى تم الاتفاق على تمويلها من هذين الصندوقين خارج خطة الدولة لتنمية شبه جزيرة سيناء.
«المال»: ما موقف المساعدات الاقتصادية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية؟
نتفاوض حالياً مع أمريكا على برنامج جديد يتضمن تمويل عدة مشاريع
وزيرة التعاون الدولى: نتفاوض حالياً مع الولايات المتحدة الأمريكية على برنامج جديد يتضمن تمويل مشاريع الصغيرة والمتوسطة والصرف الصحى وتوصيل الغاز للمنازل والاسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات وتنمية محافظات الصعيد مع التأكيد على أن المساعدات تأتى فى شكل منح وقيمتها 200 مليون دولار.
«المال»: الوزارة أعلنت العام الماضى عن التقدم بطلب للاتحاد الأوروبى للحصول على قرض لدعم الموازنة على غرار قرض الـ 3 مليارات دولار من البنك الدولى و1.5 مليار دولار من بنك التنمية الأفريقي؟
وزيرة التعاون الدولى: تم رفع الطلب للاتحاد الأوروبى وفى انتظار الانتهاء من الإجراءات الدستورية التى يقوم بها الاتحاد، وأضيف أنه تم الحصول على الشريحة الأولى بواقع مليار دولار من قرض البنك الدولى لبرنامج دعم الموازنة على أن يتم على الشريحة الثانية من قرض التنمية الافريقى بواقع 500 مليون دولار الفترة المقبلة.
«المال»: الفترة الماضية شهدت تشديدات من العديد من الجهات من بينها البنك المركزى المصرى على التحويلات الواردة للجميعات الأهلية من الخارج؟
وزيرة التعاون الدولى: الوزارة حريصة على الشفافية كما أن مؤسسات التمويل الدولية تطالب مصر بالشفافية فنحن نطالبهم أيضًا بالشفافية ومعرفة كيفية توجيه الأموال للجمعيات الأهلية، نريد من الجمعيات الأهلية التوزيع العادل لمصادر التمويل بحيث لا تذهب الأموال لمحافظة واحدة فقط على حساب باقى المحافظات، كما لا نريد أن يتم تركيز التمويل لجمعية واحدة على حساب باقى الجمعيات، فالوزارة تريد تنسيقًا فى تلك التمويلات وليس المراقبة التى تدخل ضمن اختصاصات وزارة التضامن.
الوزارة حريصة أن يتم توجيه التمويل لجميع القطاعات
وأضيف أيضًا أن الوزارة حريصة أن يتم توجيه التمويل لجميع القطاعات بحيث لا يتم التركيز على الصرف الصحى فقط أو شبكات الغاز والبعض لديه انطباع أننا ليس مساندين لحقوق الإنسان بالعكس تماماً، فالحقوق لا تقتصر فقط على الحقوق السياسية ولكن تشمل الحق فى الحصول على وظيفة ملائمة ومسكن ملائم فنحن نريد توزيع كل الحقوق بشكل سليم.
«المال»: ما حجم التمويلات التى وفرتها الوزارة حتى الآن، وما خطة الوزارة خلال السنوات الثلاث المقبلة؟
نصر: تم الإعلان بوضوح أن مصر لديها فجوة تمويلية قيمتها 30 مليار دولار، وكوزارة تعاون الدولى وقعت على قروض ومنح قيمتها 11.1 مليار دولار دخل منها بالفعل حتى الآن 3.8 مليار دولار ومن المتوقع أن ترتفع إلى ما بين 4.5 و5 مليارات دولار بنهاية العام الجارى، وهذا معدل سنوى تسطيع أن توفر الوزارة ولكن نأمل ألا نقترض ويتحسن الاستثمار والسياحة الوافدة لمصر.
«المال»: شهدت الفترة الماضية تعاونا واسعا مع الجانب الصينى ومشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة العشرين بالصين، ما أهم الاتفاقيات التى سيتم توقيعها الفترة المقبلة؟
وزيرة التعاون الدولى: نسعى الفترة المقبلة لتفعيل مذكرات التفاهم الذى تم توقيعها مع الجانب الصينى من بينها مليار دولار لمشروعات الصرف الصحى و1.3 مليار لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة وكذلك مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بخلاف مشروعات أخرى فى مجال الكهرباء والنقل.
«المال»: كيف ترى أهمية مؤتمر يورومنى هذا العام؟
وزيرة التعاون الدولى: المؤتمر يعطى للحكومة فرصًا لشرح برنامجها الإصلاحى والتأكيد على أن القطاع الخاص له دور واسع فى عملية التنمية بمصر.