ودائع العملات الأجنبية تسجل انكماشًا لأول مرة منذ عامين

لمدة ثلاثة أشهر متتالية.. مدفوعة بتحسن معدلات الفائدة على الجنيه

ودائع العملات الأجنبية تسجل انكماشًا لأول مرة منذ عامين
سيد بدر

سيد بدر

6:28 ص, الأحد, 1 ديسمبر 19

سجلت تراجعًا لأول مرة منذ عامين تقريبًا ، بالتزامن مع تحسن العملة المحلية أمام الدولار، واتساع الفارق بين الفائدة ومعدلات التضخم على الجنيه، فيما يُعرف بمعدل الفائدة الحقيقية، ليصل إلى ما يزيد على 9 نقاط مئوية، مقارنة بنحو نقطتين إلى ثلاث نقاط على الدولار.

كشفت بيانات البنك المركزى تسجيل الودائع بالعملات الأجنبية نموًّا سالبًا، خلال ثلاثة شهور متتالية هى: يونيو ويوليو وأغسطس، بنسب -%0.3 و-%2.2 و-%4، وهى المرة الأولى منذ يناير 2018، وأدّى ذلك إلى هبوط نسبة الودائع الأجنبية من إجمالى الودائع لتسجل %21.87 و%20.4 على الترتيب خلال شهرى يوليو وأغسطس، وتعتبر النسبة خلال أغسطس هى الأقل منذ أكثر من عامين.

وأظهرت البيانات أن ودائع القطاع العام هبطت من 2.37 مليار دولار خلال مايو، إلى 2.25 مليار دولار خلال يونيو، ثم ارتفعت إلى 2.3 مليار دولار فى يوليو، قبل أن تهبط مجددًا فى أغسطس إلى 2.29 مليار دولار.

أما ودائع القطاع الخاص فقد هبطت من 11.31 مليار دولار فى مايو إلى 11.17 مليار دولار فى يونيو، ثم سجلت ارتفاعًا طفيفًا فى يوليو 11.18 مليار دولار، قبل أن تتراجع مجددًا إلى 10.83 مليار دولار فى أغسطس.

من جانبهم أرجع خبراء مصرفيون انكماش الودائع بالعملات الأجنبية، خلال الفترة من يونيو إلى أغسطس 2019، إلى موجة هبوط الدولار التى بدأت مطلع العام الحالى وما زالت مستمرة، بجانب ارتفاع الفائدة الحقيقية على الجنيه فى هذا التوقيت، وهبوط مثيلاتها الأمريكية، الأمر الذى دفع أصحاب الودائع الأجنبية للاتجاه نحو الاستثمار فى الجنيه؛ لوقف الخسائر التى يمكن أن يتكبدوها من جراء الاحتفاظ بالدولار.

وأشاروا إلى أن القطاعين العام والخاص كانا الأكثر استجابة لهذا الأمر، فى ظل التفكير الدقيق للشركات فى عواقب الاحتفاظ بالدولار، ولا سيما أن لديهم إدارات خزانة وإدارات مالية تُتابع باهتمام توقعات العملة والفائدة المستقبلية؛ لرصد تأثيرها على ميزانياتهم، ومن ثم فإن أى تحرك للدولار، ولو بقيمة طفيفة، قد يتسبب لهم فى خسائر بنهاية الفترة المالية.

ولم يغفل الخبراء إمكانية أن يكون هبوط الودائع الأجنبية راجعًا إلى احتياجات عاجلة لدى هذه الشركات، فى هذه الفترة، مثل سداد مستحقات أو فتح اعتمادات مستندية، وأعمال ضمن الأمور التشغيلية للشركات العامة والخاصة.

بينما فسّر الخبراء ارتفاع قيمة ودائع القطاع العائلى بالعملات الأجنبية، فى هذه الفترة، بأن القطاع العائلى يستجيب لهذه الأمور ببطء ويفضل الكثير من المدخرين الأفراد الاحتفاظ بما لديهم من مبالغ بالدولار؛ أملًا فى عودة الدولار للارتفاع أو لتلبية احتياجات قد تطرأ فى أى وقت، موضحين أنه فى كل الأحوال فإن الدولار كوعاء ادخارى فى مصر فقَد الكثير من قيمته أمام الجنيه فى الفترة الأخيرة.

يُشار إلى أن الدولار الأمريكى فقَد ما يقرب من %10 من قيمته أمام الجنيه المحلى، خلال الفترة من نهاية يناير الماضى حتى نوفمبر، وارتفع إجمالى الخسائر لتقترب من 180 قرشًا، ويسجل متوسط السعر فى الوقت الحالى بالبنك المركزى 16.05 جنيه للشراء، و16.17 جنيه للبيع.

وجاء ذلك نتيجة ارتفاع تدفقات النقد الأجنبى من استثمارات الأجانب بأذون الخزانة التى عادت بقوة لمصر بداية العام الحالى، وتصل حاليًّا لنحو 20 مليار دولار، بجانب إيرادات السياحة التى تُجاوز 12 مليار دولار بنهاية يونيو الماضى، وتحويلات المصريين بالخارج القوية، وكذلك إيرادات قناة السويس.

وخلال الفترة من يونيو إلى أغسطس، وهى الفترة التى شهدت هبوط الودائع الأجنبية كانت الفائدة على الجنيه لا تزال فى مستويات مرتفعة %15.75 للإيداع، و%16.75 للإقراض، وكانت التوقعات قوية لبدء موجة خفضٍ قرّرها البنك المركزى بالفعل، خلال شهور أغسطس وسبتمبر ونوفمبر، لتسجل حاليًّا %12.25 و%13.25 للإيداع والإقراض.

ورجّح خبراء أن تستمر موجة التنازل عن الدولار لصالح الاستثمار فى العملة المحلية، حتى مع انخفاض الفائدة فى ظل هبوط التضخم لمستويات أقل من %5، وهو ما يجعل الفائدة الإيجابية على الجنيه مُرضية وتحقق عوائد جيدة للمدّخرين، بالإضافة إلى إمكانية استمرار البنك المركزى الأمريكى فى مسلسل خفض الفائدة، وهو ما يَحرم حائزى الدولار من الاستفادة، سواء من فروق العملة أو الفائدة.

محمد عبد العال: قوة الجنيه جعلته الوعاء الأمثل للادخار

قال محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس والخبير المصرفى، إن هبوط ودائع القطاع العام، خلال هذه الفترة، قد يرجع إلى عدة أسباب، منها هبوط سعر الدولار المتوالى أمام الجنيه المحليّ، ومن ثم اتجاه الشركات لتحويل جزء من مدخراتها للعملة المحلية؛ لتجنب خسائر العملة فى ميزانياتها.

وأكد أنه بسبب هبوط العملة الأمريكية، وارتفاع الجنيه، تتجه الشركات لتحويل مدخراتها للجنيه، واستثمارها فى أوعية ذات فائدة أعلى؛ للاستفادة من الفائدة المرتفعة، ولا سيما أن الفائدة، خلال هذه الفترة، كانت عند مستوى مرتفع.

يُشار إلى أن الفائدة على الإيداع والإقراض لدى البنك المركزى كانت تسجل نحو %15.75 و%16.75، قبل أن يشرع البنك المركزى فى خفضها، خلال أغسطس وسبتمبر ونوفمبر، بواقع %1.5 و %1 و%1 على التوالى، لتسجل حاليًّا %12.25 للإيداع، و%13.25 للإقراض .

وأوضح أن هناك احتمالًا آخر يدفع القطاع العام لخفض مدّخراته بالعملة الأجنبية، وهو أن يكون لدى هذه الشركات احتياجات أو سداد اعتمادات ومستحقات على هذه الشركات.

ولفت إلى أنه بالنسبة للقطاع الخاص فإن تحويل هذه المدخرات جاء لتلافى خسائر المدخرات بالعملة الأجنبية، فى ظل هبوط الفائدة الأمريكية وانخفاض الدولار أمام الجنيه، وارتفاع الفائدة المحلية .

ونوّه بأن وتيرة التنازل عن الدولار تشهد زيادات متتالية فى ظل قوة العملة المحلية، وتوافر العملة الأمريكية بالسوق، ولا سيما أن عائدات السياحة ارتفعت لأكثر من 12 مليار دولار، وكذلك تحويلات المصريين بالخارج، وقوة إيرادات قناة السويس، بالتزامن مع بطء وتيرة الاستيراد.

طارق متولى: القطاع العائلى الأقل استجابة لرغبته فى الاحتفاظ بمدخرات الدولار

بينما قال طارق متولى، الخبير المصرفى، إن الشركات، سواء القطاع الخاص أو العام، لديها إدارات خزانة ومالية محترفة ترصد توقعات أسعار العملات والفائدة، وهو ما يدفعها للتنازل عن جزء من مدخراتها بالعملات الأجنبية؛ حتى لا تتعرض لخسائر العملة فى قوائمها المالية .

وأضاف أن هذه الشركات ترصد بدقة توجهات العملة، خاصة أن لديها مدخرات قوية من العملات، ومن ثم فإن أى نزول حتى بنحو قرش واحد يؤثر على قوائمها المالية .

وتابع: الدولار لم يصبح ملجأ جيدًا للادخار فى ظل الفائدة البسيطة عليه، والتى تصل لنحو %1، بجانب نزوله المستمر أمام الجنيه، بينما هناك عوامل جذب فى الجنيه؛ أهمها الفائدة، والتى حتى مع نزولها فإن الفائدة الحقيقية مرتفعة فى ظل هبوط معدلات التضخم.

وأكد أن هذه العوامل تجعل مبررات الاحتفاظ بالعملة الأمريكية من قبل الشركات ضعيفة .

وعلى مستوى الودائع للقطاع العائلى أوضح أن استجابة القطاع العائلى لهذه التطورات ضعيفة، على عكس القطاعين العام والخاص اللذين يمتلكان إدارات متخصصة وتوقعات قوية .

وأشار إلى أن القطاع العائلى لا يمتلك مدخرات قوية، بالنظر لحجم مدخراته وعدد الأفراد والعائلات المتعاملة مع القطاع المصرفى، ومن ثم فالتفكير مختلف، والاستجابة بطيئة والنزول بنحو قرش أو قرشين لا يمثل لهم مشكلة كبيرة، بل يفضلون الاحتفاظ بالدولار لحين الاحتياج إليه.

مصدر بقطاع الخزانة بأحد البنوك: قد تنخفض مجددًا مع استمرار هبوط العملة الخضراء

بينما توقّع مصدر مسئول بقطاع الخزانة فى أحد البنوك أن تستمر وتيرة هبوط الودائع بالعملات الأجنبية خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر، ولا سيما أن الدولار انخفض أيضًا خلال هذه الفترة، كما شهدت هبوط أسعار الفائدة الأمريكية، الأمر الذى يدفع الشركات لإعادة النظر فى مدخراتها .

وأوضح أن الشركات تتنازل عن مدخرات العملة الأجنبية، ولا سيما إذا كانت لا تحتاج إليها بشكل عاجل فى العملة، بالإضافة إلى أن العملة متوافرة بقوة فى السوق، لذا إذا احتاجت أى حجم من الدولار ستجده فى أى وقت.

وتابع: فى الفترتين السابقة والتالية على التعويم كان الاحتفاظ بالدولار أمرًا بديهيًّا فى ظل القيود التى فرضها البنك المركزى على العملة لتقييد السوق السوداء، لكن فى الوقت الحالى تستطيع الشركات تدبير أى مَبالغ تحتاج إليها من السوق المحلية دون قيود، وكذلك الأفراد الذين لديهم احتياج حقيقى.