وصفوة القول فى بحث خصائص الكتابة ــ فيما يرى الأستاذ العقاد ــ أن المقارنة بين أسلوب شكسبير وأسلوبى باكون ومارلو لم تنته إلى بينة معقولة تزعزع أصالة شكسبير.
ولم تجر مقارنة تذكر بين أسلوبه وأسلوبى روتلاند وأكسفورد، حالة كون المحفوظ من آثارهما لا يكفى لإجراء المقارنة ناهيك بترجيح رأى.
وبعد إشارة إلى ما سبق أن أبداه عن النزعة الاجتماعية التى قيل إنها أوحت بإسناد أعماله إلى بعض النبلاء، يقرر الأستاذ العقاد أنه لا يفوته الإشارة إلى «الموافقات الأدبية» التى تكمن وراء كل نوع من أنواع القرائن والشبهات التى يستدل بها المتظنون المتشككون فى أصالة شكسبير، وأن هذه الموافقات الأدبية أحق بالملاحظة فى الدراسة الأدبية، وأوضح من غيرها ارتباطًا بأسبابها.
كان يشيع فى الاستدلال بخصائص الأساليب، الأخذ بالرموز وحروف الجفر فى قراءة المتطلعين من عشاق الألغاز والأفانين، وكانت خصائص الأسلوب هى قراءة الأدباء المتخصصين، وبقيت بعد هذين النوعين ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ قراءة أخرى أعَم منهما وأدنى إلى البديهة، لأنها تتناول وتعتمد على طبيعة العقل الإنسانى.
■ ■ ■
أهم وأجدى من الرموز ومن خصائص الأساليب ــ النظر فى طبائع الفكر وعادات العقل الإنسانى وخوارقه، وفيما يلهمه بالفطرة وما يكتسب بالتعليم والخبرة.
وقد قال المتظنون إن شكسبير لم تتهيأ له المعلومات الضرورية لتأليف ما ألفه.
ولكن شكسبير ــ فيما يرى الأستاذ العقاد ــ لم يكن بحاجة إلى معلومات غير معلوماته التى توافرت له من الدراسة وتجارب الحياة، وما استلهمه من فطنته ووحى عبقريته.
والمنكرون لشكسبير يبالغون كل المبالغة فى تعظيم الأعمال المنسوبة إليه، ليستدلوا بذلك على أنها أعظم من طاقته.
والمعجبون بشكسبير يبالغون من الجانب الآخر فى احصاء العيوب ومواطن الجهل والخطأ، ليتساندوا إلى أنها لا تقع ممن تعلم تعليم باكون وروتلاند وأكسفورد ومالرو.
وعلى هذه القضية، تدور رحى المعركة التى هدأت من جانب المختلفين على الرموز ومن جانب الباحثين فى خصائص الأساليب، ولكنها لا تزال تتلقى فى هذا الجانب المدد من حين إلى حين.
ويوجز الأستاذ العقاد خلاصة هذه المعركة..
يقول المنكرون إن المؤلفات المنسوبة إلى شكسبير تدل:
أولاً: على السياحة الواسعة فى القارة الأوروبية.
ثانيًا: على العلم بالبحر وحوادث السفن وفن الملاحة.
ثالثًا: على فهم دراسات دقيقة كدراسة القانون وأحوال المقاضاة مع قلة الإشارة إلى الصناعات التى زاولها شكسبير وأولها صناعة التمثيل.
رابعًا: على شواغل من الرياضة العالية ولهو الفروسية يشتغل بها العلية ولا يشتغل بها أمثال شكسبير.
خامسًا: على نظرات رفيعة فى المسائل الكبرى ومعرفة باللغات الحديثة والقديمة ولم يتبين من ترجمة شكسبير أنها تيسرت له بالدراسة أو الاطلاع.
وزبدة أقوالهم فى هذه الملاحظات على إجمالها ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ أن علامة الصحة أن تكون الترجمة مفسرة للمؤلفات وأن تكون المؤلفات مفسرة للترجمة، وهذه علامة غير موجودة إذا نُسبت المؤلفات إلى شاعر ستراتفورد، ولكنها موجودة وافية متواترة إذا نُسبت إلى غيره، وكل من المنكرين يرى أن هذا «الغير» لا يكون إلاَّ النبيل الذى اختاره بين زمرة يشبهونه فى التربية والرياضة والسياحة وشواغل الحياة.
ويتبين منهج المنكرين عامةً ـــ من الأسئلة التى تمليها المشكلة ويعتقدون أنهم أجابوا عنها وحلوا المشكلة بنسبة الروايات والقصائد إلى مؤلفهم المختار.
ومن أمثلة هذه الأسئلة، ما طرحة الكاتب الروسى «بروفشيكوف ــ Porohovshkov » ــ فى كتابه «إماطة اللثام عن شكسبير» ونسب فيه المؤلفات إلى اللورد روتلاند.
يسأل الكاتب الروسى::
-1 كيف يمكن أن تنكشف الروايات عن طبقة من المعرفة تناصي أرفع قمة بلغتها الثقافة فى عصرها ؟
-2 ولماذا تغمر الروايات بالكلام على الرياضة ومصطلحات القانون؟
-3 ولماذا تخلو الروايات ــ إلاَّ فى النادر ــ من صور المسرح إن كان مؤلفها شكسبير؟
-4 وما سر هذا الولع بالمناظر الإيطالية فى مدن معينة تُقاد إليها الحوادث من أماكنها التى ذكرت فى مصادرها الأولى ؟
5 ــ ولماذا تتابعت الملهيات السعيدة حول سنة 1600 وتلتها الفواجع الأليمة بعد ذلك ؟
6 ــ ولماذا كان شكسبير الشاعر الوحيد الذى لم يكتب سطرًا واحدًا عند وفاة الملكة اليصابات ؟ 7 ــ ولماذا لم يكتب شيئًا بعد سنة 1612؟
ومحصل الأجوبة عن هذه الأسئلة جميعًا ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ أن حياة روتلاند وموته يفسران لنا كل سؤال منها نحار فى جوابه إذا أصررنا على نسبة الروايات إلى شكسبير، ولكن الكاتب الروسى يزيد الحيرة فى الحقيقة حيرتين، إذ هو يناقض القائلين بموافقة الروايات لحياة باكون وموافقتها لحياة أكسفورد، ولا اتفاق بينهم فيما عرضه من سؤال أو جواب.
وهو ما يبسطه الأستاذ العقاد فيما سوف يلى.
www. ragai2009.com