هل يخفض المركزى الجنيه قبل قرض صندوق النقد؟

هل يخفض المركزى الجنيه قبل قرض صندوق النقد؟

هل يخفض المركزى الجنيه قبل قرض صندوق النقد؟
جريدة المال

المال - خاص

10:08 ص, الأحد, 7 أغسطس 16

■ أبوباشا: يجب انتظار «السيولة».. ومقدمون على «تعويم مُدار»
■ جنينة: لا بد من الإسراع بتحرير العملة

■ السويفى: جمع حصيلة تحمى من المضاربين أولاً.. ضرورة
■ خالد: وصلنا بالفعل لمرحلة باتت فيها المجازفة أمرًا طبيعيًا
■ أبوهند: الاقتراض بغرض سداد التزامات قديمة لن ينتشلنا من الإفلاس


نيرمين عباس – أحمد على:

يُمثل احتياطى النقد الأجنبى خط دفاع للدولة ضد المخاطر والتقلبات الاقتصادية، وفى حالة مصر فإن الحديث بالتأكيد عن صافى الاحتياطى الدولارى يُثير الكثير من التساؤلات بعد أن تدنى لمستويات ضعيفة لم تعد تُمكنه من حماية سعر صرف العملة المحلية، أو حتى الوفاء باحتياجات السوق، خاصة أن مصر دولة مستوردة بالأساس.

وأعلنت الحكومة المصرية فى بيان الثلاثاء الماضى أنها تستهدف تمويل برنامجها الاقتصادى بنحو 21 مليار دولار على ثلاث سنوات من بينهم 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، وهو ما رأى محللون أنه يُقرّب خطوة خفض الجنيه، لكن يبقى هناك تساؤل مهم: هل يمكن تقليص قيمة العملة بالتزامن مع احتياطى شحيح، وبناء على سيولة لم تُضخ فعلياً؟

وفى دلالة واضحة على أزمة النقد الأجنبى الطاحنة التى تعانى منها مصر، سجلت صافى الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفى ككل قيمة سالبة لأول مرة منذ عام 2000 أى خلال فترة تصل إلى 15 عامًا، وأظهر تقرير إحصائى للبنك المركزى صدر منذ أشهر أن صافى الأصول الأجنبية للقطاع المصرفى سجل عجزًا قدره 9.935 مليار جنيه أى ما يعادل 1.268 مليار دولار خلال شهر نوفمبر الماضى.

ويعبر صافى الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفى ككل عن الأصول المستحقة للقطاع على غير المقيمين- مطروحًا منها التزاماته تجاه غير المقيمين- ليمثل التغير فى هذا البند صافى معاملات الجهاز المصرفى بما فيه البنك المركزى مع العالم الخارجى.

وبلغ احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى 17 مليارًا و546 مليون دولار فى يونيو، مقابل 17 مليار و521 مليار دولار فى مايو الماضى، بارتفاع قدره 25 مليون دولار، وهو ما يفسره محللون بارتفاع قيمة الذهب، فضلًا عن دخول موارد تحت بند التزامات على البنك المركزى قد تتمثل فى قروض أو ودائع.

واستطلعت «المال» آراء عدد من محللى الاقتصاد الكلى والخبراء حول فرص خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع عدم وجود احتياطى كاف يُمكّن المركزى من القضاء على المضاربات، فضلًا عن المخاطر المترتبة على ضعف الاحتياطى، والذى يقول محللون إنه يصل لقيمة سالبة بعد خصم الالتزامات والودائع.

جدير بالذكر، أن محافظ «المركزى» طارق عامر ألمح فى تصريحات لـ«المال» منذ أسابيع لاحتمالية خفض سعر صرف الجنيه خلال الفترة المقبلة، قائلا: إن استهداف سعر محدد للعملة كان «خطأ فادحًا»، وكلف الدولة مليارات الدولارات فى السنوات الخمس الماضية، وتابع: «مصر حصلت على قروض ومساعدات وودائع بنحو 22.5 مليار دولار منذ ثورة يناير أغلبها ضاع بسبب استهداف سعر الصرف».

وأضاف «كبنك مركزى كان إما أن نحافظ على استقرار الجنيه أو نشغل المصانع»، الحفاظ على سعر مرتفع للجنيه يعنى دعم كل المصريين «بما فيهم غير المستحقين»،» سأتخذ القرار الصحيح وأتحمل نتائجه»، «الناس لازم تعرف أننا نمر بظروف صعبة».

من جهته قال محمد أبوباشا محلل الاقتصاد الكلى بشركة المجموعة المالية هيرميس إنه لا يمكن إجراء خفض لقيمة العملة قبل وفود سيولة تمكن المركزى من مواجهة المضاربين، وإلا سيكون هناك تبعات مشابهة لتلك التى حدثت عقب خفض مارس الماضى.

وأضاف أنه يتوقع تقليص قيمة العملة فى أعقاب تدفق جزء من التمويلات التى تم الإعلان عنها، مرجحاً أن يقدم المركزى على «تعويم مدار» للعملة المحلية.

ووفقاً وزير المالية عمرو الجارحى فى تصريحات لقناة سى بى سى تستهدف مصر الحصول على 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى على ثلاث سنوات بواقع أربعة مليارات سنويا بفائدة بين واحد إلى 1.5 بالمئة، وقال: نلجأ للصندوق لأن معدلات عجز الموازنة عالية جدا إذ تراوحت بين 11 و13 بالمئة خلال الست سنوات الماضية.

وقال هانى جنينة، رئيس قطاع الأسهم بشركة بلتون المالية القابضة، إن بيانات البنك المركزى تشير إلى إن صافى الاحتياطى النقدى مسجل بالسالب وذلك فى ظل وصول الودائع الخليجية لما يقارب الـ 20 مليار دولار فى الوقت الذى تمتلك فيه مصر نحو 17 مليار دولار كإجمالى احتياطى نقدى.

وأكد رئيس قطاع الأسهم بشركة بلتون المالية القابضة، أن النقطة المضيئة فيما يتعلق بالودائع الخليجية، هى أنها تندرج تحت بند الودائع طويلة الأجل، الأمر الذى يخفف شيئا من الضغط على مسئولى البنك المركزى، ويوفر لهم القدرة على استغلال تلك الأموال.

وأشار جنينة إلى أن سياسة الدولة تقوم على إعادة تمويل الدين الخارجى، عبر الحصول على ودائع وقروض لسداد القروض السابقة مثلما حدث فى سداد الوديعة القطرية عبر الودائع السعودية.

وشدد على ضرورة قيام البنك المركزى باتخاذ قرار تخفيض الجنيه أمام الدولار فى أسرع وقت ممكن، فضلا عن إزالة القيود المفروضة على تداول العملة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بتعاملات المصنعين الكبار ومستحقات شركات البترول الأجنبية، وإتاحة تحويل التوزيعات النقدية للشركات الأجنبية العاملة بالسوق المحلية.

وأكد رئيس قطاع الأسهم بشركة بلتون المالية القابضة، أن الدولة لا تمتلك رفاهية دراسة تخفيض الجنيه، موضحا أن تفاقم أزمات نقص الدولار وسعر الصرف يحتم التعامل بشكل سريع وحازم، وتابع: تخفيض الجنيه سيؤدى إلى تقليص نسب الاستيراد ومن ثم تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات، وتقليل معدلات إنفاق المواطنين، وذلك على حساب تباطؤ النمو الاقتصادى مؤقتًا.

وطالب بضرورة تهيئة مناخ الاستثمار عبر إيضاح السياسة الضريبية والقضاء على البيروقراطية، وتوفير حوافز استثمارية، وطمأنة المستثمر الأجنبى فيما يتعلق بتحويل أمواله للخارج.

وحذر جنينة من استمرار تدهور التدفقات الأجنبية، مؤكدًا أنها الحل الوحيد للقضاء على أزمة الدولار بالسوق المحلية، وأشار إلى أن الودائع التى يتلقاها البنك المركزى من دول الخليج ما هى إلا مسكنات تؤخر الدخول فى مرحلة «خطر الإفلاس».

وأكد أن تعافى الاحتياطى النقدى من عثرته الراهنة مرهون بسياسة حكومية جاذبة للاستثمار الأجنبى؛ تتضمن تخفيض الجنيه، والتشريعات والقوانين المتعلقة بالاستثمار، وزيادة الناتج القومى.

وقالت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية، إن خفض قيمة الجنيه غير مناسب تمامًا فى الوقت الراهن، وإنما يجب أن يتم عقب جمع حصيلة تكفى للدفاع عن العملة من المضاربات أولًا.

وأضافت أن الحكومة تسعى فى الوقت الراهن لجلب موارد دولارية مثل قرض صندوق النقد الدولى، وكذلك المطالبة بالمنح والودائع التى أعلنت عنها دول الإمارات والمملكة العربية السعودية، فضلا عن محاولات السعى للحصول على شريحة من قرض البنك الدولى بقيمة مليار دولار، من إجمالى 3 مليارات تعهد بها البنك لصالح مصر، عقب تطبيق القيمة المضافة كما أن هناك مليار دولار أخرى سنحصل عليها من البنك الإفريقى للتنمية.

وتابعت: الحكومة تسعى لجمع حصيلة دولارية كبيرة، ومن المرتقب أن تقوم برفع أسعار الفائدة لجلب استثمارات بأذون الخزانة والسندات الحكومية لجذب المستثمرين الأجانب، مستشهدة بقيمة تلك الاستثمارات قبل الثورة، والتى وصلت إلى 10 مليارات دولار تدنت حاليًا إلى عدة ملايين فقط.

وأشارت السويفى إلى أنه عقب الخفض الكبير الذى أجراه «المركزى» على سعر العملة المحلية فى مارس الماضى، حاول جلب استثمارات غير مباشرة بالأذون والسندات، وفعّل خيارا لحماية المستثمرين من تقلبات العملة لكن لم يؤت الأمر ثماره، وبالتالى نحتاج لقرض صندوق النقد الدولى لاستعادة ثقة المستثمرين مرة أخرى.

وفى سياق متصل، قال نعمان خالد، المحلل الاقتصادى بشركة سى آى أست مانجمنت، إن ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لن يحدث إلا عقب خفض العملة وليس قبلها، مضيفًا أن الإقدام على خطوة خفض قيمة العملة المحلية باحتياطى ضعيف أو سالب يعد مخاطرة بالفعل، لكننا وصلنا بالفعل لمرحلة باتت فيها المخاطرة أمر طبيعى.

وأضاف: «لو خصمنا كل الودائع والالتزامات المستحقة على مصر سنجد أن لدينا احتياطى نقد أجنبى بالسالب، ولذلك كان لا بد من وضع قيود على السحب من البنوك، لأنه فى كل الأحوال تقييد حركة السحب بالدولار أفضل من ترك الأمور مفتوحة حتى نصل لمرحلة الإفلاس».

وأشار خالد إلى أن وضع الاحتياطى بالتأكيد يقلق المستثمر الأجنبى الذى لن يقدم على الدخول لبلد لا تمتلك موارد تمكنها من مجابهة أزماتها، وتابع: من هنا تأتى أهمية التعويم أو خفض العملة، لأنه سيكون بمثابة إشارة للمستثمر بأن الأمور لن تزداد سوءًا بعد دخولهم، كما أنه سيعطى إشارة إيجابية بأن البلد اتخذت خطوات إصلاحية.

وأوضح أن هناك مخاطرة بالفعل، حال الإقدام على التعويم دون حدوث التوابع المنتظرة المتمثلة فى جذب نقد أجنبى، لكن المركزى لن يُقدم فى كل الأحوال على خفض عملة إلا إذا كان واثقًا من النتائج، وإلا وقتها سنضطر لمزيد من التحجيم للاستيراد.

وذكر أنه إذا حصلنا أيضًا على قرض صندوق النقد الدولى دون خطوات إصلاحية تعيد الأمور لنصابها، فإن الوضع لن يكون جيدًا، مطالبًا بتشكيل لجنة دائمة تضع استراتيجية أو خطة واضحة للاقتصاد تلتزم بها كل الحكومات المتعاقبة.

ورأى خالد أن هناك سيناريو آخر بديلا عن «تعويم الجنيه»، وهو وضع قيود عنيفة للغاية على كل الدولارات المتاحة بالبلاد والمملوكة لأفراد عاديين، وغلق باب الاستيراد بالكامل إلا للسلع التى لا يمكن الاستغناء عنها، وأن يبدأ القطاع البنكى بعدها فى الدخول لصناعات محلية لتنشيطها، بما سيؤدى لدفع الاستثمارات، وزيادة العمالة حتى يحدث فى النهاية التوازن المطلوب، لكنه أكد أن ذلك المسار سيستغرق تنفيذه فترة طويلة.

وأكد أن الحكومة المصرية لم تُعلن عن اتجاه واضح حتى الآن، فهى تريد تحجيم الاستيراد وتشجيع الصناعة المحلية، وفى الوقت نفسه تريد جذب مستثمرين أجانب، وإعطاء طابع انفتاحى على الخارج.

وعبّر خالد عن تخوفه الشديد من عدم قدرة الحكومة والجهاز الإدارى على مجاراة الواقع، فى ظل التغيرات السريعة التى يشهدها العالم يوميًا، والتى يقابلها أداء بطىء للغاية من جانب الحكومة والدولة بشكل عام.

من جانبه، قال أيمن أبوهند، رئيس قطاع الاستثمار بشركة كارتل كابيتال – مصر للاستثمار المباشر، إن الدولة تعانى من أزمة شديدة ومتفاقمة على مستوى السيولة الدولارية المتاحة محليا، ولكنها لا تعانى من خطر الإفلاس فى الوقت الراهن.

وأضاف انه رغم ظهور صافى الاحتياطى النقدى من الدولار بالسالب، إلا أن الدولة مازالت قادرة على سداد ديونها فى الموعد المحدد مع الدائنين، وذلك بدعم من الودائع الخليجية طويلة الأجل.

وأكد رئيس قطاع الاستثمار بشركة كارتل كابيتال – مصر للاستثمار المباشر، أن أزمة السيولة الدولارية تسببت فى تغيير نظرة جهات التصنيف الائتمانى الدولية «فيدتش – موديز» للاقتصاد المحلى من نظرة مستقرة إلى سلبية، الأمر الذى يدق ناقوس الخطر فى ظل عدم اتخاذ الدولة لإجراءات تساعد على حل تلك الأزمة عبر جذب الاستثمارات الأجنبية، فضلا عن تخبط سياسة البنك المركزى.

وأوضح أبوهند، أن خطر الإفلاس يلوح فى الأفق البعيد، وذلك فى ظل تقلص وتراجع قدرة الدولة المصرية على سداد الديون الأصلية بفوائدها كلما استمرت إدارة الأزمة الاقتصادية بالشكل الراهن، وذلك رغم تصريحات المسئولين بالتزام مصر بسداد ديونها.

وأشار إلى أن الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى بغرض سداد القروض القديمة وفوائدها لن ينتشل الدولة من خطر الإفلاس ولكنه سيؤخره قليلا.

وحذر رئيس قطاع الاستثمار بشركة كارتل كابيتال – مصر للاستثمار المباشر، أنه إذا تعاملت الدولة مع الأزمة المتفاقمة بهذا المنوال على مدار العامين المقبلين فإنها ستقع فريسة «الإفلاس» إلا إذا قامت دول الخليج بضخ ودائعها من جديد.

وطالب بضرورة قيام الحكومة والبنك المركزى بتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسب تصل بالجنيه الى قيمته العادلة، بالإضافة إلى إقرار تشريعات تحمى المستثمرين، وتوفر لهم حوافز استثمارية، مشددا على أن تدفق الاستثمارات الأجنبية للداخل هو المخرج الوحيد من الأزمة الراهنة.

وأوضح أبوهند، أن الاحتياطى النقدى من الدولار لن يتعافى قبل اتخاذ الإجراءات سالفة الذكر، مؤكدا أنه كلما تأخرت الدولة كلما تقلص حجم الاحتياطى، مما يؤدى إلى تغول الأزمة.

جريدة المال

المال - خاص

10:08 ص, الأحد, 7 أغسطس 16