مصادر: «الهيئة» لم تتلق أى طلبات لتأسيس شركات استثمار مباشر خلال الفترة الماضية رغم الانتهاء من وضع الضوابط
اعتبر خبراء اقتصاد واستثمار أن انهيار عملاق صناعة الاستثمار فى الشرق الأوسط والأسواق الناشئة قد أعطى رسالة تحذيرية لمديرى الاستثمار الحاليين بضرورة تطبيق إجراءات أكثر تدقيقًا على عمليات العملاء بشكل مستمر.
وأكد الخبراء أن أزمة أبراج قصة تحذيرية للاستثمار المباشر فى الأسواق الناشئة وتشير إلى ضرورة وجود فحص صارم لميزانيات الشركات، من خلال الجهات التنظيمية والشركات مع ضرورة وجود سد أى ثغرات تتعلق بالبيئة التشريعية والتنظيمية.
وقللوا من تأثير الأزمة على شكل استثمارات الصناديق والمؤسسات الكبرى فى المنطقة ومصر باعتبار أن هذه الأسواق لاتزال تحمل فرص نمو كبيرة على المدى الطويل مدللين على ذلك بتنفيذ سلسلة صفقات البيع والشراء لكن متوسطة وصغيرة الحجم خلال الفترة الأخيرة.
وكانت سلطة دبى للخدمات المالية، وقعت مؤخرا غرامة ضخمة بقيمة 315 مليون دولار على كيانين تابعين لـ “أبراج” بتهمة ارتكاب مخالفات خطيرة تشمل إساءة استخدام أموال المستثمرين.
ولم تكن قصة “أبراج” المعضلة الرئيسية فى تباطؤ نشاط الاستثمار المباشر فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذى شهد مخاطر مرتفعة، خلال 2018، تمثلت فى نقص معدلات السيولة وتباطؤ البيئة التشريعية.
كما تعرض الاستثمار المباشر فى هذه الأسواق لسلسلة من التحديات على مدار السنوات الأخيرة تضمنت تراجع أسعار النفط والاضطرابات السياسية بين دول الخليج وارتفاع أسعار الفائدة وأوضاع الاقتصاد الكلى العالمية المتدهورة وسجلت عملات الأسواق الناشئة خسائر كبيرة مثل تركيا والبرازيل.
ووفقا لوكالة «بلومبرج» الإخبارية، تقلصت اسثثمارات 8 صناديق للاستثمار المباشر فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة %65 إلى 406 ملايين دولار، خلال 2018، مقابل 1.168 مليار دولار فى 2017 فى حين كان هذا الرقم يصل إلى 14.283 مليار دولار فى 2015.
سامى: عدم قدرة الصناديق على استقطاب أموال جديدة «جرس إنذار» بوجوب تعزيز الحوكمة ودور أكبر لمراقبى الحسابات
وقال شريف سامى، خبير الاستثمار، ورئيس مجلس إدارة الشركة القومية لإدارة الأصول والاستثمار، إن أزمة شركة “أبراج كابيتال” لم تؤثر بشكل جوهرى أو كبير على شكل الاستثمار بالمنطقة انطلاقا من أن النسبة الأكبر من الاستثمار المباشر بعيدة عن الصناديق.
وأضاف أن “أزمة أبراج كابيتال” قد تؤثر لفترة طويلة على إمكانية استقطاب الصناديق لأموال مستثمرين جدد لحين عودة الثقة.
وأشار إلى أن عدم قدرة الصناديق على استقطاب أموال جديدة يدق جرس إنذار لوجوب تعزيز الحوكمة فى كل الكيانات المالية، موضحا أن مدير الاستثمار قد يكون متلاعب لكن مراقب الحسابات عليه دور كبير.
وأكد أن هناك انهيارات قد وقعت فى بعض الكيانات العالمية مثل أمازون ولم تنهر على أثرها السوق الأمريكية أو تغلق أبوابها أمام المستثمرين، لكن الأزمة التى حدث مع “أبراج” تؤكد على أهمية الرقابة والالتزام على مراقبى الحسابات.
وتابع: “فى مصر لدينا وحدة الرقابة على جودة أعمال مراقبى الحسابات وتم قبولها فى التجمع الدولى للجهات الرقابية على جودة أعمال مراقب الحسابات، كجهة رقابية مستقلة تشرف على التأكد من جودة أعمال مراقبى حسابات الشركات العامة والمقيدة”.
توفيق: أسواق العالم المتقدم تمر بإعصار أثر على الأسواق التقليدية
بدوره، يرى هانى توفيق، خبير الاستثمار المباشر، عضو مجلس إدارة شركة عامر جروب القابضة، أن أسواق العالم المتقدمة تمر بحالة إعصار أثرت وألقت بظلالها على كل الأسواق التقليدية وتشير إلى حالة تباطؤ حتمية خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن وضعية الأسواق المحيطة مخيفة إذ تشهد السوق الصينية حالة تباطؤ، كما بدأت أمريكا فى خفض أسعار الفائدة لتحفيز استثماراتها فى إطار حربها التجارية مع الصين، وجاء ذلك بالتزامن مع انكماش اقتصادات بعض الدول الأوروبية وألمانيا، والحروب الخليجية التى دخلت فيها السعودية مع دول أبرزها اليمن.
وأوضح أن السوق المحلية تعانى من عدة معوقات داخلية، فضلًا عن تأثرها بالأزمات العالمية مثل ندرة الأراضى المخصصة للمستثمرين بأسعار مناسبة، كذلك استمرار أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة غير مشجعة، مع ارتفاع أسعار بيع الطاقة للقطاع الصناعى وعدم توافر العمالة الماهرة، بالإضافة إلى مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فى بعض المشروعات.
وأضاف: “لا توجد صناديق استثمار مباشر فى مصر نتيجة لهذه المعوقات سواء استثمار محلى أو أجنبى ولاتزال تلقى بظلالها”.
وأوضح أن أزمة أبراج كابيتال “نقطة فى بحر” على حد وصفه بالنسبة لحجم الاستثمار فى الشرق الأوسط والأسواق الناشئة، وتأثيرها وقتى، خاصة فى ظل اضمحلال الموارد المالية والاستثمار الأجنبى فى الأسواق المحيطة والناشئة نتيجة التباطؤ التجارى فى العام والحرب بين أمريكا والصين التى أثرت على شهية المستثمرين لدخول هذه الأسواق.
الجندى: التركيز تحول إلى الفرص المتوسطة والصغيرة
ومن جهته، قال أحمد الجندى، الشريك الرئيسى بشركة “ tcv” للاستثمار المباشر، إنه لا يمكن القول بأن صناعة الاستثمار المباشر تقلصت فى مصر خلال الفترة الراهنة ولكن طبيعة التركيز اختلفت، فعلى سبيل المثال شهدت الفترة الماضية تأسيس صناديق جديدة ولكن تركز على الشركات متوسطة وصغيرة الحجم، تلك الفئة التى توجد بها فرص استثمارية عديدة.
وقال إن حجم الفرص المتوسطة يدور حول 25 مليون دولار، أما الصغيرة فتدور بين 5 و7 ملايين دولار ويوجد الكثير من صفقات الاستثمار المباشر التى تم تنفيذها بهذه الأحجام على مدار الفترة الماضية، ولكن الصفقات الكبيرة نسبيا -50 مليون دولار وأعلى- فقد انخفض عددها بشكل كبير مقارنة بالفترات الماضية.
وأكد أنه إذا تمت مقارنة عدد صفقات الاستحواذ التى نفذها مستثمرون ماليون مقابل نظائرهم الإستراتيجيين، سيتبين أن عدد الأولى أكبر بكثير من الثانية مما يظهر نشاط عمليات الاستثمار المباشر فى السوق المحلية، كما يبين أن مصر واحدة من أهم الأسواق الجاذبة لرءوس أموال الاستثمار المباشر فى المنطقة.
وأضاف أن هناك شركات إدارة أتمت صفقات تخارج ناجحة أيضا من استثماراتها فى مصر خلال الفترة الراهنة.
وقال إن تأثير أزمة مجموعة “أبراج” الإماراتية على صناعة الاستثمار المباشر تنحصر فى صعوبة قيام شركات الإدارة بجذب استثمارات من السوق الأمريكى بشكل أساسى، نظرا لأن الأزمة التى أطاحت بـ “أبراج” كان سببها خلافات مع مؤسسات أمريكية.
وتابع أنه من الصعب الآن إيجاد شركة تتولى إدارة أصول بقيمة كبيرة مثل 3 أو 4 مليارات دولار، كما كانت “أبراج” ولكن السوق تحول للتركيز على الشرائح المتوسطة والصغيرة.
ولفت إلى أنه فى كل منطقة يوجد أسواق لا يمكن تخطيها ففى المنطقة العربية لا يمكن تجاوز السوق المصرية فهى تعتبر من أهم الوجهات الجذابة للاستثمار، كذلك سوق مثل نيجريا فى أفريقيا.
وأشار إلى انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط كله خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، الأمر الذى يظهر بقوة فى حجم الاستثمارات الأجنبية فى الأسهم المدرجة، متابعا أن أسعار البترول تلعب دورا جوهريا فى جذب رءوس الأموال للمنطقة من عدمه.
وأوضح أنه كلما كانت أسعار البترول منخفضة كلما تقلص حجم الاستثمارات الوافدة للمنطقة العربية بما فيهم السوق المحلية.
وتابع أنه خلال الفترة الماضية حازت آسيا وأمريكا الجنوبية النصيب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المتوجهة للأسواق الناشئة، ولكن نصيب منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط انخفض بسببب أسعار البترول وبعض التطورات السياسية.
وحول البنية التشريعية للاستثمار المباشر فى السوق المحلية، قال “الجندى” أنه من المهم جدا استكمال الإصلاحات التشريعية المتعلقة بالاستثمار المباشر، والتى تم إنجاز جزء منها ولكنها تتطلب مزيد من التطوير، لتسمح بمنافسة مصر للدول التى أصبحت مراكز جذب لصناديق الاستثمار حول العالم مثل “لوكسمبورج” وهولندا وموريشيوس، والتى لديها ضوابط رقابية جيدة ولكن فى نفس الوقت ميسرة.
وأوضح أنه لا يقصد أبدا جزر الأوفشور أو الملاذات الضريبية، مؤكدا أن تلك الأسواق جاذبيتها انتهت من العالم وباتت مرفوضة من أغلب المستثمرين المؤسسيين، نظرا لعوامل تتعلق بالحوكمة.
ومن جانبه، قال مصدر رقابى فى سوق المال إن هيئة الرقابة المالية لم تتلق أى طلبات لتأسيس شركات استثمار مباشر بالسوق المحلية خلال الفترة الماضية رغم أنه تم الانتهاء من وضع الضوابط الخاصة بتنظيم عمل شركات الاستثمار المباشر فى السوق المحلية بعد مناقشات تمت مع الجمعية المصرية للاستثمار المباشر.
يذكر أن الدكتور محمد عمران، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، قد أصدر قرارًا رقم 149 لسنة 2018، بشأن متطلبات وشروط الحصول على الترخيص بمزاولة نشاط الاستثمار المباشر وأبرزها ألا يقل رأس مال الشركة المصدر والمدفوع عن 10 ملايين جنيه.
وفى سياق متصل، قال أيمن أبوهند، الشريك المؤسس بشركة “advisable wealth engines “ للاستثمارات إن الأزمة التى مرت بها شركة “أبراج كاببتال” قد أثرت بدورها على استثمارات صناديق الاستثمار لكن لم يكن لها تأثير يذكر على أسواق المال.
وأوضح أنه خلال الـ 20 عامًا الأخيرة وقعت عشرات من حالات الفضائح المالية فى الدول الكبرى.
وفيما يتعلق بالتشريعات، قال إن الفضائح المالية تحدث فى غالبية الدول الكبرى مثل أمريكا لكن لا تترك أثرًا مع سرعة واتساع حجم السوق بعكس أسواق الشرق الأوسط الأصغر حجمًا والتى تظهر فيها الأزمات بشكل أكبر.
وأوضح أن الأسواق تتطلب تشريعات تتضمن شقين الأول : تحمى المستثمر من خلال الكشف عن أى بيانات مالية عن الشركة أو الصندوق الذى يستثمر أموال العملاء فى أى وقت، كما تضمن التشريعات تحديد أوقات وضوابط التخارج من هذا الاستثمار خلال فترة معينة.
ولفت إلى أن الشق الثانى يتضمن التشريعات المتعلقة بتنشيط تعاملات السوق من خلال إضافة آليات تمويل جديدة أو غيرها، وهى الضوابط التى يجب أن تركز عليها الجهات الرقابية فى الأسواق الناشئة فحجم السوق لايزال ضعيفًا.
وأشار إلى أن الأزمات التى ضربت الأسواق الناشئة فى 2018 دفعت صناديق الاستثمار إلى التخارج من بعض استثماراتها، أما فى 2019 فاستمرت هذه الصناديق فى العمل بشكل طبيعى ولجأت إلى الاستثمار فى شراء الديون السيادية «المال الساخن» باعتبارها تحقق عائدا أكبر وفى الوقت نفسه مخرجا للأسواق الناشئة.
وأكد أن أزمة التجارة العالمية بسبب الحرب بين أمريكا والصين أثرت بشكل كبير على حجم صادرات الأسواق الناشئة إلى الدول الأكثر تقدمًا، وهو الأمر الذى اختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى منطقة أخرى.
وأوضح أن الدول التى أجرت خفضا لعملاتها كانت تعول على زيادة الصادرات لدعم استثماراتها بينما الدول التى تعتمد على الأموال الساخنة مثل مصر وتركيا فلجأوا إلى خفض جديد فى العملة الفترة الأخيرة لكن بصورة أقل مما هو مطلوب.
وأكد أن إستراتيجية مديرى صناديق الاستثمار المباشر فى أسوق الشرق الأوسط خلال العام المقبل ستركز على الاستثمارات التى لا تتضمن مخاطر عالية وتدر ربحا أعلى، وبالتالى يمكنهم الدخول فى قطاعات مثل الصحة والتكنولوجيا والخدمات المالية.
ولفت إلى أن دول الشرق الأوسط تعد فرصة الصناديق للاستثمار فى قطاعات مثل الغذاء والصحة، بينما فى دول شرق آسيا يمكن الدخول فى التكنولوجيا والصحة والقطاع المالى.