هل نأمل أن يفهم؟

هل نأمل أن يفهم؟
حازم شريف

حازم شريف

10:26 ص, الأحد, 11 مايو 03

– سألته: هل تعرفني؟ أجابني بالنفي .

– هل سبق وأن جمعنا لقاء أو معاملة أو حوار أو سمعت عني ما يشينني أو يسيء إلي؟ جاء رده قاطعا بالنفي أيضا .

– لماذا إذن تعاملني وفقا لصورة نقشت  في دماغك عن كيفية التعامل مع الآخرين وفقا لقوالب محددة؟. أطرق.. وبرجز في مكانه.. ثم لاذ بالصمت .

لا يكاد يوم يمر إلا ونصادف هذه النوعية من البشر ترتسم ملامحهم بعلامات الثقة، وتكسو نبرة أصواتهم رطانة خادعة مخادعة، لأنها قد تحجب عن السامعين هشاشة في النفس، تحتاج لإدراكها قدرة خاصة علي الغوص في الأعماق .

في المجتمع محدود الثقافة، فقير العلم، قليل الخبرات، تكثر التشوهات النفسية والخلقية والثقافية، الجهل يدعو صاحبه لادعاء المعرفة، تتشكل في اللاوعي المعادلة: كلما زدت جهلا كلما ارتفعت حرارة ثقتي في المعرفة !.

في هذا المجتمع، تميل الأغلبية للتبسيط إلي درجة الاخلال المخل ــ إن جاز التعبير ــ فتعامل بعضها البعض، وفقا لتصنيفات محددة سلفا .

قواعد بسيطة لا تشغل العقل أو تضيع الوقت ــ الضائع أصلا ــ في التفكير، أغلبها يتقلب بين نقيضين متعارضين، العصا والجزرة، القوة والضعف، التدين والكفر، الورع والفسق، الكرم والبخل .

وما علي المرء سوي وضعك في الخانة المناسبة لحالته الذهنية وطبيعة إدراكه البدائية وموقعك من مصالحه ــ التي يحرص علي إنكارها بالتأكيد ــ فينافقك أو يهاجمك، يرشيك أو ينشد رشوتك، يصرخ في وجهك بلا سبب، اللهمَّ سوي تعويضه عن حالات الضعف والهوان، التي يعاني منها في مواقف أخري، لا شأن لك بها من الاساس .

التصنيف سيد الموقف.. والأحكام والمعاني المسبقة تاج علي الرءوس. رجل أعمال = لص، فنانة = غانية، مثقف = مقعر، ملتحي = علامة الجودة، مصرف إسلامي = الصلاح، حقوق الإنسان = عمالة للغرب، البعد الاجتماعي = عمالة للشرق البائد، علماني = كافر، صحفي = رشوة أو «زيس»، لغة المصالح = تشكك وريبة في النوايا والأهداف .

لا مكان لرسم تفاصيل معقدة ــ ولكنها واقعية ــ لطبيعة الآخر، ولا لاحترام واجب بحكم القيم الانسانية لكينونته ــ الآخر ــ ومشروعية تفكيره بدوره ــ كما يفكر كل منا ــ في تحقيق أهدافه وطموحه ومصالحه .

أما الوعي الجماعي فحدث ولا حرج عن حالة «البارانوية» المستعصية والموجات الهيستيرية التي تحمل اصواتا عالية، تتباهي بالكمال والريادة والمعرفة ــ أي كمال وأي ريادة وأي معرفة! ــ وترسخ حالة الغيبوبة، التي تعجز أفدح الكوارث وأعظمها شأنا عن فك طلاسمها، أو تهيئة المناخ المناسب للافاقة منها .

الفشل في مواجهة العصر، يدفع للارتداد إلي التاريخ، الحاضر المظلم، يفضي إلي الارتماء في أحضان الماضي السعيد، حتي ولو لم يكن سعيدا بالفعل، وهو لم يكن كله سعيدا بالمناسبة، وحتي لو كان، فإن أدواته لا تصلح لمجابهة الحاضر، ناهيك عن المستقبل .

سألته: هل هناك أمل في الاصلاح؟ أطرق.. وبرجز في مكانه.. ثم لاذ بالصمت، لأنه لم يفهم وأخشي أنه لن يفهم، أو ربما يفعل بعد فوات الأوان .