للأسبوع الثانى يواصل لبنان «ثورة أكتوبر»، كما يطيب للبعض، من حراكه الشعبى تسميتها، ربما تيمناً لنجاح- مع الفارق الأيديولوجى- ثورة أكتوبر الروسية 1917، التى غيرت وجه النظام «القيصري»، لصالح المزيد من «العدل الاجتماعي» الذى انتزعته الجماهير المطحونة من أيدى دهاقنة «الأوليجاركية» المهيمنة على السلطة والثروة معاً قبل نحو قرن من الزمان، لتتحول روسيا منذ ذلك التاريخ إلى إحدى القوى العظمى فى العالم، وإذ بهذا المفهوم من الجائز اعتبار ما يجرى راهناً من حراك ثورى فى لبنان، بوصفه مركز الفكر السياسى العربى لأسبابه، مقدمة لأن ينتقل لأبعد من حدوده.. فى اتجاه التصويب السياسى والمجتمعى للمنظومة العربية التى تعانى- كلبنان- من اهتراء أوضاعها البنيوية، إذ بنصرته ينتصر العرب، كونه الفائض الجغرافى والسياسى لمشاكل المنطقة، المتفق عليه، الأمر الذى يدعو الخصوم على مختلف مشاربهم داخل الإقليم ومن خارجه، وعلى الصعيدين المحلى اللبنانى والعربى، إلى شحذ جُلّ مخططاتهم المضادة- القديمة الجديدة- ليس فقط لتطويع ما تبقى من جيوب المقاومة العربية، بل أيضاً لإفشال ما يمكن أن يترتب على نجاح الانتفاضة اللبنانية من نتائج قد تؤدى إلى ازدهار العالم العربى برمته، إذ بهذا المعنى يمكن اعتبار ما يجرى فى لبنان راهناً من حراك شعبى.. ثورة لبنانية بقدر ما هى ثورة عربية، ليست منقطعة الصلة بسابق ثورات «عروبية» كان لبنان مسرحها، سواء فى العام 1958 (لمنع التمديد لرئاسة «شمعون» فى السياق الغربى..)، أو عند بدء الحرب الأهلية 1975 – 1989 على وقع تعقيدات الحرب والسلام للصراع العربى- الإسرائيلى، وليس آخراً عن «ثورة الأرز» 2005.. فى إطار السجال المحتدم حول القبول من عدمه، لمشروع الشرق الأوسط الجديد «والموسع»، لا تزال إرهاصات العمل على تمريره- بشكل أو آخر- ممتدة إلى اليوم، ربما كان على لبنان- بحكم أقداره- أن يكون فى مقدمة من يدفع ضريبته.
إلى هذه السياقات المتداخلة بين المنتصرين للثورة أو المعترضين عليها، يقف الجيش اللبنانى أقرب إلى الحياد بجانب المتظاهرين، فيما تفصل السلطات الأمنية بين كل من صفوف المحتجين.. وبين مثيرى الشغب أو المتحرشين بالمتظاهرين العزل الرافضين لكل من كلمات التهدئة عن أركان العهد، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وزعيم «حزب الله»، ملمحين بأجندات خارجية من وراء المظاهرات، قد تتحول إلى حرب أهلية، ذلك فيما تصعد الولايات المتحدة مع حليفاتها الإقليميات غير العربيات أو العربية من محاولاتهم التضييق على إيران من أجل تطويعها لصالح الاستراتيجية الأميركية، من ناحية، وللحيلولة دون فاعلية تحالف طهران مع كل من موسكو وبكين فى المنطقة من ناحية أخرى، كما لا يمكن تبرئة الشركاء المحليين من مسئولية اندلاع الانتفاضة الحالية، والعمل على تأجيجها، ما يتسبب فى حشر الوضعية اللبنانية بين مطرقة الغرب وسندان إيران، ما يعزز- راهناً- بوادر صدام فى لبنان، حيث يدخل «حزب الله» بقوة على خط المظاهرات، تحول بينهما القوى الأمنية التى تدخلت بفاعلية لتشكيل جدار بشرى لحماية المتظاهرين، حتى وكأن الأمر فى طريقه لأن يبدو أقرب إلى مواجهة- ربما- بين المتظاهرين فى حماية الجيش والأمن.. وبين مسلحى «حزب الله» وكوادر «التيار الوطنى» الموالى للرئيس.. الذى يتجه بدوره إلى تحويل الأزمة إلى البرلمان والحكومة، ذلك فى الوقت الذى ينأى الحراك الشعبى بنفسه عن السياسيين من مختلف الأحزاب.. بالتوازى مع احتضانه للفنانين والأدباء والإعلاميين.
خلاصة القول فيما ليس معلوماً حتى الآن إلى أين سينتهى الحراك الشعبى الراهن من نتائج، إلا أنه من المقطوع به، بحسب وكالات الأنباء العالمية، رويترز، أن اللبنانيين يعلنون أهم ثورة فى التاريخ، ذلك كأفضل توصيف للوضع الحالى بشأن مستقبل لبنان، لتصويب محتمل لمجمل المنظومة العربية.