رأى خبراء مصرفيون ومحللون اقتصاديون، أن السبب الأساسى وراء طرح البنوك شهادات ادخار دولارية بعوائد مرتفعة يعود إلى ارتفاع معدلات السحب فى الفترة الأخيرة، ناهيك عن وجود أزمة حقيقية فيما يتعلق بالسيولة بالعملة الأجنبية.
وأضافوا، فى تصريحات لـ«المال»، أن هذه الشهادات تعمل فى مسارات ثلاثة، تعزيز الحصيلة الدولارية؛ عبر استهداف المصريين الموجودين فى الخارج، ناهيك عن كل الراغبين فى استثمار أموالهم من خلال النظام المصرفى المصري، بالإضافة إلى الحفاظ على المدخرات الحالية الموجودة لدى البنوك بالفعل ومنع هروبها إلى الخارج، وأخيرًا اجتذاب حصائل دولارية من الخارج.
وانخفضت قيمة الودائع تحت الطلب بالعملة الأجنبية، وفقًا لتقارير حديثة صادرة عن البنك المركزي، من 245.712 مليار جنيه فى شهر يوليو الماضي، إلى 241.144 مليار جنيه بنهاية أغسطس الماضى، بانخفاض بلغ بنحو 4.568 مليار جنيه.
ومن أجل سد الفجوة الدولارية واجتذاب أموال بالعملة الصعبة، سارع عدد من البنوك إلى طرح شهادات دولارية بعوائد مرتفعة.
قال ماجد فهمي؛ رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، إن هناك الكثير من الأسباب التى تدفع البنوك إلى طرح الشهادات الدولارية ذات المدد والآجال المختلفة، وبمعدل فائدة أعلى مما كانت عليه فى السابق، لاسيما أن معدل الفائدة على الدولار يرتفع فى العالم كله، وبالتالى ليس منطقيًّا أن يظل العائد على الودائع الدولارية كما هو دون تحريك.
وكان مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى أعلن27 يوليو الماضي، رفع سعر الفائدة بمقدار 0,75 نقطة مئوية، مشيرًا إلى أن سعر الفائدة سيتراوح بناءً على ذلك بين 2,25 و2,50%.
وأضاف، فى تصريحات لـ«المال»، أنه كان لابد من طرح شهادات دولارية بعائد مرتفع؛ إذ لو لم يحدث ذلك فقد تتسبب معدلات الفائدة المتدنية فى هروب الودائع الدولارية خارج مصر.
وذكر أن المستهدف بهذه الشهادات الدولارية المصريين وغير المصريين على حد سواء، ممن لديه ودائع بالعملة الصعبة أو يرغب فى استثمار أمواله المدخرة من خلال القطاع المصرفي، مبينًا أنه ليس ثمة ما يمنع من أن يكون هناك مستثمر غير مصرى أو حتى مجرد شخص عادى لديه ودائع دولارية ويريد استثمارها فى إحدى الشهادات الدولارية التى تطرحها البنوك بمدد وآجال مختلفة.
وأفاد «فهمي» أن طرح شهادات دولارية بعائد مرتفع سوف يدفع المصريين العاملين بالخارج –وهم أحد مصادر العملة الصعبة – إلى تحويل أموالهم إلى مصر، معتبرًا أن خطوة كهذه تنطوى على كثير من المكاسب الاقتصادية.
ولفت إلى أن مثل هذه الخطوة- أى طرح شهادات دولارية بعائد مرتفع– إنما هى أحد الحلول غير التقليدية لحل مشكلة جوهرية، وهى تلك المتمثلة فى نقص العملة الصعبة، ومن ثم كان لابد من بعض الحلول غير المألوفة، عسى أن تكون قادرة على تقديم حل لتلك الأزمة.
وسجلت قيمة الودائع تحت الطلب بالعملة الأجنبية للقطاع الحكومى انخفاضًا من 14.511 مليار جنيه بنهاية يوليو الماضي، إلى 12.093 مليار جنيه بنهاية شهر أغسطس الماضي.
كما انخفضت قيمة الودائع تحت الطلب بالعملة الأجنبية للقطاع الخاص من 159.277 مليار جنيه من يوليو الماضي، إلى 153.342 مليار جنيه بنهاية أغسطس الماضى.
وأوضح أن حلًا كهذا، رغم أهميته فى الوقت الراهن، إلا أنه لا يعدو كونه حلًا مؤقتًا أو قصير الأمد، وإنما الأهم هو الاهتمام بالتصدير، واستجلاب العملة الصعبة من خلال ذلك.
وذكر أن الشهادات الدولارية التى يطرحها القطاع المصرفى حاليًا ستدر قدرًا غير قليل من الأموال، وإن كان من العسير توقع حجم هذه الأموال بالضبط، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستعمل على تزويد الحصيلة الدولارية.
وفيما يتعلق بالتخوف من التكلفة المرتفعة لهذه الشهادات، فقد رأى رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، أن هذا التخوف لا أساس له، خاصة أن البنوك قادرة على توظيف هذه الأموال على نحو جيد، وبالتالى الحصول على عوائد من خلالها أعلى من تلك التى تقدمها كفوائد للعملاء.
وفى السياق ذاته، نفى أن تكون هذه الشهادات تدفع نحو تعزيز «الدولرة»، لافتًا إلى أن الوقت الحالى ليس هو وقت الطروحات المثالية، وإنما لا بد من حلول عاجلة وغير تقليدية؛ كي يكون فى المستطاع الخروج من أزمة نقص العملة الصعبة التى تعانى منها البلد فى الوقت الراهن.
وأكد أن الشهادات الدولارية ذات العوائد المرتفعة ستدفع فى مسارات ثلاثة: تجميع مدخرات جدديدة، الحفاظ على المدخرات الحالية الموجودة بالفعل لدى القطاع المصرفى، وأخيرًا اجتذاب مدخرات دولارية من غير المصريين الذين قد يرغبون فى الاستثمار فى هذه الشهادات.
ومن جانبه، قال هانى جنينة، الخبير الاقتصادى والمحاضر بالجامعة الأمريكية، إن العميل الأسهل استهدافًا بالشهادات الدولارية هو العميل الذى لديه وديعة دولارية فى البنك بالفعل، سواءً كان ذلك شركات أو أفرادا.
وأضاف، فى تصريحات لـ «المال»، أن المصريين فى الخارج مستهدفون بهذه الشهادات أيضًا، مبينًا أنه من الصعب الجزم ما إذا كانت هذه الشهادات، حتى بمعدل الفائدة الجديد، ستجذب المصريين الذين لديهم مدخرات دولارية فى البيوت.
ورأى أن حجم الأموال الذى ستجذبه هذه الشهادات الدولارية، فى الأمد القصير، وتحديدًا حتى يتم الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، سيكون محدودًا؛ إذ إن الأمر سيقتصر على العملاء الذين لديهم حسابات جارية بالعملة المحلية ثم يقررون تحويلها إلى ودائع دولارية من خلال هذه الشهادات.
وقرر بنك القاهرة، مؤخرًا، رفع أسعار الفائدة على شهادات الادخار الدولارية، «البريمو» بآجال 3 و5 و7 سنوات بحد أقصى %5.30 بدلًا من %2.25.
كما قرر البنك الأهلى المصرى رفع العائد على الشهادة الذهبية الجديدة لمدة 3 سنوات لتصل إلى %5.30 سنويًّا، و%5.25 نصف سنويًّا، و%5.20 ربع سنويًّا، و%5.15 شهريًّا وبحد أدنى 500 دولار ومضاعفتها.
وأفاد أنه فى الأمد المنظور، أى إذا استبانت الرؤية لصندوق النقد الدولي، وذلك خلال أسبوع أو اثنين على الأكثر، قد يكون هناك ارتفاع فى حصيلة الأموال المجتذبة من خلال هذه الشهادات الدولارية التى يطرحها القطاع المصرفى فى الوقت الراهن؛ إذ قد يكون العملاء مطمئنون أكثر على ودائعهم الدولارية.
وأوضح «جنينة» أن سبب طرح هذه الشهادات الدولارية فى الوقت الراهن هو وجود ازدياد فى نسب ومعدلات السحب؛ لاسيما أن هذه الشهادات تشجع على الاستثمار طويل الأجل؛ إذ من ضمن خصائص هذه الشهادات أنه لا يمكن كسرها إلا بعد ستة أشهر أو سنة، على حسب نوعية كل شهادة.
وتابع: أن المصارف ستضمن من خلال ذلك –أى عدم القدرة على كسر الشهادة إلا بعد عام أو نصف عام على الأقل– تحجيم معدلات السحب؛ إذ لا أحد يبغى أن يفقد قدرًا من أمواله إذا كسر وديعته قبل أجلها المحدد.
ومن ناحيتها، قالت سهر الدماطي، الخبير المصرفى والمحلل الاقتصادي، إنه كلما يعمل الفيدرالى الأمريكى على رفع الفائدة كلما تقوم البنوك المركزية، بالتبعية، فى الخليج على سبيل المثال برفع الفائدة.
وأضافت، فى تصريحات لـ«المال»، أن الفوائد الدولاية وصلت الآن إلى %3.25، لافتة إلى أنه من المتوقع أن يتم رفع الفائدة 75 نقطة فى الاجتماع القادم، ثم فى الجلسة الأخيرة 50 نقطة، ومن ثم قد تصل الفائدة إلى %4.5.
ولفتت إلى أن المصريين فى الخارج لن يقدموا على تحويل مدخراتهم الدولارية إلى مصر فى ظل معدلات الفائدة المنخفضة على الدولار، مقارنة بكونها ستصل -على المدى القريب- إلى حوالى %4.25 فى الدول الأخرى، وبالتالى كان لابد من طرح شهادات دولارية بعوائد أعلى مما هى عليه الآن.
وتستعد عدة بنوك عاملة فى السوق المحلية لرفع أسعار الفائدة على شهادات الادخار الدولارية خلال الأيام القليلة المقبلة.
وقالت مصادر مطلعة فى تصريحات لـ«المال»، فى وقت سابق، إن معدل العائد على الشهادات الدولارية التى تدرس البنوك زيادتها ستكون فى نطاق الفائدة التى طرحها بنكا الأهلى المصرى ومصر.
وتوقعت المصادر أن تكون نسبة الزيادة التى ستقرها المصارف أقل من العائد الذى يقدمه «الأهلى» و«مصر» بحوالى 0.5 إلى %1.
وأشارت إلى أن كثيرًا من الناس لديهم عملات دولارية أو مكتنزات دولارات، وهؤلاء ينتظرون فرصة ارتفاع الدولار أمام الجنيه إلى أقصى مدى ممكن قبل أن يحولوا ودائعهم إلى العملة المحلية.
وتابعت أن هذه الشهادات الدولارية تطرح فرصة أمام مكتنزى الدولار هؤلاء لكى يستثمروا مدخراتهم من خلال الشهادات على حسب المدد التى تناسبهم سواءً كانت 3 أو 5 أو 7 سنوات.
ورأت أنه من العسير جدا تحديد أحجام الأموال التى يمكن اجتذابها من خلال هذه الشهادات، ولكن خلال أسبوعين فقط من الآن قد يكون بالمستطاع تحديد مدى الإقبال على هذه الشهادات الدولارية الجديدة، ومن ثم حجم الأموال التى جُذبت من خلالها.