تشهد مصر حالياً- لأول مرة- مناورات مشتركة- لعشرة أيام- مع روسيا، يشرك فيها نحو 700 مقاتل من مختلف الأسلحة لكلا الجانبين، ليس بغرض التدريب فحسب.. بل للارتقاء أيضاً بسبل مكافحة الإرهاب- الناشط فى السنوات الأخيرة- على حدود مصر الشرقية والغربية، الأمر الذى سبق لدول كبرى أن أبدت استعدادها للتدخل لمواجهته فى سيناء (وغيرها).. لولا ما ثبت عملياً ممن عدم جديتها بالنسبة إلى حالات مماثلة فى سوريا والعراق وليبيا.. إن لم تكن قد زادت الأمور تعقيدًا، ذلك على نحو مغاير لما لمسته مصر بالنسبة لجدية روسيا فى عقود سابقة.. والأعداء يعثون فى حجراتها صخباً وتدميراً، ذلك قبل فض أواصر الصداقة من جانب مصر 1975، لتعود مجدداً فى 2013 على نحو أكثر وعياً لما يدور فى المنطقة والعالم.
إلى ذلك، يتواصل السجال فى الشرق الأوسط.. بين «السلام الأميركى» paxa Americana الذى كان له قصب السبق بعد تفكك الاتحاد السوفيتى السابق مطلع التسعينيات.. وبين روسيا الجديدة «المنفتحة» العائدة حثيثاً منذ 2007 كى تتبوأ سابق مكانتها فى النظام الدولى من بعد ثبوت إخفاقات «الأحادية الأميركية» خلال ربع القرن الأخير عن قيادة العالم منفردة.. بحيث فقدت بريقها العالمى- أو تكاد- ولتتجه لانعزاليتها المحتملة لما وراء الباسيفيكى، وفقاً لمحاذير يتوقعها أصدقاؤها فى الشرق الأوسط (..) وفى الشرق الأقصى (اليابان) تدفعهم إلى تحسين علاقاتهم مع موسكو بفضل تأثيرها المتنامى (مع الصين وربما مع مجموعة دول بريكس) على مجريات الأحداث.. ذلك فى إطار دولة «قوية» كبرى.. أتاح لها التراخى الأميركى والغربى أن تضم إليها القرم.. كما التدخل فى الشرق الأوكرانى.. ناهيك عن اقتحامها العسكرى الدراماتيكى فى شرق البحر المتوسط (سوريا) نهاية سبتمبر 2015، كما نجحت روسيا- وبالرغم من كل شيء- أن تفرض نفسها- على غير توقع- حليفاً براجماتيًا، الأمر الذى يعظم من مركزها فى ظل وفاق إقليمى دولى مرتقب.. من المرجح أن تلعب روسيا من خلاله دوراً متزايداً يوماً بعد آخر، فى وقت تتوالى فيه اعترافات أميركية- على لسان الرئيس- بالبشاعات التى ارتكبتها بلاده من اليابان إلى فيتنام إلى لاوس إلى العراق.. إلخ، لا تزال تطارد ضمير العالم.
فى هذا السياق، وبسببه، تبدو روسيا عازمة على استكمال الشوط إلى نهايته، عسكرياً وسياسياً بسيان، وإلا ارتدت إلى حقبة التسعينيات، دولة محاصرة مهانة من الغرب، وما عليها لتلافى العودة إلى ذلك المصير- علاوة على تعظيم قواها الذاتية- غير العمل على توظيف الفراغ الذى تخلفه الولايات المتحدة فى أزمات المنطقة، ومن ثم إلى تنمية العلاقات مع الجارات غير العربيات، إيران وتركيا وإسرائيل، حيث يستخدم كل منهم الآخر.. وسط عجز عربى- باستثناء مصر- التى كان من اللافت اتفاق مختلف الأطراف على دعوتها لأول مرة- لحضور المحادثات الدولية- الإقليمية حول الأزمة السورية فى «لوزان» قبل أيام، ما يبرهن على مبدئية سياساتها بالنسبة لمختلف أزمات المنطقة.. فى وقت تؤكد فيه روسيا من جديد قطبيتها العالمية، وعندئذ قد يمكن لمصر بعد طول غياب… أن تستعيد مركزيتها.
شريف عطية