تستهدف الحكومة المصرية زيادة مشاركة القطاع الخاص فى الاستثمارات خلال الـ3 سنوات المقبلة لتصل إلى حوالي %65 مقارنة مع %30 حاليًا وذلك ضمن خطتها للتعامل مع الأزمات الوقت الحالى التى فرضتها الساحة العالمية وأثرت بدورها على الصعيد المحلى.
ورصدت «المال» آراء الخبراء حول الدوافع وراء هذا التطلع، بجانب تأثيرات الزيادة المتوقعة لاستثمارات القطاع الخاص فى الاقتصاد المصرى على الموازنة العامة للدولة خلال السنوات المقبلة.
وقال الخبراء إن زيادة تلك المشاركة تُعد بمثابة عودة طبيعية للقطاع الخاص لتمثيله فى الاقتصاد المصري، موضحين أن التوابع ستكون إيجابية على الموازنة العامة للدولة عبر تخفيف الضغط على حجم الإنفاق الحكومى وتوجيهه لدعم الجهات الأكثر احتياجًا.
وكانت الحكومة المصرية نشرت مؤخرًا «وثيقة سياسة ملكية الدولة»، مثل إستراتيجية قومية تستهدف توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص فى الاستثمارات خلال الـ3 سنوات المقبلة.
من جهته، قال محمد ماهر، الرئيس التنفيذى فى شركة «برايم القابضة للاستثمارات المالية»، إن نشر وثيقة ملكية الدولة خلال الفترة الأخيرة بغرض زيادة مشاركة القطاع الخاص من إجمالى الاستثمارات من جانب الدولة يُعد هدفا طموحا، موضحًا أن نسبة مساهمة القطاع الخاص فى الاقتصاد البالغة %30 تعد نسبة منخفضة عند النظر لأوضاع باقى الأسواق الناشئة المجاورة.
وأوضح أنه لتحقيق هذا الهدف ينبغى العمل على تسهيل جميع الإجراءات المتعلقة بالبيئة الاستثمارية للقطاع الخاص، وأيضًا الرسوم والمتطلبات الخاصة بجميع الأنشطة الاقتصادية التى يتحملها المستثمر.
واقترح أن يكون هناك جهة واحدة يمكن من خلالها المستثمر إنهاء جميع الإجراءات المتعلقة بالعملية الاستثمارية الخاصة به، إلى جانب تفعيل العمل بنماذج الموافقات المسبقة.
ولفت إلى أن الحكومة المصرية تصدرت الموقف الاستثمارى خلال السنوات الماضية، وهو ما أظهر الحاجة إلى ضرورة أن تكون هناك مشاركة فيما بينها وبين القطاع الخاص، خاصة فى ظل الظروف الحالية التى تحدث على الصعيدين المحلى والخارجى.
وأشار إلى أنه فى ظل جميع التعقيدات المتعلقة بالعملية الاستثمارية ظهرت لدى القطاع الخاص توجهات بالتوسع الخارجى وضخ استثمارات فى دول مجاورة بغرض الاستفادة من المحفزات التى تُطرح بتلك الأسواق.
يُذكر أن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أكد سابقًا أن «وثيقة سياسة ملكية الدولة» تعدُ خطوة رئيسية فى إطار زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد، وتمثل رسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وعنصر جذب للاستثمار الأجنبى أيضًا، كما تسهم فى تعزيز ثقة المؤسسات الدولية، بما يجعلها خطة متكاملة تستهدف تمكين القطاع الخاص وتنظيم تواجد الدولة فى النشاط الاقتصادي، وذلك استكمالا للإصلاحات الحكومية التى تتبناها الدولة المصرية.
وتضمنت مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة، تخلص الحكومة تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها فى حوالى 79 نشاطًا فى القطاعات المختلفة، ومن هذه الأنشطة الاستزراع السمكى والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد- وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي- وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.
ويتلخص أهم أهداف الوثيقة فى رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص، وتركيز تدخل الدولة فى ضخ الاستثمارات والملكية فى أصول تعد عملًا أصيلًا للدولة، مثل البنية التحتية، والتعليم والصحة.
من جانبه، قال هانى جنينة الخبير الاقتصادي، إن نسبة مساهمة القطاع الخاص فى الاقتصاد المصرى حاليًا تُقدر بنحو %30 فقط، فيما تؤول النسبة المتبقية بواقع %70 للقطاع الحكومى بجهاته المختلفة، لافتًا إلى أن الحكومة تستهدف أن يحدث نوع من المبادلة بمعنى أن يصبح مساهمة الأول %70 وهى النسبة المتبقية.
وأضاف أن قيمة الاستثمارات المنفذة من جانب القطاع الخاص خلال عام 2007 كانت تُمثل حوالى %15 من الناتج المحلى الإجمالي، فى حين بلغت حوالى %3 خلال عام 2021.
وأكد أن هناك عدة عوامل يجب توافرها، حتى يٌمكن زيادة استثمارات القطاع الخاص خلال الفترات المقبلة مقارنة بالنسب الحالية، أولها أن تقل المنافسة من جانب القطاع الحكومى فى بعض الصناعات، لافتًا إلى أن تواجد القطاع الحكومى مؤخرًا ظهر بشكل واضح فى العديد من الصناعات من الحديد والأسمنت والوساطة المالية والأغذية بصناعات الأجبان وغيرها.
وأشارإلى أن العامل الثانى يتمثل فى أن يكون هناك استقرار تشريعى للقوانين والسياسات المتعلقة بالاستثمار، مؤكدًا أن الكثير من الشركات المصرية يعانى بشكل كبير من تغير السياسات المتوالي، مثل زيادة أسعار الغاز أو زيادة أسعار الفائدة وأيضًا أسعار الصرف، والتى تؤثر بدورها على وضع الاستثمارات الخاصة بهم وحجم ومعدلات الإنتاج وأيضًا قيمة التكاليف التى تتحملها تلك الكيانات.
وأوضح أن العامل الثالث يتعلق بمحاولة جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية للسوق المصرية، منوها على أن ذلك سيكون له دور كبير فى تسريع وتيرة زيادة استثمارات القطاع الخاص المحلى فى الاقتصاد المصرى من خلال الشراكات التى تتم فيما بين الجانبين.
ولفت إلى أن وضع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسوق المصرية يتسم بالضعف منذ عدة سنوات،إلى جانب أنها تتركز بشكل أساسى فى قطاعات الغاز والبترول دون غيرها من باقى القطاعات الأخرى.
وقال إن هناك حاجة للعمل بشكل جاد للعمل على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة المقبلة، بوضع بيئة تشريعية ميسرة.
وأشار إلى أن بعض الشركات المحلية ظهر لديها توجهات مؤخرًا لتنويع استثماراتها والتواجد فى أسواق خارج مصر، بهدف تحقيق أقصى استفادة وتنويع حجم المخاطرة على الاستثمار، موضحًا أنه رغم إيجابية هذا التوجه بالنسبة للكيانات العاملة إلا أنهُ وضع غير جيد للسوق المحلية.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى أصدر فى وقت سابق حزمة تكليفات للحكومة لتشجيع القطاع الخاص وزيادة مشاركته فى النشاط الاقتصادي، حيث كلف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص فى الأصول المملوكة للدولة بمستهدفات تصل إلى 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات.
كما كلف الحكومة بطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة فى البورصة قبل نهاية العام الحالي، كانت مصر أعلنت فى 2019 عزمها طرح حصص من شركات مملوكة للدولة فى البورصة.
وجاء ذلك خلال حفل إفطار الأسرة المصرية الذى أُقيم فى شهر رمضان الماضى إن المرحلة المقبلة ستشهد دعما مضاعفا للقطاع الخاص للاضطلاع بدوره فى تنمية الاقتصاد، وأكد حينها أن الدولة ستضع كل الإمكانيات الممكنة لتوفير البيئة اللازمة لتحقيق ذلك.
وقالت إسراء أحمد محلل الاقتصاد الكُلى ببنك الاستثمار «الأهلى فاروس» إن وثيقة ملكية الدولة التى تم نشرها مؤخرًا تعتبر بادرة طيبة فيما يخص إرساء إطار الشفافية بخصوص مجالات الاستثمار ودور الكيانات العاملة فيه والدور المتوقع والمستهدف للقطاع الخاص.
وأشارت إلى أن استثمارات القطاع الخاص بلغت خلال العام المالى المنقضى 2021-2020 حوالى %26 وهى نسبة منخفضة جدًا فى حين أن الحكومة تستهدف زيادتها لتصل إلى %65 خلال الـ3 سنوات المقبلة.
وأوضحت أنه مع التركيز على أهمية المزيد من الشفافية بخصوص أولويات الدولة وسياساتها المالية والنقدية خلال الفترة المقبلة، إلا أن هناك مجالات مختلفة تتطلب مجهودات لتشجيع الاستثمارات الخاصة على نحو أكبر.
وأضافت أنه على رأس تلك الأولويات هى المضى قدما فى تبسيط إجراءات فض النزاعات التجارية وتطوير المحاكم الاقتصادية.
وتابعت إن تحديث وميكنة نظم الجمارك وهو ما تعمل عليه الدولة حاليا، والسعى إلى تحسين التعليم الفنى بغرض التنسيق بين المهارات المطلوبة فى سوق العمل وبين التعليم الفعلى ضمن الجهود المطلوب بذلها.
وأشارت إلى أنه يجب وضع سياسات متخصصة للقطاعات مختلفة لتشجيع الاستثمار فيها بوجه خاص، كقطاع تكنولوجيا المعلومات، والاستثمار فى الزراعة وتصنيع المنتجات الزراعية، والصناعات الوسيطة، مشيرة إلى أن جميعها تعتبر قطاعات مهمة للتشغيل والنمو والتصدير، وهو ما تشير إليه التقارير الدولية من توصيات.
وبشكل عام قالت «أحمد» أن تحقيق المستهدف من زيادة استثمارات القطاع الخاص ضمن مخططات الدولة فإن ذلك سيُحدث تأثيرًا إيجابيًا على إيرادات الموازنة العامة للدولة والحصيلة الضريبية أيضًا.
فى سياق متصل، ترى سارة سعادة، محلل الاقتصاد الكُلى فى بنك الاستثمار «سى آى كابيتال»، أن السعى إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص خلال السنوات المقبلة من إجمالى الاستثمارات سيكون له دور كبير فى زيادة معدلات التوظيف وتقليل نسب البطالة.
ولفتت إلى أن زيادة معدلات التوظيف من جانب القطاع الخاص، سيخفف من حدة الضغط على الموازنة العامة للدولة فيما يتعلق ببند الأجور.
وأضافت أن زيادة الاستثمارات من جانب القطاع الخاص، سيقابله محدودية فى القيم التى تُنفذ من جانب الحكومة وهو الغرض الأساسى من سياسة الدولة.
وأشارت إلى أن ذلك سيعطى مجالا أكبر للحكومة أنها تقلل عجز الموازنة أو توفير الاستثمارات الخاصة بها، للحماية الاجتماعية وهو ما يُمثل الدور الأساسى الخاص بها، موضحةً أن ذلك ظهر بشكل واضح فى وثيقة الدولة بالقطاعات التى أعلنت الدولة مساعيها لاستمرار التواجد بها مثل التعليم والصحة وغيرها.
وقالت إن السعى من جانب الدولة لزيادة مساهمة القطاع الخاص فى الاستثمارات يتطلب حزمة من المحفزات الضريبية أو المحفزات على التصدير، بالإضافة إلى إمكانية المشاركة فى الأصول وهو ما أعلنتهُ الدولة.
تجدر الإشارة إلى أن مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة، تضمنت إبقاء الدولة على استثماراتها فى 27 نشاطًا مع الاتجاه لزيادتها مستقبلًا، ويتعلق أغلبها بأنشطة البنية التحتية والقطاعات ذات الأبعاد الإستراتيجية والاجتماعية، منها التعليم والصحة، مع السماح أيضًا بمشاركة القطاع الخاص، وأنشطة تجارة الجملة ومحطات إنتاج مياه الشرب وشبكات توزيع المياه، وإنشاء الأرصفة، والبنية التحتية والنقل البحرى والسكك الحديدية ومترو الأنفاق والنقل الجوى وصناعات السفن، وخدمات التليفون الأرضى والاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعى والتليفزيونى.