تشهد القارة السمراء إقبالًا من جانب الشركات العالمية للسيارات على تدشين مصانع لها لإنتاج السيارات ؛ لتلبية الطلب المحلى ببعض الدول، والتصدير لدول الجوار؛ ففى جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، يوجد نحو 11 مصنعًا ، وفى نيجيريا 6، وفى إثيوبيا 6 كذلك ، كما يتواجد بكينيا مصنعان ، وفى رواندا مصنع واحد حتى الآن يخص العلامة الألمانية فولكس فاجن.
هذه الأعداد الكبيرة من المصانع لا تشمل توسعات الشركات العالمية فى الشمال الأفريقى ؛ ففى المغرب هناك 5 مصانع، وفى الجزائر نحو 22 مصنعًا.
فيما تضم مصر نحو 17 مصنعًا للسيارات، مع العلم بأن هذه المصانع، وفق التصريحات الحكومية ووفق مسئولى التوكيلات التجارية، غير مخصصة فحسب للاستخدامات المحلية، بل تستهدف التصدير.
ويعتبر التصدير أحد الأركان التى يحصل على أساسها المستثمرون على الحوافز التى تستهدف الحكومة منحها فى إطار خطط النهوض بصناعة السيارات ومكوناتها.
فكيف ستتأثر فرص تصدير السيارات من مصر بتوسعات الشركات العالمية فى القارة السمراء؟
يقول خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعى السيارات، إن عددًا من الدول الأفريقية أصبح لها السبق فى هذه الصناعة وصارت لها شهرة واسعة تفوق الصناعة المصرية والتى لا تعتبر صناعة كاملة بل مجرد صناعة تجميعية.
وأضاف أنه قبل الحديث عن مدى قدرة الصناعة المصرية على التصدير، هناك فترة زمنية تحتاج إليها الشركات للعودة إلى المنافسة، موضحًا أن توسعات الشركات العالمية ستؤثر بالسلب على فرص التصدير المحلية.
ولفت إلى ضرورة قيام السلطات المصرية ببحث فرص التصدير والتعاون مع مختلف الدول الأفريقية، من خلال استغلال الاتفاقات التجارية المبرمة معها.
وبسؤاله عن الجدوى الاقتصادية للاستيراد من مصر بالنسبة للدول المجاورة لبعض الدول الأفريقية التى حققت طفرة بصناعة السيارات؛ أكد سعد أن الأمر يتوقف على فارق التكلفة، فضلًا عن الجودة بين المصانع فى مصر ونظيرتها فى الدول الأفريقية الأخرى.
ونوه بأهمية تعديل آليات احتساب المكونات المحلية فى صناعة السيارات لتصبح بالقيمة المضافة بدلًا من النسب المئوية التى تعتمدها الحكومة حاليًّا.
◗❙ على توفيق: لا بد من مراجعة طريقة احتساب نسبة المكون المحلى
ويتم تقدير نسب المكونات المحلية حاليًّا من خلال إعطاء وزن نسبى لكل مكون يجرى إنتاجه فى مصر، ويتم فى نهاية الأمر جمع النسب المئوية لكل المكونات المصرية التى أدخلها المصنع فى السيارة لتنتج بذلك نسبة المكون المحلى الإجمالية والتى تقدر بنحو 45%.
ومع ذلك لفت سعد إلى أنه فى حال القيام بالتصدير عبر المناطق الحرة، لن تتأثر العملية بآليات احتساب المكونات المحلية للسيارات، ولا ما يتعلق بها من أساليب احتساب الضرائب والجمارك؛ لأنه فى هذه الحالة سيتم استيراد السيارة من الخارج وتخزينها فى المناطق الحرة وإعادة تصديرها للدول الأفريقية دون المرور من المنافذ الجمركية المصرية.
من جانبه قال حسين مصطفى، خبير صناعة السيارات، إن دولة جنوب أفريقيا متقدمة بشكل كبير فى هذا المجال، ومن الصعوبة بمكان التوريدُ لها من السوق المحلية، بل إنها كانت تقوم بتوريد احتياجات مصر من بعض العلامات التجارية التى كانت تنتج بمواصفات قياسية عالمية.
ويوجد فى جنوب أفريقيا 11 مصنعًا تخص عدة علامات تجارية، وتمتلك هذه المصانع: تويوتا وفولكس فاجن وفورد ومرسيدس بنز وجنرال موتورز وبايك وبى إم دابليو وتاتا موتورز وإيسوزو ومان تراك وايفيكو.
وفى نيجيريا 6 مصانع سيارات مملوكة لكل من بيجو ومان تراك وميتسوبيشى فوزو وهوندا وIVM وسينوتراك، كما يوجد فى إثيوبيا 6 مصانع تخص كيا وتشجيانغ جيلى وبيجو وفاو وبى واى دى ومان تراك.
◗❙ حسين مصطفى: بداية قوية فى رواندا رغم ظروف الحرب الأهلية
وذكر أن رواندا تمكنت من تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة رغم الظروف الصعبة التى مرت بها من حرب أهلية وغيرها بشكلٍ جعلها محطّ اهتمام الشركات العالمية الراغبة فى استغلال الفرص الصناعية المتاحة. ويوجد فى رواند مصنع لمجموعة فولكس فاجن الألمانية.
أما كينيا فأكد مصطفى أنها أصبحت مركزًا تجاريًّا بالنسبة للقارة السمراء، كما أنها جذبت عدة شركات تصدير مصرية جعلت منها مركزًا للانطلاق نحو الدول الأفريقية الأخرى عبر المقارّ والمعارض الدائمة، مشيرًا إلى أن هذه الأهمية التجارية دفعت شركات سيارات عالمية لضخ استثمارات كبيرة بها. وفى كينيا يوجد مصنعان يخصان فولكس فاجن وبيجو.
ومع ذلك قال مصطفى إن صناعة السيارات فى العديد من دول وسط وغرب أفريقيا لم تصل للحد الذى يمكّنها من السيطرة على السوق والتصدير، بخلاف الوضع فى جنوب القارة، الأمر الذى يمكن الرهان عليه مستقبلًا عبر إنتاج المركبات فى مصر بسعر منافس وجودة عالية.
وشدد على ضرورة الأخذ فى الاعتبار نسبة التصنيع المحلى ومدى تطابقها مع نسبة المكون المشترَطة فى اتفاقات الشراكة الأفريقية المتعددة، والتى يشترط أغلبها 40% بطريقة القيمة المضافة. واعتبر أن السعر هو المحدِّد لقرار الشراء فى مختلف الدول الأفريقية، وهو الذى يحسم المنافسة فى النهاية.
وأضاف أن فرص مصر موجودة بشكل رئيسى فى صناعة الأتوبيسات والنقل الخفيف والبيك اب؛ فى الوقت الراهن.
وبالنسبة لسيارات الركوب المجمعة فى مصر قال مصطفى إن التكلفة قد تكون العامل الأصعب فى التصدير، والعامل الآخر هو مسارات النقل للدول الأفريقية التى تضم دولًا دون شواطئ (دول داخلية/ حبيسة) بشكل يجعل نقل السيارات المستوردة إليها يستغرق وقتًا طويلًا للدوران حول أفريقيا ثم الانتقال بالنقل البري؛ لأنه لا توجد طرق مباشرة للنقل بين مصر وبعض الدول الأفريقية التى ليس لها ميناء.
ونوه بأهمية العمل على استفادة الشركات المصرية من اتفاقات الشراكة مع مختلف دول القارة من خلال فتح اتصالات قوية للوصول إلى العمق الأفريقي؛ للتغلب على المشكلات التى تواجه المستثمرين المصريين، وأبرزها اعتماد بعض المستوردين فى أفريقيا على المقايضة كأسلوب لدفع تكلفة وارداتهم من مصر أو غيرها، الأمر الذى يستلزم شركات وسيطة تقوم بتصدير السيارات ودفع التكلفة للمصانع المصرية واستيراد منتجات الدول الأفريقية الأخرى، سواء صناعية أو زراعية وإعادة بيعها فى مصر.
ولفت إلى ضرورة استغلال الفرص المتاحة من خلال صندوق دعم الصادرات الذى يشجع التصدير لأفريقيا بشكل خاص عبر تخصيص مبالغ إضافية لدعم المصدرين لتلك الدول.
فيما أكد على توفيق، رئيس رابطة الصناعات المغذية، أن مصر تخلفت فى صناعة السيارات ومكوناتها بشكل كبير عن العديد من الدول الأفريقية كالمغرب وجنوب أفريقيا وتونس التى تفوقت بشكل كبير فى هذا الجانب.
ولفت إلى أن أبرز المشكلات التى تواجه مصر حاليًّا يتمثل فى عدم احتساب المكونات المحلية بطريقة القيمة المضافة المعترَف بها عالميًّا، مشيرًا إلى أن طارق قابيل، وزير الصناعة الأسبق، اعتبر أن النسبة تساوى %17 تقريبًا، فى الوقت الذى يفترض فيه أن تكون قد وصلت إلى %47.
وأشار إلى إلغاء قرار الوزير الأسبق المتعلق بإعادة تقدير نسب المكونات المحلية، مؤكدًا أهمية تطوير الصناعات المغذية فى حد ذاتها على نحو ما فعلت دول مثل تونس، وعدم اعتبارها مجرد تابع لصناعة السيارات.
ولفت إلى أن مصر فقدت فرصًا لإقامة مصانع تابعة للشركات العالمية لصالح دول مجاورة مثل المغرب، كما لم تفلح جهود جذب فولكس فاجن إلى مصر وغيرها من الشركات الأم؛ بسبب بعض السياسات التى لا تشجع الاستثمار، فضلًا عن الظروف الاقتصادية التى لا تشجع على نمو مبيعات السيارات نتيجة ضعف القدرة الشرائية وارتفاع الفوائد على القروض.