تتعدد التوقيتات التاريخية المؤسسة لتآكل المشرق العربى الحديث، من بعد الحربين العالميتين إلى ثورات الربيع 2011، مروراً بالعديد من الانقلابات العسكرية منذ نهاية الأربعينيات إلى عشية السبعينيات، وليس انتهاء بحروب الخليج الثلاثة 1980-1991-2003، وبالتوازى مع تمادى تبعات الصراع العربى – الإسرائيلى فى تعظيم الأسباب المؤدية لتآكل الجبهة العربية المشرقية، ذلك قبل ثلاث قمم عربية توالى انعقادها خلال العامين الأخيرين بين كل من مصر والعراق والأردن، ذات العلاقة الاعتمادية فيما بينهم على الجبهة الشرقية، لربما ينعقد عليها الأمل فى إحياء مسيرة العمل العربى المشترك.. أو تبعث الحذر من مغبة الاتجاه نحو نظام شرق أوسطى على أنقاض المنظومة العربية التى كاد انهيارها يكتمل، إذ قد تكون «المشرقية العربية».. نواة لدعم التكتل العربى 6+2 شرقى السويس، وتوسيع عضويته على امتداد الرقعة الجغرافية من الدول المغاربية إلى اليمن، مرورا بسوريا ولبنان فى معاناتهما الوجودية، ذلك لو كان بمقدور التحالف المشرقى إبطال النزيف الدموى عبر هذا الستار العربى، أو أن يعجز عن تسوية المهام التى يكتنفها أقصى المصاعب، ليس أقلها خطرا ما يتصل بضم إسرائيل غور الأردن إليها، ما يعنى مضيّها فى استكمال بناء الدولة الصهيونية الكبرى التى سوف تتربع حقبتها عندئذ وسط المقومات الأمنية والسياسية للنظام الشرق أوسطى، ربما فى نسخة مزيفة من «صفقة القرن».. باسم مناسب يلقى القبول فى الشارع العربي.. رغم ضم إسرائيل إليه.
على صعيد آخر، حال صح العزم بالتآلف المشرقى .. على سطوع قبسات وحدة عربية فى الأفق طال انتظارها، أشبه ما تكون بالاتحاد الأوروبى من حيث ربط الإستراتيجية السياسية والتنمية الاقتصادية بالبعد الثقافى، وعلى النحو الذى تضمنه البيان الصادر عن قمة عمان الثلاثية أغسطس الماضى، إذ لأمكن عندئذ تشكيل نسق تكاملى حضارى لتطوير المنطقة على الغرار الأوروبى، ما يوجه الأنظار إلى صعود عربى يواجه طموحات تركيا التى أدت بها إلى نهج العزلة والعداء مع العالم، كما يواجه تغول إيران وأطماعها فى الهيمنة على القرار السياسى فى عدة عواصم عربية، أى فى التصدى لكل المشاريع الإقليمية غير العربية بشكل عام، بحيث يمكن للمشرق الجديد أن يشكل – كمثال – ممراً بديلا للنفط على غير طريق مضيق هرمز، كما يوفر مساراً للنفط العراقى إلى أوروبا بعيداً عن تركيا، كما سوف يساعد بغداد على الاستقلال بقرارها السياسى والاقتصادى عن طهران .. إلخ، ما يعنى تثبيت مفهوم الأمن القومى – السياسى العسكرى، وإلى مكافحة الإرهاب.. ومقاطعة داعميه، بحيث يمثل فى مجمله إنقاذًا للنظام العربى.. سواء من الانسحاق المحتمل داخل منظومة شرق أوسطية تروج لها الولايات المتحدة وإسرائيل منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى، أو سواء من تبعات تسلل ما اقترحه أحد الأمناء السابقين للجامعة العربية عن «روابط الجوار» – بحسب إشارته للإقليميات غير العربيات فى العام 2010، إذ إن التقارب المصرى العراقى والأردنى كفيل فى حال نجاحه أن يكون رمانة الميزان تلتف من حولها الشعوب العربية من أجل لجم تراجعها المطرد إلى ما دون خط الفقر، دون تهويل أو تهوين، وإلا فسوف ينشأ عندئذ التحام مباشر يربط تركيا وإيران .. ومن ورائهما روسيا والصين، ليس من غير المستبعد للانتهازية الإسرائيلية فى حال حدوث تحول بالنسبة للاستراتيجية الكونية الأميركية نحو آسيا – الباسيفيكى، أن تعمل تل أبيب – كما هو جار حاليا- لتأسيس روابط تحالفية موازية مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة.. كى تكون رديفاً للقوة الأميركية حال تراجع التزاماتها نحو إسرائيل التى سوف تلجأ عندئذ بدورها إلى توفيق أوضاعها القديمة والجديدة مع كل من إيران وتركيا على حساب العالم العربى الذى لم يتبق أمامه آنئذ من مفر، إزاء خطته السياسية بالتطبيع مع خصومه، إلا العمل كضرورة لإعادة صنع الدولة الوطنية العربية.. انعتاقا بها من الانكفاء، وفى اتجاه يليق بالاستبشار بالمشرق الجديد.
شريف عطية
9:06 ص, الخميس, 10 سبتمبر 20
End of current post