في بداية العام 2020 كان التفاؤل يعم أسواق العالم ابتهاجا بنهاية العديد من الخلافات التي عطلت عجلة النمو في 2019، خاصة مع توصل الولايات المتحدة والصين لتوهما من اتفاق مبدئي ينهي نزاعهما التجاري في حين حسمت بريطانيا واحدا من أكثر الملفات الضبابية “بريكست”.
التفاؤل انعكس بشكل واضح على مؤشرات الأسهم العالمية خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا التي سجلت مستويات قياسية، وفي مصر أضحت السياحة أعلى بكثير فيما بدأ الجنيه رحلة تعاف مضطردة منذ نهاية 2019.
وفي مصر أيضا كانت الحكومة تستعد لتسجيل أعلى معدل نمو في أكثر من عقد استنادا إلى “الأرقام” الجيدة التي حققها برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته منذ عام 2016 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
وكانت الحكومة قد قدرت في يناير الماضي معدل النمو بحوالي 5.9٪ للسنة المالية التي تنتهي في يونيو و6٪ للعام المالي 2020/21، وهي أرقام متوافقة مع توقعات الاقتصاديين.
لكن البداية القوية دُحرت بفعل فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”.
شكل تفشي كورونا تهديدًا واضحا لاقتصادات العالم لأن إجراءات مكافحته والتخلص منه هي إجراءات بطبيعتها معادية لمعظم أسباب إنعاش الاقتصادات.
الحجر وتقييد السفر والتنقل والهلع المصاحب لانتشار الفيروس، جميعها تؤدي إلى تراجع الاستهلاك والتصنيع والتجارة وبالتالي النمو.
وكجميع دول العالم فإن الظهور المفاجئ لكورونا من شأنه إرباك الخطط الاقتصادية لمصر خاصة تلك المتعلقة بإيرادات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، وفقا لتحليل نشرته وكالة “رويترز“.
وبحسب رويترز، فإن توقيت ظهور كورونا غير جيد بالنسبة لمصر التي لم تتمكن بعد من جذب استثمارات خارجية كافية بالتزامن مع ضعف أداء القطاع الخاص.
كما يشكل كورونا ضغطا إضافيا على الاستهلاك في مصر والذي تأثر أصلا بفعل الإجراءات التقشفية المصاحبة لبرنامج الإصلاح مثل خفض قيمة العملة ودعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة.
وقال محللون لرويترز إن انتشار الفيروس يضر القطاع السياحي في مصر، كما يمكن أن يؤدي تراجع التجارة العالمية إلى التأثير على إيرادات قناة السويس التي بلغت 5.7 مليار دولار في عام 2019.
وكانت مصر قد أبلغت عن 59 حالة إصابة بكورونا بينها 45 حالة كانت على متن سفينة سياحية على نهر النيل في الأقصر، والتي تعد معابدها الفرعونية عامل جذب سياحي كبير.
كما أبلغت القاهرة عن وفاة سائح ألماني بكورونا.
“نحن في منتصف شيء ما”
“نحن في منتصف شيء ما”، يقول أنجوس بلير، رئيس مجلس إدارة مركز الأعمال والتنبؤ الاقتصادي Signet ، مشيرا إلى أن هذا الشيء “ما زال يتطور”.
وبرغم أن تأثير انخفاض أسعار النفط سيكون محايدًا بالنسبة لمصر لأن فاتورة استيراده التي تبلغ 15.5 مليار دولار تعادل فعليًا ما تكسبه من الصادرات، إلا أن الضرر قد يأتي من مكان آخر.
ويقول بلير إن تحويلات العاملين المصريين في الخارج والتي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار سنويا قد تنخفض إذا قلصت دول الخليج وهي أكبر مشغل للمغتربين المصريين، من مشاريعها.
وكانت بعض دول الخليج قد علقت رحلاتها إلى مصر وطلبت شهادات تثبت خلو القادمين منها من فيروس كورونا.
سيناريو متشائم
فاروق سوسة كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس، بدا أكثر تشاؤما حيث قال إن المخاطر السلبية “تبدو كبيرة”.
وتابع: “من المرجح بشكل كبير أننا سنذهب إلى سيناريو الهبوط”.
وأوضح: “إذا حدث انخفاضًا بنسبة 50٪ في السياحة خلال أشهر مارس وأبريل ومايو ويونيو، فمن المرجح أن يتضرر نمو الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 2٪ للسنة المالية 2019/20”.
وتابع: “هذا يعني أن العام المالي الحالي سينتهي بنسبة نمو تقارب 3.5% فقط”.
وتحتاج مصر إلى نسبة نمو لا تقل عن 7.5% لاستيعاب العدد الكبير من الداخلين إلى سوق العمل والذين يقدرون بنحو 700 الف شخص سنويا.
السيناريو المتشائم قد لا يكون مرجحا بالنظر إلى الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، اليوم، والتي قال فيها إن شهر فبراير الماضي شهد استقبال مصر ما يقرب من 900 ألف سائح أجنبي بزيادة 4% عن الشهر ذاته من عام 2019.
وأضاف العناني خلال مؤتمر صحفي بمقر وزارة الإعلام، إنه خلال أول أسبوع من شهر مارس الجاري زار مصر نحو 210 آلاف سائح، وقال إن هذه الأعداد “تسير وفق المعدل الطبيعي”.
ومن بين أكبر الأسئلة المتعلقة بتأثير كورونا على مصر ذلك المتعلق باستمرار تدفق الأموال الساخنة على مصر التي تمتعت بمكانة جيدة باعتبارها من الأسواق الناشئة محبوبة منذ خطة صندوق النقد الدولي، إذا ما تعرضت مصادر دخلها الرئيسية للخطر.
وقال ريتشارد هاوس ، كبير مديري التسويق في الأسواق الناشئة بمؤسسة أليانز جلوبال إنفيستورز، إن الفيروس سيؤثر بشكل كير على مكانة مصر كسوق مفضلة.
لكنه استطرد: “في النهاية عليك أن تضع أموالك في مكان ما .. ومصر لا تزال قصة جيدة لكنني قد اشعر بالقلق إزاء الاستثمار في سندات بالعملة المحلية”.