فى يتميز العرض بمرونة فائقة تؤثر سلبًا على المنافسة الرشيدة وتدفعها إلى نطاق آخر تحكمه المضاربة العشوائية ونتائجها المعلومة من رداءة المنتج وخسارة جميع الأطراف فى نهاية المطاف.
وحتى تحتفظ المنظمة التأمينية سواء كانت أو وساطة أو استشارات أو غيرها برشدها وتحسم المنافسة لصالحها، فلا سبيل أمامها غير التميز، ليس فقط فى الخدمة أو المنتج الذى تقدمه بل التميز فى الدافع والهدف، فى الوسيلة والطريق، لابد من العلو فوق المعتاد، فوق ما يستطيعه الآخرون وذلك يستلزم ليس فقط القضاء على سلبيات وانحرافات الأداء، فذلك بداهة خطوة بدائية كذلك أيضا يتعدى التفكير فى الابتكار والتحديث فقد بات ذلك من ضرورات الواقع الجديد.
إذا فالأمر بالغ التعقيد، لأنه يعنى السمو فوق كل ما تقدم، وذلك يتحقق وفق أحدث دراسات الفكر الإستراتيجى بتبنى عناصر الرقى ومنها عنصر ، وقد يراها البعض أنها تلقائية الوجود، ولكن على مستوى التطبيق، تأخذ بُعدًا آخر له التزاماته بل قد يُنظر إليها على أنها سباحة ضد تيار الواقع الذى أهدر فى أغلب الأحيان الأبعاد الإنسانية وغّلب عليها الأبعاد المادية رغم أنه سيتضح فيما بعد أن الاهتمام بأخلاقيات المهنة يُحقق أعلى مصلحة مادية دائمة.
وبداية يجب إيضاح المقصود بأخلاقيات العمل، ومتى وكيف يمكن الحكم على عمل ما أنه أخلاقى ؟
فأخلاقيات العمل، تهدف إلى الرقى بأسلوب العمل من جهة الممارسة والأهداف بمراعاة الأبعاد الإنسانية دون تمييز من أى نوع ودون تفريط فى أسس الانضباط وأصوله، وللحكم على عمل ما بأنه من عدمه يجب أن يخضع للاختبارات الآتية:
1 – الاستمرار والاعتياد:
فالأداء اليومى المعتاد هو أحد معايير الحكم على عمل ما أنه أخلاقى من عدمه، وليس الحالات الخاصة التى تلقى عناية خاصة لسببِ أو أخر، كذلك أسلوب مواجهة ، فهو أيضا اختبار مهم لأخلاقيات العمل..إجمالًا يجب أن تُصبح أخلاقيات العمل أسلوب حياة وليس إجراءً استثنائيا يتم أحيانا، فالقرار الأخلاقى يجب أن يكون نظامًا ثابتًا.
2 – الدوافع:
لا تكفى الظواهر للحكم على عمل ما بأنه أخلاقى، ولكن الأمر يأخذ بُعدًا أعمق بفحص ، إذ لابد أن تكون متوافقة أخلاقيًا، وإلا أصبحت الإدارة ممارسَة للرياء تتشكل حسب الاتجاهات الشخصية وتتغير بتغير القيادة مما يجعل الأداء يتأرجح وفق اجتهاد المرائين
3 – الوسيلة:
واضح هنا ضرورة البُعد عن – الغاية تُبرر الوسيلة – فأخلاقيات العمل ترفض تمامًا تحقيق الأهداف مهما تكن قيمتها بأساليب غير أخلاقية.
4 – الأهداف:
تهدف إلى تحقيق النجاح، فالدراسات الحديثة لا تعتبر أخلاقيات العمل دعوة إلى القيم و المُثل العليا فى ذاتها، كذلك لاتعتبرها عقيدًة أو نابعًة من عقيدِة بذاتها،أيضا ليست هى تضحية لذاتها، وإنما تهدف إلى النجاح فى العمل بمقياس تعظيم القيمة للمالك على المدى البعيد، وهو تطبيق القاعدة المعروفة بأن النجاح ليس فقط بلوغ القمة وإنما البقاء فيها .
وهنا نصل إلى نموذج القرار الأخلاقى فهو: The Ethical Decision Model
- يحدد المشكلة ويضع طرق حلها .
- ينظم المعلومة لخدمة الحل.
- يوظف المبادىء الأخلاقية لخدمة القرار السليم.
إذ يشترط أن يكون بالطريقة الصحيحة وبالدافع الصحيح وللهدف الصحيح، فلايمكن أن تكون هناك مقاصد نبيلًة لأفعال منحرفة وفاسدة.
ويشمل نطاق تطبيق القرار الأخلاقى كل أنشطة المنظمة، فلا يقف عند التعامل مع العملاء بل والعاملين فى تعيينهم وتحفيزهم، وحتى عند الاستغناء عنهم ويمتد إلى عرض المعلومات عن المنظمة أيا تكن خاصة القوائم المالية التى لابد أن تتسم بدقة القواعد الحاكمة لها وصحة المعلومات المعروضه، لأن هناك من يظن أن تجميل أى معلومات عن المنظمة أو شروط وثائقها أو إعلاناتها لايمثل خرقًا لأخلاقيات العمل مادام لم ينتج عنه أى ضررِ حتى لو جانبه الصواب و الحق وهو ما يعبر عنه أنه “Victimless Crime”.
وفيما يلى نقوم بتطبيق القرار الأخلاقى على العملية التأمينية:
أولا: فى التسويق:
لا أتحدث هنا عن دور وواجباته وحقوقه، فقد نظمها قانون الإشراف والرقابة على التأمين رقم 10 لسنة 1981 وتعديلاته وأسهب فيها مشروع القانون الجديد.
وطبيعة القانون أنه يعالج ، أما القرار الأخلاقى فيعلو بالأداء إلى آفاق أرحب وأسمى، فمثلا يجب أن يتصف الوسيط بالأمانة التى لا تقف عند توريد قسط التأمين الذى يقوم بتحصيله من العميل إلى شركة التأمين، بل تتعدى ذلك إلى جميع مراحل التعامل فالأمانة مطلوبة فى دراسته لاحتياجات العميل ومطلوبة فى الإفصاح عما يعلمه وما يجهله، فلا يدعى العلم بما لايعلم مع ضرورة أن يجتهد فى أن يعلم كل ما هو لازم لعملائه، كذلك الأمانة مطلوبة فى إبلاغ شركة التأمين برغبات العميل وكل الحقائق التى يعلمها عن الخطر الذى يطلب تغطيته.
والأمانة مطلوبة فى تقديم النصح للعميل، بشأن ما يحتاجه فعلًا من فيجب أن يشعر العميل أن وسيط التأمين لايغُلب أى مصلحة على الأخرى سواء مصلحة الوسيط أو مصلحة شركة التأمين أو حتى مصلحة العميل نفسه، بل يتعامل بلياقة وعدالة، و تمتد أمانة الوسيط قِبل العميل حتى لو انقطعت صلته به فلا يكشف ولا يفصح عما يعلمه عن العميل خاصة لمنافسيه أو لأى جهة غير مختصة.
ولوسيط كأى فرد فى منظمة علاقات عدة، منها ما هو أفقى مع زملائه، وما هو فوقى مع المشرفين عن أعماله، ويجب أن تحكم هذه العلاقات ليس فقط الالتزام القانونى فهو غالبًا يقف عند الحد السلبى، أما القرار الأخلاقى فيتعدى ذلك إلى احترام الأبعاد الإنسانية للمرءوس والزميل والرئيس بصدق ودون رياء، فلا يتعدى أى وسيط على عمليات زملائه، أو يشكك فى قدراتهم أو أخلاقياتهم سواء داخل أو خارج المنظمة سواء بالقول أو بالفعل أو حتى بالإيحاء بأى صورة.
ثانيا: فى الاكتتاب:
يتلخص دور فى تلقى طلب العملاء، إما منهم مباشرة أو من خلال الوسيط، ثم يطلب المعلومات اللازمة لدراسة الخطر وقد يقوم أو يكلف من يقوم بإجراء معاينة ميدانية.. إلخ، وبناءً على ذلك يقوم بوضع الشروط والسعر المناسبين للتغطية… إلخ، وهنا يتحتم التزام المكتتب بالعدالة ضمن المفهوم الأخلاقى، وكذلك الشفافية فى تعاملاته مع العميل والوسيط وفى صياغة الشروط الفنية والتى يجب أن تكون واضحة ومفهومة للعميل وألا تؤدى إلى إهدار التغطية أو تضييق نطاقها بأكثر مما ينبغى وبما لايتناسب مع السعر العادل.
كذلك يجب ألا يكشف المكتتب أسرار لمنافسيهم، أو لوسطاء أخرين وألا يفرض سياجًا حول العميل يمنعه من الحصول على مزايا أفضل من منافسى المكتتب، أو أن تقوم شركة التأمين بالاتفاق مع الشركات الأخرى للتأثير على وضع العميل التفاوضى معها، فضلًا عن أن القانون يمنع أى إجراء يؤدى إلى ظهور نمط احتكارى فى سوق التأمين المصرية، فإنه ضرورة أخلاقية ألا تحاول شركات التأمين التفكير فى ذلك لمواجهة المنافسة فيما بينها.
وفضلا عن الضوابط التى وضعها القانون للإعلان فى مجال التأمين فإن الالتزام بالبُعد الأخلاقى يعلو إلى ما هو أفضل وأرقى فى الأمانة والإفصاح.
ثالثا: فى التعويضات:
لعله يصبح لغوًا الحديث عن تجنب الغش فى المطالبة من قِبل العميل أو إهدار حق العميل من جانب، وسلوك الوسيط مع أى منهما ونحن بصدد البُعد الأخلاقى، فنحن نبحث فيما هو أرقى مهنيًا وإنسانيًا. ولما كان التفاوض هو المحك الرئيسى فى تسوية التعويضات فإن الالتزام بالُبعد الأخلاقى يوجب على أطراف التفاوض عدم استخدام أى عوامل ضاغطة على الطرف الآخر بما فيها عنصر الزمن أو استغلال أى ظروف مضادة أو حتى التلويح بها للحصول على ميزة تفاوضية، ناهيك عن عدم مشروعية الكذب والتحايل والمغالاة فى أى اتجاه للحصول على مكسب على حساب موضوعية التسوية أو استغلال عدم علم الطرف الآخر بكامل حقوقه بالسمو فوق المبدأ القانونى الذى لايحمى الجهل بالقانون وما يوجبه، بل يجب أن تتسم المراسلات والاتصالات والحوار بشأن التعويض باللياقة حتى فى حالة الاختلاف البين لأن الخلاف سينتهى ويبقى أثر المراسلات وفحواها والاتصالات وأسلوبها عالقا فى الأذهان والمشاعر ويؤثر بالضرورة فى القرار التالى وهو البقاء أو الرحيل.
رابعا: فى إعادة التأمين:
،هى عملية تأمين لشركة تأمين وينطبق على عقد إعادة التأمين بشكل أو بآخر مبادىء التأمين ومنها مبدأ منتهى حُسن النية، وهذا المبدأ مُلزم لطرفى العقد أى شركة التأمين وشركة إعادة التأمين ويترتب عليه:
1 – الالتزام بالإفصاح الكامل عن كل ما هو جوهرى فى العلاقة بين الطرفين، ولكونهما متخصصين فى مجالهما فهما أقدر على تعريف ما هو جوهرى وما هو غير ذلك.
2 – الأمانة فى عرض المعلومات والبيانات وكافة التعاملات.
3 – الاتزام بأسس التفاوض الأخلاقى وليس القانونى فقط وقد أسهبنا فيها.
وقد يلجأ أحد أطراف العلاقة إلى استخدام وسيط وهو عادة يُعتبر وكيل الشركة المُسندة – – رغم أنه يتقاضى عمولته من شركة الإعادة، وهو أيضا فضلًا عن التزامه بمسئولياته التعاقدية فهو أيضا مُلزم بأخلاقيات المهنة من حيث الإفصاح والأمانة وهى مؤثرة بدرجة كبيرة فى العلاقة، نظرًا لأنه قد يكون الواجهة الوحيدة مما يجعل الخطر المعنوى ذا درجة عالية الخطورة ويُصبح البُعد الأخلاقى ضرورة لا رفاهية.
وختامًا فإننى أرى أن القرار الأخلاقى فى كل مناحى الحياة ضرورة، وبالأخص فى مجال الذى يُعتبر أكثر حساسية من أى مجال.. بل أقول لمن يتعلقون بشماعة تراجع الوعى التأمينى إن أكثر أساتذة التأمين والعاملين بقطاع التأمين – إلا قليلا – ليسوا من المؤمن لهم باختيارهم ؟! ويمكنكم التأكد من ذلك بكل الطرق.
ومع خالص التقدير للجهد التشريعى، حتى لو صاحبه الحزم والعدالة فى التطبيق – وهذا ما نأمله – إلا أنه بقليلِ من مواجهة الذات بلا مواربة وبأمانة تامة، وعقل مستنير وضمير مهنى حى، سنجد أن.