نذر بصيص أمل لاستعادة صلابة المنظومة العربية

نذر بصيص أمل لاستعادة صلابة المنظومة العربية
شريف عطية

شريف عطية

6:23 ص, الثلاثاء, 23 مارس 21

من المتفق عليه بادئ ذى بدء، بقاء النظام الدولى مرتبكًا، وفى حالة سيولة مشهودة تهدد الاستقرار العالمى، ما بقى الشرق الأوسط قلقًا متوترًا؛ ليس بسبب صراع القوى الكبرى من حوله فحسب، بل أيضًا ما دام «المركز» العربى مهمشًا.. فيما تتولى «الأطراف» غير العربيات التنافس على مقدراته التاريخية والجغرافية، ذلك بالتوازى مع تصاعد التوتر الراهن بين واشنطن وكل من موسكو وبكين، بحيث من المفترض للعقل السياسى للمنظومة العربية التحوط فى التعامل بحكمة مع تلك التقاطعات الإقليمية والدولية.. كى تنتزع لنفسها المركز اللائق بها من بين الأصابع القابضة عليه من جانب خصومها السياسيين، سواء فى داخل الإقليم أو من خارجه، بسيان، الأمر الذى يستبين بالفعل من خلال متابعة تطور الأحداث الراهنة بالمنطقة، إذ تتجه المنظومة العربية (مع عيدها الماسي) صوب المزيد من صعوبة مواقفها، سواء فى العلاقات البينية لوحداتها السياسية، أو على صعيد تحركاتها الخارجية، ذلك من بعد تأرجح مسيرتها خلال مراحل سابقة بين الشيء ونقيضه، ما بين الفرقة والتضامن، ما بين الغيرة الدبلوماسية أو التوحد فى مواجهة الأخطار.. إلخ، ذلك منذ باشرت الدبلوماسية الشخصية لملك مصر فى الأربعينيات دورها فى رأب الخلافات بين الحكام والسياسيين العرب إيذانًا بالاتفاق على إعلان تشكيل جامعة الدول العربية 1945، ومن بعد على توقيع اتفاقية الدفاع العربى المشترك فى العام 1951، ثم إلى تشكيل جبهة موحدة فى منتصف الخمسينيات لمواجهة سياسة الأحلاف الأجنبية، وفى التصدى للعدوان الثلاثى على مصر، ذلك قبل زيارة أول حاكم عربى (سعود) للبيت الأبيض 1957.. فى إطار حملة إعلامية أميركية للترويج لمشروع «أيزنهاور» ملء الفراغ فى الشرق الأوسط، ما أدى إلى نشوب حرب باردة عربية انعكست توابع خشونتها على دولة الوحدة بين مصر وسوريا 58 – 1961، وفى الحرب اليمنية 62- 1967، وما إلى غير ذلك من نزاعات بين القومية والإسلاموية، وبين التقدميين والمحافظين.. إلخ، كان من الطبيعى ألا يغيب عن إسرائيل انتهازها فى شن الحرب على ثلاث دول عربية 1967، بحيث لم يكن من بدّ أمام المنظومة العربية وقتئذ إلا التماسك مجددًا لمواجهة الهجمة الصهيونية التى باتت تشملهم جميعًا، إلى أن تحقَّق للعرب الانتصار عليها جزئيًّا- بصفة مؤقتة فى العام 1973 – وإلى ارتقائهم من ثم إلى مرتبة القوة السادسة فى العالم، وفق ما قيل وقتئذ، إلا سرعان ما تجددت أسباب التنازع على مركز القيادة للقرار العربي.. التى حالت دون زخم توظيف ما تحقق فى 1973، مرورًا بانعزال مصر طوال الثمانينيات التى شهدت بدورها بداية حروب الخليج الثلاث حتى غزو العراق فى 2003، إيذانًا بتبعثر العمل العربى المشترك إلى أدنى مستوياته فى إطار من «الفوضى الخلاقة» التى مهّدت الطريق لبدء نكبات «الربيع العربى» طوال العقد الأخير، إذ ربما تكون وراء اتجاه العرب منذئذ إلى محاولات التوحد مجددًا على غرار تضامنهم فى سنوات التصدى 67 – 1973، ذلك لمواجهة التقاطعات الراهنة الإقليمية والدولية التى تستهدف ذوبانهم فى إطار منظومات أكبر من «روابط الجوار»، أو وفقًا لمشروع الشرق الأوسط «الموسع»، يكون العرب فى سياقهما الطرف التابع الضعيف، إلا أن تبادر المنظومة العربية بمراجعة أولوياتها على النحو الإيجابى المشهود فى الآونة الأخيرة. إلى ذلك، ومن بعد التطرق سالفًا إلى حرج وضعية المنظومة العربية وسط شرق أوسط قلق ومتوتر، نظرًا لصراعات دولية وأطماع إقليمية، فقد اتجهت كل من مصر والأردن والعراق، إلى التعاون فى مجالات مختلفة لإحياء الجبهة الشرقية العربية فيما يطلق عليها «المشرق الجديد»، القابلة للتوسع، ذلك قبل انعقاد القمة الخليجية الأخيرة لتأكيد ارتباط الأمن القومى المصرى بالأمن الخليجى، كما إلى مراجعة «الرباعية العربية» فتح الأبواب المُوصَدة من جانبها مع قطر التى قد يمثل التزامها بعدم التدخل فى الشئون الداخلية لجيرانها نقلة نوعية فى العمل العربى المشترك، الأمر الذى يتوازى من جانب آخر مع اتجاه دول عربية إلى تنشيط ما يُعرَف بمفاوضات «متعددة المسار» مع إسرائيل وفقًا لتوصيات مؤتمر مدريد الدولى للسلام 1991، ما سوف ينعكس بالضرورة إذا خلصت النوايا إلى وضع المبادرة العربية للسلام 2002 (الأرض مقابل السلام)، موضع التطبيق، كمشروطية عربية مفترضة نحو تطبيع ليس غير بارد مع الدولة العبرية التى تتجه- بعد طول لأي- إلى القبول- تحت ضغط أميركى مرتقب- بدولة فلسطينية إلى جوارها، ما سوف ينعكس آنئذ على سحب الذرائع من جانب تركيا (وإيران)، فى تبنّى القضية الفلسطينية نيابة عن العرب (المتقاعسين)، كما لم يكن من المفاجأة تمامًا فى ضوء تنامى التماسك العربى فى مواجهة تركيا.. إبداء الأخيرة رغبتها فى تحسين العلاقات مع كل من مصر والسعودية ودولة الإمارات، ذلك فيما تبقى العلاقات العربية مع إيران (وإثيوبيا).. رهن اتصالات دولية جارية معهما على قدم وساق، وبانتظام ما سوف تسفر عنها ضمنًا بالنسبة لموقف المنظومة العربية التى لولا تحركاتها الأخيرة، البينية والخارجية، مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، لما لاحت فى الأفق نُذر بصيص الأمل نحو استعادة صلابة المنظومة العربية