مع تسارع الطلب العالمي على الطاقة المتجددة تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في طليعة هذا التحول مستغلة وفرة أشعة الشمس لإطلاق ثورة في مجال الطاقة الشمسية، ومن بين مختلف التقنيات الشمسية تبرز أنظمة الشمس المتكافئة أو ما يعرف بالطاقة الشمسية المركزة (CSP) التي تستخدم مرايا مكافئة لتركيز أشعة الشمس في نقطة واحدة كحل واعد يتجاوز الأداء التقليدي للألواح الكهروضوئية التي تحول الضوء مباشرة إلى كهرباء.
ولكن مع بروز هذه التقنية تتزايد الأسئلة حول مدى جاهزية قطاع التأمين وإعادة التأمين في المنطقة لدعم وتغطية هذا الابتكار.
وبفضل الصحاري الواسعة ومستويات الإشعاع الشمسي العالية تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثالية لمشاريع الطاقة الشمسية، وقد استثمرت دول مثل السعودية والإمارات والمغرب بالفعل بشكل كبير في الطاقة الشمسية، ما وضعها في طليعة الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة وتخلق المزايا الطبيعية للمنطقة إلى جانب السياسات الحكومية الطموح التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية وتنويع مصادر الطاقة.
التحديات والفرص لقطاع التأمين وإعادة التأمين
“أماني الماحي” رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروأسيوي للتحكيم الدولي، أوضحت لـ”المال” أن تقنية الشمس المتكافئة تتضمن مجموعة من المخاطر التي يجب أن يتناولها قطاع التأمين وإعادة التأمين على عكس تقنية الكهروضوئيات الناضجة نسبيًا، إذ لا تزال أنظمة الطاقة الشمسية المركزة تتطور مع وجود شكوك حول أدائها على المدى الطويل واحتياجات الصيانة وإمكانية حدوث إخفاقات تقنية، ويجب على شركات التأمين النظر في المخاطر المرتبطة بالمكونات المعقدة لأنظمة الطاقة الشمسية المركزة، مثل المرايا المكافئة والسوائل الناقلة للحرارة وآليات تخزين الطاقة، إضافة إلى أن الطبيعة الواسعة النطاق لمحطات الطاقة الشمسية المركزة تعني أن أي فشل تشغيلي قد يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.
وأضافت أن مناخ المنطقة العربية مناسب للطاقة الشمسية، إلا أنه يقدم تحديات فريدة، فالحرارة الشديدة والعواصف الرملية وتراكم الرمال يمكن أن تؤثر على كفاءة واستدامة أنظمة الطاقة الشمسية المركزة، ويجب على شركات التأمين تقييم تأثير هذه العوامل البيئية على أداء وطول عمر تقنية الشمس المتكافئة، علاوة على أن التغير المناخي على المدى الطويل مثل زيادة درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس يؤدي إلى تقديم مخاطر جديدة يجب أخذها في الاعتبار في سياسات الاكتتاب.
وأوضحت أن حكومات المنطقة تعمل بشكل متزايد على تنفيذ سياسات ولوائح لتعزيز الطاقة المتجددة، ومع ذلك، لا يزال الإطار التنظيمي قيد التطور وقد توجد شكوك حول الأطر القانونية والمالية التي تحكم مشاريع الطاقة الشمسية المركزة ويحتاج قطاع التأمين إلى البقاء على اطلاع على التغيرات في اللوائح، بما في ذلك تلك المتعلقة باستخدام الأراضي وتقييم التأثير البيئي ودمج الشبكات لتقييم وتحديد أسعار المخاطر المرتبطة بتقنية الشمس المتكافئة بدقة.
وذكرت أن التكاليف الرأسمالية العالية المرتبطة ببناء وصيانة محطات الطاقة الشمسية تبث الرعب في قلوب المستثمرين والمطورين، بينما يلعب قطاع التأمين دورًا حيويًا في تخفيف هذه المخاطر، من خلال توفير التغطية لمخاطر البناء والتشغيل والانقطاع عن العمل، ومع ذلك قد تؤدي حداثة تقنية الشمس المتكافئة إلى تحديات في تقييم الجدوى المالية للمشاريع بدقة، ما يتطلب من شركات التأمين تطوير نماذج ومناهج جديدة للاكتتاب.
والجراف التالي يبين الدول الأعلى في قيم علامات شركات التأمين في 2022، وفق “براند فاينانس”:
جاهزية قطاع التأمين وإعادة التأمين في المنطقة العربية
وبينت “الماحي” أن قطاع التأمين وإعادة التأمين في المنطقة يتكيف تدريجيًا مع الطلب المتزايد على تغطية الطاقة المتجددة، ومع ذلك كان التركيز بشكل أساسي على التقنيات الأكثر رسوخًا، مثل الألواح الكهروضوئية وتوربينات الرياح، بينما يتطلب بروز تقنية الشمس المتكافئة تحولًا في التركيز وتطوير منتجات متخصصة تتماشى مع المخاطر الفريدة المرتبطة بأنظمة الطاقة الشمسية المركزة.
وأشارت إلى أن الاكتتاب الفعال لمشاريع الشمس المتكافئة يوجب على قطاع التأمين وإعادة التأمين في المنطقة الاستثمار في بناء الخبرات والقدرات، ويشمل ذلك تدريب المكتتبين ومعالجي المطالبات والمهندسين على الجوانب التقنية لتقنية الطاقة الشمسية المركزة والمخاطر المرتبطة بها، بينما يمكن أن تسهل الشراكات مع شركات التأمين العالمية وخبراء التكنولوجيا نقل المعرفة ومساعدة قطاع التأمين في المنطقة على البقاء في طليعة التطور.
وأوضحت أن قطاع التأمين وإعادة التأمين يقدم فرصة لتطوير منتجات مبتكرة تلبي الاحتياجات الخاصة بمشاريع الشمس المتكافئة، يمكن أن تشمل هذه الحلول التأمينات البارامترية التي تقدم تعويضات سريعة بناءً على محفزات محددة مسبقًا، مثل انخفاض مستويات الإشعاع الشمسي أو تعطل المعدات، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقديم ضمانات الأداء والكفالات لضمان تلبية محطات الطاقة الشمسية المركزة للتوقعات من حيث إنتاج الطاقة، ما يوفر الأمان المالي للمستثمرين والمطورين.
وذكرت أن تعقيد وحجم مشاريع الشمس المتكافئة يجعل التعاون بين شركات التأمين وإعادة التأمين ومطوري المشروعات والحكومات ضروريا، بينما يمكن أن تساعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص في توزيع المخاطر وتوفير الدعم المالي اللازم لدعم مشروعات الطاقة الشمسية المركزة على نطاق واسع، إضافة إلى تسهيل التعاونات الإقليمية والدولية وتبادل أفضل الممارسات وتطوير منتجات تأمين موحدة لمشروعات الطاقة المتجددة.
وأفادت بأن صعود تقنية الشمس المتكافئة يعد فرصة كبيرة للمنطقة العربية لتعزيز مكانتها كقائد عالمي في مجال الطاقة المتجددة، ومع ذلك فإن نجاح نشر هذه التقنية يعتمد على جاهزية قطاع التأمين وإعادة التأمين لدعم وتغطية هذه المشاريع من خلال تناول المخاطر التكنولوجية والبيئية والتنظيمية والمالية المرتبطة بأنظمة الطاقة الشمسية المركزة، بينما يمكن لقطاع التأمين في المنطقة أن يلعب دورًا محوريًا في تمكين التحول نحو مستقبل طاقي مستدام.
واستطردت أن قطاع التأمين وإعادة التأمين يجب أن يتطور لمواجهة التحديات والفرص التي تطرحها التقنيات الناشئة، مثل أنظمة الشمس المتكافئة مع وجود إستراتيجيات وشراكات صحيحة تمكّن المنطقة العربية من تحقيق التميز الدولي في نشر الطاقة المتجددة وإدارة المخاطر.