نحن.. بين أميركا وروسيا وصفقتهما "الفاوستية"

8:58 ص, الأحد, 17 أبريل 16

جريدة المال

المال - خاص

8:58 ص, الأحد, 17 أبريل 16

كيف يمكن تفسير مقاربات واشنطن «الهشة» مع شريكتها موسكو «غير المخلصة»، إلى حد جلوس مبعوثيهما الرئاسيين معاً فى جينيف لبحث ما يسمى مبادئ «الدستور السورى».. فى وقت يجدد فيه وزيرا خارجيتيهما التزام الهدنة السورية منذ فبراير الماضى.. لإنقاذها من الانهيار.. باستثناء مكافحة الجماعات «الإرهابية».. التى لولا خطرها الداهم على العالم ما احتاجت أميركا- ضمنًا- إلى روسيا فى حربهما على الإرهاب، ذلك لموقعها الجيوسياسى بالقرب من مصادر التوتر فى العالم.. ولتأثيرها الأكيد على العالم العربى، وهو ما يفسره- من ناحية.. إشادة الرئيس الروسى «بوتين» 4/14 الحالى بـ«تصدى مصر (وغيرها) للمتطرفين»، إلى تأكيده من ناحية ثانية استعداد بلاده التعاون مع أى رئيس أميركى مقبل «شرط تخليه عن التمسك بفكرة الوضع الاستثنائى للولايات المتحدة»، مستطرداً «حتى نكون قادرين على إيجاد حلول توافقية ترضى الجميع»، مثنياً على إقرار الرئيس الأميركى بأخطاء ارتكبتها دول أوروبية غربية فى ليبيا.. معتبراً ذلك «دليلاً على أنه شخص نزيه ومحترم»، وليؤكد- بوتين- من ناحية ثالثة رهان بلاده على التسوية السياسية فى سوريا.. كمخرج من هذه الأزمة، كما لم يغب عنه فى ضوء تخفيض الكونجرس الأميركى حجم التسليح الأميركى للسعودية، أن يشير إلى ازدياد الطلب على الأسلحة الروسية «بشكل حاد» على مستوى العالم (جرى فى يونيو الماضى توقيع 6 اتفاقيات استراتيجية بين روسيا والسعودية، بحضور مصري)، وليؤكد فى النهاية تصميمه على القضاء على منظمات معترف بها دولياً بأنها إرهابية، الأمر الذى يتوازى زمنياً مع الزيارة الرابعة للرئيس «أوباما» إلى السعودية للقاء زعماء الخليج 20 أبريل المقبل.. لبحث الاستقرار الإقليمى.. والحرب على «داعش».. التى يتطلب «تدميرها» – بحسب الرئيس «أوباما»- حلاً سياسياً يتمثل فى إنهاء الحرب فى سوريا، وبين هذا وذلك فى غمرة المسائل المعلقة.. يدور الجدل بين أميركا وروسيا- حول وضع يعادل وزنيهما فى إدارة الأزمات الكبرى الدولية .

إلى ذلك، وعلى غرار مناسبات سياسية سابقة جمعت بين قادة العالم الصناعى، ينتقد الرئيس الأميركى- عامداً- قبل أيام.. حلفاء أطلسيين، وإلى حد التجاهل أحياناً أخرى، ذلك فيما الاتصال شبه يومى تقريباً بين البيت الأبيض والكرملين.. حيث تتمثل مصالح واشنطن فى المقاربة مع موسكو- بوتين- الذى بدا أن دوره فاعل فى الإبقاء على وحدة المحور المناهض لأميركا، الأمر الذى أصبح مفهوماً من قبل واشنطن، خاصة من بعد أن نجح- بوتين- أن يصبح نداً حقيقياً فى نادى زعماء العالم خلال سنوات وجيزة.. بوصفه أكثر تنظيماً وعزماً على تحقيق أهداف بلاده، وهى التى تقف بفاعلية إلى جانب المجتمع الغربى فى الحرب ضد التهديد العالمى الجديد، ومع ذلك وبالرغم منه.. فإن الحكومات الغربية، لأسبابها، لا تبدى الاستعداد الكافى لإدماج روسيا فى منطقتها على مدى ربع القرن الأخير، سواء من الحكام الليبراليين أو المحافظين بسيان، إذ مازالوا ينظرون إلى روسيا «المنفتحة» من منظور ذكرياتها السوفيتية.. وكدولة غربية نظرياً عنهم، أو- بأقله- غير قابلة للتغيير- من وجهة نظرهم- وهو الأمر الذى يدفع روسيا بحسب قواعد اللعبة السياسية.. باتجاه الصين وإلى تعاونهما الاستراتيجى «المتعاظم» باطراد، ثنائياً ومن خلال مجموعة دول «بريكس».. ومنظومة «شنغهاى» للتعاون، وما إلى ذلك وغيره على امتداد العالم.. من المحور الآسيوى- المحيط الهادى، إلى أفريقيا والشرق الأوسط «الموسع»، وهو الأمر الذى يثير قلق واشنطن، لأسبابها، ويمثل أحد دوافعها الرئيسية- بجانب خطر الإرهاب- للمقاربة مع موسكو.. كهدف ليس غير نهائى، إذ إن التضارب الخفى للمصالح والآمال والأساطير لا يزال حياً.. يواكب العلاقة البرجماتية المستحدثة بينهما، إن لم تسبقها، لولا قناعات دوائر أميركية بأهمية روسيا «الأوروآسيوية» كعازل يحمى الغرب من الصين، وهو ما يشابه الصفقة «الفاوستية»- نسبة إلى تحالف «فاوست» مع الشيطان فى الرواية الألمانية المعروفة بهذا الاسم، أى على حساب القيم، يستوى فى ذلك الغربيون الذين يرغبون فى بقاء روسيا فى موقعها الحالى على الحدود الخارجية للحضارة الغربية، فيما يراها الروس بالمقابل.. من أنصار النظام الفردى الأكثر صرامة.. مبرراً للحفاظ على الديكتاتورية البيروقراطية، أى أنه اندماج ظرفى مؤقت.. يحول دون ديمومته.. غياب قيم مشتركة بين الطرفين، وإلى أن يحدث ذلك عاجلاً أو آجلاً، أو لا يحدث على الإطلاق، سوف يبقى الشرق الأوسط- كمنطقة نفوذ يسعى كلاهما للهيمنة عليها- هى الخاسر الأكبر فى إطار هذه الصفقة «الفاوستية» بين أميركا وروسيا، لا تتجاوزهما .

جريدة المال

المال - خاص

8:58 ص, الأحد, 17 أبريل 16