وبسبب عدم الثقة فى الفقهاء الدستوريين الذين يختلفون فيما بينهم على التفسيرات، فإن إحساسى الخاص بأن تخلص محمد مرسى من القيادات القديمة للقوات المسلحة التى كانت – بالدستور المكمل – قد احتفظت – ولو مؤقتًا – بسلطة التشريع، التى حولها مرسى لنفسه بقدرة قادر، مما أضاف إليه سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية الجديدة فى حال فشل الجمعية الحالية فى صياغة الدستور الجديد للبلاد، بما يعنى ضمنيًا – والله أعلم بما فى الضمائر – أن مرسى سوف يعلن قريبًا عن ذلك «الفشل » ليتولى رجاله كتابة الدستور الجديد بما يضمن للإخوان البقاء فى الحكم طويلاً، فيما هو متوقع من التلاعب بألفاظ الصياغة التى يجيدها «كتبة الدساتير » ، وهو التلاعب الذى لا يرتب جريمة، ولا حتى مخالفة، بسبب «مطاطية » الصياغات !
الغريب هو إعلان المتحدث الرسمى باسم «الإخوان المسلمين » – وهو ما يعنى أن جماعة الإخوان المسلمين التى تحكمنا فعليًا ورسميًا – أن قرار مرسى إقالة القيادات العسكرية جاء استجابة لمطالب الثورة، وتنفيذًا لوعود رئيس الجمهورية بأن يكون رئيسًا كامل الصلاحية، ولا أدرى ما علاقة المتحدث الرسمى باسم الحزب فى أعمال السيادة المصرية، ما لم يكن الرجل قد نصب نفسه – برضا الإخوان – متحدثًا رسميًا باسم رئاسة الجمهورية .
ويتخوف السياسيون المتابعون للأمر المصرى من أن تكون التعديلات «المرسيّة » الجديدة، خاصة ما يخص القوات المسلحة، هى إعادة ترتيب للمؤسسة العسكرية بشكل موال لجماعة الإخوان، وهو أمر بالغ الخطورة، وإن أشيع أن كل ما تم كان بالتوافق مع قيادات الجيش التى تمت إقالتها، وهو ما يبدو أمرًا غير معقول ولا مقبول منطقيًا .
وعلقت «تهانى الجبالى » ، نائب رئيس المحكمة الدستورية، بأن ما اتخذه الرئيس مرسى هو انقلاب على الشرعية الدستورية التى أتت به رئيسًا للجمهورية، يؤكد ذلك إلغاؤه الإعلان الدستورى المكمل، خاصة أن الرئيس ليست له صفة لإقرار وثيقة دستورية جديدة حاكمة للبلاد، وهو ما يسلب مرسى شرعية الحكم ليصبح رئيسًا غير شرعى للبلاد .
ولأن مرسى عين «اللواء العصار » عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنقلب عليه، مساعدًا لوزير الدفاع، فإن الرجل القانونى قد أفتى – خدمة لمن عينه – بأن كل القرارات الجديدة للرئيس قد استندت إلى التشاور والاتفاق مع المشير طنطاوى فيما هو غير معقول أن يتشاور الرئيس مع رجل قرر إقالته من منصبه الكبير، ما لم يكن ذلك قد تم تحت ستائر الغدر بالرجل فور انتهاء تلك التشاورات التى لا أعتقد أنها قد تمت أصلاً !
خلاصة القول أن مصر تعانى هذه الأيام – وبقسوة – من خلاف شديد فى الرأى بين الذين «يَحكمون » والذين «يُحكمون » ، وهو موقف تحدثت عنه أغنية قديمة لكوكب الشرق فى «مصر تتحدث عن نفسها » ، نحن فى موقف تعثرت الآراء فيه .. وعثرة الرأى تُردى، وما لم يقيض الله لمصر العظيمة من يقيل عثرتها من النابهين المصريين، فعلينا أن نتوقع أيامًا وليالى حالكة السواد، لا تستحقها مصر التى هى «درة الشرق » ، والتى تحدثت عنها أغنية أم كلثوم نفسها، التى تقول : أنا إن قدر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى .. لا قدر الله .. ولا كان !